الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
علىٍّ الحسنُ بنُ الهَيْثَمِ البَزَّارُ (13)، شَيْخُنا الثِّقَةُ المَأْمُونُ، قال: رأيتُ أحمدَ بن حَنْبَلٍ يُصَلِّي خَلْفَ ضَرِيرٍ يَقْرأُ على القُبُورِ. وقد رُوِيَ عن النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أنَّه قال: "مَنْ دَخَلَ المَقَابِرَ فَقَرأَ سُورَةَ يس خُفِّفَ عَنْهُمْ يَوْمَئِذٍ، وَكَانَ لَهُ بِعَدَدِ مَنْ فِيهَا حَسَنَاتٌ"(14). ورُويَ عنه عليه السلام: "مَنْ زَارَ قَبْرَ والِدَيْهِ [أوْ أحدِهما] (15)، فَقَرأَ عِنْدَهُ أوْ عِنْدَهُمَا يس غُفِرَ لَهُ"(16).
فصل:
وأيُّ قُرْبَةٍ فَعَلَها، وجَعَلَ ثَوابَها لِلْمَيِّتِ المُسْلِمِ، نَفَعَهُ ذلك، إن شاءَ اللهُ، أمَّا الدُّعَاءُ، والاسْتِغْفارُ، والصَّدَقَةُ، وأداءُ الوَاجباتِ، فلا أعلمُ فيه خِلافًا، إذا كانت الواجِباتُ ممَّا يَدْخُلُه النِّيابَةُ، وقد قال اللهُ تعالى:{وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ} (17). وقال اللهُ تعالى: {وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ} (18). ودَعَا النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم لأبي سَلَمَةَ حين ماتَ (19)، ولِلْمَيِّتِ الذي صَلَّى عليه في حديثِ عَوْفِ بن مالكٍ (20)، ولِكُلِّ مَيِّتٍ صَلَّى عليه (21). [ولِذِي الِبجادَيْنِ حتى دَفَنَه (22). وشرَع اللهُ ذلك لكلِّ مَن صَلَّى على مَيِّتٍ](23) وسَألَ رَجُلٌ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم، فقال: يا رسولَ اللَّه، إنَّ
(13) في الأصل: "البزاز". وانظر ترجمته في طبقات الحنابلة 1/ 140.
(14)
لم نجد هذا الحديث، وفي حاشية م إشارة إلى أنه ضعيف، دون بيان مصدر الحكم عليه.
(15)
سقط من: أ، م.
(16)
أخرجه ابن عدي عن أبي بكر. الكامل في ضعفاء الرجال 5/ 180. وانظر: الفتح الكبير للنبهاني 3/ 195.
(17)
سورة الحشر 10.
(18)
سورة محمد 19.
(19)
تقدم تخريجه في صفحة 365.
(20)
تقدم تخريجه في صفحة 414.
(21)
انظر ما تقدم في صفحة 413، 414.
(22)
تقدم تخريجه في صفحة 503.
(23)
سقط من: م.
أُمِّي مَاتَتْ، فيَنْفَعُها إنْ تَصَدَّقْتُ عنها؟ قال:"نَعَمْ". رَوَاهُ أبو دَاوُدَ (24). ورُوِيَ (25) ذلك عن سَعْدِ بنِ عُبادَةَ (26). وجاءتِ امْرَأَةٌ إلى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، فقالت: يا رسولَ اللَّه، إنَّ فَرِيضَةَ اللهِ في الحَجِّ أدْرَكَتْ أبي شَيْخًا كَبِيرًا، لا يَسْتَطِيعُ أن يَثْبُتَ على الرَّاحِلَةِ، أفَأَحُجُّ عنه؟ قال:"أرَأَيْتِ لَوْ كَانَ عَلَى أبِيكِ دَيْنٌ أَكُنْتِ قَاضِيَتَهُ؟ " قالت: نعم. قال: "فَدَيْنُ اللهِ أحَقُّ أنْ يُقْضَى"(27). وقال للَّذِي
(24) في: باب ما جاء في من مات من غير وصية يُتصدَّق بها، من كتاب الوصايا. سنن أبي داود 2/ 106. كما أخرجه البخاري، في: باب إذا قال أرضي أو بستاني صدقة عن أمي فهو جائز وإن لم يبين لمن ذلك، وباب ما يستحب لمن يتوفى فجأة أن يتصدقوا عنه، وباب الإشهاد في الوقف والصدقة، وباب إذا وقف أرضًا ولم يبين الحدود فهو جائز، من كتاب الوصايا. صحيح البخاري 4/ 9، 10، 13. ومسلم، في: باب وصول ثواب الصدقة عن الميت إليه، من كتاب الزكاة، وفي: باب وصول ثواب الصدقات إلى الميت، من كتاب الوصية. صحيح مسلم 2/ 696، 3/ 1254. والترمذي، في: باب ما جاء في الصدقة عن الميت، من أبواب الزكاة. عارضة الأحوذي 3/ 175. والنسائي، في: باب إذا مات الفجأة هل يستحب لأهله أن يتصدقوا عنه؟ ، وباب فضل الصدقة عن الميت، من كتاب الوصايا. المجتبى 6/ 209، 210، 211. والإِمام مالك، في: باب صدقة الحي عن الميت، من كتاب الأقضية. الموطأ 2/ 760. والإِمام أحمد، في: المسند 1/ 370، 5/ 285.
(25)
في الأصل: "ويروى".
(26)
انظر تخريجه عند كل من: البخاري، والنسائي، ومالك، وأحمد، في الحديث السابق.
(27)
جمع المصنف في هذا السياق ألفاظ حديثين:
الأول دون تشبيه الحج بالدين، والثاني بمعناه ولكن السائل رجل.
وقد أخرج الأول، البخاري، في: باب وجوب الحج وفضله، من كتاب الحج، وفي: باب الحج عمن لا يستطيع الثبوت على الراحلة، وباب حج المرأة عن الرجل، من كتاب المحصر وجزاء الصيد، وفي: باب حجة الوداع، من كتاب المغازي، وفي: باب قول اللَّه تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا. . .} إلخ، من كتاب الاستئذان. صحيح البخاري 2/ 163، 3/ 23، 5/ 322، 8/ 63. ومسلم، في: باب الحج عن العاجز لزمانة وهرم ونحوهما أو للموت، من كتاب الحج. صحيح مسلم 2/ 973، 974. وأبو داود، في: باب الرجل يحج عن غيره، من كتاب المناسك. سنن أبي داود 1/ 420. والترمذي، في: باب ما جاء في الحج عن الشيخ الكبير والميت، من أبواب الحج. عارضة الأحوذي 4/ 157. وابن ماجه، في: باب الحج عن الحي إذا لم يستطع، من كتاب المناسك. سنن ابن ماجه 2/ 971. والنسائي، في: باب حج المرأة عن الرجل، من كتاب الحج، وفي: باب الحكم بالتشبيه والتمثيل، من كتاب آداب القضاة. المجتبى 5/ 90، 8/ 200، 201. والإِمام مالك، في: باب الحج عمن يحج عنه، من كتاب الحج. الموطأ 1/ 359. =
سأله: إنَّ أُمِّي ماتَتْ، وعليها صَوْمُ شَهْرٍ، أفأصُومُ عنها؟ قال:"نَعَمْ"(28). وهذه أحاديثُ صِحَاحٌ، وفيها دَلالةٌ على انْتِفَاعِ المَيِّتِ بِسَائِرِ القُرَبِ؛ لأنَّ الصَّوْمَ والحَجَّ والدُّعاءَ والاسْتِغْفارَ عِبادَاتٌ بَدَنِيَّةٌ، وقد أوْصَلَ اللَّه نَفْعَهَا إلى المَيِّتِ، فكذلِك ما سِواهَا، مع ما ذَكَرْنا من الحديثِ في ثَوَابِ مَنْ قَرَأَ يس، وتَخْفِيفِ اللَّه تعالى عن أهْلِ المَقَابِر بِقِرَاءَتِه. ورَوَى عَمْرُو بنُ شُعَيْبٍ، عن أبِيهِ، عن جَدِّهِ، أنَّ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قال لِعَمْرِو بن الْعَاصِ:"لَوْ كَانَ أَبُوكَ مُسْلِمًا، فَأعْتَقْتُمْ عَنْهُ، أوْ تَصَدَّقْتُمْ عَنْهُ، أوْ حَجَجْتُمْ عَنْهُ، بَلَغَهُ ذَلِكَ"(29). وهذا عَامٌّ في حَجِّ التَّطَوُّعِ وغيرِه، ولأنَّه عَمَلُ بِرٍّ وطَاعَةٍ، فوَصَلَ نَفْعُه وثَوابُه (30)، كالصَّدَقَةِ والصِّيامِ والحَجِّ الوَاجِبِ. وقال الشَّافِعِيُّ: ما عَدَا الوَاجِبَ والصَّدَقَةَ والدُّعاءَ والاسْتِغْفارَ، لا يُفْعَلُ عن المَيِّتِ، ولا يَصِلُ ثَوَابُه إليه؛ لِقَوْلِ اللَّه تعالى:{وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى} (31). وقولِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: "إذا مَاتَ ابْنُ آدَمَ انْقَطَعَ عَمَلُهُ إلَّا مِنْ ثَلَاثٍ: صَدَقَةٍ جَارِيَةٍ، أو عِلْمٍ يُنْتَفَعُ بِهِ مِنْ بَعْدِه، أوْ وَلَدٍ صَالِحٍ
= وأخرج الحديث الثاني النسائي، في: باب تشبيه قضاء الحج بقضاء الدين، من كتاب الحج، وفي: باب ذكر الاختلاف على يحيى بن أبي إسحاق فيه، من كتاب آداب القضاة. المجتبى 5/ 89، 8/ 201، 202. والإِمام أحمد، في: المسند 4/ 5.
(28)
أخرجه البخاري، في: باب من مات وعليه صوم، من كتاب الصوم. صحيح البخاري 3/ 46. ومسلم، في: باب قضاء الصيام عن الميت، من كتاب الصيام. صحيح مسلم 2/ 804. والترمذي، في: باب ما جاء في المتصدق يرث صدقته، من أبواب الزكاة. عارضة الأحوذي 3/ 173. وابن ماجه، في: باب من مات وعليه صيام من نذر، من كتاب الصيام. سنن ابن ماجه 1/ 559. والإِمام أحمد، في: المسند 1/ 227، 5/ 349، 359.
(29)
أخرجه أبو داود، في: باب ما جاء في وصية الحربي يُسلم وليه أيلزمه أن ينفذها، من كتاب الوصايا. سنن أبي داود 2/ 107.
(30)
في الأصل: "بوليه".
(31)
سورة النجم 39.
يَدْعُو لَهُ" (32). ولأنَّ نَفْعَهُ لا يَتَعَدَّى فَاعِلَه، فلا يَتَعَدَّاهُ (33) ثَوَابُه. وقال بعضُهم: إذا قرئَ القُرْآنُ عندَ المَيِّتِ، أو أُهْدِيَ إليه ثَوَابُه، كان الثَّوَابُ لِقَارِئِه، ويكونُ المَيِّتُ كأنَّه حَاضِرُها، فتُرْجَى له الرَّحْمَةُ. ولَنا، ما ذَكَرْنَاهُ، وأنَّه إجْمَاعُ المسلمين؛ فإنَّهُم في كُلِّ عَصْرٍ ومِصْرٍ يَجْتَمِعُونَ ويَقْرَأونَ القُرْآنَ، ويُهْدونَ ثَوَابَهُ إلى مَوْتَاهم مِن غيرِ نَكِيرٍ (34). ولأنَّ الحَدِيثَ صَحَّ عن النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: "إنَّ الميِّتَ يُعَذَّبُ بِبُكَاءِ أَهْلِهِ عَلَيْهِ" (35). واللهُ أكْرَمُ مِن أن يُوصِلَ عُقُوَبةَ المَعْصِيَةِ إليه، ويَحْجُبَ عنه المَثُوبَةَ. ولأنَّ المُوصِلَ لِثَوَابِ ما سَلَّمُوه، قَادِرٌ على إِيصَالِ ثَوَابِ مَا مَنَعُوهُ، والآيةُ مَخْصُوصَةٌ بما سَلَّمُوه، وما اخْتَلَفْنَا فيه في مَعْنَاه، فنَقِيسُه عليه. ولا حُجَّةَ لهم في الخَبَرِ الذي احْتَجُّوا به، فإنَّما دَلَّ على انْقِطَاعِ عَمَلِه، [وليس هذا مِن عملِه](36) فلا دَلالةَ فيه عليه؛ ثم لو دَلَّ عليه لَكان (37) مَخْصُوصًا بما سَلَّمُوه، وفي مَعْنَاه ما مَنَعُوهُ، فيَتَخَصَّصُ به أيضًا بالقِياسِ عليه، وما ذَكَرُوه من المَعْنَى غيرُ صَحِيحٍ، فإنَّ تَعَدِّيَ الثوَابِ ليس بِفَرْعٍ لِتَعَدِّي النَّفْعِ، ثم هو بَاطِلٌ بالصَّوْمِ والدُّعاءِ
(32) أخرجه مسلم، في: باب ما يلحق الإِنسان من الثواب بعد وفاته، من كتاب الوصية. صحيح مسلم 3/ 1255. وأبو داود، في: باب فيما جاء في الصدقة عن الميت، من كتاب الوصايا. سنن أبي داود 2/ 106. والترمذي، في: باب في الوقف، من أبواب الأحكام. عارضة الأحوذي 6/ 144. والنسائي، في: باب فضل الصدقة عن الميت، من كتاب الوصايا، المجتبى 6/ 210. والإِمام أحمد، في: المسند 2/ 372.
(33)
في أ، م:"يتعدى".
(34)
علق محمد رشيد رضا على ذلك في حاشية م بقوله: سلك المصنف، عفا اللَّه عنه، هنا مسلك أهل الجدل، فأما دعواه الإِجماع فهي باطلة قطعا، لم يعبأ بها أحد، حتى إن المحقق ابن القيم الذي جاراه في أصل المسألة لم يدَّعها، بل صرح بما هو نص في بطلانها، وهو أنه لم يصح عن السلف شيء فيها. واعتذر عنه بأنهم كانوا يخفون أعمال البر. وانتقدنا ذلك في تفسيرنا بأنه لو كان معروفا لكان عن اعتقاد مشروعيته، وحينئذ يبلغونه ولا يكتمونه، بل لتوفرت الدواعي عنهم بالتواتر؛ لأنه من رغائب جميع الناس.
(35)
تقدم تخريجه في صفحة 492.
(36)
سقط من: م.
(37)
في أ، م:"كان".