الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
كتابُ صلاةِ الخَوْفِ
صلاةُ الخَوْفِ ثَابِتَةٌ بالكِتابِ والسُّنَّةِ؛ أما الكِتَابُ فقولُ اللهِ تعالى: {وَإِذَا كُنْتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلَاةَ} (20) الآية. وأمَّا السُّنَّةُ فثَبَتَ أنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كان يُصَلِّى صَلَاةَ الخَوْفِ، وجُمْهُورُ العُلَمَاءِ مُتَّفِقُونَ على أنَّ حُكْمَها باقٍ بعدَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم. وقال أبو يوسفَ: إنَّما كانت تَخْتَصُّ بالنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم؛ لِقَوْلِه تعالى: {وَإِذَا كُنْتَ فِيهِمْ} . وليس بِصَحِيحٍ؛ فإنَّ ما ثَبَتَ في حَقِّ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم ثَبَتَ في حَقِّنَا، ما لم يَقُمْ دَلِيلٌ على اخْتِصَاصِه به، فإنَّ اللهَ تعالى أمَرَ بِاتِّبَاعِه بقَوْلِه:{فَاتَّبِعُوهُ} (21). وسُئِلَ عن القُبْلَةِ لِلصَّائِمِ، فأجَابَ:"بأَنَّنِى (22) أَفْعَلُ ذلك"، فقال السَّائِلُ: لستَ مِثْلَنا، فغَضِبَ وقال:"إنِّي لَأَرْجُو أنْ أَكُونَ أَخْشَاكُمْ للهِ تَعَالَى، وأَعْلَمَكُمْ بِمَا أَتَّقِى"(23). ولو اخْتَصَّ بِفِعْلِهِ لَما كان الإِخْبَارُ بِفِعْلِه جَوَابًا، ولا غَضِبَ من قولِ السَّائِلِ لستَ مِثْلَنا؛ لأن قَوْلَه إذًا يكونُ صَوَابًا. وكان أصْحَابُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم يَحْتَجُّونَ بأفْعَالِ رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، ويَرَوْنَها مُعَارِضَةً لِقَوْلِه ونَاسِخَةً له، ولذلك لمَّا أخْبَرَتْ عائشةُ وأُمُّ سَلَمَةَ بَأنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كان يُصْبِحُ جُنُبًا مِن غيرِ احْتِلَامٍ، ثم يَغْتَسِلُ، ويَصُومُ ذلك اليَوْمَ (24). تَرَكُوا به خَبَرَ أبي
(20) سورة النساء 102.
(21)
سورة الأنعام 155.
(22)
في م زيادة: "لم" خطأ.
(23)
أخرجه مسلم، في: باب بيان أن القبلة في الصوم ليست محرمة على من لم تحرك شهوته، من كتاب الصيام. صحيح مسلم 2/ 779. وانظر: باب صحة صوم من طلع عليه الفجر وهو جنب، من كتاب الصيام. صحيح مسلم 2/ 781. وأبو داود، في: باب في من أصبح جنبا في شهر رمضان، من كتاب الصوم. سنن أبي داود 1/ 557. والإِمام مالك، في: باب ما جاء في صيام الذي يصبح جنبا في رمضان، من كتاب الصيام. الموطأ 1/ 289. والإِمام أحمد، في: المسند 6/ 67، 156، 245.
(24)
أخرجه البخاري، في: باب الصائم يصبح جنبا، وباب اغتسال الصائم، من كتاب الصوم. صحيح البخاري 3/ 38، 40. ومسلم، في: باب صحة صوم من طلع عليه الفجر وهو جنب، من كتاب =
هُرَيْرَةَ: "مَنْ أَصْبَحَ جُنُبًا فَلَا صَوْمَ لَهُ"(25). ولمَّا ذَكَرُوا ذلك لأبي هُرَيْرَةَ، قال: هُنَّ أعْلَمُ، إنَّما حَدَّثَنِى به الفَضْلُ بنُ عَبَّاسٍ. ورَجَعَ عن قَوْلِه. ولو لم يَكُنْ فِعْلُه حُجَّةً لِغَيْرِه لم يَكُنْ مُعارِضًا لِقَوْلِه، وأيضا فإنَّ الصَّحابَةَ، رَضِىَ اللَّه عنهم، أجْمَعُوا (26) على صلاةِ الخَوْفِ، فَرُوِىَ أن عليًّا، رَضِىَ اللهُ عنه، صَلَّى صلاةَ الخَوْفِ لَيْلَةَ الهَرِيرِ (27)، وصَلَّى أبو موسى الأشْعَرِيُّ صلاةَ الخَوْفِ بأصْحابِه (28). وَرُوِىَ أنَّ سَعِيدَ بنَ العاصِ كان أمِيرًا على الجَيْشِ بِطَبَرِسْتَانَ، فقال: أَيُّكُمْ صَلَّى مع رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم صَلَاةَ الخَوْفِ؟ فقال حُذَيْفَةُ: أنا. فَقَدَّمَهُ، فَصَلَّى بهم. (29)
= الصيام. صحيح مسلم 2/ 780، 781. والنسائي عن أم سلمة، في: باب ترك الوضوء مما غيرت النار، من كتاب الطهارة. المجتبى 1/ 90. وابن ماجه، في: باب ما جاء في الرجل يصبح جنبا وهو يريد الصيام، من كتاب الصيام. سنن ابن ماجه 1/ 543، 544. والإِمام مالك، في: باب ما جاء في صيام الذي يصبح جنبا في رمضان، من كتاب الصيام. الموطأ 1/ 289، 290. والإِمام أحمد، في: المسند 6/ 34، 36، 38، 67، 71، 99، 183، 184، 216، 229، 253، 256، 262، 279، 290، 306، 308، 310، 312، 313.
(25)
أخرجه البخاري معلقا، في: باب الصائم يصبح جنبا، من كتاب الصوم. صحيح البخاري 3/ 38. ومسلم، في: باب صحة صوم من طلع عليه الفجر وهو جنب، من كتاب الصيام. صحيح مسلم 2/ 779، 780. وابن ماجه، في: باب ما جاء في الرجل يصبح جنبا وهو يريد الصيام، من كتاب الصيام. سنن ابن ماجه 1/ 543. والإِمام مالك، في: باب ما جاء في صيام الذي يصبح جنبا في رمضان، من كتاب الصيام. الموطأ 1/ 290، 291. والإِمام أحمد، في: المسند 6/ 184، 203، 266.
(26)
في الأصل: "اجتمعوا".
(27)
في النسخ: "الهدير". وليلة الهرير في حرب صفين، بين على ومعاوية، اقتتل الناس تلك الليلة حتى الصباح، حتى تقصفت الرماح، ونفد النبل، وصار الناس إلى السيوف، انظر خبرها في: تاريخ الطبري 5/ 47.
وأخرج البيهقي هذا، في: باب الدليل على ثبوت صلاة الخوف وأنها لم تنسخ، من كتاب صلاة الخوف. السنن الكبرى 3/ 252.
(28)
أخرجه ابن أبي شيبة، في: باب في صلاة الخوف كم هي، من كتاب الصلوات. المصنف 2/ 400. كما أخرجه البيهقي في الباب السابق.
(29)
أخرجه أبو داود، في: باب من قال يصلى بكل طائفة ركعة ولا يقضون، من كتاب الصلاة. سنن أبي داود 1/ 286. والنسائي، في: أول كتاب صلاة الخوف. المجتبى 3/ 136. وابن أبي شيبة، في: باب في صلاة الخوف كم هي، من كتاب الصلوات. المصنف 2/ 461، 462. وانظر السنن الكبرى للبيهقي، =