الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فصل:
إذا صَلَّى خَلْفَ مَن يشُكُّ (12) في إسْلَامِه، أو كَوْنِه خُنْثَى، فصلاتُه صَحِيحَةٌ، ما لم يَبِنْ كُفْرُه، وكَوْنُه خُنْثَى مُشْكِلًا؛ لأنَّ الظَّاهِرَ من المُصَلِّينَ الإِسْلامُ، سِيَّما إذا كان إماما، والظَّاهِرَ السَّلَامَةُ من كَوْنِه خُنْثَى، سِيَّما مَن يَؤُمُّ الرِّجالَ، فإنْ تَبَيَّنَ بعدَ الصَّلاةِ أنَّه كان كافِرًا أو خُنْثَى مُشْكِلًا، فعليْه الإِعادةُ على ما بَيَّنَّا. فإنْ كان الإِمامُ مِمَّنْ يُسْلِمُ تَارَةً ويَرْتَدُّ أُخْرَى، لم يُصَلِّ خَلْفَه، حتى يَعْلَمَ على أيِّ دِينٍ هُو، فإنْ صَلَّى خَلْفَه، ولم (13) يَعْلَمْ ما هو عليه نَظَرْنَا؛ فإنْ كان قد عَلِمَ قبلَ الصلاةِ إسْلامَه، وشَكَّ في رِدَّتِه، فهو مُسْلِمٌ. وإن عَلِمَ رِدَّتَهُ، وشَكَّ في إسْلَامِهِ، لم تَصِحَّ صلاتُه. فإن كان عَلِمَ إسْلامَه، فصَلَّى خَلْفَه، فقال بعد الصلاةِ: ما كنتُ أسْلَمْتُ أو ارْتَدَدْتُ. لم تَبْطُل الصَّلاةُ؛ لأنَّ صلاتَه كانت صَحِيحَةً حُكْمًا، فلا يُقْبَلُ قَوْلُ هذا في إبْطَالِها؛ لأنَّه مِمَّنْ لا يُقْبَلُ قَوْلُه. وإذا صَلَّى خَلْفَ من عَلِمَ رِدَّتَه، فقال بعدَ الصَّلاةِ: قد كنتُ أسْلَمْتُ. قُبِلَ قَوْلُه؛ لأنَّه مِمَّنْ يُقْبَلُ قَوْلُه.
فصل: قال أصْحَابُنا: يُحْكَمُ بإسْلَامِه بالصَّلَاةِ، سَوَاءٌ كان في دارِ الحَرْبِ أو في دارِ الإِسلامِ، وسَوَاءٌ صَلَّى جَمَاعَةً أو فُرَادَى، فإن أقامَ بعد ذلك على (14) الإِسْلامِ فلا كلامَ، وإن لم يُقِمْ عليه فهو مُرْتَدٌّ، يَجْرِى عليه أحْكامُ المُرْتَدِّينَ. وإن ماتَ قبل ظُهُورِ ما يُنَافِى الإِسْلامَ فهو مُسْلِمٌ يَرِثُهُ وَرَثَتُه المُسلمون دونَ الكافرين. وقال أبو حنيفةَ: إن صَلَّى جَمَاعَةً أو مُنْفَرِدًا في المَسْجِدِ، كقَوْلِنا، وإن صَلَّى فُرَادَى في غيرِ المَسْجِدِ، لم يُحْكَمْ بإسْلامِه. وقال بعضُ الشَّافِعِيَّةِ: لا يُحْكَمُ بإسْلامِهِ بِحالٍ؛ لأنَّ الصلاةَ من فُرُوعِ الإِسلامِ، فلم يَصِرْ مُسْلِمًا بِفِعْلِها، كالحَجِّ والصِّيامِ، ولأنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم، قال: "أُمِرْتُ أنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَقُولُوا: لَا
(12) في م: "شك".
(13)
في م: "وهو لم".
(14)
في م: "في".
إلهَ إلَّا اللهُ، فَإذَا قَالُوهَا عَصَمُوا مِنِّى دِمَاءَهُمْ وأَمْوَالَهُمْ، إلَّا بِحَقِّهَا" (15). وقال بعضُهم: إن صَلَّى في دارِ الإِسْلامِ فليْس بِمُسْلِمٍ؛ لأنَّه قد يَقْصِدُ الاسْتِتارَ بالصلاةِ، وإخْفاءَ دِينِه، وإن صَلَّى في دارِ الحَرْبِ فهو مُسْلِمٌ؛ لأنَّه لا تُهْمَةَ في حَقِّه. ولَنا، قولُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم:"نُهِيتُ عن قَتْلِ المُصَلِّينَ"(16). وقال: "بَيْنَنَا وبَيْنَهُم الصَّلَاةُ"(17). فَجَعَلَ الصَّلاةَ حَدًّا بين الإِسْلامِ والكُفْرِ، فَمن صَلَّى فقد دَخلَ في حَدِّ الإِسْلامِ، وقال في المَمْلُوكِ:"فإذا صَلَّى فَهُوَ أخُوكَ"(18).
(15) أخرجه البخاري، في: باب فإن تابوا وأقاموا الصلاة. . .، من كتاب الإِيمان، وفي: باب فضل استقبال القبلة. . .، من كتاب الصلاة، وفي: باب وجوب الركاة، من كتاب الزكاة، وفي: باب قتل من أبى قبول الفرائض، من كتاب استتابة المرتدين والمعاندين. . .، وفى باب الاقتداء بسنن الرسول صلى الله عليه وسلم، وباب قول اللَّه تعالى:{وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ} . . .، من كتاب الاعتصام. صحيح البخاري 1/ 13، 109، 2/ 131، 9/ 19، 115، 138 ومسلم، في: باب الأمر بقتال الناس حتى يقولوا. . .، من كتاب الإِيمان، وفى: باب فضائل على بن أبي طابى رضى اللَّه عنه، من كتاب فضائل الصحابة. صحيح مسلم 1/ 51، 52، 53، 4/ 1871، 1872. وأبو داود، في: باب الزكاة، من كتاب الزكاة. سنن أبي داود 1/ 356. والترمذي، في: باب ما جاء أمرت أن أقاتل. . .، وباب ما جاء في قول النبي صلى الله عليه وسلم. . .، من أبواب الإِيمان، وفى: تفسير سورة الغاشية، من أبواب التفسير. عارضة الأحوذى 10/ 68، 69، 71، 72، 12/ 243. والنسائي، في: باب مانع الزكاة، من كتاب الزكاة، وفي: باب وجوب الجهاد، من كتاب الجهاد، وفي: باب تحريم الدم، من كتاب التحريم، وفي: باب على ما يقاتل الناس، من كتاب الإِيمان. المجتبى 5/ 10، 11، 6/ 5، 7، 71، 73، 8/ 96. وابن ماجه، في: باب في الإِيمان، من المقدمة، وفى: باب الكف عمن قال: لا إله إلا اللَّه، من كتاب الفتن. سنن ابن ماجه 1/ 27، 2/ 1295. والدارمى، في: باب في القتال عل قول النبي صلى الله عليه وسلم. . .، من كتاب السير. سنن الدارمي 2/ 218. والإِمام أحمد، في: المسند 1/ 11، 19، 35، 36، 2/ 314، 345، 377، 423، 439، 475، 482، 502، 527، 528، 3/ 199، 224، 225، 295، 300، 332، 339، 394، 4/ 8، 9، 5/ 246.
(16)
أخرجه أبو داود، في: باب الحكم في المخنثين، من كتاب الأدب. سنن أبي داود 2/ 580.
(17)
أخرجه الترمذي، في: باب ما جاء في ترك الصلاة، من أبواب الإِيمان. عارضة الأحوذى 10/ 90. والنسائي، في: باب الحكم في تارك الصلاة، من كتاب الصلاة. المجتبى 1/ 187. وابن ماجه، في: باب ما جاء في ترك الصلاة، من كتاب إقامة الصلاة. سنن ابن ماجه 1/ 342. والإِمام أحمد، في: المسند 5/ 346، 355.
(18)
أخرجه ابن ماجه، في: باب الإِحسان إلى المماليك، من كتاب الأدب. سنن ابن ماجه 2/ 1217.