الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
297 - مسألة؛ قال: (وتَجِبُ الجُمُعَةُ عَلَى مَنْ بَيْنَهُ وبَيْنَ الجَامِعِ فَرْسَخٌ)
هذا في حَقِّ غير أهْلِ المِصْرِ، [أمَّا أهْلُ المِصْرِ](1) فيَلْزَمُهم كُلَّهم الجُمُعَةُ، بَعُدُوا أو قَرُبُوا. قال أحمدُ: أمَّا أهْلُ المِصْرِ فلا بُدَّ لهم من شُهُودِها، سَمِعُوا النِّداءَ أو لم يَسْمَعُوا؛ وذلك لأن البَلَدَ الواحِدَ بُنِيَ لِلْجُمُعَةِ، فلا فَرْقَ بين القَرِيبِ والبَعِيدِ، ولأنَّ المِصْرَ لا يكادُ يكونُ أكْثَرَ من فَرْسَخٍ، فهو (2) في مَظِنَّةِ القُرْبِ، فاعْتُبِرَ ذلك. وهذا قولُ أصْحابِ الرَّأْيِ، ونحوُه قولُ الشَّافِعِيِّ. فأمَّا غيرُ أهْلِ المِصْرِ، فَمن كان بينه وبين الجامِعِ فَرْسَخٌ فما دون، فعليه الجُمُعَةُ، وإنْ كان أبْعَدَ فلا جُمُعَةَ عليه. وَرُوِيَ نحوُ هذا عن سَعِيدِ بن المُسَيَّبِ وهو قولُ مالِكٍ، واللَّيْثِ. وَرُوِيَ عن عبدِ اللهِ بن عَمْرٍو، قال: الجُمُعَةُ على مَن سَمِعَ النِّدَاءَ. وهذا قولُ الشَّافِعِيِّ، وإسحاقَ؛ لما رَوَى عبدُ اللهِ بن عَمْرٍو، أنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قال:"الجُمُعَةُ على من سَمِعَ النِّدَاءَ". رَوَاه أبو دَاوُدَ (3). والأشْبَهُ أنَّه من كَلَامِ عَبْدِ اللهِ بن عَمْرٍو. ولأنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قال لِلْأَعْمَى الذي قال: ليس لي قَائِدٌ يَقُودُنِي: "أتَسْمَعُ النِّدَاءَ؟ " قال: نعم. قال: "فأَجِبْ"(4). ولأنَّ مَن سَمِعَ النِّدَاءَ دَاخِلٌ في عُمُومِ قولِ اللَّه تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ} (5). وَرُوِيَ عن ابنِ عمرَ، وأبي هُرَيْرَةَ، وأنَسٍ، والحسنِ، ونَافِعٍ، وعِكْرِمَةَ، والحَكَمِ، وعَطَاءٍ، والأوْزَاعِيِّ، أنَّهم قالوا: الجُمُعَةُ على مَن آوَاهُ اللَّيْلُ إلى أهْلِه؛ لما رَوَى أبو هُرَيْرَةَ، أنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قال:"الجُمُعَةُ عَلَى مَن آوَاهُ اللَّيْلُ إلى أهْلِه"(6). وقال أصْحابُ الرَّأْيِ: لا جُمُعَةَ على مَن كان خارِجَ المِصْرِ؛
(1) سقط من: الأصل.
(2)
سقط من: الأصل.
(3)
في: باب من تجب عليه الجمعة، من كتاب الصلاة. سنن أبي داود 1/ 243.
(4)
تقدم تخريجه في صفحة 6.
(5)
سورة الجمعة 9.
(6)
ذكره الترمذي، في: باب ما جاء من كم تؤتى الجمعة، من أبواب الجمعة. عارضة الأحوذي 2/ 290.
لأنَّ عُثمانَ، رَضِىَ اللَّه عنه، صَلَّى العِيدَ في يَوْمِ جُمُعَةٍ، ثم قال لأهْلِ العَوالِى (7): مَن أرادَ منكم أن يَنْصَرِفَ فَلْيَنْصَرِفْ، ومن أرادَ أن يُقِيمَ حتى يُصَلِّىَ الجُمُعَةَ فَلْيُقِمْ. ولأنَّهم خَارِجُ المِصْرِ، فأشْبَهَ أهْلَ الحِلَلِ. ولَنا، قولُ اللَّه تعالى:{إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ} . وهذا يَتناوَلُ غيرَ أهْلِ المِصْرِ إذا سَمِعُوا النِّداءَ، وحَدِيثُ عبدِ اللهِ بن عمرٍو، ولأنَّ غيرَ أهْلِ المِصْرِ يَسْمَعُونَ النِّداءَ، وهم من أهْلِ الجُمُعَةِ، فَلَزِمهم السَّعْىُ إليها، كأهْلِ المِصْرِ. وحديثُ أبى هُرَيْرَةَ غيرُ صَحِيحِ، يَرْوِيهِ عبدُ اللَّه بنُ سَعِيدٍ المَقْبُرِىّ، وهو ضَعِيفٌ، قال أحمدُ بنُ الحسنِ (8): ذَكَرْتُ هذا الحَدِيثَ لأحمدَ بنِ حَنْبَلٍ، فغَضِبَ، وقال: اسْتَغْفِرْ رَبَّكَ، اسْتَغْفِرْ رَبَّكَ. وإنَّما فَعَلَ أحمدُ هذا، لأنَّه لم يَرَ الحَدِيثَ شَيئًا لحالِ إسْنَادِه. قال ذلك التِّرْمِذِىُّ. وأما تَرْخِيصُ عُثمانَ لأهْلِ العَوَالِى، فلأنَّه إذا اجْتَمَعَ عِيدَانِ اجْتُزِئَ بالعِيدِ، وسَقَطَتِ الجُمُعَةُ عمَّن حَضَرَهُ، علَى ما قَرَّرْناهُ فيما مَضَى. وأما اعْتِبارُ أهْلِ القُرَى بأهْلِ الحِلَلِ فلا يَصِحُّ؛ لأنَّ أهْلَ الْحِلَلِ غيرُ مُسْتَوْطِنِينَ، ولا هم سَاكِنُون بِقَرْيَةٍ، ولا في مَوْضِعٍ جُعِلَ للاسْتِيطانِ. وأما اعْتِبارُ حَقِيقَةِ النِّداءِ فلا يُمْكِنُ؛ لأنَّه قد يكونُ من النَّاسِ الأصَمُّ وثَقِيلُ السَّمْعِ، وقد يكونُ النِّداءُ بين يَدَىِ المِنْبَرِ، فلا يَسْمَعُه إلَّا مَن في الجامِعِ، وقد يكونُ المُؤَذِّنُ خَفِىَّ الصَّوْتِ، أو في يَوْمٍ ذِى رِيحٍ، ويكونُ المُسْتَمِعُ نائِمًا أو مَشْغُولًا بما يَمْنَعُ السَّماعَ، فلا يَسْمَعُ، ويَسْمَعُ مَن هو أَبْعَدُ منه، فيُفْضِى إلى وُجُوبِها على البَعِيدِ دونَ القَرِيبِ، وما هذا سَبِيلُه يَنْبَغِى أن يُقَدَّرَ بِمِقْدَارٍ لا يَخْتَلِفُ، والمَوْضِعُ الذي يُسْمَعُ منه النِّدَاءُ في الغَالِبِ - إذا كان المُنَادِى صَيِّيتًا، في مَوْضِع عالٍ، والرِّيحُ سَاكِنَةٌ، والأَصْوَاتُ هَادِئَةٌ، والمُسْتَمِعُ سَمِيعٌ غيرُ سَاهٍ ولا
(7) العوالى: ضيعة بينها وبين المدينة أربعة أميال. معجم البلدان 3/ 743.
(8)
أبو الحسن أحمد بن الحسن الترمذي، حدث البخاري عنه في "الصحيح" عن الإِمام أحمد، ونقل عن الإِمام أحمد مسائل كثيرة. طبقات الحنابلة 1/ 37، 38.