الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فإن قيل: فالعَدَدُ شَرْطٌ في الجُمُعَةِ كُلِّها، ومتى ذَهَبَتِ الطَّائِفَةُ الأُولَى بَقِىَ الإِمامُ مُنْفَرِدًا، فَتَبْطُلُ، كما لو نَقَصَ العَدَدُ. فالجوابُ: أنَّ هذا جازَ لأَجْلِ العُذْرِ، ولأَنَّه يَتَرَقَّبُ مَجِىءَ الطَّائِفَةِ الأُخْرَى، بِخِلافِ الانْفِضاضِ. ولا يجوزُ أن يَخْطُبَ بإحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ، ويُصَلِّىَ بالأُخْرَى، حتى يُصَلِّىَ معه مَن حَضَرَ الخُطْبَةَ. وبهذا قال الشَّافِعِيُّ.
فصل:
والطَّائِفَةُ الأُولَى في حُكْمِ الائْتِمامِ قبلَ مفارَقَةِ الإِمامِ، فإن سَهَا لَحِقَهُم حُكْمُ سَهْوِه فيما قبلَ مُفَارَقَتِه، وإن سَهَوْا لم يَلْزَمْهم حُكْمُ سَهْوِهم، لأنَّهم مَأْمُومُونَ. وأمَّا بعدَ مُفارَقَتِه: فإنْ سَهَا لم يَلْزَمْهم حُكْمُ سَهْوهِ، فإن سَهَوْا لَحِقَهم حُكْمُ سَهْوِهم؛ لأنَّهم مُنْفَرِدُونَ. وأمَّا الطَّائِفَةُ الثَّانِيَةُ، فيلْحَقُها حُكْمُ سَهْوِ إمامِها في جَمِيعِ صَلَاتِه، ما أدْرَكَتْ منها وما فاتَها، كالمَسْبُوقِ يلْحَقُه حُكْمُ سَهْوِ إمامِه فيما لم يُدْرِكْه، ولا يَلْحَقُهَا حُكْمُ سَهْوها في شيْءٍ من صَلَاتِها؛ لأنَّها إن فَارَقَتْهُ فِعْلًا لِقَضاءِ ما فَاتَها، فهى في حُكْمِ المُؤْتَمّ به، لأنَّهم يُسَلِّمُونَ بِسَلامِه، فإذا فَرَغَتْ من قَضاءِ ما فاتَها، سَجَدَ وسَجَدَتْ معه، فإن سَجَدَ الإِمامُ قبل إتْمامِها سَجَدَتْ؛ لأنَّها مُؤْتَمَّةٌ به، فيَلْزَمُها (13) مُتابَعَتُهُ، ولا تُعِيدُ السُّجُودَ بعدَ فَراغِها من التَّشَهُّدِ، لأنَّها لم تَنْفَرِدْ عن الإِمامِ، فلا يَلْزَمُها من السُّجُودِ أَكْثَرُ ممَّا يَلْزَمهُ، بخِلَافِ المَسْبُوقِ. وقال القاضي: يَنْبَنِى هذا على الرِّوَايَتَيْنِ في المَسْبُوقِ إذا سَجَدَ مع إمامِه ثم قَضَى ما عليه، وقد ذَكَرْنَا الفَرقَ بينهما.
315 - مسألة؛ قال: (وإن خَافَ وهُوَ مُقِيمٌ، صَلَّى بكُلِّ طَائِفَةٍ رَكْعَتَيْنِ، وأَتَمَّتِ الطَّائِفَةُ الأُولَى بالْحَمْد للهِ في كُلِّ رَكْعَةٍ، والطَّائِفَةُ الأُخْرَى تُتِمُّ بالحَمْد للهِ وسُورَةٍ)
وجُمْلَةُ ذلك أنَّ صَلَاةَ الخَوْفِ جَائِزَةٌ في الحَضَرِ، إذا احْتِيجَ (1) إلى ذلك بِنُزُولِ
(13) في الأصل: "فلزمها".
(1)
في الأصل، أ:"احتاج".
العَدُوِّ قَرِيبًا من البَلَدِ. وبه قال الأوْزاعِىُّ، والشَّافِعِىُّ. وحُكِىَ عن مالِكٍ أنَّها لا تجوزُ في الحَضَرِ؛ لأنَّ الآيةَ إنَّما دَلَّتْ على صلاةِ رَكْعَتَيْنِ، وصلاةُ الحَضَرِ أرْبَعًا، ولأنَّ النَّبِىَّ صلى الله عليه وسلم لم يَفْعَلْها في الحَضَرِ. وخَالَفَهُ أصْحابُه، فقالوا كقَوْلِنا. ولَنا، قولُ اللهِ تعالى:{وَإِذَا كُنْتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلَاةَ} الآية، وهذا عامٌّ في كلِّ حالٍ، وتَرْكُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِعْلَها في الحَضَرِ إنَّما كان لِغِنَاهُ عن فِعْلِهَا في الحَضَرِ. وقَوْلُهم: إنَّما دَلَّتِ الآيةُ على رَكْعَتَيْنِ. قُلْنا: وقد يكونُ في الحَضَرِ رَكْعَتَانِ، الصُّبْحُ والجُمُعَةُ، والمَغْرِبُ ثلاثٌ، ويجوزُ فِعْلُها في الخَوْفِ في السَّفَرِ، ولأنَّها حالَةُ خَوْفٍ، فجازَتْ فيها صلاةُ الخَوْفِ كالسَّفَرِ، فإذا صَلَّى بهم الرُّبَاعِيَّةَ صلاةَ الخَوْفِ، فَرَّقَهُم فِرْقَتَيْنِ، فَصَلَّى بكُلِّ طائِفَةٍ رَكْعَتَيْنِ، وهل تُفَارِقُه الطَّائِفَةُ الأُولَى في التَّشَهُّدِ الأوَّل، أو حِينَ يَقُومُ إلى الثَّالِثَةِ؟ على وَجْهَيْنِ: أحدُهما، حين قِيامِه إلى الثَّالِثَةِ. وهو قولُ مَالِكٍ، والأوْزَاعِىِّ؛ لأنَّه يَحْتاجُ إلى التَّطْوِيلِ من أجْلِ الانْتِظارِ، والتَّشَهُّدُ يُسْتَحَبُّ تَخْفِيفُه، ولذلك كان النَّبِىُّ صلى الله عليه وسلم إذا جَلَسَ للتَّشَهُّدِ (2) كأنَّه على الرَّضْفِ حتى يَقُومَ. ولأنَّ ثَوابَ القَائِمِ أكْثَرُ، ولأنَّه إذا انْتَظَرَهُم جَالِسًا، فَجاءَتِ الطَّائِفَةُ، فإنَّه يَقُومُ قبل إحْرامِهم، فلا يَحْصُلُ اتِّبَاعُهم له في القِيامِ. والثانى، في التَّشَهُّدِ؛ لِتُدْرِكَ الطَّائِفَةُ الثانيةُ جَمِيعَ الرَّكْعَةِ الثَّالِثَة، ولأنَّ الانْتِظارَ في الجُلُوسِ أخَفُّ على الإِمامِ، ولأنَّه متى انْتَظَرَهم قَائِمًا احْتاجَ إلى قِرَاءَةِ السُّورَةِ في الرَّكْعَةِ الثَّالِثَة، وهو خِلَافُ السُّنَّةِ. وأيًّا ما فَعَلَ كان جائِزًا. وإذا جَلَسَ الإِمامُ لِلتَّشَهُّدِ الأخِيرِ، جَلَسَتِ الطَّائِفَةُ معه، فَتَشَهَّدَتِ التَّشَهُّدَ الأَوَّلَ، وقامَتْ وهو جَالِسٌ فأتَمَّتْ صلاتَها، وتَقْرَأُ في كل رَكْعَةٍ بالحَمْد للهِ وسُورَةٍ؛ لأنَّ ما تَقْضِيه أوَّلُ صلاتِها، ولأنَّها لم يَحْصُلْ لها مع الإِمامِ قِراءَةُ السُّورَةِ. ويُطَوِّلُ الإِمامُ التَّشَهُّدَ
(2) في م زيادة: "كان".