الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث الثالث
بنوك الحليب
المطلب الأول
حقيقة بنوك الحليب
البنك كلمة إيطالية الأصل، ويقابلها في العربية: المصرف، ثم هي انتقلت إلى الطب، وأصبحت تطلق على المركز أو المؤسسة الطبية التي تقوم بحفظ مواد العلاج من جسم الإنسان والخلايا والأنسجة البشرية؛ تجوزاً.
وأما عن بنك الحليب المعاصر، فقد قيل في تعريفه: مركز مخصص لجمع الحليب من أمهات متبرعات، أو من أمهات يعطين حليبهن مقابل ثمن معين، ومن ثم تبيع هذه البنوك الحليب المجموع إلى الأمهات اللائي يرغبن في إرضاعه أطفالَهن.
(1)
قامت الأمم الغربية بتجربة بنوك الحليب، ثم ظهرت مع التجربة بعض السلبيات الفنية والعلمية؛ فانكمشت، وقل الاهتمام بها.
وقد كان الداعي إلى إنشائها ما أخذ في الاعتبار من كون وظيفة الرضاعة للمرأة ذات طابع فطري وغريزي عند كل أم؛ من لدن الأم الأولى حواء، حتى ظهرت الأصناف التجارية من الحليب الاصطناعي بعد الحرب العالمية الثانية، حين تفجرت الثورة الصناعية في الغرب، وأجبرت المرأة أن تنزل إلى العمل، وتقف الساعات الطوال هناك؛ فكان في حليب البنوك بديلًا إذ كانت كليلة الجسم مرهقة الأعصاب لما كلفت بعمل يَخرج بها عن سنة الله الكونية في خلقه من النساء؛ {أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ} [سورة الملك: 14]؟
وكانت حينذاك - ولا تزال - قائمة على استجلاب الحليب من المرضعات مباشرة؛ تبرعًا أو معاوضة، وذلك لتغذية الأطفال الخدج، أو ضعيفي النمو، ونحوهم؛ بعد تعقيمها وحفظها.
والغالب أن العاملين فيها يخلطون لبن المرأة الواحدة مع ألبان العشرات من النساء أو المئات، ولا يبقى لبن كلِّ امرأة منفردًا.
(1)
ينظر: أحمد محمد كنعان: الموسوعة الطبية الفقهية (ص 487).
وتكلفة هذه البنوك عالية جدًّا، وتحتاج إلى تقنيات متطورة لتعقيم اللبن والحفاظ عليه؛ حتى بلغت في أمريكا إلى مرحلة الاحتضار.
ولما كانت الرضاعة الطبعية من حليب الأم أساس التكوين السليم والنمو الناضج؛ ظهرت أهمية إنشاء بنوك الحليب البشري؛ حيث لم يتوصل - رغم التقدم في ميدان غذاء الأطفال - إلى حليب أو غذاء بديل يضارع حليب الأم.
(1)
وهذه البنوك، وإن كان لها ما يبررها من الناحية العلمية؛ إلا أنه يحتف بها ما يأتي بإيجاز من الإشكالات:
(2)
1 -
إن هذا اللبن البشري المتجمع قد يتعرض للتلوث والإصابة بالفيروسات؛ كفيروس نقص المناعة المكتسبة، أو فيروس الكبد الوبائي، وغيرها؛ إما عند جمعه، أو حفظه، أو تعقيمه، أو استعماله.
2 -
فقدان بعض خصائص اللبن ومميزاته؛ نتيجة تحلل بعض المواد الموجودة فيه.
3 -
مساهمته في فقد كثير من مميزات الرضاعة الطبَعية؛ العائدة على الأم؛ كانقباض رحمها، وعودته سريعًا إلى حجمه الطبعي، وتقليل تعرضها لسرطان الثدي والمبيض، أو العائدة على الرضيع؛ كبناء عضلات الفم، وتفعيل عضلات اللسان والشفاه والفك؛ بحيث تحضره لتعلم الكلام فيما بعد، إلى جانب تلافي مخاطر المراضع الأخرى.
4 -
تعرضه لما يتعرض له الحليب الصناعي؛ من التجفيف، والحفظ، والنقل، والتعرض للأجواء.
5 -
نقص الإشباع العاطفي والنفسي؛ الأمر الذي يضعف الرابطة بين الأم وطفلها.
6 -
التكاليف المرتفعة التي يتطلبها تنفيذ مشروع هذا البنك.
7 -
إن للبن تأثيرًا في أخلاق الطفل، وبنوك الحليب لا تفرق بين حميدة الخلق ورديئته؛ بل تعامله كأي حليب من بهيمة الأنعام؛ يجمع لبنها، ويعامل بوسائل الحفظ المختلفة؛ من دون تمييز.
8 -
تشجيع الأمهات المعوزات على الامتناع عن إرضاع أطفالهن لأجل بيعه، وما يؤدي إليه؛ من ظهور تجارة لبن الأمهات إزاء الاتجار بالدم؛ الأمر الذي يعود على الفقراء باستغلال إمكانياتهم لصالح الأغنياء.
(1)
ينظر: أ. د. علي محيي الدين القره داغي وأ. د. علي يوسف المحمدي: فقه القضايا الطبية المعاصرة دراسة فقهية طبية مقارنة (ص 466). د. مسفر القحطاني: المصدر السابق، (ص 641 - 642). عطا السنباطي: بنوك النطف والأجنة (ص 3 - 4). د. إسماعيل مرحبا: المصدر السابق، (ص 317 - 318، 322). د. أمل الدباسي: المصدر السابق، (26/ 467). منيرة شودري: نوازل فقهية في الحمل والرضاع في ضوء مقاصد الشريعة (ص 304). مجلة مجمع الفقه الإسلامي (ع 2، 1/ 385، 391). الموسوعة الميسرة في فقه القضايا المعاصرة (4/ 18).
(2)
ينظر: د. عبلة الكحلاوي: المصدر السابق، (ص 89). أ. د. محمد البار: المصدر السابق، (ص 80 - 84). د. إسماعيل مرحبا: المصدر السابق، (ص 328 - 330).