الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المطلب الأول
حكم إرضاع المصابة بالإيدز
الأصل في الشريعة أن الضرر يدفع بقدر المستطاع، وفي خصوص حليب الآدمية يقول ابن حزم ت 456 هـ: إذا كان للوالدة لبن يضر بالمولود، فعلى الوالد حينئذ أن يسترضع له غيرها ا. هـ
(1)
، ثم قال: أو كانت مريضة أو أضر به لبنها، ولا مال لها. ا. هـ، وقرر الحكم نفسه
(2)
، ثم استدل بقول الله تعالى:{لَا تُضَارَّ وَالِدَةٌ بِوَلِدِهَا وَلَا مَوْلُوْدٌ لَهُ بِوَلَدِهِ} [سورة البقرة: 233]
(3)
، وقوله سبحانه:{وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ} [سورة المائدة: 2]، والأمر بالرحمة في قول النبي صلى الله عليه وسلم:"من لا يَرحم لا يُرحم" متفق عليه
(4)
.
كما يمكن أن يستدل له بقول النبي صلى الله عليه وسلم: "لا ضرر ولا ضرار".
(5)
بل في شؤون الحضانة بشكل عام والتي تتفرع عنها الرضاعة يقرر الفقهاء منع المصابة بالمرض المعدي من الحضانة التي تشتمل على الرضاعة
(6)
، ومن ذلك ماجاء في حاشية الدسوقي
(7)
عند بيان شروط الحاضنة: وعدم جذام مضر ريحه أو رؤيته، وكل عاهة مضرة
(1)
ابن حزم: المصدر السابق، (10/ 434)
(2)
ينظر: ابن حزم: المصدر السابق، (10/ 438).
(3)
ابن حزم: المصدر السابق، (10/ 434).
(4)
ابن حزم: المصدر السابق، (10/ 435، 437).
(5)
تقدم تخريجه في الفرع الثاني من فروع المطلب الثالث في المبحث الأول من الفصل الأول.
(6)
ينظر: عادل الصاوي: المصدر السابق، (ص 408).
(7)
الدسوقي: حاشية الدسوقي على الشرح الكبير (2/ 528 - 529).
يخشى على ولدها منها، ولو كان بالولد مثله؛ لأنه بالانضمام قد تحصل زيادة على ما كان على سبيل جري العادة ا. هـ
وجاء في الشرط الثاني للحضانة من أسنى المطالب
(1)
: أن تكون عاقلةً فتسقط حضانتها بالجنون. . . وكذا تسقط بالمرض الدائم؛ كالسل، والفالج؛ إن عاق ألمه عن نظر المخدوم بالحضانة - وهو المحضون -؛ بأن كانت بحيث يشغلها ألمه عن كفالته وتدبير أمره ا. هـ
وجاء في مغني المحتاج
(2)
أن سابع شروط الحضانة وثامنها: لا يكون به مرض دائم؛ كالسل، والفالج؛ إن عاق تألمه عن نظر المحضون بأن كان حيث يشغله ألمه عن كفالته وتدبر أمره. . . وأن لا يكون أبرص ولا أجذم ا. هـ
وجاء في الإقناع للحجاوي
(3)
: وإذا كان بالأم برص أو جذام سقط حقها من الحضانة. . .؛ لأنه يخشى على الولد من لبنها ومخالطتها ا. هـ
وأما بخصوص إرضاع المصابة بالإيدز؛ سواء أكان الرضاع إلى ولدها، أو لغيره؛ فلا يخلو الحال مما يأتي:
أأن تكون المرضع مصابة والمرتضع سليمًا.
إذا كانت المرضع مصابة بفيروس الإيدز ومرتضعها سليمًا، فقد اختلفت أنظار الباحثين المعاصرين حول هذه النازلة، كما اختلفت أنظار الأطباء في التحقق من انتقال المرض بواسطة الرضاعة، ووقع اختلافهم في ذلك على ما يأتي:
القول الأول: لا يجوز للمصابة بالإيدز إرضاع من كان سليمًا، ولا يجوز لغيرها قبوله حيث أمكن الاستغناء بغيره، ولم تكن ثم حاجة أو ضرورة، ومتى غرَّرَت؛ أثمت، واستحقت الأحكام الجنائية المتأثرة.
أما إذا لم يوجد بديل من المراضع السليمة أو الحليب المجفف؛ فيجوز الإرضاع حالتئذ من المصابة بالإيدز إذا خيف الهلاك على الطفل.
(1)
زكريا الأنصاري: أسنى المطالب (3/ 448).
(2)
الشربيني: مغني المحتاج (3/ 597).
(3)
(4/ 158).
واختار هذا القول طائفة من الباحثين في رسائلهم الجامعية
(1)
.
والحكم المتقدم لا يمتنع اختلافه باختلاف الجزئيات في الصور والتطبيقات.
(2)
القول الثاني: لا يجوز حرمان الرضيع من رضاع أمه.
وعليه بعض المجامع الفقهية
(3)
، اختاره بعض المعاصرين
(4)
.
القول الثالث: يجوز بشروط:
أأن يكون برأي الطبيب المختص وإذنه.
ب أن يكون بنسبة قليلة؛ تخفيفًا لاحتمال الضرر.
واختاره بعض المعاصرين
(5)
.
- الأدلة:
أدلة القول الأول: استدل أصحاب القول الأول بما يأتي:
1 -
قول الله تعالى: {وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ} [سورة البقرة: 195]؛ فعموم هذه الآية يدل على النهي عن ترك الخير إلى ما هو أقل منه؛ لأن ذلك يفضي إلى الهلاك.
(6)
2 -
قول الله تعالى: {وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا} [سورة النساء: 29]، والتبرع باللبن منه ما دام الاحتمال في انتقال مرض الإيدز قائمًا.
(7)
3 -
ما روى أبو هريرة رضي الله عنه مرفوعًا: "لا يورد ممرض على مصح"
(8)
، فإعطاء الطفل السلم لبنًا سقيمًا موبوءًا من باب أولى ووجه أحرى
(9)
؛ لأن الرضاعة فرع عن الحضانة، وحضانة المريضة للمصح محل نهي بصريح الحديث.
(1)
د. سعود الثبيتي: الإيدز أحكامه وعلاقة المريض الأسرية والاجتماعية (ص 42). د. راشد الشهري: المصدر السابق، (2/ 570).
(2)
ينظر: د. راشد الشهري: المصدر السابق، (2/ 557).
(3)
قرارات وتوصيات مجمع الفقه الإسلامي المنبثق من منظمة المؤتمر الإسلامي بجدة (205 - 206). منيرة شودري: نوازل فقهية في الحمل والرضاع في ضوء مقاصد الشريعة (346).
(4)
ينظر: أ. د. محمد عبد السلام أبو النيل: حكم الإجهاض والحضانة في ظل مرض الإيدز، ضمن ندوة رؤية إسلامية للمشكلات الاجتماعية لمرض الإيدز (ص 272).
(5)
ينظر: د. راشد الشهري: المصدر السابق، (2/ 570 - 571).
(6)
ينظر: د. راشد الشهري: المصدر السابق، (1/ 368).
(7)
ينظر: د. سعود الثبيتي: المصدر السابق، (ص 42). د. راشد الشهري: المصدر السابق، (1/ 368 - 369).
(8)
ينظر: البخاري: المصدر السابق، (كتاب الطب - باب لا هامة - 7/ 400)، برقم (5771)؛ من طريق عبد الله بن محمد، عن هشام بن يوسف، عن معمر، عن الزهري، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة؛ به مرفوعًا، ولفظه:"لا يوردنَّ"، ومن طريق أخرى. مسلم: المصدر السابق، (كتاب الطب - باب لا عدوى ولا يورد ممرض على مصح - 6/ 45)، برقم (2285)؛ من طريق أبي الطاهر، وحرملة؛ عن ابن وهب، عن يونس، عن ابن شهاب، عن أبي هريرة؛ به مرفوعًا، ومن طريق أخرى.
(9)
ينظر: د. راشد الشهري: المصدر السابق، (369).
4 -
ما جاء عن عمرو بن الشريد، عن أبيه؛ قال: كان في وفد ثقيف رجل مجذوم، فأرسل إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم:"إنا قد بايعناك فارجع"
(1)
، فدل الحديث على أن المرض إذا كان يخشى منه العدوى والانتقال.
5 -
تخريجًا على ما قرره العلماء في شأن بعض الأمراض التي هي أقل خطرًا؛ كالبرص، والجذام.
(2)
6 -
القواعد الفقهية التي تشير إلى أن: الضرر يزال، والأشد من الأضرار يزال بالضرر الأخف؛ لأن في إرضاع الأم لطفلها ضرر متوقع وهو ضرر إصابته بالمرض، وعليه؛ يكون دفعه واجب وفقًا لقاعدة الضرر يزال.
إلى جانب كون المفسدتين إذا تعارضتا، فإنه يراعى أعظمهما ضررًا بارتكاب أخفهما، وأن درء المفاسد مقدم على جلب المصالح؛ فالمفسدة الأولى هنا: مفسدة منع الطفل من إرضاع أمه له، والمفسدة الثانية: مفسدة إصابة الطفل بمرض الإيدز إذا أرضعته أمه المصابة بالمرض، فيُرتكب أخف الضررين - وهو منع الأم من الإرضاع -؛ لدفع الضرر الأكبر - وهو إصابة الطفل بالمرض -؛ لأن مفسدة المرض متعدية وباقية، أما مفسدة حرمانه من رضاع أمه له وإن كان لها آثارٌ إلا أنه يمكن تفاديها، ودرء مفسدة الضرر الذي يقع على الطفل بإصابته بالمرض، مقدم على جلب مصلحة رضاعته من أمه وإن كان فيها منافع.
(3)
(1)
مسلم: المصدر السابق، (كتاب قتل الحيات وغيرها - باب في اجتناب المبتلى - 4/ 58)، برقم (2297)؛ من طريق يحيى بن يحيى، وأبي بكر بن أبي شيبة؛ عن هشيم، وشريك بن عبد الله، عن يعلى بن عطاء، عن عمرو؛ به.
(2)
ينظر: د. راشد الشهري: المصدر السابق، (ص 1/ 366 - 367).
(3)
ينظر: ابن نجيم: الأشباه والنظائر (ص 72 - 74). الشاطبي: المصدر السابق، (1/ 276). د. محمد مصطفى الزحيلي: المصدر السابق، (1/ 226). منيرة شودري: المصدر السابق (348 - 350).
7 -
إنه لا حاجة ولا ضرورة تدعو إلى لبن المصابة بالإيدز؛ فلا يجوز فعله.
(1)
أدلة القول الثاني: استدل أصحاب القول الثاني بما يأتي:
1 -
إن الرضاعة حق للمرضعة والراضع، وتفويت المؤكد لمجرد احتمال ضرر؛ غير موجب لإسقاط الحق، ولا سيما إذا أمكن الاحتراز منه بتجنب الإرضاع عند وجود تشققات على حلمة الثدي.
(2)
ونوقش بما يأتي: أ- إن الاحتمال يزيد بعدة عوامل؛ كزيادة مدة الرضاع، وشقاوة الطفل الذي يكون قابلية العض منه أكثر.
(3)
ب - إن المفسدة - وهي: احتمال انتقال هذا الوباء - أعظم من المصلحة المذكورة، ولا سيما أنها - أي: المفسدة - عام في مقابل مصلحة خاصة.
(4)
- الترجيح: الراجح هو أنه لا يجوز للمصابة بالإيدز إرضاع من كان سليمًا؛ لما تقدم في صدر المطلب، ولأن سد الذريعة معتبر في مثل هذا؛ قال الشاطبي ت 790 هـ: النظر في مآلات الأفعال معتبر مقصود شرعًا؛ كانت الأفعال موافقة أو مخالفة، وذلك أن المجتهد لا يحكم على فعل من الأفعال الصادرة عن المكلفين بالإقدام أو بالإحجام إلا بعد نظره إلى ما يؤول إليه ذلك الفعل؛ مشروعًا لمصلحة فيه تستجلب، أو لمفسدة تدرأ، ولكن له مآل على خلاف ما قصد فيه، وقد يكون غير مشروع لمفسدة تنشأ عنه أو مصلحة تندفع به، ولكن له مآل على خلاف ذلك؛ فإذا أطلق القول في الأول بالمشروعية، فربما أدى استجلاب المصلحة فيه إلى المفسدة؛ تساوي المصلحة أو تزيد عليها، فيكون هذا مانعًا من إطلاق القول بالمشروعية، وكذلك إذا أطلق القول في الثاني بعدم مشروعية، ربما أدى استدفاع المفسدة إلى مفسدة تساوي أو تزيد، فلا يصح إطلاق القول بعدم المشروعية. وهو مجال للمجتهد صعب المورد، إلا أنه عذب المذاق محمود الغب، جار على مقاصد الشريعة ا. هـ
(5)
(1)
ينظر: د. راشد الشهري: المصدر السابق، (1/ 369).
(2)
ينظر: أ. د. محمد عبد السلام أبو النيل: المصدر السابق، (ص 272).
(3)
ينظر: د. راشد الشهري: المصدر السابق، (2/ 570).
(4)
ينظر: د. راشد الشهري: المصدر السابق، (2/ 570).
(5)
الشاطبي: المصدر السابق، (5/ 177 - 178).
فإن كان الرضيع مصابًا بالفيروس نفسه، كما لو أصيب أثناء الولادة؛ فلا حرج من إرضاعه إذ كان المحذور واقعًا، وما يخشى منه منتفيًا
(1)
، أو كان على الطفل خشية الهلاك؛ فترضعه؛ كما لو لم توجد مرضع أخرى، أو لم يقبل ثدي امرأة أخرى.
(2)
وهذا شبيه بحالات الاضطرار الاستثنائية في أكل أمثال الميتة، والدم المسفوح، ولحم الخنزير؛ حين كانت محرمة، فأبيحت لمن اضطر إليها غير باغ ولا عاد، كما قال الحق جل ذكره:{إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللَّهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [سورة البقرة: 173]
(3)
.
- ثمرة الخلاف: ترتب على الخلاف في هذه المسألة أثر وفق المترجح فيما يأتي:
1 -
انتقال المرض من المرضع إلى الرضيع يعد جناية، وقد قرر أحد الباحثين
(4)
أنها من باب الخطأ لا العمد؛ فإذا انتقلت العدوى ثم تعدى الأمر إلى الوفاة فهو - أيضًا - من قبيل القتل الخطأ وما جرى مجراه، ودلل لذلك بقوله: إنه لا مجال للشك أن عاطفة الأم وحنانها يمنعها إذا كانت سوية أن تتعمد إيذاء ابنها وفلذة كبدها، وعليه؛ فلا يتصور في جانب الأم الإيذاء العمد لابنها ا. هـ
2 -
إذا أرضعت المصابة بالإيدز ولدها، ولم تعلم بمرضها أنه ينتقل بالرضاع؛ فلا موجب للإثم، ولا مسؤولية عليها؛ لأنها فعلت المأذون لها فيه متحرزة من كل ما تعلمه، فيرتفع الحرج عنها.
(5)
3 -
متى أرضعت الأم ولدها مع علمها بالمرض وانتقاله بالرضاع، ولكنها تحرزت باستشارة أهل الخبرة من الأطباء، فنصحوها بالرضاع؛ فلا مسؤولية، ولا موجب للإثم - أيضًا -.
(6)
(1)
ينظر: أ. د. عمر الأشقر: المصدر السابق، (ص 68).
(2)
د. سعود الثبيتي: الإيدز أحكامه وعلاقة المريض الأسرية والاجتماعية (ص 42).
(3)
ينظر: د. راشد الشهري: المصدر السابق، (2/ 571).
(4)
ينظر: د. راشد الشهري: المصدر السابق، (2/ 758 - 759).
(5)
ينظر: د. راشد الشهري: المصدر السابق، (2/ 760 - 761).
(6)
المصدر السابق.
4 -
إذا أرضعت المصابة بالإيدز ولدها دون تحرز ولا سؤال؛ فإن جنايتها تعد جناية خطأ تترتب عليها أحكامها، وعلى فرض إيذاء ابنها؛ فإن ذلك يعد جناية شبه عمد؛ تأخذ أحكام الخطأ نفسها، وتزيد عليها بالإثم والدية المغلظة على العاقلة، وذلك؛ لأن الوسيلة هنا لا يحصل بها انتقال المرض غالبًا، وهذا هو قتل شبه العمد.
(1)
وفي تقديري أن هذا محل نظر؛ لأن مرض الإيدز يقتل غالبًا؛ كالآلة الحادة، والسم القاتل، وإذا أخطأ صاحب الآلة الحادة هدفَه، أو أصاب هدفه وانخرمت العادة الغالبة؛ فلا يعود ذلك بالحكم على الآلة أنها لا تقتل غالبًا.
5 -
إذا أرضعت المصابة بالإيدز غير ولدها، وكان إرضاعها بشكل مغرض، واستبان مرادها في إفشاء هذا المرض، وعرف عنها ذلك مع إخفائها لمرضها؛ فتأخذ أحكام الحرابة؛ متى انتقل المرض، وحصلت الوفاة بسببه.
(2)
ب أن يكون المرضع والمرتضع مصابين.
الابتلاء للأسرة قد يتكرر حينما تكون الأم مصابة ثم ترزق بطفل مصاب، أو يصابان بواسطة نقل الدم إليها لسبب أو لآخر.
وإذا كان الأمر كذلك؛ فلا مانع من الرضاعة حينئذ بينهما على وفق ما تقدم في تقرير الرأي الطبي في هذه الحالة، وذلك؛ لأن الذي يخشى منه - وهو الإصابة -؛ قد حلَّ بهما.
(3)
ت أن تكون المرضع سليمة والمرتضع مصابًا.
من الواضح في هذه الصورة أن سلامة المرضع ينعكس على سلامة لبنها، وما دام اللبن سليمًا وصحيًّا؛ فلا خوف على الطفل من الرضاع.
(4)
لكن الخوف يتجه نحو المرضع؛ هل يمكن أن يشكل لها هذا الرضيع تهديدًا؛ إذا قلنا: يحتمل انتقال الفيروس؛ على نحو ما تقدم في التقرير الطبي.
ولما تقدم؛ فالظاهر - والله تعالى أعلم - جواز إرضاع المصاب من سليمة؛ إذا راعت المرضع الاحتياطات اللازمة، وغلب على الظن عدم انتقال المرض إليها، وذلك لما يأتي:
(5)
1 -
ما في الرضاع الطبعي من مصالح عظيمة اجتماعية ونفسية، وخصوصًا إذا كانت المرضع أمًّا، فإن الأمر الشرعي بالرضاع مناط بها.
2 -
الرضاعة حق للمرضعة والراضع، فلا يُفَوَّت الحق المؤكد من مصلحتهما البدنية والنفسية لمجرد احتمال ضئيل؛ لضرر يمكن الاحتراز من وقوعه.
(6)
3 -
عموم الأدلة المتقدمة في الفقرة أ.
ويتبين مما تقدم الآتي:
أولًا: إذا أصيب المريض بالإيدز، وكان ذلك بسبب جهل الطبيب، أو تعديه، أو تفريطه على أي وجه كان ذلك؛ كما لو قصر في تحليل الدم ومشتقاته، أو وجَّه بإرضاع الرضيع من المصابة بالإيدز؛ فإنه يكون مسؤولًا عما تسبب فيه، ويكون ضمانه بحسب تعديه أو تفريطه؛ فقد يكون متعمدًا في نقل المرض، ولا يخلو الحال حينئذ مما يأتي:
أـ أن يكون متعمدًا؛ فيثبت في حقه القصاص.
ب ــ أن ينقله لعدد أكثر على وجه الإفساد العام؛ فيقام عليه حد الحرابة.
ج ــ أن ينقله خطأً؛ فتطبق عليه أحكام الخطأ، وتترتب عليه آثاره من الدية، ونحوها.
(7)
(1)
المصدر السابق.
(2)
المصدر السابق.
(3)
ينظر: أ. د. الأشقر: الأحكام الشرعية المتعلقة بمرض الإيدز، ضمن كتاب دراسات فقهية في قضايا طبية معاصرة (1/ 68). د. راشد الشهري: المصدر السابق، (2/ 557).
(4)
ينظر: د. راشد الشهري: المصدر السابق، (2/ 558).
(5)
ينظر: د. راشد الشهري: المصدر السابق، (2/ 561 - 565).
(6)
ينظر: محمد أبو النيل: حكم الأجهاض والحضانة في ظل مرض الإيدز، ضمن ندوة رؤية إسلامية للمشكلات الاجتماعية لمرض الإيدز (272).
(7)
ينظر: د. راشد الشهري: أحكام مرض الإيدز في الفقه الإسلامي (2/ 845 - 846). وقد تقدم تأصيل هذه المسألة في المبحث الثالث عشر من الفصل الأول.