الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
حرامًا بكل حال، وكذلك الشأن في حليلة ابن الرضاع؛ تحرم على أبيه ما لم يطلقها، ولذلك كان التقدير: وأحل لكم ما وراء ذلكم بالحال التي أحلها به.
(1)
وبعد ذلك، فلبيان أثر استخدام مدرات الحليب في انتشار المحرمية؛ أنتقل إلى دراسة المسائل الآتية:
المسألة الأولى: رضاع البكر
.
صورة المسألة: إذا نزل للبكر
(2)
لبن، فأرضعت به صبيًّا؛ فهل يتعلق به تحريم
(3)
؟
اختلف فقهاء الإسلام في تعلق التحريم بلبن البكر، على ما يأتي:
القول الأول: إذا نزل للبكر بنت تسع سنين لبن، فأرضعت به صبيًّا؛ تعلق به التحريم، وصارت أمًّا للصبي، ولو كانت صبية لا يوطأ مثلها، أو نقصت عن سن المحيض، ولا أب له.
وبه قال الثوري
(4)
، وهو قول للحنفية
(5)
، والمذهب عند المالكية
(6)
، وبه قال الشافعي
(7)
، وأبو ثور
(8)
، وأظهر الروايتين عند الحنابلة
(9)
التي عليها جماهير الأصحاب
(10)
،
(1)
ينظر: الشافعي: المصدر السابق، (ص 296 - 297).
(2)
وإن كانوا لم يتفقوا على عبارة تبين المقصود من البكر؛ فأطلقت الحنفية ذلك فيمن لم يوطأ بنكاح أو سفاح ولو زالت العذرة بنحو وثبة، وقصر آخرون مفهوم البكارة هنا على معانٍ أخرى؛ كمن لا زوج لها في مذهب المالكية، أو من لا حمل فيها في مذهب الشافعي، أو من لم تحمل، أو من لم توطأ؛ أقوال وتفسيرات لفقهاء الحنابلة، ويجمع ما تقدم أن لا يكون في يدها صبي ثاب لبنها من حملها به.
ينظر: ابن عابدين: المصدر السابق، (4/ 411). الحطاب: المصدر السابق، (4/ 575). الشافعي: الأم (6/ 85). ابن قدامة: المصدر السابق، (11/ 324). شمس الدين ابن قدامة: المصدر السابق، (24/ 223). شمس الدين ابن مفلح: الفروع (9/ 280). المرداوي: المصدر السابق، (24/ 223). البهوتي: المصدر السابق، (13/ 82).
(3)
المراد بالتحريم هنا وفي سائر مواطن البحث أمران: تحريم النكاح، والمحرمية التي تجيز وضع الحجاب، والخلوة، وغيرها من أحكام المحرمية التي ستأتي بإذن الله تعالى، وهكذا يراد هذان المعنيان - الحرمة والمحرمية - إذا أطلق معنى المحرمية وانتشارها في فرع من الفروع؛ لأن أحد المعنيين قد يوجد في فرع دون المعنى الآخر؛ كما أن أمهات المؤمنين رضي الله عنهم يحرم نكاحهن على سائر المسلمين، مع عدم ثبوت المحرمية، وإلا لجاز لهن وضع الحجاب أمام المؤمنين، والخلوة بهم، وغيرها من أحكام المحرمية، ولذلك قال أبو العباس ابن تيمية: "إنهن أمهات المؤمنين في التحريم دون المحرمية.
ينظر: ابن تيمية: منهاج السنة النبوية (3/ 68). ابن حجر: فتح الباري (11/ 374). ابن القيم: المصدر السابق، (5/ 569 - 570).
(4)
ينظر: ابن قدامة: المصدر السابق، (11/ 324). شمس الدين ابن قدامة: المصدر السابق، (24/ 223).
(5)
ينظر: ابن عابدين: المصدر السابق، (4/ 411).
(6)
ينظر: القرافي: المصدر السابق، (4/ 270). الحطاب: المصدر السابق، (4/ 575).
(7)
ينظر: الشافعي: المصدر السابق، (6/ 85).
(8)
ينظر: ابن قدامة: المصدر السابق، (11/ 324). شمس الدين ابن قدامة: المصدر السابق، (24/ 223).
(9)
ينظر: ابن قدامة: المصدر السابق، (11/ 324).
(10)
ينظر: المرداوي: المصدر السابق، (24/ 223).
وصححها أبو محمد ابن قدامة
(1)
وشمس الدين ابن قدامة
(2)
، وابن حامد
(3)
؛ لكن الرواية المنصوصة غير ذلك
(4)
، وهو قول كل من يحفظ عنه ابن المنذر
(5)
.
القول الثاني: يحرم؛ إذا بلغت التاسعة عمُرًا.
وهو إطلاق بعض الحنفية
(6)
، ووجه للحنابلة
(7)
.
القول الثالث: يحرم؛ إن كان يوطأ مثلها.
وهو قول بعض المالكية
(8)
.
القول الرابع: يحرم؛ إن لم تنقص عن سن المحيض؛ سواء كان يوطأ مثلها، أو لا.
وهو قول عند المالكية
(9)
.
(1)
ينظر: ابن قدامة: المصدر السابق، (11/ 324).
(2)
ينظر: شمس الدين ابن قدامة: المصدر السابق، (24/ 223).
(3)
ينظر: ابن قدامة: المصدر السابق، (11/ 324). شمس الدين ابن قدامة: المصدر السابق، (24/ 223).
(4)
ينظر: شمس الدين ابن قدامة: المصدر السابق، (24/ 223). ومن هنا يثور إشكال تعدد الروايات غير المنصوصة في مذهب أحمد؛ إذ يرجع ذلك إلى توسع الحنابلة في إطلاق الرواية على أقوال الأصحاب، حتى جرى بذلك عرفهم، فما لم يتبعوا فيه من الروايات بأن أحمد نص عليه أو أنها رواية منصوصة ونحو ذلك مما يدخل في مادة النص؛ فليس هو من قول أحمد، ولذلك ذكر ابن قدامة - كما في المقنع - كون الظاهر من الرواية في هذا القول أنها من قول ابن حامد، وكان من قول محمد بن عبد الوهاب: أكثر الإقناع والمنتهى مخالف لمذهب أحمد ونصه؛ يعرف ذلك من عرفه ا. هـ ينظر: شمس الدين ابن قدامة: المصدر السابق، (24/ 223). ابن قاسم: الدرر السنية في الأجوبة النجدية (1/ 45).
(5)
ينظر: ابن قدامة: المصدر السابق، (11/ 324). شمس الدين ابن قدامة: المصدر السابق، (24/ 223).
(6)
ينظر: الميداني: المصدر السابق، (4/ 85).
(7)
ينظر: المرداوي: المصدر السابق، (24/ 224).
(8)
ينظر: القرافي: المصدر السابق، (4/ 270). الحطاب: المصدر السابق، (4/ 575).
(9)
ينظر: الحطاب: المصدر السابق، (4/ 575 - 576)، وقيد ابن هارون من المالكية هذا القول - مستدركا على ابن الحاجب إطلاق الخلاف فيه عندهم - بما إذا كانت لم تبلغ حد الوطء؛ فأما إن بلغته لم يشترط، وصوبه ابن عرفة، واعتذر لابن الحاجب أنه قد تبع في حكاية الأقوال عند المالكية ابن بشير وابن شأس، ووهمه.
ينظر: الحطاب: المصدر السابق، (4/ 576).
القول الخامس: يحرم إن كانت محتملة الولادة؛ بأن تبلغ تسع سنين، ولا يكون المرتضع ابنًا لرجل، وإنما هو ابن للمرأة التي أرضعته، أما إن لم يحكم ببلوغها، فلو ظهر لصغيرة دون تسع سنين لبن؛ لم يحرم.
وهو مذهب الشافعية
(1)
.
القول السادس: لا يحرم لبن البكر.
وهو قول عند الشافعية
(2)
، والرواية المنصوصة عند الحنابلة
(3)
؛ استظهرها في المذهب صاحب الفروع
(4)
، وصححها بعض الأصحاب
(5)
.
- الأدلة:
أدلة القول الأول: استدل أصحاب القول الأول بما يأتي:
1 -
إطلاق النص في قوله تعالى: {وَأُمَّهَاتُكُمْ اللَّاتِي أَرْضَعْنَكُمْ} [سورة النساء: 23]؛ حيث لم يفصل فيه بين بكر وثيب.
(6)
2 -
قول النبي صلى الله عليه وسلم: "الرضاعة من المجاعة"
(7)
، وقوله:"الرضاعة ما أنبت اللحم"
(8)
، وذلك عام، وهو موجود في لبن البكر.
(9)
(1)
ينظر: النووي: المصدر السابق، (9/ 3، 9).
(2)
ينظر: النووي: المصدر السابق، (9/ 4).
(3)
ينظر: ابن قدامة: المصدر السابق، (11/ 324). شمس الدين ابن قدامة: المصدر السابق، (24/ 223). البهوتي: المصدر السابق، (13/ 82).
(4)
ينظر: شمس الدين ابن مفلح: المصدر السابق، (9/ 280). المرداوي: المصدر السابق، (24/ 224).
(5)
ينظر: المرداوي: المصدر السابق، (24/ 224).
(6)
ينظر: الجصاص: شرح مختصر الطحاوي (5/ 278). الميداني: المصدر السابق، (4/ 85). الحطاب: المصدر السابق، (4/ 576). ابن قدامة: المصدر السابق، (11/ 324). شمس الدين ابن قدامة: المصدر السابق، (24/ 223).
(7)
تقدم تخريجه عند الضابط الثامن من المبحث الثالث في التمهيد.
(8)
تقدم تخريجه عند الضابط الخامس من المبحث الثالث في التمهيد.
(9)
ينظر: الجصاص: المصدر السابق، (5/ 278). الحطاب: المصدر السابق، (4/ 576).
3 -
إن لبنها يغذي، فيثبت به شبهة البعضية، وألبان النساء إنما خلقت لغذاء الأطفال.
(1)
ونوقش بما يلي: أ- ندرته
(2)
، والحكم في الشريعة للغالب.
وأجيب عنه: بأن جنسه معتاد.
(3)
4 -
إنه في غير معنى ولد الزنا - وإن كانت له أم ولا أب له -؛ لأن لبنه الذي أرضع به لم ينزل من جماع.
(4)
5 -
إنه لبن امرأة فتعلق به التحريم؛ كما لو ثاب بوطء.
(5)
أدلة القول الثاني: استدل أصحاب القول الثاني بما يأتي:
1 -
إنه سبب النشوؤ - يعني: العمر -؛ فتثبت به شبهة البعضية.
(6)
أدلة القول الثالث: استدل أصحاب القول الثالث بما يأتي:
1 -
قياسًا على الولادة
(7)
، وهي سبب ثوبانه، فكذلك الوطء هو الآخر سببًا لثيابة اللبن.
أدلة القول الخامس: استدل أصحاب القول الخامس بما يأتي:
أولًا: الاستدلال على نصب البلوغ علامة للبن المحرم:
1 -
إن احتمال البلوغ قائم، والرضاع كالنسب، فكفى فيه الاحتمال.
(8)
ثانيًا: الاستدلال على أن المرتضع لا يكون ابنًا لرجل، وإنما هو ابن للمرأة التي أرضعته:
(9)
(1)
ينظر: ابن قدامة: المصدر السابق، (11/ 324). شمس الدين ابن قدامة: المصدر السابق، (24/ 223). د. عادل الصاوي: المصدر السابق، (ص 424).
(2)
ينظر: ابن قدامة: المصدر السابق، (11/ 324). شمس الدين ابن قدامة: المصدر السابق، (24/ 223).
(3)
ينظر: ابن قدامة: المصدر السابق، (11/ 324). شمس الدين ابن قدامة: المصدر السابق، (24/ 223).
(4)
ينظر: الشافعي: المصدر السابق، (6/ 85).
(5)
ينظر: ابن قدامة: المصدر السابق، (11/ 324). شمس الدين ابن قدامة: المصدر السابق، (24/ 223).
(6)
الميداني: المصدر السابق، (4/ 85).
(7)
ينظر: الحطاب: المصدر السابق، (4/ 576).
(8)
ينظر: النووي: المصدر السابق، (9/ 3).
(9)
ينظر: النووي: المصدر السابق، (9/ 9).
1 -
…
إن الحرمة إنما تثبت بين الرضيع والفحل إذا كان منسوبًا إلى الفحل؛ بأن ينتسب إليه الولد الذي نزل عليه اللبن
(1)
.
أدلة القول السادس: استدل أصحاب القول السادس بما يأتي:
1 -
إنه نادر، لم تجر العادة به لتغذية الأطفال؛ فأشبه لبن الرجال والبهيمة.
(2)
2 -
إنه ليس بلبن حقيقة، بل رطوبة متولدة؛ لأن الرضاع ما أنشر
(3)
العظم وأنبت اللحم، وهذا ليس كذلك.
(4)
ونوقش بما يأتي: أ- إن جنسه معتاد.
(5)
كما يمكن أن يناقش بما يأتي: ب- إن معنى التغذية الموجود في حليب مَن ثاب لبنها عن حمل من انفتاق الأمعاء وسد المجاعة ثم نشوز العظم ونبات اللحم؛ قد تحقق بلبن البكر، فلا معنى للتفريق بين المتماثلين في أحكام الشريعة، ولا دليل على ما يخصص نصوص ثبوت التحريم العامة.
ج- إنه مقتضى الاحتياط.
- الترجيح: تعود الأقوال الستة في الجملة إلى قولين؛ التحريم بلبن البكر، وعدم التحريم.
وعامة قيودات أرباب التحريم ترجع إلى أمور ظنية، غلب على الظن معها عندهم أن الحليب يكون معها شبيهًا بالحليب الثائب عن الحمل أو الوطء في خصائصه وصفاته.
ومن لم ير التحريم؛ يفهم مما استدل به أن ما خرج من ثدي البكر لو كان يشبه ما ثاب عن الحمل أو الوطء من الألبان في صفاته ومكوناته؛ أنه يثبت به التحريم.
وإذا كان ذلك كذلك؛ لم يعد بدٌّ من القول بتحريم لبن البكر إن سمي حليبًا؛ بحيث يشبه الحليب الثائب عن الحمل، وهذا مقتضى حمل نصوص الشريعة في الباب على ما تسعه من المعاني وتقتضيه من المقاصد؛ فإنها - أي: البكر التي ثاب لبنها - سدت جوعة الرضيع بلبنها ففتقت به
(1)
ينظر: النووي: المصدر السابق، (9/ 16).
(2)
ينظر: ابن قدامة: المصدر السابق، (11/ 324). شمس الدين ابن قدامة: المصدر السابق، (24/ 223). البهوتي: المصدر السابق، (13/ 82).
(3)
بالراء المهملة، والنشر بمعنى الإحياء، وكذلك (أنشز). ينظر: الفيومي: المصدر السابق، (ص 831).
(4)
ينظر: المرداوي: المصدر السابق، (24/ 224). البهوتي: المصدر السابق، (13/ 82).
(5)
ينظر: ابن قدامة: المصدر السابق، (11/ 324).
أمعاءه وشدَّت عظامه، ولها عليه حقٌّ بإرضاعه من لبنها؛ حيث صار جزء من بدنها فيه، وتقدم قريبًا من المرفوعات المتفق عليها:"الرضاعة من المجاعة"، والمقصود من هذا الحديث: أنه لا يحرم من حليب المرضع إلا ما كان يسد جوعة الرضيع من دون أن يجتمع معه غيره من الطعام.
(1)
قال ابن باز ت 1420 هـ: كل امرأة ثاب لها لبن، فأرضعت به طفلًا خمس رضعات في الحولين؛ فإنه يحرِّم؛ سواء كان اللبن من امرأة حامل، أو ثيب، أو بكر متزوجة أو غير متزوجة، أو كبيرة السن؛ فإنه محرم، وكلام الفقهاء أن اللبن المحرم هو ما ثاب عن حمل لا دليل عليه؛ لأن الحديث عَمم، ولم يخصص ا. هـ
(2)
- ثمرة الخلاف: ترتب على الخلاف في هذه المسألة أثر في الفروع الآتية:
1 -
إذا أراد زوج البكر التي أرضعت في بكارتها أن يتزوج ممن أرضعتها فلا مانع؛ إذا طلقها قبل الدخول؛ لأن الحرمة لا تتعدى إلى زوجها. أما لو طلقها بعد الدخول؛ فليس له التزوج بالرضيعة؛ لأنها صارت من الربائب التي دخل بأمها
(3)
، وهذا عند من يرى في لبن البكر ما يحرم، ومن لم فيه شيئًا لم يكن له مدخل في القول بالمنع.
2 -
إذا نزل للبكر ماء أصفر؛ لم يحرِّم، حتى تجري عليه أوصاف اللبن، فيحكم بها
(4)
، وهذا مبني على قول من يقول بتحريم لبن البكر - وهو الراجح -، وأما من لم ير فيه ما يحرم مطلقًا، فلا ترد عليه هذه المسألة.
3 -
لو أن بكرًا نزل لها لبن، فحلب - وهي لم تمسس بنكاح ولا غيره، ولم يعلم لها حمل -، فأُرضع به مولود خمس رضعات؛ كان ابنها - على المترجح -، ولا أب له
(5)
؛ خلافًا للقول المرجوح الذي قال فيه أصحابه بعدم تحريم لبن البكر مطلقًا، وهم نفر من الشافعية والحنابلة
(6)
.
(1)
ينظر: الضابط الثامن من المبحث الثالث في تمهيد هذا البحث.
(2)
عبد الله بن عثمان آل نجران التويجري: فتاوى وتقريرات علمية من دروس سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز (ص 461).
(3)
ينظر: ابن عابدين: المصدر السابق، (4/ 411).
(4)
ينظر: ابن عابدين: المصدر السابق، (4/ 411).
(5)
ينظر: الشافعي: المصدر السابق، (6/ 85).
(6)
ينظر: ابن قدامة: المصدر السابق، (11/ 324). شمس الدين ابن قدامة: المصدر السابق، (24/ 223). البهوتي: المصدر السابق، (13/ 82).