الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
- الترجيح: الراجح ثبوت التحريم من الحليب الذي يصب في الجراحة إذا تغذى منه الجسم؛ بحيث يمكنه العيش معه لو لم يطعم سواه، وذلك؛ لعموم النصوص المثبتة للتحريم من لبن الآدمية، ولأن حليب الآدمية إذا وصل إلى الجوف بأي طريق فقد تحقق معنى الغذاء الذي يقع به نشوز العظم ونبات اللحم، وهذا المعنى هو الذي نصبه الشارع سببًا للتحريم؛ كما لو وصل الحليب إلى الجوف بطريق الفم.
- ثمرة الخلاف: ترتب على الخلاف في المسألة الآنفة أثر في الفروع الآتية:
1 -
إذا استحدثت جَراحة لإيصال حليب الآدمية بأنبوب إلى معدة الرضيع أو الاثني عشر أو أمعائه الدقيقة
(1)
، وحصل به الغذاء؛ ثبت به التحريم على ما ذهب إليه أصحاب القول الأول، ولم يثبت به التحريم فيما ذهب إليه أصحاب القول الثاني.
المسألة الثالثة: حقن الحليب من طريق الدبر
.
ينصرف إطلاق الفقهاء إزاء الحقن في باب الرضاع إلى الألبان المحقونة من طريق الدبر، وقد اختلف الفقهاء في أثر الحقنة في ثبوت التحريم؛ على ما يأتي:
القول الأول: لا تحرم الحقنة شيئًا.
وبه قال الحنفية
(2)
، وبعض المالكية؛ كابن القاسم
(3)
، وهو المذهب عند الشافعية
(4)
، ومذهب الحنابلة المنصوص عليه
(5)
الذي عليه جماهير الأصحاب
(6)
، وابن حزم
(7)
.
القول الثاني: تحرم إن كانت غذاءً؛ يعني: أنها تصل إلى محل الغذاء.
وبه قال المالكية
(8)
، ونسب إلى الشافعي
(9)
.
(1)
وهو ما يسمى في الوقت الحاضر بتفميم المعدة، ويمكن أن يفعل بالطفل لإدخال الحليب من خلاله ا. هـ أفدته من حوار شفوي جرى مع الصيدلي زيد العشبان.
(2)
ينظر: الجصاص: المصدر السابق، (5/ 273). ابن عابدين: المصدر السابق، (4/ 413).
(3)
ينظر: القرافي: المصدر السابق، (4/ 275).
(4)
ينظر: الشافعي: المصدر السابق، (6/ 83). النووي: المصدر السابق، (9/ 6).
(5)
ينظر: ابن قدامة: المصدر السابق، (11/ 315). شمس الدين ابن قدامة: المصدر السابق، (24/ 243). المرداوي: المصدر السابق، (24/ 243). البهوتي: المصدر السابق، (13/ 84).
(6)
ينظر: المرداوي: المصدر السابق، (24/ 243).
(7)
ينظر: ابن حزم: المصدر السابق، (10/ 9).
(8)
ينظر: القرافي: المصدر السابق، (4/ 274). الحطاب: المصدر السابق، (4/ 575).
(9)
ينظر: ابن قدامة: المصدر السابق، (11/ 315).
القول الثالث: تنشر الحرمة.
وبه قال بعض المالكية؛ كابن حبيب
(1)
، وحكاه الشافعي قولًا
(2)
، ونسبه إليه بعض فقهاء المذاهب
(3)
، وظاهر مذهب الشافعية إذا بلغ الأمعاء
(4)
، واختيار البغوي
(5)
، وقال به ابن حامد من الحنابلة
(6)
، وحكاه رواية
(7)
، واختاره ابن أبي موسى
(8)
؛ بيد أن ابن حبيب قال: تحرم، ولو لم يصل إلى الجوف
(9)
.
- الأدلة:
أدلة القول الأول: استدل أصحاب القول الأول بما يأتي:
1 -
إن الحقنة لا تصل إلى موضع الغذاء
(10)
، وهو المعدة
(11)
؛ فلم ينشر الحرمة؛ لأنه ليس رضاعًا، ولا حصل به التغذي
(12)
، كما لو قطر في إحليله.
(13)
2 -
إنه لا تأثير له في إنبات اللحم، ولا إنشاز العظم؛ إذ لا يصل إلى المعدة، وهي موضع الغذاء
(14)
، والعلة هي إنبات اللحم وإنشاز العظم، لا حصوله في الجوف.
(15)
(1)
ينظر: القرافي: المصدر السابق، (4/ 275).
(2)
ينظر: الشافعي: المصدر السابق، (6/ 83).
(3)
ينظر: ابن قدامة: المصدر السابق، (11/ 315).
(4)
ينظر: النووي: المصدر السابق، (9/ 7).
(5)
ينظر: النووي: المصدر السابق، (9/ 7).
(6)
ينظر: ابن قدامة: المصدر السابق، (11/ 315). شمس الدين ابن قدامة: المصدر السابق، (24/ 243). المرداوي: المصدر السابق، (24/ 244).
(7)
ينظر: المرداوي: المصدر السابق، (24/ 244).
(8)
ينظر: ابن قدامة: المصدر السابق، (11/ 315). شمس الدين ابن قدامة: المصدر السابق، (24/ 243). المرداوي: المصدر السابق، (24/ 244).
(9)
ينظر: القرافي: المصدر السابق، (4/ 275).
(10)
الجصاص: المصدر السابق، (5/ 273). القرافي: المصدر السابق، (4/ 275). ينظر: الشافعي: المصدر السابق، (6/ 83). البهوتي: المصدر السابق، (13/ 84).
(11)
ينظر: الشافعي: المصدر السابق، (6/ 83).
(12)
ينظر: ابن قدامة: المصدر السابق، (11/ 315). البهوتي: المصدر السابق، (13/ 84).
(13)
ينظر: شمس الدين ابن قدامة: المصدر السابق، (24/ 243).
(14)
الجصاص: المصدر السابق، (5/ 273).
(15)
ينظر: المرداوي: المصدر السابق، (24/ 243).
3 -
قياسًا على مرور اللبن على سطح الجسم؛ بجامع عدم تحصيل الغذاء، ولو وصل للجوف مستهلكًا.
(1)
4 -
كما لو قطر في إحليله.
(2)
5 -
إنه ليس برضاع، ولا في معناه؛ فلم يجز إثبات حكمه فيه.
(3)
ونوقش بما يأتي: أ- إنكم تفطرون بها الصائم.
(4)
وأجيب عنه: بأن الفطر للصائم لا يعتبر فيه إنبات اللحم، ولا إنشاز العظم، وهذا لا يحرم فيه إلا ما أنبت اللحم، وأنشز العظم.
(5)
وبأن اللبن وصل إلى الباطن من غير الحلق؛ أشبه ما لو وصل من جرح.
(6)
6 -
إن اللبن وصل إلى الباطن من غير الحلق، أشبه ما لو وصل من جرح.
(7)
7 -
إنه لا يسمى إرضاعًا إلا ما وضعته المرأة المرضعة من ثديها في فم الرضيع؛ يقال: أرضعته ترضعه إرضاعًا، ولا يسمى رضاعة، ولا إرضاعًا إلا أخذُ المرضع أو الرضيع بفيه الثديَ وامتصاصُه إياه؛ تقول: رضع يرضع رضاعًا ورضاعة، وأما كل ما عدا ذلك؛ فلا يسمى شيء منه إرضاعًا، ولا رضاعة ولا رضاعًا؛ إنما هو حلب وطعام وسقاء، وشرب وأكل وبلع، وحقنة وسعوط وتقطير، ولم يحرم الله عز وجل بهذا شيئًا.
(8)
ونوقش بما يأتي: أ- إنكم قستم ذلك على الرضاع والإرضاع.
(9)
(1)
ينظر: القرافي: المصدر السابق، (4/ 275).
(2)
ينظر: ابن قدامة: المصدر السابق، (11/ 315).
(3)
ينظر: ابن قدامة: المصدر السابق، (11/ 315). البهوتي: المصدر السابق، (13/ 84).
(4)
ينظر: شمس الدين ابن قدامة: المصدر السابق، (24/ 243 - 244).
(5)
ينظر: شمس الدين ابن قدامة: المصدر السابق، (24/ 244).
(6)
ينظر: شمس الدين ابن قدامة: المصدر السابق، (24/ 244).
(7)
ينظر: ابن قدامة: المصدر السابق، (11/ 315).
(8)
ينظر: ابن حزم: المصدر السابق، (10/ 9).
(9)
ينظر: ابن حزم: المصدر السابق، (10/ 9).
وأجيب عنه: بأن القياس كله باطل، ولو كان القياس حقًّا لكان هذا منه عين الباطل، وبالضرورة يدري كل ذي فهم أن الرضاع من شاةٍ يشبه الرضاع من امرأة؛ لأنهما جميعًا رضاع، والرضاع من الشاة يشبه الرضاع من المرأة أكثر من الرضاع بالحقنة، ومن الرضاع بالسعوط، وأنتم لا تحرمون بغير النساء؛ فلاح تناقضكم في قياسكم الفاسد، وشرعكم بذلك ما لم يأذن به الله عز وجل.
(1)
ويمكن أن يناقش الجواب: بقول الله تعالى: {وَأُمَّهَاتُكُمْ اللَّاتِي أَرْضَعْنَكُمْ وَأَخْوَاتُكُمْ مِنَ الرَّضَاعَةِ} [سورة النساء: 23]، وغير بني آدم لا يصير لبني آدم أمًّا، ولا أخًا في الجنس، فضلًا عن الرضاعة.
ب - إن قولكم هذا مخالف لما دلت عليه نصوص الشريعة التي تعتبر ما فتق الأمعاء من الألبان محرِّمًا؛ في مثل المرويات الآتية: "إنما الرضاع ما فتق الأمعاء" رواه أصحاب السنن
(2)
، "إنما الرضاعة من المجاعة" متفق عليه
(3)
، وهذا يوجد في اللبن الواصل إلى الجوف؛ صبًّا في الحلق، أو التقامًا للثدي، أو حقنًا في الدبر، أو غير ذلك، ولعل رضاع سالم - كما في صحيح مسلم
(4)
- كان هكذا.
(5)
كما يمكن أن يناقش دليلهم بما يأتي: ج- إن هذا تخصيص للحكم الشرعي بالعرف اللغوي، والعرف الشرعي يقدم عليه إذا تعارض معه.
أدلة القول الثاني: استدل أصحاب القول الثاني بما يأتي:
1 -
حصول المقصود.
(6)
أدلة القول الثالث: استدل أصحاب القول الثالث بما يأتي:
1 -
إنها تفطر الصائم لو احتقن
(7)
، وهو سبيل يحصل بالواصل منه الفطر، فتعلق به التحريم؛ كالرضاع.
(8)
(1)
ينظر: ابن حزم: المصدر السابق، (10/ 9).
(2)
تقدم تخريجه عند الضابط السابع من ضوابط المبحث الثالث في التمهيد.
(3)
تقدم تخريجه عند الضابط الثامن من المبحث الثالث في التمهيد.
(4)
تقدم تخريجه في المطلب الرابع من المبحث السادس في الفصل الأول.
(5)
ينظر: المازري: المعلم بفوائد مسلم (2/ 110). القاضي عياض: المصدر السابق، (4/ 640).
(6)
ينظر: القرافي: المصدر السابق، (4/ 274).
(7)
ينظر: الشافعي: المصدر السابق، (6/ 83).
(8)
ينظر: ابن قدامة: المصدر السابق، (11/ 315). شمس الدين ابن قدامة: المصدر السابق، (24/ 243).
ونوقش بما يأتي: أ- إن الحقنة لا يعتبر فيه إنبات اللحم، ولا إنشاز العظم، وهذا لا يحرم فيه إلا ما أنبت اللحم وأنشز العظم.
(1)
- الترجيح: الراجح أنه لا يثبت التحريم من الحليب الذي يحقن به دبرُ الرضيع؛ لأن السبب الذي نصبه الشارع للتحريم هو الغذاء، وليس طريق الدبر مدخلًا للأغذية، ولا هو أكلًا أو شربًا، ولا في معناهما؛ لأن الأمعاء الغليظة وإن كانت تمتص سوائل الفضلات وغيرها بشكل ضعيف؛ إلا أن الوظيفة الأساسية لها هي تكوين البراز وطرده إلى الخارج، وما يدخل فيها يخرج غالبًا ولا يستقر، وإن استقر فهو لا يغني عن الأكل والشرب، وإذا كان كذلك؛ فهو مما لا يسد مجاعة الرضيع، ولا يلحقه وصف التحريم
(2)
.
- ثمرة الخلاف: ترتب على الخلاف في هذه المسألة أثر في الفروع الآتية
1 -
إذا كوّنت أقراص بألبان الآدميات، وحقن بها الرضيع؛ لم يثبت بها التحريم في قول الجمهور، ويثبت بها التحريم في قول بعض المالكية وبعض الحنابلة.
2 -
إذا وصل حليب الآدمية إلى المستقيم بطريق الأنابيب؛ لم يثبت به التحريم في قول الجمهور، ويثبت بها التحريم في قول بعض المالكية وبعض الحنابلة.
- سبب الخلاف: يرجع منشأ الخلاف في هذه المسألة إلى ما يأتي:
1 -
إذا نصب الشرع سببًا - كالرضاع - لا شتماله على حكمة؛ فهل يقتصر عل عين السبب - كالالتقام من الثدي -، أو تعتبر الحكمة؟
فقالت طائفة: يقتصر على عين السبب؛ لأن الشرع لم ينصب غيره،
(3)
وهؤلاء لم يروا في حقنة الحليب شيئًا ينشر المحرمية، وهو ما قال به ابن حزم
(4)
.
وقالت طائفة: يجوز اعتبار الحِكَم؛ لأنها أصل وضع السبب، والأصل أقوى من الفرع؛ كما شرعت السرقة سببًا في القطع لحكمة صون الأموال، والزنا سببًا للحد لحكمة صون
(1)
ينظر: ابن قدامة: المصدر السابق، (11/ 315).
(2)
ينظر: د. عبد المجيد الشاعر: أساسيات علم وظائف الأعضاء (ص 220 - 226).
(3)
ينظر: القرافي: المصدر السابق، (4/ 276).
(4)
ينظر: ابن حزم: المصدر السابق، (10/ 9).