الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المطلب الثالث
أثر الأشكال التي يحوَّل إليها الحليب في انتشار المحرمية
قرر فقهاء المسلمين أن من الحليب ما يكون محضًا، ومنه ما يكون مشوبًا؛ فما كان خالصًا لم يخالطه سواه؛ فهو محض، وإلا؛ فمشوب
(1)
، ثم بحثوا أثر اختلاط حليب الأم وامتزاجه بغيره على بقاء خاصية التحريم، وكان من بين ما درسوه في هذا الصدد المسائل الآتية:
المسألة الأولى: اختلاط الحليب بالماء
.
صورة المسألة: إذا صُبَّ حليب في ماء، ثم أوجره صبي؛ فهل يحصل به الرضاع المحرِّم؟
اختلف الفقهاء في ذلك على ما يأتي:
القول الأول: إذا غلب الحليب تعلق به التحريم، وكذا إذا استويا، وإن غلب الماء لم يتعلق به تحريم، ومثل الماء كل مائع وجامد.
وبه قال الحنفية
(2)
.
القول الثاني: لا يحرِّم.
وهو قول مخرج على قول أبي حنيفة في مسألة اختلاط الحليب بالطعام
(3)
.
القول الثالث: إذا غلب الحليب تعلق به التحريم، ولم يبينوا الحكم حالة الاستواء، والظاهر أنهم لا يرون فيه تحريمًا؛ لتخلف صفة الغلبة حينئذ.
وهو قول المالكية
(4)
، وقول عند الشافعية
(5)
؛ اختاره المزني
(6)
، وابن حامد من الحنابلة
(7)
وأبو الخطاب
(8)
، وأبو ثور
(9)
، والمزني
(10)
.
(1)
ينظر: ابن قدامة: المصدر السابق، (11/ 315).
(2)
الجصاص: المصدر السابق، (5/ 276 - 277). ابن عابدين: المصدر السابق، (4/ 411). الميداني: المصدر السابق، (4/ 82).
(3)
ينظر: الجصاص: المصدر السابق، (5/ 276 - 277).
(4)
ينظر: الحطاب: المصدر السابق، (4/ 575).
(5)
ينظر: النووي: المصدر السابق، (9/ 4).
(6)
ينظر: ابن قدامة: المصدر السابق، (11/ 315).
(7)
ينظر: ابن قدامة: المصدر السابق، (11/ 315). شمس الدين ابن قدامة: المصدر السابق، (24/ 241). ابن رجب: تقرير القواعد (ص 137). المرداوي: المصدر السابق، (24/ 241).
(8)
ينظر: المرداوي: المصدر السابق، (24/ 241).
(9)
ينظر: ابن قدامة: المصدر السابق، (11/ 315).
(10)
ينظر: شمس الدين ابن قدامة: المصدر السابق، (24/ 241).
وعمم الشافعية القول في ذلك على كل مائع؛ كالماء، ولبن الشاة، ولو نجسًا؛ كالخمر عندهم.
(1)
القول الرابع: يحرِّم؛ إلا إذا كان الحليب مغلوبًا، فلا يقع التحريم إلا أن يشرب جميع المخلوط.
وهو وجه للشافعية
(2)
، واستظهره النووي وعزاه لابن سريج وأبي إسحاق والماوردي
(3)
.
وعمم الشافعية القول في ذلك على كل مائع، ولو نجسًا.
(4)
القول الخامس: يحرِّم مطلقًا، ولو شرب بعض المخلوط فيما كان الحليب فيه مغلوبًا.
وهو قول الشافعي
(5)
، ووجه عند الشافعية
(6)
؛ اختاره الصميري والقاضي أبو الطيب
(7)
، والأصح من مذهب الحنابلة إذا كانت صفات اللبن باقية
(8)
- وهي: الطعم، واللون، والريح -
(9)
، فأما إن صب في ماء كثير لم يتغير به؛ لم يثبت به التحريم عندهم
(10)
.
وقيده الشافعي بشرط الوصول إلى الجوف
(11)
، وبه قال النووي إذا تحقق انتشاره في الخليط، وحصول بعضه في المشروب، أو كان الباقي من المخلوط أقل من قدر اللبن؛ ثبت به
(1)
ينظر: النووي: المصدر السابق، (9/ 4، 5).
(2)
ينظر: النووي: المصدر السابق، (9/ 4، 5).
(3)
ينظر: النووي: المصدر السابق، (9/ 4، 5).
(4)
ينظر: النووي: المصدر السابق، (9/ 4، 5).
(5)
ينظر: الشافعي: المصدر السابق، (6/ 83).
(6)
ينظر: النووي: المصدر السابق، (9/ 5).
(7)
ينظر: النووي: المصدر السابق، (9/ 5).
(8)
ينظر: ابن قدامة: المصدر السابق، (11/ 315 - 316). شمس الدين ابن قدامة: المصدر السابق، (24/ 241 - 242). المرداوي: المصدر السابق، (24/ 241). البهوتي: المصدر السابق، (13/ 88).
(9)
ينظر: البهوتي: المصدر السابق، (13/ 88).
(10)
ينظر: شمس الدين ابن قدامة: المصدر السابق، (24/ 242). البهوتي: المصدر السابق، (13/ 88).
(11)
ينظر: الشافعي: المصدر السابق، (6/ 83).
التحريم عنده قطعًا
(1)
، وعزاه للشافعي
(2)
، وعمم الشافعية القول في ذلك على كل مائع، ولو نجسًا.
(3)
القول السادس: إن كان الخليط غير الماء؛ فيحرم؛ إلا أن يكون الحليب مغلوبًا؛ فلا يحرم؛ إلا أن يشرب جميع المخلوط، وإن كان ماء، واللبن مغلوب، فإن امتزج بما دون القلتين، وشرب الصبي كله، فيثبت به التحريم، وإن شرب بعضه؛ لم يثبت به التحريم، وإن امتزج بقلتين فصاعدا؛ لم يثبت به التحريم.
وهو قول محكي في مذهب الشافعي
(4)
؛ قال النووي: وهذه الطريقة ضعيفة.
(5)
القول السابع: كالقول السابق؛ إلا أن اللبن إذا كان مغلوبًا، فامتزج بما دون القلتين، وشرب الصبي كله أو بعضه؛ لم يثبت به التحريم.
وهو قول محكي في مذهب الشافعي
(6)
؛ قال النووي: وهذه الطريقة ضعيفة.
(7)
القول الثامن: يحرم مطلقًا ولو لم تكن صفات اللبن باقيةً؛ بشرط شربه كله ولو في دفعات، وتكون رضعةً واحدة.
وهو محكي عن الشافعي
(8)
، والقاضي أبي يعلى من الحنابلة
(9)
.
وقبل سوق الأدلة، فإن هذه المسألة لا ترد على أصل داود وابن حزم في اشتراط امتصاص الراضع من ثدي المرضعة لثبوت التحريم باللبن
(10)
؛ لأن سقي الصبيِّ الحليبَ بعد خلطه
(1)
ينظر: النووي: المصدر السابق، (9/ 5).
(2)
ينظر: النووي: المصدر السابق، (9/ 5).
(3)
ينظر: النووي: المصدر السابق، (9/ 4، 5).
(4)
ينظر: النووي: المصدر السابق، (9/ 5).
(5)
ينظر: النووي: المصدر السابق، (9/ 5).
(6)
ينظر: النووي: المصدر السابق، (9/ 5).
(7)
ينظر: النووي: المصدر السابق، (9/ 5).
(8)
ينظر: شمس الدين ابن قدامة: المصدر السابق، (24/ 242).
(9)
ينظر: ابن قدامة: المصدر السابق، (11/ 316). شمس الدين ابن قدامة: المصدر السابق، (24/ 242). المرداوي: المصدر السابق، (24/ 242). ابن رجب: المصدر السابق، (ص 137).
(10)
ينظر: ابن حزم: المصدر السابق، (10/ 9 - 10). ابن قدامة: المصدر السابق، (11/ 313). شمس الدين ابن قدامة (24/ 237).
بالماء لا يكون إلا بعد حلبه، وهو إحدى الروايتين عن أحمد
(1)
، واختيار أبي بكر من الحنابلة
(2)
.
- الأدلة: استدل بعض أصحاب الأقوال بأدلة، وهي كما يأتي:
أدلة القول الأول: استدل أصحاب القول الأول بما يأتي:
أولًا: الاستدلال على تعلق التحريم بالحليب المخلوط بالماء، وكان الحليب غالبًا:
1 -
إن المغلوب غير موجود حكماً؛ فتزول قوته، ولا يمكن الاقتصار عليه في تغذية الصبي.
(3)
2 -
إن قوة الغالب باقية في تغذية الصبي وسد جوعته، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم:"الرضاعة من المجاعة"
(4)
متفق عليه، وقال:"الرضاعة ما أنبت اللحم" رواه أهل السنن وغيرهم
(5)
.
(6)
ثانيًا: على تعلق المحرمية بالحليب عند استوائه مع الماء إذا خلط به؛ بما يلي:
2 -
إن لبنها غير مغلوب فلم يكن مستهلكًا.
(7)
أدلة القول الثاني: استدل أصحاب القول الثاني بما يأتي:
1 -
القياس على اختلاط الطعام بالحليب؛ لأنه يسلبه قوته حتى لا يمكن الصبي الاقتصار عليه في الغذاء، ولا يقوم عليه بدنه لو دام عليه؛ فلذلك لم يحرم.
(8)
2 -
إنه وجور.
(9)
(1)
ينظر: ابن قدامة: المصدر السابق، (11/ 313، 315). شمس الدين ابن قدامة (24/ 236، 241). المرداوي: المصدر السابق، (24/ 241). البهوتي: المصدر السابق، (13/ 87).
(2)
ينظر: ابن قدامة: المصدر السابق، (11/ 313). شمس الدين ابن قدامة (24/ 236، 241). المرداوي: المصدر السابق، (24/ 242).
(3)
ينظر: الجصاص: المصدر السابق، (5/ 277). الميداني: المصدر السابق، (4/ 82).
(4)
تقدم تخريجه عند الضابط الثامن من المبحث الثالث في التمهيد.
(5)
تقدم تخريجه عند الضابط السابع من المبحث الثالث في التمهيد.
(6)
ينظر: الجصاص: المصدر السابق، (5/ 276).
(7)
ابن عابدين: المصدر السابق، (4/ 412).
(8)
ينظر: الجصاص: المصدر السابق، (5/ 277).
(9)
ينظر: ابن قدامة: المصدر السابق، (11/ 315). ينظر: شمس الدين ابن قدامة: المصدر السابق، (24/ 241).
أدلة القول الثالث: استدل أصحاب القول الثالث بما يأتي:
1 -
كالنجاسة المستهلكة في الماء الكثير؛ لا أثر لها.
(1)
ونوقش بما يأتي: أ- إن لها أثرًا، لكنه مندفع بالكثرة.
(2)
2 -
كالخمر المستهلكة في غيرها؛ لا يتعلق بها حد.
(3)
ونوقش بما يأتي: أ- إن الحد منوط بالشدة المزيلة للعقل.
(4)
3 -
كالمحرم يأكل طعامًا استهلك فيه طيب؛ لا فدية عليه.
(5)
ونوقش بما يأتي: أ- إن المحرم ممنوع من التطيب، وليس هذا بتطيب، فعلى هذا؛ إن شرب جميع المخلوط تعلق به التحريم.
(6)
4 -
إن الحكم للأغلب.
(7)
5 -
إنه يزول بذلك الاسم والمعنى المراد به.
(8)
6 -
إن العين المنغمرة في غيرها إذا لم يظهر أثرها؛ فهي كالمعدومة حكمًا.
(9)
أدلة القول الرابع: استدل أصحاب القول الرابع بما يأتي:
1 -
إننا لم نتحقق وصول اللبن.
(10)
2 -
القياس على جب الماء؛ تقع فيه القطرة، فيشرب بعضه.
(11)
(1)
النووي: المصدر السابق، (9/ 4).
(2)
ينظر: النووي: المصدر السابق، (9/ 4).
(3)
النووي: المصدر السابق، (9/ 4).
(4)
ينظر: النووي: المصدر السابق، (9/ 4).
(5)
النووي: المصدر السابق، (9/ 4).
(6)
ينظر: النووي: المصدر السابق، (9/ 4 - 5).
(7)
ينظر: ابن قدامة: المصدر السابق، (11/ 315). ينظر: شمس الدين ابن قدامة: المصدر السابق، (24/ 241).
(8)
ينظر: ابن قدامة: المصدر السابق، (11/ 315). ينظر: شمس الدين ابن قدامة: المصدر السابق، (24/ 241).
(9)
ينظر: ابن رجب: المصدر السابق، (ص 137).
(10)
ينظر: النووي: المصدر السابق، (9/ 5)
(11)
ينظر: النووي: المصدر السابق، (9/ 5)
أدلة القول الخامس: استدل أصحاب القول الخامس بما يأتي:
أولًا: الاستدلال على أن الحليب المخلوط بالماء يحرم مطلقًا، ولو كان مغلوبًا:
1 -
وصول عين اللبن في الجوف، وذلك هو المعتبر، ولهذا يؤثر كثير اللبن وقليله.
(1)
2 -
إن اللبن متى كان ظاهرًا فقد حصل شربه، ويحصل منه إنبات اللحم وإنشاز العظم، فحرم، كما لو كان غالبًا.
(2)
3 -
إن ما تعلق به الحكم لم يفرق بين خالصه ومشوبه؛ كالنجاسة في الماء، والنجاسة الخالصة.
(3)
ثانيًا: الاستدلال على أن التحريم إنما يتجه إذا كانت صفات اللبن باقية:
1 -
إنه إذا صب في ماء كثير لم يتغير به، لم يكن لبنًا مشوبًا، ولا يحصل به التغذي، ولا إنبات اللحم ولا إنشاز العظم، فلم يثبت به التحريم.
(4)
أدلة القول السادس: استدل أصحاب القول السادس بما يأتي:
1 -
عدم تأثير الحليب؛ فيما كان قلتين، فصاعدًا.
(5)
أدلة القول السابع: استدل أصحاب القول السابع بما يأتي:
1 -
عدم تأثير الحليب؛ فيما كان قلتين، فصاعدًا.
(6)
أدلة القول الثامن: استدل أصحاب القول الثامن بما يأتي:
1 -
أجزاء اللبن حصلت في بطنه، فأشبه ما لو كان لونه ظاهرًا.
(7)
ونوقش بما يأتي: أ- إن هذا ليس برضاع، ولا في معناه، فوجب أن لا يثبت حكمه فيه.
(8)
(1)
النووي: المصدر السابق، (9/ 4).
(2)
ينظر: ابن قدامة: المصدر السابق، (11/ 315). ينظر: شمس الدين ابن قدامة: المصدر السابق، (24/ 241 - 242).
(3)
ينظر: البهوتي: المصدر السابق، (13/ 88).
(4)
ينظر: ابن قدامة: المصدر السابق، (11/ 316). ينظر: شمس الدين ابن قدامة: المصدر السابق، (24/ 242). البهوتي: المصدر السابق، (13/ 88).
(5)
ينظر: النووي: المصدر السابق، (9/ 5)
(6)
النووي: المصدر السابق، (9/ 5)
(7)
ينظر: ابن قدامة: المصدر السابق، (11/ 316). شمس الدين ابن قدامة: المصدر السابق، (24/ 242).
(8)
ينظر: ابن قدامة: المصدر السابق، (11/ 316). شمس الدين ابن قدامة: المصدر السابق، (24/ 242).