الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث الثاني
أثر الرضاع على وسائل الإثبات والتقاضي
المطلب الأول
الشهادة للقريب من الرضاع
القرابة النسبية تهمة تحول دون قبول الشهادة في وجهةٍ ارتآها طائفة من الفقهاء
(1)
، غير أنهم اتفقوا على أن الرضاع لا يشترك مع النسب في حكم رد الشهادة؛ اعتبارًا بكون النسب أقوى من الرضاع؛ فلا يقاس عليه في جميع أحكامه؛ إلا ما ورد النص فيه.
(2)
المطلب الثاني
حكم الحاكم لقريبه من الرضاع
من المتقرر اشتراط الكفاءة والاستقلال في القاضي، وحيث كان القاضي بشرًا له من العواطف والمصالح ما يمكن أن يجانب معها الصواب في حكمه؛ الأمر الذي سدت معه الشريعة ذرائع الميل في الحكم ووسائل الجور به؛ ضمانًا لحق الخصوم وتعزيزًا لثقتهم في المؤسسة القضائية، إلى جانب صيانةِ حقوق أطراف النزاع، وحمايةِ ناظر القضية من مواطن الريبة والتهمة وموارد الزيغ والهوى ومواضع التأثُّر؛ من حيث يشعر القاضي في حكمه، أو لا؛ من دون أن يعود ذلك على القاضي بالشك في نزاهته أو التقليل في مصداقيته؛ لأنه إذا كان كذلك؛ لم يصلح لهذا المنصب ابتداءً.
ومن المواطن التي يتجنب القاضي فيها النظر في الدعاوي وسماعها: القضايا المتصلة بالقرابة؛ لأن الحكم نوع من الشهادة.
(1)
ينظر: ابن القيم: إعلام الموقعين (1/ 208، 244). وأطلق القبول: ابن حزم: المصدر السابق، (9/ 538).
(2)
ينظر: الشافعي: المصدر السابق، (6/ 65). النووي: المصدر السابق، (9/ 3، 17). ابن قدامة: المصدر السابق، (11/ 309، 317). شمس الدين ابن قدامة: المصدر السابق، (24/ 214، 215). ابن تيمية: منهاج السنة النبوية (3/ 68). المرداوي: المصدر السابق، (24/ 213 - 214). البهوتي: المصدر السابق، (13/ 78). ابن حزم: المصدر السابق، (10/ 3).
وفي هذا يقرر نظام المرافعات الشرعية المحلِّي أن القاضي يكون ممنوعًا من نظر الدعوى وسماعها إذا كان أحد الخصوم قريبًا له أو صهرًا إلى الدرجة الرابعة ولو لم يطلب تنحيه أحد الخصوم، وأن عمل القاضي يقع باطلًا لو قضى في هذه الحال.
ولكن؛ هل يتعدى هذا الأمر القريب النسبي إلى القريب الرَّضاعي؟
لم أجد فيما نقله الفقهاء أو قرره المنظِّم ما يشير إلى منع الحاكم من الحكم لقريبه الرضاعيِّ؛ كوالد القاضي من الرضاع؛ إلا ما يمكن أن يندرج تحت بعض فقرات المادة السادسة والتسعين من نظام المرافعات الشرعية، والتي أجازت ردَّ القاضي إذا كان أحد الخصوم خادمًا للقاضي، أو اعتاد مؤاكلته أو مساكنته، أو تلقى منه هدية قبيل رفع الدعوى أو بعده - أي: الرفع -، أو عداوة أو مودة يرجح معها عدم استطاعته الحكمَ دون تحيُّز؛ لأن القريب الرضاعي مظنة تلك الأسباب المجيزة لرد القاضي
(1)
.
غير أن تعميمًا أصدره وكيل وزارة العدل للشؤون القضائية
(2)
نص على أن القرابة من الرضاعة ليست من موانع نظر الدعوى وسماعها.
وإذا كان الفقهاء رحمهم الله يقررون أن الرضاع لا يشترك مع النسب في حكم رد الشهادة؛ اعتبارًا بكون النسب أقوى من الرضاع
(3)
؛ فليكن ذلك كذلك في حكم سماع الدعوى من القريب الرضاعي؛ لأن الحكم له نوعُ شهادة.
(4)
(1)
أفدته من حوار جرى مع فضيلة الشيخ د. إبراهيم الجهني؛ أستاذ الفقه المكلف بالمعهد العالي للقضاء، والقاضي بالمحكمة العامة في الرياض.
(2)
موجَّهًا إلى رئيس محاكم منطقة القصيم، بتاريخ 27/ 6/1424 هـ.
(3)
تقدم قريبًا في المطلب الآنف.
(4)
ينظر: ابن قدامة: المصدر السابق، (14/ 12، 181). آل خنين: الكاشف (1/ 473 - 481). د. إبراهيم الموجان: شرح نظام المرافعات (ص 293 - 295). الباب الثامن من أبواب نظام المرافعات الشرعية السعودي (ص 87، 90 - 91، مادة 94، 95، 96).