الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المسألة الثامنة: رضاع المجنونة والسكْرى
.
نص ابن حزم على أن التحريم يقع بالارتضاع من المجنونة والسكرى؛ لأنه رضاع صحيح.
(1)
- ثمرة الخلاف: ترتب على الخلاف في المسائل الأربع الآنفة أثر في الفروع الآتية:
1 -
جعل بعض فقهاء الحنفية
(2)
تلك الأوصاف من دواعي الفسخ في عقد الإجارة من ظئر، فقالوا: إذا ظهر كون الظئر كافرة، أو زانية، أو مجنونة، أو حمقاء؛ كان لهم الفسخ، وكذا إذا كانت سيئةً بذيَّةَ اللسان.
2 -
يثبت التحريم في الرضاع من بنوك الحليب إذا كان الحليب مأخوذًا من فاجرة، أو غير مسلمة، أو حمقاء، أو عمياء، أو جذماء، أو برصاء، أو مجنونة، أو سكرى، أو غير ذلك من الأوصاف والعلل إذا لم تكن تضر الرضيع بشكل مباشر بعد ارتضاعه إبان تركزها فيه، ويندب للبنوك والمتعاملين معها مؤسساتٍ وأفرادًا؛ اختيار الأصلح للرضيع وانتقاء الأسلم.
المسألة التاسعة: إرضاع المسلمةِ الكافرةَ
.
صورة المسألة: إذا أرادت كافرة استئجار مسلمة لإرضاع ولدها؛ فهل يجوز للمسلمة أن تؤجر نفسها لإرضاع ولد الكافر؟ بحث بعض الفقهاء هذه المسألة، واختلفوا فيها على ما يأتي:
القول الأول: لا بأس للمسلمة أن ترضع ولد الكافر بأجر.
وبه قال الحنفية
(3)
، وظاهر اختيار البخاري
(4)
.
القول الثاني: يجوز إذا كان الكافر كتابيًّا.
وبه قال الحنابلة
(5)
.
(1)
ينظر: ابن حزم: المصدر السابق، (10/ 11).
(2)
ينظر: ابن نجيم: البحر الرائق (8/ 26).
(3)
جماعة من علماء الهند برئاسة البرنهابوري: المصدر السابق، (4/ 434).
(4)
وذلك في تبويبه من كتاب الإجارة: بابٌ هل يؤاجر الرجل نفسه من مشرك في أرض الحرب ا. هـ ينظر: البخاري: المصدر السابق، (3/ 270).
(5)
ينظر: شمس الدين ابن مفلح: الفروع (7/ 147).
القول الثالث: لا يجوز مطلقًا.
وبه قال بعض الحنابلة
(1)
، واختاره من المعاصرين الدبيان
(2)
.
- الأدلة: استدل بعض أصحاب الأقوال بأدلة على ما يأتي:
أدلة القول الثالث: استدل أصحاب القول الثالث بما يأتي:
1 -
إن الكتابي كغيره إلا ما خصه الدليل؛ كالذبح، والنكاح.
(3)
2 -
إن الإجارة لا تختلف عن البيع.
(4)
3 -
إن أهل الكتاب كفار مشركون بالله، حتى كادت السماوات أن تنفطر والأرض أن تنشق والجبال أن تخر لقبح قولهم، كما قال الله سبحانه:{تَكَادُ السَّمَاوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنْشَقُّ الْأَرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبَالُ هَدًّا (90) أَنْ دَعَوْا لِلرَّحْمَنِ وَلَدًا} [سورة مريم: 90 - 91]، وقال:{لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ ثَالِثُ ثَلَاثَةٍ} [سورة المائدة: 72]، وقال:{لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ} [سورة المائدة: 17].
(5)
ويمكن أن يناقش بما يأتي: أ- إذا تقرر عند أصحاب الأقوال أن أهل الكتاب كفار غير مسلمين؛ فالدخول في تفاصيل كفرهم - هم أو غيرهم - مبحث لا علاقة له في حدود التعامل معهم، والمتمثل هنا في هذا البحث بأن تؤاجر المسلمة منفعة نفسها المتجددة من كافرة لإرضاع.
ب - إن المعقود عليه هو اللبنٌ؛ لإرضاع صبي مولود على الفطرة بنص الشارع لم يميز أو يعقل، فضلًا عن بلوغه الحلم.
4 -
إن كفر أهل الكتاب وشركهم معلوم من الدين بالضرورة؛ لا ينكره إلا جاهل، أو كافر بالإسلام.
(6)
ويمكن أن يستدل لهم بما يأتي:
(1)
ينظر: شمس الدين ابن مفلح: المصدر السابق، (7/ 147 - 148).
(2)
ينظر: الدبيان: المصدر السابق، (9/ 361).
(3)
ينظر: الدبيان: المصدر السابق، (9/ 361).
(4)
ينظر: شمس الدين ابن مفلح: المصدر السابق، (7/ 148). الدبيان: المصدر السابق، (9/ 361).
(5)
ينظر: الدبيان: المصدر السابق، (9/ 361 - 362).
(6)
ينظر: الدبيان: المصدر السابق، (9/ 362).
5 -
إن مفهوم وصف الله تعالى لمن آمن به يقتضي أن لا تؤاجر المؤمنة نفسها من كافرة لإرضاع ولدها، وذلك في مثل قول الله تعالى:{أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ} [سورة المائدة: 54]؛ من قول القائل من العرب: قد عزَّني فلان؛ إذا أظهر له العزة من نفسه، وأبدى له الجفوة والغلظة
(1)
، وقوله سبحانه:{أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ} [سورة الفتح: 29].
- الترجيح: جواز إرضاع ولد الكافر
(2)
على سبيل التبرع أو المعاوضة إذا لم يكن حربيًّا، ولم يكن في ذلك استعلاء من الكافر على المسلم؛ لقول الله تعالى:{لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ (8) إِنَّمَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ وَظَاهَرُوا عَلَى إِخْرَاجِكُمْ أَنْ تَوَلَّوْهُمْ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ} [سورة الممتحنة: 8 - 9]، وفي المتفق عليه
(3)
أن النبي صلى الله عليه وسلم اشترى طعامًا من يهودي إلى أجل، ورهنه درعًا من حديد، ولا يزال المسلمون يتعاملون مع من لا يدين بالإسلام في الأمور الدنيوية
(4)
، والمعاوضة في الإجارة فرع عن ذلك؛ كالمعاوضة بالبيع.
فإن قيل: إنما نزلت الآية الثامنة من سورة الممتحنة في غير المشركين من المؤمنين الذين بمكة ولم يهاجروا، فأذن الله للمؤمنين ببرهم والإحسان إليهم.
(5)
(1)
ابن جرير: المصدر السابق، (8/ 527 - 528).
(2)
وقد حكي الاتفاق على تسمية اليهود والنصارى كفارًا، واختلفوا في تسميتهم مشركين.
ينظر: ابن حزم: مراتب الإجماع (ص 202).
(3)
البخاري: المصدر السابق، (كتاب البيوع - باب شراء النبي صلى الله عليه وسلم بالنسيئة، وباب شراء الطعام إلى أجل - 3/ 165، 227، كتاب الاستقراض وأداء الديون والحجر والتفليس - باب من اشترى بالدين وليس عنده ثمنه أو ليس بحضرته، كتاب السلم - باب الرهن في السلم - 3/ 252، كتاب الرهن في الحضر - باب من رهن درعه - 3/ 420)، برقم (2076، 2209، 2265، 2398، 2523)؛ من طريق معلَّى بن أسد، ومحمد بن محبوب، ومسدَّد؛ عن عبد الواحد، عن الأعمش، عن إبراهيم، عن الأسود، عن عائشة؛ أن النبي صلى الله عليه وسلم اشترى طعامًا من يهودي إلى أجل - زاد ابن محبوب في روايته: معلوم -، ورهنه - ولفظ رواية ابن محبوب: وارتهن منه - درعًا من حديد - ولفظ مسدد: فرهنه درعه - ا. هـ، ومن طريق عمر بن حفص بن غياث، عن أبيه، عن الأعمش؛ به، بلفظ مسدد.
(4)
ينظر: أ. د. عبد الله بن عبد العزيز الجبرين: شرح تسهيل العقيدة الإسلامية (628 - 629).
(5)
ينظر: ابن جرير: المصدر السابق، (22/ 571).
أجيب: بأن الله عز وجل عمَّ بقوله: {الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ} [سورة الممتحنة: 9]، جميع من كان ذلك صفتَه، ولم يخص به ملة دون أخرى
(1)
، وبأن ما روي في هذه الآية من أسباب النزول لا يشهد لتلك الدعوى المخصصة، ولو كان سبب النزول دالًّا على ذلك لصار الاعتبار بعموم اللفظ من دون قصره على خصوص سببه أو محل وروده آنذاك فحسب؛ لأن أحكامَ الإسلامِ في النصوص شريعة.
وإن قيل: إن الآية الثامنة من سورة الممتحنة منسوخة بالأمر بقتال غير المسلمين حين أمروا أن يرجعوا إليهم بالسيوف ويجاهدوهم بها.
(2)
أجيب: بأنه لا معنى لقول من يقول بنسخ الآية؛ لأن برَّ المؤمن من أهل الحرب ممن بينه وبينه قرابة نسب، أو ممن لا قرابة بينه وبينه ولا نسب؛ غير محرم، ولا منهيٍّ عنه؛ إذا لم يكن في ذلك دلالة له أو لأهل الحرب على عورةٍ لأهل الإسلام، أو تقوية لهم بكراع أو سلاح
(3)
. وبأن دعوى النسخ لا دليل عليها، لا سيما وقد أمكن الجمع والتوفيق فيما بين الناسخ والمنسوخ - زعمًا -.
- ثمرة الخلاف: ترتب على الخلاف في هذه المسألة أثر في الفروع الآتية:
1 -
يجوز لبنوك الحليب بيعُ حليب المسلمة على غير المسلمة؛ تخريجًا على قول الحنفية، ويحرم؛ تخريجًا على قول بعض الحنابلة، ويحرم بيعه لغير الكتابية تخريجًا على مذهب الحنابلة.
- سبب الخلاف: يعود سبب الخلاف في هذه المسألة إلى الآتي:
1 -
هل إجارة المسلم نفسه من الكافر داخلة في معنى التولي أو الموالاة المنهي عنها، أو مخالفة لمعنى البراء من الكافرين؟
فمن قال: إن ذلك من تَولِّيهم؛ لأنه صار له بالإجارة نصيرًا ووليًّا، والله سبحانه نهى أن يتخذ المؤمنون الكفارين أعوانًا وظهورًا وأوِدَّاء في مثل قوله:{لَا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللَّهِ فِي شَيْءٍ} [سورة آل عمران: 28]، وإن مقتضى البراءة من الشرك البعدُ عن أهله وبغضُهم وعداوتُهم، ولو كان قريبًا؛ كما قال
(1)
ينظر: ابن جرير: المصدر السابق، (22/ 574).
(2)
ينظر: عبد الرزاق: تفسير القرآن (2/ 287). ابن جرير: المصدر السابق، (22/ 573).
(3)
ينظر: ابن جرير: المصدر السابق، (22/ 574).