الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المطلب الثالث
حكم استخدام حقن الحليب
تحدث الفقهاء عن مسألة حقن بالحليب، وأثرها في إيقاع التحريم، من غير نكير
(1)
؛ الأمر الذي دل على إقرارهم بأن الأصل فيه الجواز، وإذا توقفت حياة المولود على ذلك؛ وجب فعل ما تسلم نفسه معه من الهلكة.
المطلب الرابع
أثر استخدام حقن الحليب في انتشار المحرمية
في مستهل هذا المطلب أبتدأ بدراسة طائفة من المسائل التي نثرها الفقهاء فيما دونوه للخروج بالنتائج التي تبين أثر استخدام حقن الحليب في انتشار المحرمية.
المسألة الأولى: ضابط الرضاع المحرم من حيث طريقة وصول الحليب إلى الرضيع
.
القول الأول: يعتبر وصول الحليب إلى المعدة
؛ سواء ارتضع الصبي أو حلب اللبن.
وهو قول عامة العلماء؛ من الحنفية
(2)
، والمالكية
(3)
، والشافعية
(4)
، والحنابلة
(5)
.
القول الثاني: لا يشترط التقام الثدي لثبوت المحرمية في الارتضاع
؛ لكن لو التقم ثبت التحريم ولو لم يكن ثم حليب.
يثبت التحريم بمحض الالتقام، ولو لم يقطع بوصوله إلى الجوف.
وبه قال بعض المالكية
(6)
.
القول الثالث: يشترط امتصاص الراضع من ثدي المرضعة بفيه ليكون الرضاع محرمًا
.
وبه قال الليث
(7)
، ابن حزم
(8)
.
(1)
ينظر: الجصاص: المصدر السابق، (5/ 273). ابن عابدين: المصدر السابق، (4/ 402، 413). النووي: المصدر السابق، (9/ 7).
(2)
ينظر: ابن عابدين: المصدر السابق، (4/ 401 - 402، 414).
(3)
ينظر: القرافي: المصدر السابق، (4/ 276). الحطاب: المصدر السابق، (4/ 577).
(4)
ينظر: النووي: المصدر السابق، (9/ 6).
(5)
ينظر: ابن قدامة: المصدر لسابق، (11/ 313).
(6)
ينظر: القرافي: المصدر السابق، (4/ 275).
(7)
ابن حجر: المصدر السابق، (11/ 386).
(8)
ينظر: ابن حزم: المصدر السابق، (10/ 9).
- الأدلة: استدل بعض أصحاب الأقوال بأدلة، وهي كما يأتي:
أدلة القول الأول: استدل أصحاب القول الأول بما يأتي:
1 -
الحرمة الثابتة في الشريعة لا تتوقف على الإرضاع من الثدي، بل المدار على وصول اللبن إلى الجوف.
(1)
أدلة القول الثالث: استدل أصحاب القول الثالث بما يأتي:
1 -
إنه لا يسمى إرضاعًا إلا ما وضعته المرأة المرضعة من ثديها في فم الرضيع؛ يقال: أرضعته ترضعه إرضاعًا، ولا يسمى رضاعة، ولا إرضاعًا إلا أخذُ المرضع أو الرضيع بفيه الثديَ وامتصاصُه إياه؛ تقول: رضع يرضع رضاعًا ورضاعة، وأما كل ما عدا ذلك؛ فلا يسمى شيء منه إرضاعًا، ولا رضاعة ولا رضاعًا؛ إنما هو حلب وطعام وسقاء، وشرب وأكل وبلع، وحقنة وسعوط وتقطير، ولم يحرم الله عز وجل بهذا شيئًا.
(2)
ونوقش بما يأتي: أ- إنكم قستم ذلك على الرضاع والإرضاع.
(3)
وأجيب عنه: بأن القياس كله باطل، ولو كان القياس حقًّا لكان هذا منه عين الباطل، وبالضرورة يدري كل ذي فهم أن الرضاع من شاةٍ يشبه الرضاع من امرأة؛ لأنهما جميعًا رضاع، والرضاع من الشاة يشبه الرضاع من المرأة أكثر من الرضاع بالحقنة، ومن الرضاع بالسعوط، وأنتم لا تحرمون بغير النساء؛ فلاح تناقضكم في قياسكم الفاسد، وشرعكم بذلك ما لم يأذن به الله عز وجل.
(4)
ويمكن أن يناقش الجواب: بقول الله تعالى: {وَأُمَّهَاتُكُمْ اللَّاتِي أَرْضَعْنَكُمْ وَأَخْوَاتُكُمْ مِنَ الرَّضَاعَةِ} [سورة النساء: 23]، وغير بني آدم لا يصير لبني آدم أمًّا، ولا أخًا في الجنس، فضلًا عن الرضاعة.
ب - إن قولكم هذا مخالف لما دلت عليه نصوص الشريعة التي تعتبر ما فتق الأمعاء من الألبان محرِّمًا؛ في مثل المرويات الآتية: "إنما الرضاع ما فتق الأمعاء" رواه أصحاب السنن
(5)
، "إنما الرضاعة من المجاعة" متفق عليه
(6)
، وهذا يوجد في اللبن الواصل إلى الجوف؛ صبًّا في الحلق، أو التقامًا للثدي، أو غير ذلك، ولعل رضاع سالم - كما في صحيح مسلم
(7)
- كان هكذا.
(8)
كما يمكن أن يناقش دليلهم بما يأتي: ج- إن هذا تخصيص للحكم الشرعي بالعرف اللغوي، والعرف الشرعي يقدم عليه إذا تعارض معه.
- الترجيح: الراجح ثبوت التحريم من الحليب الذي يتغذى به الرضيع إبان وصوله إلى جوفه بالقدر الذي يسد جوعته؛ لعموم النصوص المثبتة للتحريم من لبن الآدمية، ولأن الحليب إذا وصل إلى الجوف فقد تحقق معنى الغذاء الذي يقع به نشوز العظم ونبات اللحم، وهذا المعنى هو الذي نصبه الشارع سببًا للتحريم، ومن ثمَّ فلا تأثير لطريق حصوله؛ لأن العبرة بالحقائق والمعاني، على أن اختلاط حليب الآدمية مع دم الرضيع بصبه في جراحته قد يؤدي إلى مضاعفات خطيرة، لكن المقصود هنا هو وصول الحليب إلى الجوف من دون أن يختلط بالدورة الدموية؛ كما لو أُدخل بأنبوب
(9)
.
- ثمرة الخلاف: ترتب على الخلاف في المسألة الآنفة أثر في فروع فقهية، منها:
1 -
إذا قطر الحليب في الإحليل، فوصل المثانة؛ فهل يقع به تحريم؟
من اشترط التقام الثدي لثبوت التحريم، ولم يعتبر معنى الغذاء بوصول الحليب إلى الجوف - وهو ابن حزم
(10)
-؛ لم يثبت بالتقطير في الإحليل شيئًا، ومن اعتبر معنى التغذية - وهم الجمهور
(11)
-؛ اختلفوا؛ فمنهم من رأى ثبوت التحريم به، وهو قول عند الشافعية
(1)
ينظر: ابن عابدين: المصدر السابق، (4/ 414).
(2)
ينظر: ابن حزم: المصدر السابق، (10/ 9).
(3)
ينظر: ابن حزم: المصدر السابق، (10/ 9).
(4)
ينظر: ابن حزم: المصدر السابق، (10/ 9).
(5)
تقدم تخريجه عند الضابط السابع من المبحث الثالث في التمهيد.
(6)
تقدم تخريجه عند الضابط الثامن من المبحث الثالث في التمهيد.
(7)
تقدم تخريجه في المطلب الرابع من المبحث السادس في الفصل الأول.
(8)
ينظر: المازري: المعلم بفوائد مسلم (2/ 110). القاضي عياض: المصدر السابق، (4/ 640).
(9)
أفدته من حوار جرى مع الصيدلي زيد العشبان.
(10)
ينظر: ابن حزم: المصدر السابق، (10/ 9).
(11)
ينظر: ابن عابدين: المصدر السابق، (4/ 401 - 402، 414). القرافي: المصدر السابق، (4/ 275). الحطاب: المصدر السابق، (4/ 577). النووي: المصدر السابق، (9/ 6). ابن قدامة: المصدر لسابق، (11/ 313).
(1)
، ومنهم من رأى عدم ثبوت التحريم، وهو مذهب الحنفية
(2)
والحنابلة
(3)
، وما استظهره النووي
(4)
.
2 -
إذا كان على بطنه جراحة، فصب اللبن فيها حتى وصل الجوف؛ فمن اشترط التقام الثدي لثبوت التحريم؛ لم يعتبر ذلك الصبّ موجبًا للتحريم في مقتضى التخريج، ومن لم يشترطه؛ اعتبر هذا الصبّ موجبًا للتحريم إذا وصل إلى المعدة، وهو قول الشافعية
(5)
ومقتضى قول الجمهور، غير أن النووي استظهر عدم ثبوت التحريم إذا وصل إلى الجوف لا المعدة
(6)
، والسبب - والله أعلم - أنه لم ير مع الجراحة مجالًا للاغتذاء.
3 -
ما حلب في الفم، فابتلعه الصبي.
من اشترط التقام الثدي لثبوت التحريم، ولم يعتبر معنى الغذاء بوصول الحليب إلى الجوف - وهو ابن حزم
(7)
-؛ لم يثبت التحريم بما يبلعه الصبي من ألبان الآدميات بعد حلبه في فمه، ولو كان ذلك غذاءه دهره كله!
ومن اعتبر معنى التغذية - وهم الجمهور
(8)
-؛ أثبت التحريم به
(9)
.
بيد أن ابن حزم لما تحدث عن هذه المسألة على واجه الخصوص؛ انتهى إلى أن ما حلب في فيِّ الصبي فبلعه؛ لا يحرم شيئًا،
4 -
إثبات التحريم بالسعوط والوجور من ألبان الآدميات.
من اشترط التقام الثدي لثبوت التحريم، ولم يعتبر معنى الغذاء بوصول الحليب إلى الجوف - وهو ابن حزم
(10)
-؛ لم يثبت التحريم بما يصب في الأنف - وهو السعوط - أو الفم - وهو الوجور -
(1)
ينظر: النووي: المصدر السابق، (9/ 6).
(2)
ينظر: ابن عابدين: المصدر السابق، (4/ 413).
(3)
ينظر: ابن قدامة: المصدر السابق، (11/ 315). شمس الدين ابن قدامة: المصدر السابق، (24/ 243).
(4)
ينظر: النووي: المصدر السابق، (9/ 6).
(5)
ينظر: النووي: المصدر السابق، (9/ 6 - 7).
(6)
ينظر: النووي: المصدر السابق، (9/ 6).
(7)
ينظر: ابن حزم: المصدر السابق، (10/ 9).
(8)
ينظر: ابن عابدين: المصدر السابق، (4/ 401 - 402، 414). القرافي: المصدر السابق، (4/ 275). الحطاب: المصدر السابق، (4/ 577). النووي: المصدر السابق، (9/ 6). ابن قدامة: المصدر لسابق، (11/ 313).
(9)
ينظر: النووي: المصدر السابق، (9/ 6).
(10)
ينظر: ابن حزم: المصدر السابق، (10/ 9).
من ألبان الآدميات
(1)
، وعلى ذلك كان مذهب داود
(2)
، وأحمد في إحدى الروايتين واختيار بعض الحنابلة
(3)
.
ومن اعتبر معنى التغذية - وهم الجمهور
(4)
-؛ اتفقوا على إثبات التحريم في الوجور
(5)
، وعداه جمهورهم إلى السعوط أيضًا
(6)
.
5 -
إذا تغذى الصبي بأي طريق من حليب آدمية ثبت به التحريم؛ كما لو أدخل الحليبُ في فمه، أو أنفه، أو بلعومه، أو رقبته، أو مريئه، أو معدته؛ حقنًا، أو بالأنابيب؛ إبان استحداث فتحة؛ في مقتضى قول الجمهور، ولا يثبت به التحريم في قول ابن حزم.
6 -
جواز مس الأجنبي الكبير - عند ابن حزم - ثديَ الأجنبية والتقام ثديها إذا أراد أن يرتضع منها مطلقًا.
(7)
(1)
ينظر: ابن حزم: المصدر السابق، (10/ 9).
(2)
ينظر: ابن حزم: المصدر السابق، (10/ 9 - 10). ابن قدامة: المصدر السابق، (11/ 313). شمس الدين ابن قدامة (24/ 237).
(3)
ينظر: ابن قدامة: المصدر السابق، (11/ 313). شمس الدين ابن قدامة (24/ 236). البهوتي: المصدر السابق، (13/ 87).
(4)
ينظر: ابن عابدين: المصدر السابق، (4/ 401 - 402، 414). القرافي: المصدر السابق، (4/ 275). الحطاب: المصدر السابق، (4/ 577). النووي: المصدر السابق، (9/ 6). ابن قدامة: المصدر لسابق، (11/ 313).
(5)
ينظر: ابن أبي شيبة: المصدر السابق، (9/ 297). الجصاص: المصدر السابق، (5/ 273). ابن عابدين: المصدر السابق، (4/ 393، 414). القرافي: المصدر السابق، (4/ 274). الحطاب: المصدر السابق، (4/ 575). الشافعي: المصدر السابق، (6/ 76، 83). ابن جرير: المصدر السابق، (4/ 204). النووي: المصدر السابق، (9/ 6). ابن قدامة: المصدر السابق، (11/ 313). شمس الدين ابن قدامة (24/ 236 - 373). المرداوي: المصدر السابق، (24/ 236 - 238). ابن حزم: المصدر السابق، (10/ 9 - 10، 24).
(6)
ينظر: ابن أبي شيبة: المصدر السابق، (9/ 297). الجصاص: المصدر السابق، (5/ 273). ابن عابدين: المصدر السابق، (4/ 393، 414). القرافي: المصدر السابق، (4/ 274 - 275). الحطاب: المصدر السابق، (4/ 575). الشافعي: المصدر السابق، (6/ 76، 83). ابن جرير: المصدر السابق، (4/ 204). النووي: المصدر السابق، (9/ 6). ابن قدامة: المصدر السابق، (11/ 313). شمس الدين ابن قدامة (24/ 236 - 337). المرداوي: المصدر السابق، (24/ 236 - 238). ابن حزم: المصدر السابق، (10/ 10، 24).
(7)
ينظر: ابن حجر: المصدر السابق، (11/ 386).