الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وإذا ثبت بالحس
(1)
ما ذكره بعض الحنابلة فينبغي أن يكره تناول حليب الحيوانات الصناعي للرُّضع.
المسألة الخامسة: حكم تعاطي الحليب الصناعي
.
تقدم بيان الإضافات التي تضاف إلى اللبن؛ من أجل تعظيم النفع بها؛ بزيادة في كميتها، أو إطالة مدة صلاحيتها، أو تحسين طعمها ورائحتها.
وهذه المواد المضافة قد أثارت جدلًا في الدول الصناعية ما بين مؤيد لإضافتها إلى الغذاء ومعارض لذلك، وما فتئت تلك المواد تثير تباينًا في الآراء في جميع أنحاء العالم من المختصين في مجال الغذاء ومن غيرهم؛ فالناس في شأنها منقسمون إلى فريقين:
الفريق الأول: يحذر من استخدامها في الغذاء مطلقًا، ويرى أنها مواد كيميائية ضارة وليس فيها نفع إلا لأصحاب المصانع الغذائية التي تستخدم تلك الإضافات للحصول على ثروات طائلة على حساب المستهلك.
الفريق الآخر: يثق بتلك المواد المضافة ثقة مطلقة، ويرى أن التحذير منها ما هو إلا هجوم على العلم والتكنولوجيا التي أنتجت تلك المواد المضافة.
(2)
وقد بحث هذه المسألة طائفة من العلماء المعاصرين، وانتهوا إلى جواز تعاطي الحليب الصناعي، ويقيد بعضهم الجواز بالتعاسر بين الزوجين، أو عدم كفاية الحليب الطبَعي.
وبجواز تعاطي الحليب الصناعي قال ابن عثيمين
(3)
، وعليه فتوى اللجنة الدائمة
(4)
، واختاره بعض الباحثين في رسائلهم العلمية
(5)
.
(1)
قال د. صالح الفوزان: ولأجل هذا؛ فإن أكثر الناس اليوم لما صاروا يرضعون من الحليب الصناعي الذي هو من ألبان البقر؛ صارت أخلاقهم تشبه أخلاق البهائم، ولا حول ولا قوة إلا بالله ا. هـ منتدى الألوكة: أرشيف منتدى الألوكة في المكتبة الشاملة (ص 4456).
(2)
ينظر: د. علي كامل الساعد: المواد المضافة للأغذية الاستعمالات والإيجابيات والسلبيات (ص 7).
(3)
ابن عثيمين: تعليقات ابن عثيمين على الكافي لابن قدامة (5/ 193).
(4)
رئاسة البحوث العلمية والإفتاء: المصدر السابق، (21/ 18)، برقم (13587).
(5)
ينظر: زين العابدين الإدريسي: المصدر السابق، (75).
قال ابن عثيمين ت 1421 هـ: قوله تعالى: {فَسَتُرْضِعُ لَهُ أُخْرَى} [سورة الطلاق: 6]؛ في هذا بشارة لمن عنده طفل وتعاسر مع أمه أن الله سيجعل له فرجًا وسترضع له امرأة أخرى، وفي عصرنا الحاضر - والحمد لله - هناك فرج آخر، وهو: الحليب الصناعي ا. هـ
(1)
ويضيف زين العابدين الإدريسي
(2)
: وقد يعتريها الحظر في الحالات التالية لأمر عارض: فيما إذا ثبت تجاوز مصنِّعٍ ما للضوابط المحددة للسلامة، أو تبين خطأ الدراسات المثبتة لسلامة مادة معينة وثبت ضررها، أو كان الإفراط في التناول يماثل في ضرره الضرر الناتج عن زيادة المادة المضافة على النسبة المحددة للسلامة، أو توقف الضرر على خصائص معينة في بعض الأجسام البشرية؛ كالحساسية؛ فيلحقه الحظر دون غيره، وذلك اعتبارًا بقاعدة درء المفاسد المقدم على جلب المصالح إذا تعارض مفسد ومصلح، وحفظًا للنفس من الإلقاء بها إلى التهلكة ا. هـ بتصرف يسير.
وقد استدلوا لذلك بما يأتي:
1 -
قول الحق جل ذكره: {قَالَ تَزْرَعُونَ سَبْعَ سِنِينَ دَأَبًا فَمَا حَصَدْتُمْ فَذَرُوهُ فِي سُنْبُلِهِ إِلَّا قَلِيلًا مِمَّا تَأْكُلُونَ (47) ثُمَّ يَأْتِي مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ سَبْعٌ شِدَادٌ يَأْكُلْنَ مَا قَدَّمْتُمْ لَهُنَّ إِلَّا قَلِيلًا مِمَّا تُحْصِنُونَ} [سورة يوسف: 47 - 48]؛ فتركه في السنبل إنما كان خشية التسوس، وليكون ذلك أحسن في إطالة مدة صلاحيته، وحفظه من الفساد والتلف.
(3)
ويمكن أن يناقش هذا الدليل بما يأتي: أ- كون حفظ الطعام في هذه الصورة جاء لا بوسيلة صناعية، بل بالطريقة الطبعية.
2 -
تخريجها على ما عليه العمل قديمًا وحديثًا من إضافة الروبة إلى الحليب لئلا يفسد حين يتحول إلى رائب ثم مخيض أو مضروب.
(4)
3 -
القياس على إضافة الرُّبّ إلى السمن، وهي إضافة لغرض تحسين الطعم والرائحة.
(5)
(1)
ابن عثيمين: المصدر السابق، (5/ 193).
(2)
زين العابدين الإدريسي: المصدر السابق، (84 - 85).
(3)
القرطبي: الجامع لأحكام القرآن (11/ 367). تراجع نسختي. زين العابدين الإدريسي: المصدر السابق، (75 - 76).
(4)
ينظر: زين العابدين الإدريسي: المصدر السابق، (76).
(5)
ينظر: زين العابدين الإدريسي: المصدر السابق، (76).
4 -
قياسها على إضافة الملح إلى اللحم لئلا ينتن ويتعفن، فحيث كانت الإضافة هنا إلى المادة الأصلية بغرض شبيه اقتضت حكمًا واحدًا.
(1)
5 -
ما عليه العمل في القديم والحديث من تجفيف بعض الثمار؛ كالتمر، والعنب، ولو لم تكن في هذه المعالجات إضافة؛ إلا أن الغرض منها إصلاح تلك الأغذية.
(2)
6 -
إن الأصل في الأعيان الطاهرة غير المسكرة ولا المخدرة ولا الضارة: الجواز؛ لقول الله تعالى: {هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا} [سورة البقرة: 29]
(3)
، وما أخبر الله بذلك إلا لأن الأرض وجميع ما فيها لبني آدم منافع سوى ما ورد في الشرع المنع منه لضرره
(4)
.
لكن هذا لا يعني حسم الحكم، بل ينبغي إعادة النظر في الألبان الصناعية المنتجة مجففةً؛ لأن مما يثير الشك سحبَ بعض المواد المضافة ومنعَ استخدامها بعدما كانت ضمن قائمة السماح باستخدامها في الغذاء، وذلك عندما ثبت أنها تشكل خطرًا على الصحة؛ مثل مادة الدلسين، والسيكلاميت، والفرافيت، والإنثرانيتليت.
(5)
كما قد تثار الشكوك عن سلامة بعض المواد المضافة، فتقوم الأبحاث العلمية للتأكد من صحة ما أثير حول تلك المادة لتنفي تلك الشكوك أو تؤكدها، وقد يتكرر ذلك في المادة الواحدة؛ في مثل مادة السكرين، والأسبرتيم.
(6)
ويتبين مما تقدم الآتي:
أولًا: يكره إرضاع المولود من لبن البهيمة الطازج أو المصنَّع، ولا يتعلق به تحريم؛ فلو شرب غلام وجارية لبن بهيمة؛ من شاة، أو بقرة، أو ناقة، أو فرس؛ لم يكن هذا رضاعًا، ولم يصيرا أخوين، أو شرب صغيران حليبًا مصنَّعًا من حليب البقر؛ لم تثبت بينهما أخوة.
ثانيًا: إذا خلط الحليب الصناعي الحيواني بحليب الآدمية الواحدة، وكان قدر الأخير يصلح أن يكون رضعة واحدة مشبعة لو انفرد عما خلط معه؛ ثبت التحريم بحليب الآدمية.
ثالثًا: يلحق الحليب الصناعي بالحليب الطبَعي في حكم النضح من بول الغلام الذي يسد الحليب جوعته.
(1)
ينظر: زين العابدين الإدريسي: المصدر السابق، (77).
(2)
ينظر: المصدر السابق.
(3)
ينظر: زين العابدين الإدريسي: المصدر السابق، (84).
(4)
ينظر: ابن جرير: المصدر السابق، (1/ 453). ابن سعدي: القواعد والأصول الجامعة والفروق والتقاسيم البديعة النافعة، ضمن مجموع مؤلفات السعدي (7/ 78).
(5)
د. عدنان بن سالم با جابر: المضافات الغذائية أهمية وشروط ضمن عالم الغذاء (28/ 60).
(6)
د. محمد الأمين الشريف ود. حسن عبد الله آل سرحان القحطاني: احذر المواد الكيماوية في غذائك (ص 48 - 50).