الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
القول الثالث: يجوز بيعه
- أي: منفصلًا منها - بلا كراهة، ولو كانت حرة.
وهو مذهب الجمهور
(1)
؛ من المالكية
(2)
، الشافعية
(3)
، والظاهرية
(4)
، والصحيح من مذهب الحنابلة
(5)
، ولا نص للشافعي في المسألة
(6)
.
القول الرابع: يكره، ويصح
.
وبه قال أحمد، ونصه: أكرهه
(7)
، وتبعه بعض الحنابلة على ما تقرر من معنى الكراهة في اصطلاح الأصوليين
(8)
.
- الأدلة: استدل بعض أصحاب الأقوال بأدلة، وهي على ما يأتي:
أدلة القول الأول: استدل أصحاب القول الأول بما يأتي:
1 -
إن اللبن جزء متولد من عين الآدمي تثبت به حرمة الرضاع؛ كالماء الذي هو أصل الآدمي، وتثبت به حرمة المصاهرة، والمتولد من الأصل يكون له حرمة الأصل؛ فإذا لم يكن الآدمي مالًا، فكذلك ما يتولد منه من اللبن؛ كالولد.
(9)
2 -
إنه جزء حيوان منفصل عنه في حياته؛ فيحرم أكله وبيعه، كلحمه.
(10)
(1)
ينظر: الدبيان: المصدر السابق، (2/ 252).
(2)
ينظر: الحطاب: المصدر السابق، (5/ 56).
(3)
ينظر: النووي: المصدر السابق، (9/ 184).
(4)
ينظر: ابن حزم: المصدر السابق، (9/ 39).
(5)
ينظر: ابن قدامة: المصدر السابق، (6/ 363، 364).
(6)
النووي: المصدر السابق، (9/ 184)، ونسب ابن قدامة هذا القول إلى الشافعي، فقال في جواز بيع لبن الآدميات بعدما نسبه إلى ابن حامد: وهذا مذهب الشافعي ا. هـ ينظر: ابن قدامة: المصدر السابق، (6/ 363).
(7)
ينظر: ابن قدامة: المصدر السابق، (6/ 363)، وفي قول الإمام: أكره، وما تفرع من مادته؛ وجهان للحنابلة؛ أحدهما: هو للتنزيه إن لم يحرمه قبل ذلك؛ كقوله: أكره إدمان اللحم ا. هـ، والوجه الثاني: ذلك للتحريم؛ كقوله: أكره المتعة ا. هـ، وصوب المرداوي أن المقدم في ذلك ما يقتضيه النظر في القرائن ا. هـ، ودلالة النظر في القرائن تومئ إلى أنه أراد الكراهة التنزيهية، لا التورع من إطلاق التحريم تهيُّبًا.
ينظر: ابن القيم: إعلام الموقعين (1/ 75 - 78). المرداوي: المصدر السابق، (1/ 45). ابن بدران: المدخل إلى مذهب الإمام أحمد بن حنبل (ص 127 - 128).
(8)
ينظر: البهوتي: المصدر السابق، (7/ 313).
(9)
ينظر: السرخسي: المصدر السابق، (15/ 125).
(10)
ينظر: الحطاب: المصدر السابق، (5/ 56).
ونوقش بما يأتي: أ- إن سائر أجزاء الآدمي يجوز بيعها؛ فإنه يجوز بيع العبد والأمة، وإنما حُرِّم بيع الحر؛ لأنه ليس بمملوك، وحرم بيع العضو المقطوع؛ لأنه لا نفع فيه.
(1)
ب - القياس على لبن الأنعام.
(2)
وأجيب: بأن ثمة فرقًا، وهو شرف الآدمي
(3)
، وبأنه إنما أبيح منه الرضاع للضرورة
(4)
، وبأن الامتهان والابتذال لو كان لازمًا للبيع لصدق ذلك على من يزاوله، وقد علم أن الأنبياء عليهم السلام قد اشتغلوا بالبيع والشراء.
(5)
ج - إن الانفصال هنا ليس كانفصال عضو من أعضاء الحيوان، ولو صح هذا الدليل لنهي عن تناول لبن بهيمة الأنعام؛ لأنه انفصل عنها في حياته، ولا قائل بذلك؛ بل هذا الانفصال كانفصال شعر الحيوان؛ فإذا كان الشعر من الحيوان يجوز بيعه والانتفاع به؛ جاز بيع اللبن والانتفاع به.
(6)
3 -
إنه نجس لا يجوز بيعه، وإنما يربى به الصغير للحاجة.
(7)
ونوقش بما يأتي: أ- كيف يكون نجسًا عندكم، وأنتم لا ترون بأسًا في استعاطة الرجل بلبن المرأة وشربه للدواء، ولا تحكمون بنجاسة الثوب إذا أصابه لبن آدمي؛ لأن الآدمي طاهر في الأصل، فما تولد منه يكون طاهرًا من لبن وعرق وبزاق وغيره إلا ما قام الدليل الشرعي على نجاسته، هكذا تعللون، وأنتم ترون أن المنفصل من أجزاء الآدمي إنما يتنجس باعتبار الموت، ولا حياة في اللبن، ولا يحِله الموت
(8)
، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم:"المؤمن لا ينجس" متفق عليه
(9)
.
(1)
ينظر: ابن قدامة: المصدر السابق، (6/ 364).
(2)
الحطاب: المصدر السابق، (5/ 56).
(3)
ينظر: الحطاب: المصدر السابق، (5/ 56).
(4)
الحطاب: المصدر السابق، (5/ 56).
(5)
ينظر: الدبيان: المصدر السابق، (2/ 253).
(6)
ينظر: الدبيان: المصدر السابق، (2/ 251).
(7)
النووي: المصدر السابق، (9/ 184).
(8)
ينظر: السرخسي: المصدر السابق، (15/ 126 - 127).
(9)
البخاري: المصدر السابق، (كتاب الغسل - باب عرق الجنب وأن المسلم لا ينجس - 1/ 384)، برقم (287)؛ من طريق علي بن عبد الله، قال: حدثنا يحيى، قال: حدثنا حميد، قال: حدثنا بكر - هو ابن عبد الله -، عن أبي رافع، عن أبي هريرة؛ به مرفوعًا، بلفظ:"المسلم لا ينجس"، ومن طريق عياش، عن عبد الأعلى، عن حميد - هو الطويل -؛ بسنده الآنف، ولفظه:"المؤمن لا ينجس". مسلم: المصدر السابق، (كتاب الطهارة - باب المؤمن لا ينجس - 1/ 128)، برقم (364، 365)؛ من طريق زهير بن حرب، عن يحيى - يعني: ابن سعيد -، عن حميد، أبي بكر بن أبي شيبة - واللفظ له -؛ عن إسماعيل بن علية، عن حميد الطويل؛ بسنده الثاني عند البخاري، ولفظِه، ومن طريق أبي بكر بن أبي شيبة، وأبي كريب؛ عن عن وكيع، عن مسعر، عن واصل، عن أبي وائل، عن حذيفة؛ به مرفوعًا، بلفظ:"المسلم لا ينجس".
وأجيب: بأن شربه للدواء موضع حاجة أو ضرورة.
(1)
4 -
إنه لا يباع في العادة.
(2)
ونوقش بما يأتي: أ- إنكم جعلتم العقد في استئجار المرضع واردًا على اللبن؛ بحجة أنه هو المقصود بحيث لو لم يكن فيها لبن ما استؤجرت، وما سوى ذلك من القيام بمصالحه تبع، والمعقود عليه هو منفعة الثدي
(3)
، والإجارة بيع منافع؛ فكيف أجزتم بيعه هناك ولم تطلقوا الحكم هنا؟
وأجيب: إن ذلك جوِّز للحاجة؛ لأنه لا طريق إلى تحصيل المقصود إذا عجزت الأم عن الإرضاع أو أبت سوى استئجار الظئر.
(4)
5 -
إنه فضلة آدمي، فلم يجز بيعه؛ كالبزاق، الدمع، والعرق، والمخاط.
(5)
ونوقش بما يأتي: أ- إن الدمع والعرق والمخاط لا منفعة فيها، ولذلك لا يباع عرق الشاة، بخلاف اللبن.
(6)
6 -
إن ما لا يجوز بيعه متصلًا لا يجوز بيعه منفصلًا؛ كشعر الآدمي؛ إكرامًا للآدمي، بخلاف سائر الحيوانات، كما أن غائط الآدمي يدفن، وما ينفصل من سائر الحيوانات ينتفع به.
(7)
(1)
ينظر: السرخسي: المصدر السابق، (15/ 126).
(2)
النووي: المصدر السابق، (9/ 184).
(3)
ينظر: السرخسي: المصدر السابق، (15/ 118، 125). ابن القيم: زاد المعاد (5/ 824).
(4)
ينظر: السرخسي: المصدر السابق، (15/ 118).
(5)
ينظر: السرخسي: المصدر السابق، (15/ 125). النووي: المصدر السابق، (9/ 184).
(6)
ينظر: النووي: المصدر السابق، (9/ 184). ابن قدامة: المصدر السابق، (6/ 364).
(7)
ينظر: السرخسي: المصدر السابق، (15/ 125). النووي: المصدر السابق، (9/ 184).
ونوقش بما يأتي: أ- عدم التسليم؛ لأن منافع الآدمي الحر التي لا تنفصل عنه إذا كانت جائزة البيع كما في إجارة الآدمي، وقد اشتغل أجيرًا بعضُ أولو العزم من الرسل عليهم السلام ولم يكن في ذلك امتهان للإنسان؛ فكيف يقال هذا في بيع ما هو منفصل عنه.
(1)
7 -
إنه لا يؤكل لحمها، فلا يجوز بيع لبنها؛ كالأتان.
(2)
ونوقش بما يأتي: أ- إن لبن الأتان نجس، بخلاف الآدمية.
(3)
8 -
إن الآدمي خلق مالكًا للمال؛ لقول الله تعالى: {هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا} [سورة البقرة: 29]، والمال اسم لما هو مخلوق لإقامة مصالحنا به مما هو غيرنا، وبين كون الآدمي مالًا أو مالكًا للمال منافاة.
(4)
ويمكن أن يناقش بما يأتي: أ- إن هذا الدليل حجة على جوازه؛ لأن اللبن مخلوق ينتفع به.
9 -
إنه مائع خارج من آدمية؛ فلم يجز بيعه.
(5)
كما يمكن أن يستدل له بما يأتي:
10 -
نهي النبي صلى الله عليه وسلم أن يباع صوف على ظهر، أو سمنٌ في لبن، أو لبن في ضرع.
(6)
(1)
ينظر: الدبيان: المصدر السابق، (2/ 252 - 253).
(2)
النووي: المصدر السابق، (9/ 184).
(3)
النووي: المصدر السابق، (9/ 184).
(4)
ينظر: السرخسي: المصدر السابق، (15/ 125).
(5)
ابن قدامة: المصدر السابق، (6/ 363).
(6)
الشافعي: المسند (1/ 277)، برقم (673)؛ من طريق سعيد بن سالم، عن موسى بن عبيدة، عن سليمان بن يسار، عن ابن عباس؛ به موقوفًا، ولفظه: أنه كان يكره بيع الصوفِ على ظهور الغنم، واللبنِ في ضروع الغنم إلا بكيل ا. هـ، وهو في الأم (4/ 221)، برقم (1571). عبد الرزاق: المصدر السابق، (8/ 75)، برقم (14374)؛ من طريق الثوري، عن أبي إسحاق، عن عكرمة، عن ابن عباس؛ موقوفًا، بلفظ: لا تبتاعوا اللبن في ضرع الغنم، ولا الصوف على ظهورها ا. هـ ابن أبي شيبة: المصدر السابق، (10/ 607، 11/ 288، 289)، برقم (20882، 22341، 22342، 22347)؛ من طريق أبي الأحوص، عن أبي إسحاق، عن عكرمة، عن ابن عباس؛ به موقوفًا، بلفظ: لا تبايعوا الصوف على ظهور الغنم، ولا اللبن في الضروع ا. هـ، ومن طريق أبي الأحوص؛ بسنده الآنف الموقوف، ولفظه: لا تبتاعوا الصوف على ظهور الغنم، ولا اللبن في الضروع ا. هـ، ومن طريق ملازم بن عمرو، عن زفر بن يزيد، عن أبيه؛ قال: سألت أبا هريرة عن شراء اللبن في الضروع؟ فنهاني عنه ا. هـ، ومن طريق وكيع، عن عمر بن فروخ القتاب، عن حبيب بن الزبير، عن عكرمة؛ مرسلًا؛ بلفظ: نهى النبي صلى الله عليه وسلم أن يباع لبن في ضرع الشاة، أو سمن في لبن ا. هـ أبو داود: المراسيل (ص 133)، برقم (182، 183)؛ من طريق أحمد بن أبي شعيب الحراني، حدثنا زهير بن معاوية، عن أبي إسحاق - هو عمر بن عبد الله الهمذاني السبيعي -، عن عكرمة، عن ابن عباس، قال: لا تبع أصواف الغنم على ظهورها، ولا تبع ألبانها في ضروعها ا. هـ، ومن طريق محمد بن العلاء، عن ابن مبارك، عن عمر بن فروخ، عن عكرمة؛ مرسلًا، بمعناه، وأوردهما المزي في تهذيب الكمال (5/ 379)، ثم أردف بعد الآخر: ولم يذكر ابن عباس، ولا حبيب بن الزبير ا. هـ الطبراني: المعجم الكبير (5/ 403)، برقم (11767)؛ من طريق عثمان بن عمر الضبي، عن حفص بن عمر الحوضي، عن عمر بن فروخ - صاحب الأقتاب -، عن حبيب بن الزبير، عن عكرمة، عن ابن عباس؛ به مرفوعًا، بلفظ:"نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تباع ثمرة حتى تطعم، ولا صوف على ظهر، ولا لبن في ضرع"، وهو في المعجم الأوسط (4/ 101)، برقم (3708)، ثم أردف: لم يرو هذا الحديث عن حبيب بن الزبير إلا عمر بن فروخ، ولا يروى هذا اللفظ: ولا صوف على ظهر، ولا لبن في ضرع؛ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا بهذا الإسناد ا. هـ، ومن طريقه: المزي: تهذيب الكمال (5/ 379)؛ من طريق أبي إسحاق ابن الدرجي، عن أبي جعفر الصيدلاني في جماعة؛ قالوا: أخبرتنا فاطمة بنت عبد الله، عن أبي بكر بن ريذة، عن أبي القاسم الطبراني؛ به، الذهبي: ميزان الاعتدال (3/ 227)؛ من طريق مَن سمع من فاطمة الجوزدانية، عن ابن رِيذَة، عن الطبراني؛ به. ابن عدي: المصدر السابق، (5/ 487)؛ من طريق علي بن إبراهيم بن الهيثم، عن الحسن بن محمد بن الصباح، عن يعقوب بن إسحاق الحضرمي، عن عمر بن فروخ القتات - قال أبو أحمد ابن عدي: أظنه بصريًّا -، عن حبيب بن الزبير - من أهل أصبهان -، عن عكرمة ، عن ابن عباس؛ به مرفوعًا، بلفظ:"نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تباع الثمرة حتى يتبين صلاحها، أو يباع صوف على ظهر، أو سمن في لبن، أو لبن في ضرع"، ثم أردف: هذا حديث ما كتبنا إلا عنه، ولا رأيته ا. هـ أبو الشيخ الأصبهاني: طبقات المحدثين بأصبهان والواردين عليها (1/ 375)؛ من طريق عبد الرحمن بن محمد بن حماد، عن الحسين بن محمد بن شنبة الواسطي، عن يعقوب الحضرمي؛ بسنده عند ابن عدي، ولفظِه. الدارقطني: المصدر السابق، (3/ 210، 400 - 403)، برقم (2411، 2835 - 2838، 2340)؛ =
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
= من طريق ابن مبشر، عن عمار بن خالد، عن إسحاق الأزرق، عن سفيان، عن أبي إسحاق، عن عكرمة، عن ابن عباس؛ به موقوفًا، بلفظ: لا تشتروا اللبن في ضروعها ولا الصوف على ظهورها ا. هـ، ومن طريق الحسين بن إسماعيل، عن علي بن شعيب، عن يعقوب الحضرمي، عن عمر بن فروخ، عن خبيب بن الزبير، عن عكرمة، عن ابن عباس؛ به مرفوعًا، بلفظ:"نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تباع الثمرة حتى تبين صلاحها، أو يباع صوف على ظهر، أو لبن في ضرع، أو سمن في لبن"، ومن طريق الحسين بن إسماعيل، عن محمد بن خلف المقرئ، عن يعقوب الحضرمي، عن عمر بن فروخ، عن خبيب بن الزبير، عن عكرمة، عن ابن عباس؛ به مرفوعًا، بلفظ:"نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بيع الثمرة حتى تبدو صلاحها وتبين تبيض أو تحمر، ونهى عن بيع اللبن في ضروعها، والصوف على ظهورها"، ومن طريق أحمد بن عبد الله بن الوكيل، عن أبي حفص عمرو بن علي، عن قرة بن سليمان الأسدي، عن عمر بن فروخ، عن خُبيب بن الزبير، عن عكرمة، عن ابن عباس؛ به مرفوعًا، بلفظ:"نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تباع ثمرة حتى يطعم، أو صوف على ظهر، أو لبن في ضرع، أو سمن في لبن" ثم أردف: أرسله وكيع عن عمر بن فروخ ا. هـ، ومن طريق علي بن عبد الله بن مبشر، عن عمار بن خالد، عن إسحاق الأزرق، عن سفيان، عن أبي إسحاق، عن عكرمة، عن ابن عباس؛ به موقوفًا، بلفظ: لا تشتروا اللبن في ضروعها ولا الصوف على ظهورها ا. هـ، ثم أردف: موقوف ا. هـ، ومن طريق عبد الله بن محمد بن عبد العزيز، عن أبي بكر بن أبي شيبة، عن وكيع، عن عمر بن فروخ القتاب، عن خبيب بن الزبير، عن عكرمة؛ مرسلًا، بلفظ:"نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يباع لبن في ضرع ، أو سمن في لبن". أبو نعيم: أخبار أصبهان (1/ 451)؛ من طريق سليمان بن أحمد، عن عثمان بن عمر الضبي، عن حفص بن عمر الحوضي، عن عمر بن فروخ صاحب الأقتاب ، عن حبيب بن الزبير، عن عكرمة، عن ابن عباس؛ به مرفوعًا، بلفظ:"نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تباع ثمرة؛ حتى تطعم، ولا صوف على ظهر، ولا لبن في ضروع"، ثم أردف: حدث به يعقوب بن إسحاق الحضرمي عن عمر بن فروخ ا. هـ البيهقي: السنن الكبير (كتاب البيوع - باب ما جاء في النهي عن بيع الصوف على ظهر الغنم واللبن في ضروع الغنم والسمن في اللبن - 11/ 254)، برقم (10961، 10962)؛ من طريق أبي عبد الله الحافظ، وأبي بكر أحمد بن الحسن؛ عن أبي العباس محمد بن يعقوب، عن يحيى بن أبي طالب، عن يعقوب بن إسحاق، عن عمر بن فروخ، عن حبيب بن الزبير، عن عكرمة، عن ابن عباس؛ به مرفوعًا، بلفظ:"نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تباع الثمرة حتى يبدو صلاحها، أو يباع صوف على ظهر، أو سمن في لبن، أو لبن في ضرع"، ثم أردف: تفرد برفعه عمر بن فروخ، وليس بالقوي، وقد أرسله عنه وكيع، ورواه غيره موقوفًا ا. هـ، ومن طريق أبي بكر بن الحارث الفقيه، عن علي بن عمر الحافظ، عن علي بن عبد الله بن مبشر، عن عمار بن خالد، عن إسحاق الأزرق، عن سفيان، عن أبي إسحاق، عن عكرمة، عن ابن عباس؛ به موقوفًا، بلفظ: لا نشتري اللبن في ضروعها ، ولا الصوف على ظهورها ا. هـ، ثم أردف: هذا هو المحفوظ؛ موقوف، وكذلك رواه زهير بن معاوية عن أبي إسحاق، وكذلك روي عن سليمان بن يسار عن ابن عباس موقوفا ا. هـ، معرفة السنن والآثار (8/ 148) برقم (11450 - 11452)؛ من طريق أبي بكر، وأبي زكريا، وأبي سعيد؛ عن أبي العباس، عن الربيع، عن الشافعي، عن سعيد بن سالم، عن موسى بن عبيدة، عن سليمان بن يسار، عن ابن عباس؛ به موقوفًا، ولفظه: أنه كان يكره بيع الصوفِ على ظهور الغنم، واللبنِ في ضروع الغنم إلا بكيل ا. هـ، ثم أردف: قال أحمد: وقد رواه أبو إسحاق، عن عكرمة، عن ابن عباس؛ كذلك موقوفًا، ورواه عمر بن فروخ، عن حبيب بن الزبير، عن عكرمة، عن ابن عباس مرفوعًا، وروي عنه مرسلًا، والصحيح موقوف ا. هـ
وقد تبين مما تقدم أنه لم يخرج في شيء من السنن، وأنه روي مرفوعًا وموقوفًا.
أولًا: المرفوع: رواه عن النبي صلى الله عليه وسلم غير واحد، وهم:
ابنُ عباس، وعنه: عكرمة، وعنه: حبيب بن الزبير، وعنه: عمر بن فروخ.
وقد أعل بما يأتي:
العلة الأولى: عمر بن فروخ العبْدي، أبو حفص البصري القتَّاب، بياع الأقتاب، ويقال: صاحب الساج؛ ضعفه البيهقي، وتبعه ابن القيم؛ قال البيهقي: وفي حديث عمر بن فروخ، وليس بالقوي، عن حبيب بن الزبير، عن عكرمة، عن ابن عباس، مرفوعًا في: النهي عن أن يباع صوف على ظهر، أو سمن في لبن، - لعله سقط هنا: أو لبن - في ضرع. وخالفه أبو إسحاق فرواه عن عكرمة موقوفا على ابن عباس في الصوف واللبن ا. هـ، وقال الذهبي: تُكلم فيه ا. هـ
ونوقشت هذه العلة: بأن ابن معين وأبا حاتم وابن حبان وثقوه، ورضيه أبو داود، وقال: مشهور، وما تعرض ابن عدي إلى ضعفه في الكامل بقول، حتى حكى ابن المنير تفرد البيهقي بهذه المقالة.
وأجيب: بأنه لم يتكلم فيه أحد بشيء من جرح فيما علم ابن التركماني، وغاية ما فعل غيره السكوت؛ كصنيع البخاري في التاريخ الكبير، أو عدم التعرض لضعفه؛ كما كان مع ابن عدي في الكامل.
العلة الثانية: إن النهي عن بيع الثمرة في الصحيح.
وأجيب: بأن أكثر الزيادات على الصحيحين لا تثبت من وجه صحيح.
عكرمة، وعنه حبيب بن الزبير. =
ويجاب: بأن محل البحث هنا بيعُ لبن الآدمية بعد حلبه، ولذلك؛ أفتى الشعبي بجواز بيع ألبان البقر إذا كان يدًا بيد
(1)
، فأما ما قبل ذلك؛ فهو في الآدمية من قبيل الإجارة الجائزة بالنص والإجماع
(2)
، إذ كانت الإجارة ترد على الأعيان كما هي واردة على المنافع، ولا مخالف في ذلك بين الصحابة
(3)
، وفي بهيمة الأنعام لم يجوزه الجمهور درءًا للغرر مع عدم الحاجة الداعية، ولذلك بوب عليه عبد الرزاق في كتاب البيوع من مصنفه: باب بيع الغرر المجهول
(4)
، وكان الفقهاء الأوائل يبينون معنى الغرر المنهي عنه في الشريعة ببيان أمثلته، ويذكرون منها: بيع ما في ضروع الأنعام إلا بكيل
(5)
، ولذلك تتابع الفقهاء على إقرانه ببيوع الغرر الأخرى التي يتردد فيها المبيع بين الحصول والفوات، أو التي تطوى معرفتها، وتجهل عينها، وذلك مثل: بيع النوى في التمر، والبيض في الدجاج، واللبن في الضرع،
= وهو معل بالإرسال؛ قال الأرنؤوط في تحقيقه على المراسيل في الحديث الأول هناك في الصفحة نفسها - وهو موصول في كتاب المراسيل غير مرسل ولا منقطع -: رجاله ثقات رجال الشيخين ا. هـ، وقال عن الحديث الثاني بعده في المراسيل - وهو مرسل - بعدما وثق ابن فروخ: وباقي رجاله ثقات رجال الشيخين، ويمكن أن يناقش قوله إن رجاله رجال الشيخين بما جاء في آخر كتاب الاتصال والانقطاع.
ثانيًا: الموقوف: قد أعل سند الشافعي بضعف موسى الربذي، وفي هذا المعنى جاء من المقطوعات ما روى إبراهيم بن ميسرة، عن طاوس، ومجاهد؛ أنهما كرها بيع اللبن في الضروع ا. هـ
وصحح هذا الحديث مرفوعًا: الزيلعي، ويمكن أن يكون صحيحًا لغيره في الجملة إذا عضدناه بالحديث الآتي.
ينظر: عبد الرزاق: المصدر السابق، (8/ 75). ابن أبي شيبة: المصدر السابق، (11/ 289). البيهقي: السنن الصغير (2/ 271). المزي: المصدر السابق، (5/ 379). ابن عبد الهادي: تنقيح التحقيق (4/ 85). الذهبي: المصدر السابق، (3/ 226). ابن الملقن: البدر المنير (6/ 462). ابن القيم: المصدر السابق، (5/ 830). الزيلعي: المصدر السابق، (11/ 4).
(1)
ينظر: ابن أبي شيبة: المصدر السابق، (11/ 288).
(2)
ينظر: ابن قدامة: المصدر السابق، (8/ 73).
(3)
ينظر: ابن القيم: المصدر السابق، (5/ 825).
(4)
عبد الرزاق: المصدر السابق، (8/ 75).
(5)
ينظر: الدارقطني: المصدر السابق، (3/ 403).
والسمن في الوعاء
(1)
، قال تقي الدين ابن تيمية ت 752 هـ: لو كان لرجل غنم، فاستأجر غنم رجل ليرضِعها؛ لم يكن هذا ممتنعًا إلا أن يكون المستأجر هو الذي يحلب اللبن، أو هو الذي يستوفيه؛ فهذا مشترٍ اللبن، ليس مستوفيًا لمنفعة، ولا مستوفيًا للعين بعمل، وهو شبيه باشتراء الثمرة، واحتلابه كقطافها، وهو الذي نهى عنه النبي صلى الله عليه وسلم بقوله: : "لا يباع لبن في ضرع"، بخلاف ما لو استأجرها؛ لأنه يقوم عليها ويحتلب لبنها، فهذا نظير اكتراء الأرض والشجر ا. هـ بتصرف يسير
(2)
، وقال بعض أهل العلم بجواز المعاوضة في لبن بهيمة الأنعام بيعًا وإجارة
(3)
.
وبأن المقصود هنا لبن بهيمة الأنعام، ودليل تخصيص هذا الإطلاق العام مرسل عكرمة؛ حيث أضاف الضرع فيه إلى الشاة
(4)
، حديث أبي سعيد الآتي، والعام في أدلة الشريعة يحمل على خاصها، وهذا الملحظ ظاهر عند فقهاء التابعين؛ في مثل ما يدرجونه على المرفوعات من الفهوم، وفي مثل كراهة الحسن شراء اللبن في ضروع الشاء
(5)
، وكراهة النخعي أن يشترى اللبن في ضروع الشاة
(6)
.
11 -
ما روى أبو سعيد الخدري رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن شراء ما في بطون الأنعام حتى تضع، وعما في ضروعها إلا بكيل أو وزن.
(7)
(1)
ينظر: ابن القيم: المصدر السابق، (5/ 728).
(2)
ابن تيمية: القواعد النورانية الفقهية (ص 217).
(3)
ينظر: ابن حزم: المصدر السابق، (8/ 522). ابن القيم: المصدر السابق، (5/ 830).
(4)
تقدم إيرادها قريبًا عند تخريج الحديث.
(5)
ينظر: ابن أبي شيبة: المصدر السابق، (11/ 288).
(6)
ينظر: ابن أبي شيبة: المصدر السابق، (11/ 289).
(7)
عبد الرزاق: المصدر السابق، (كتاب البيوع - باب بيع الغرر المجهول - 8/ 75، باب في بيع الغرر والعبد الآبق - 10/ 607)، برقم (14375، 20881)؛ من طريق يحيى بن العلاء، عن حفصة بن عبد الله - ذكر محققوا العلل لابن أبي حاتم أن حفصة صحفت من جهضم، والعزو في الأسفل، وهو الصواب؛ لأن من أورده عنه لا يذكر إلا جهضم كعبد الحق الإشبيلي -، عن محمد بن زيد، عن شهر بن حوشب، عن أبي سعيد الخدري؛ به مرفوعًا، ولفظه:"عن بيع ما في بطون الأنعام حتى تضع، وعما في ضروعها إلا بكيل". ابن أبي شيبة: المصدر السابق، (كتاب البيوع والأقضية - باب بيع اللبن في الضروع - 11/ 288، باب في بيع الغرر والعبد الآبق - 10/ 607)، برقم (20881، 22343)؛ من طريق حاتم بن إسماعيل، عن جهضم بن عبد الله اليماني، عن محمد بن إبراهيم الباهلي، عن محمد بن زيد العبدي، عن شهر بن حوشب - هو الأشعري الشامي -، عن أبي سعيد؛ به مرفوعًا، بلفظ المتن، بدون لفظة الوزن بعد الكيل، ومن طريقه بلفظه: أبو يعلى: المصدر السابق، (ص 259)، برقم (1094)، المزي: تهذيب الكمال (6/ 204)؛ بلفظ: "شري ما في بطون الأنعام
…
". أحمد: المصدر السابق - في طبعة الرسالة بتحقيق التركي؛ لأن شاكرًا لم يثبته في طبعة دار الحديث - (17/ 470)، برقم (11377)؛ من طريق أبي سعيد، عن جهضم - يعني اليمامي -؛ بسنده عند ابن أبي شيبة، ولفظِه. ابن ماجه: المصدر السابق، (كتاب التجارات - باب النهي عن شراء ما في بطون الأنعام وضروعها وضربة الغائص - 3/ 315)، برقم (2196)؛ من طريق هشام بن عمار، عن حاتم بن إسماعيل؛ بسنده عند ابن أبي شيبة، ولفظِه. ابن أبي حاتم: المصدر السابق، (ص 839 - 840)، برقم (1108، 1109)؛ من طريق ابن أبي شيبة، ولفظه؛ معلقًا على حاتم بن إسماعيل، ومن طريق بقية - هو ابن الوليد -، عن إسماعيل، عن جهضم بن عبد الله، عن محمد بن إبراهيم، عن محمد بن يزيد؛ بلفظ ابن أبي شيبة؛ معلقًا على بقية، ثم صوبه أبوه بقوله: إنما هو إسماعيل بن عياش، عن رجل، عن جهضم بن عبد الله، عن محمد بن إبراهيم شيخ مجهول، عن محمد بن زيد، عن شهر، عن أبي سعيد، عن النبي صلى الله عليه وسلم. الدارقطني: المصدر السابق، (3/ 402)، برقم (2839)؛ من طريق إسماعيل بن يونس بن ياسين ، عن إسحاق بن أبي إسرائيل، عن حاتم بن إسماعيل؛ بسنده عند ابن أبي شيبة، ولفظه؛ إلا أنه لم يذكر الجملة الثانية. البيهقي: المصدر السابق، (كتاب البيوع - باب ما ينهى عنه من البيوع التي فيها غرر - 2/ 272)، برقم (1969)؛ معلقًا على شهر بن حوشب، عن أبي سعيد؛ به مرفوعًا، بلفظ ابن أبي شيبة، ثم أردف: وروي من وجه آخر أنه نهى عن قفيز الطحان ا. هـ، السنن الكبير (كتاب البيوع - باب النهي عن بيع الغرر - 11/ 249)، برقم (10952)؛ من طريق علي بن أحمد بن عبدان، عن أحمد بن عبيد الصفار، عن تمتام، عن محمد بن سنان، حدثنا جهضم بن عبد الله اليماني؛ بسنده عند ابن أبي شيبة ولفظِه، ثم أردف: وهذه المناهي وإن كانت في هذا الحديث بإسناد غير قوي فهي داخلة في بيع الغرر الذي نهي عنه في الحديث الثابت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ا. هـ تنبيه: وقع تصحيف جهضم في بعض النسخ إلى حفصة، ومحمد بن زيد إلى محمد بن يزيد.
…
هذا، وقد أعل الحديث بما يأتي:
إن في متنه اضطرابًا؛ حيث جاء في بعض طرقه بدون ذكر اللبن؛ كما روى عبد الرزاق في مصنفه (14923)؛ من طريق يحيى بن العلاء، عن جهضم بن عبد الله، عن محمد بن يزيد، عن شهر بن حوشب الأشعري، عن أبي سعيد الخدري؛ قال:"نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بيع العبد وهو آبق" ا. هـ، وما روى ابن أبي شيبة في مصنفه (10611، 34004)؛ من طريق حاتم بن إسماعيل، عن جهضم بن عبد الله، عن محمد بن إبراهيم - هو الباهلي -، عن محمد بن زيد، عن شهر بن حوشب، عن أبي سعيد؛ قال:"نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن شراء الصدقات حتى تقبض" ا. هـ، ومن طريق حاتم؛ بسنده الآنف إلى أبي سعيد، ولفظه:"نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن شراء المغانم حتى تقسم" ا. هـ، وما روى ابن زنجويه في الأموال (1593)؛ من طريق إبراهيم بن موسى، عن حاتم بن إسماعيل؛ بسنده عند ابن أبي شيبة، ولفظه:"نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن كذا، وعن شراء الصدقات حتى تقبض" ا. هـ، وما روى البخاري في التاريخ الكبير (29)؛ من طريق أحمد بن الحجاج، عن حاتم بن إسماعيل؛ بسنده عند ابن أبي شيبة، ولفظُه:"نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ضربة الغائص"ا. هـ، وما روى الترمذي في الجامع الكبير (1563)؛ من طريق هناد، عن حاتم بن إسماعيل؛ بسنده عند ابن أبي شيبة، ولفظه:"نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن شراء المغانم حتى تقسم"، ثم أردف: وفي الباب عن أبي هريرة، وهذا حديث غريب. =
ونوقش بما يأتي:
أ- إن إسناده لا تقوم به حجة.
(1)
ب - إن بيع اللبن في الضرع لا يخلو؛ فإن كان معينًا؛ لم يمكن تسليم المبيع بعينه، وإن كان بيع لبن موصوف في الذمة؛ فهو نظير بيع عشرة أقفزة مطلقة من هذه الصبرة، وهذا النوع له جهتان: جهة إطلاق وجهة تعيين، ولا تنافي بينهما، وقد دل على جوازه نهي النبي صلى الله عليه وسلم أن يسلم في حائط بعينه إلا أن يكون قد بدا صلاحه، رواه الإمام أحمد
(2)
، فإذا أسلم إليه وكان لبن هذه الشاة معلومًا لا يختلف بالعادة جاز بيعه أيامًا،
= الاضطراب في سنده كما تبين من سؤال ابن أبي حاتم.
التدليس في عدم إثبات محمد بن إبراهيم الباهلي كما تبين من رواية يحيى بن العلاء.
ويمكن أن تناقش: بأن حاتمًا ثقة، ويحيى ضعيف ليس بشيء إن فيه محمد بن إبراهيم، ومحمد بن زيد، وهما مجهولان؛ قال أبو حاتم عن محمد بن إبراهيم الباهلي: شيخ مجهول ا. هـ
شهر بن حوشب؛ ضعيف.
وأجيب: بأنه مختلف فيه.
جهضم اليماني، فهو وإن كان ثقة؛ إلا أن حديثه عن المجهولين منكر، وهذا منها.
الانقطاع فيما بين جَهضَم ومحمد بن زيد؛ برجل مجهول الحال.
يحيى بن العلاء الرازي البجلي ابن أخي شعيب بن خالد؛ ضعيف ليس بشيء، وقال عمرو بن خالد: متروك الحديث جدًّا.
وهذا الحديث ضعفه ابن حجر، والألباني؛ قال عبد الحق الإشبيلي: إسناده لا يحتج به ا. هـ، وقال ابن القيم: هذا الإسناد لا تقوم به حجة ا. هـ والظاهر أنه عنى إسناد ابن ماجه.
إلا أنه جاء في معناه بعض المقطوعات؛ مثل قول طاوس فيما نقله عنه ابنه: أنه كره بيع اللبن في الضروع إلا كيلًا ا. هـ
ينظر: عبد الرزاق: المصدر السابق، (8/ 211). ابن أبي شيبة: المصدر السابق، (6/ 537، 11/ 288). ابن زنجويه: الأموال (3/ 899). البخاري: التاريخ الكبير (1/ 24). الترمذي: المصدر السابق، (3/ 223). ابن أبي حاتم: المصدر السابق، (ص 839). ابن حزم: المصدر السابق، (8/ 522). المزي: تحفة الأشراف (3/ 363 - 364). ابن القطان الفاسي: المصدر السابق، (2/ 444 - 445، 3/ 520 - 521). ابن القيم: المصدر السابق، (5/ 830). ابن حجر: بلوغ المرام (ص 295). الألباني: المصدر السابق، (5/ 132).
(1)
ينظر: ابن القيم: المصدر السابق، (5/ 830).
(2)
ينظر: ابن أبي شيبة: المصدر السابق، (11/ 288).
وجرى حكمه بالعادة مجرى كيله أو وزنه؛ جاز، وإن كان مختلفا فمرة يزيد، ومرة ينقص، أو ينقطع فهذا غرر لا يجوز، وكذلك فليكن لبن الآدمية، ولو كان التعيين شرطا لذكره.
(1)
ويمكن أن يناقش بما يأتي:
ج - إن هذا الحديث في بيع اللبن قبل خروجه من الثدي، وأوردت هذه المسألة هنا لتخريج حكم بيع لبن الآدمية في نوك الحليب عليها، وهم لا يشترونه إلا بعد حلبه.
أدلة القول الثاني: استدل أصحاب القول الثاني بما يأتي:
1 -
كما جاز بيع ولد الأمة، وكلاهما متولد منها.
(2)
ونوقش بما يأتي: أ- إن جواز بيع الولد؛ بصفة الرق، ولا رق في اللبن؛ لأن الرق عبارة عن ضعف فيما تحله الحياة، ولا حياة في اللبن، ولذلك لم يكن الصحابة رضي الله عنهم يوجبون قيمة ما تلف من اللبن على يد المغرور بالأمة.
(3)
أدلة القول الثالث: استدل أصحاب القول الثالث بما يأتي:
1 -
إنه لبن طاهر منتفع به، فجاز بيعه؛ كلبن الشاة.
(4)
2 -
إنه غذاء للآدمي، فجاز بيعه؛ كالخبز.
(5)
ونوقش بما يأتي: أ- إن هذا منتقض بدم الحيض؛ لأنه غذاء لآدمي - وهو الجنين -، ولا يجوز بيعه.
(6)
وأجيب: بأن هذا ليس بصحيح، ولا يتغذى الجنين بدم الحيض؛ بل يولد وفمه مسدود لا طريق فيه لجريان الدم، وعلى وجهه المشيمة، ولهذا تعيش أجنة البهائم في البطون ولا حيض لها.
(7)
(1)
ينظر: ابن القيم: المصدر السابق، (5/ 830 - 831).
(2)
ينظر: السرخسي: المصدر السابق، (15/ 125).
(3)
ينظر: السرخسي: المصدر السابق، (15/ 125 - 126).
(4)
ينظر: الحطاب: المصدر السابق، (5/ 56). النووي: المصدر السابق، (9/ 184). ابن قدامة: المصدر السابق، (6/ 364). البهوتي: المصدر السابق، (7/ 313).
(5)
النووي: المصدر السابق، (9/ 184).
(6)
النووي: المصدر السابق، (9/ 184).
(7)
النووي: المصدر السابق، (9/ 184). وإلى عدم تغذي الجنين تشير الدراسات الحديثة لأن الجنين يتغذى من دم أمه عمومًا بواسطة المشيمة ثم الحبل السري المتصل بالجنين ا. هـ أفدت ذلك من حوار شفوي جرى مع الطبيب محمد حولدار والصيدلي زيد العشبان.
3 -
إنه مائع يحل شربه، فجاز بيعه؛ كلبن الشاة.
(1)
ونوقش بما يأتي: أ- إن العرق مائع ولم يحل شربه، ولا يجوز بيعه؛ فانتقض به.
(2)
وأجيب: بعدم التسليم؛ لأنه يحل شربه، ولا يلزم من كون العادة لم تجر ببيعه أن لا يصح بيعه، كما أن العادة لم تجر ببيع الطحال، وبيض العصافير، مع أن البيع جائز وصحيح.
(3)
ويمكن أن يجاب: بأن العَرق تخلف فيه وصف مؤثر، وهو المنفعة؛ فلم يصح القياس عليه.
4 -
…
إنه جاز استحقاقه وأخذ العوض عنه بعقد الإجارة في الظئر؛ فأشبه المنافع، وجاز بيعه.
(4)
- الترجيح: جواز بيع لبن الآدمية ما كان معلومًا معيَّنًا؛ لأن الإجماع منعقد على جواز استئجار الظئر
(5)
، والإجارة لا تختلف عن البيع في معنى المعاوضة
(6)
، كما أنه لا خلاف في أن للمرأة أن تحلب لبنها في إناء وتعطيه لمن يسقيه صبيًّا، وهذا تمليك منها له، وكل ما صح ملكه وانتقال الأملاك فيه حل بيعه؛ لقول الله تعالى:{وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ} [سورة البقرة: 275]
(7)
، ولبن الآدمية داخل في عموم الإباحة، وقد فصل لنا الله تعالى ما حرم علينا، ولم يأتِ تدليل صحيح أو يَقْوَ تعليل صريح على إلغاء الأصل المبيح.
- ثمرة الخلاف: ترتب على الخلاف في هذه المسألة أثر في الفروع الآتية:
(1)
النووي: المصدر السابق، (9/ 184).
(2)
ينظر: النووي: المصدر السابق، (9/ 184).
(3)
ينظر: النووي: المصدر السابق، (9/ 184).
(4)
ينظر: السرخسي: المصدر السابق، (15/ 125). ابن قدامة: المصدر السابق، (6/ 364). البهوتي: المصدر السابق، (7/ 313).
(5)
ينظر: ابن قدامة: المصدر السابق، (8/ 73).
(6)
ينظر: دبيان الدبيان: المصدر السابق، (9/ 361).
(7)
ابن حزم: المصدر السابق، (9/ 39).
1 -
ضمان ما تلف من حليب الآدمي؛ فمن حرم بيعه وهم الحنفية -؛ لم يضمن ما تلف منه؛ لأنه ليس بمال متقوم
(1)
، ومن أجاز بيعه - وهم المالكية والشافعية والحنابلة وبعض الحنفية بقيد -؛ حكم بضمان متلفه؛ لأنه مال متقوم، والتقوم بكون العين منتفعًا به شرعًا وعرفًا.
(2)
.
2 -
المعقود عليه في الرضاع؛ فمن حرم بيعه - وهم الحنفية - وجعل المعقود عليه هو اللبن؛ أشكل عليه ذلك، حتى تأول ذلك بدعيان الحاجة أو جريان العمل أو غير ذلك مما تقدم عند مسألة حكم الرضاع على الأم في المحبث السابق، ومن أجاز بيعه - وهم الجمهور -؛ لم يشكل عليه أن يكون المعقود عليه مع الظئر المستأجرة للإرضاع هو اللبن، لا خدمة الصبي وحمله ووضع الثدي في فيه واللبن تبع؛ لأن اللبن هو المقصود، ولذلك لو خدمته بدون الرضاع لم تستحق شيئًا، ولأن الله تعالى يقول:{فِإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوْهُنَّ أُجُوْرَهُنَّ} [سورة الطلاق: 6]؛ فجعل الأجر مرتبًا الإرضاع.
(3)
3 -
التبرع بلبن الآدميات؛ فمن لم يجز بيعه؛ فالتخريج يقتضي أنه لا يجيز التبرع به في عقد جائز؛ كالهبة؛ لأنه لم يجعل صاحبه مالكًا لما يتصرف فيه
(4)
، ومن أجاز بيعه؛ أجاز التبرع به تخريجًا؛ لأن كل ما صح بيعه جازت هبته
(5)
.
4 -
إذا اعتدي على الحليب في بنوكه المعاصرة؛ فلا يضمن بعد تلفه عند الحنفية، ويضمن عند الجمهور.
5 -
جواز بيع اللبن وابتياعه من بنوك الحليب المعاصرة؛ إذا كان المبيع - وهو: اللبن هنا - معلومًا معينًا؛ كما لو وضع في قارورة.
(1)
ينظر: السرخسي: المصدر السابق، (15/ 125).
(2)
ينظر: السرخسي: المصدر السابق، (15/ 125). البهوتي: المصدر السابق، (7/ 313).
(3)
ينظر: ابن قدامة: المصدر السابق، (8/ 74).
(4)
ينظر: د. جمال مهدي: المصدر السابق، (ص 71).
(5)
ينظر: شمس الدين ابن قدامة: المصدر السابق، (17/ 40).