الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
3 -
إجماع أهل العلم على جواز استئجار الظئر، مع دعَيان الحاجة إلى إرضاع الطفل فوق دعائها إلى غيره؛ حيث لا يعيش في العادة إلا به.
(1)
ونوقش أصحاب هذا القول بما يأتي: أ- إن قولكم يفضي إلى تفويت حق الولد من لبن أمه، وتفويت حق الأم في إرضاعه لبنها؛ فلم يجز ذلك، كما لو تبرعت برضاعه.
(2)
ويمكن أن يجاب: بأنهم لم يمنعوا على أبي المولود استئجار أم المولود ما دامت زوجة أو معتدة من نكاح حتى يبِنَّ = هملًا، بل أوجبوا على المولود لها الرضاع ديانةً بموجب ما فرض الله تعالى لها من الرزق والكسوة بالمعروف.
أدلة القول الخامس: استدل أصحاب القول الخامس بما يأتي:
أولًا: الاستدلال على أن الشريفة لا تجبر على الرضاع إذا لم تجر عادة مثلها بذلك:
1 -
إنه هو الذي جرى عليه العمل والعادة، والعمل والعادة أصل من أصول الفقه، فخصصت به الآية
(3)
.
وعلى هذا كان أمر الجاهلية في ذوي الأحساب، وجاء الإسلام فلم يغيره، وطفق ذوو الثروة والأحساب على تفريغ الأمهات للمتعة؛ بدفع الرضعاء للمراضع.
(4)
ونوقش بما يأتي: أ- هذا قول في غاية الفساد؛ لأن الشرف هو التقوى.
(5)
كما يمكن أن يناقش بما يأتي: ب- إن ذلك كان في الجاهلية، فلما جاء الإسلام بأمر الوالدات أن يرضعن أولادهن؛ لم يكن في عمل الجاهلية معتبر؛ لأن هذا الكتاب مهيمن على ما قبله من الكتب المنزلة، فضلًا عن العوائد الاجتماعية أو الأعراف القومية؛ قال الله تعالى:{إِنَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللَّهُ} [سورة النساء: 105]؛ أي: بما أنزل الله إليك من كتابه، لا بما كان عليه أمر الجاهلية، وقال: {وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ
(1)
ينظر: ابن قدامة: المصدر السابق، (8/ 73).
(2)
ينظر: ابن قدامة: المصدر السابق، (11/ 432).
(3)
ينظر: القرطبي: المصدر السابق، (3/ 172).
(4)
ينظر: القرطبي: المصدر السابق، (3/ 173).
(5)
ابن حزم: المصدر السابق، (10/ 432)
عَمَّا جَاءَكَ مِنَ الْحَقِّ} [سورة المائدة: 48]، وقال:{وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَنْ يَفْتِنُوكَ عَنْ بَعْضِ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ إِلَيْكَ} [سورة المائدة: 49]، وقال:{أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا} [سورة المائدة: 50]
(1)
، وإلى جانب إيجاب الرضاعة على الزوجة المولود لها؛ فقد حرمت شِرعة الإسلام نشوزها على زوجها، فلو وقعت بين واجبين لا يمكنها الجمع بينهما؛ كان ذلك محل اجتهاد، ودفع الرضعاء إلى المراضع إبان المصير إلى أحد الواجبين لا يصيِّر الواجب الآخر مفضولًا مطلقًا، على أن المحظور - وهو النشوز - مقدم في الشريعة على المأمور به - وهو الرضاع هنا -؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم:"إذا نهيتكم عن شيء فاجتنبوه، وإذا أمرتكم بشيء فأتوا منه ما استطعتم" متفق عليه
(2)
، وعلى أن الواجب الآخر المصاحب لواجب الرضاع قد يكون لحق الله - كحد الزنا - فيستوفى حق الآدمي الرضيع فيما وضعه الله له في صدر أمه، ويقدم على حق الله؛ كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم مع الغامدية
(3)
، حتى أمكن استيفاء حق الله على وجه لا يخل بحق المخلوق حين وجد الكفيل الأمين.
ولا يمنع ما تقدم أن تجوز الشريعة استئجار الظئر للحاجة مع كون أم المولود في عصمة أبيه؛ لأن الصغار لا يتربون إلا بلبن الآدمية، والأم قد تعجز عن الإرضاع؛ لمرض، أو موت، أو تأبى الإرضاع؛ فلا طريق إلى تحصيل المقصود - مع حرمة فعلها - سوى ذلك.
(4)
(1)
ينظر: ابن جرير: المصدر السابق، (7/ 457، 8/ 486، 501، 503).
(2)
البخاري: المصدر السابق، (كتاب الاعتصام بالكتاب والسنة - باب الاقتداء بسنن رسول الله صلى الله عليه وسلم 9/ 258)، برقم (7284)؛ من طريق إسماعيل، عن مالك، عن أبي الزناد، عن الأعرج، عن أبي هريرة؛ به مرفوعًا. مسلم: المصدر السابق، (كتاب المناسك - باب فرض الحج مرة في العمر- 3/ 582، كتاب المناقب - باب في الانتهاء عما نهى عنه النبي صلى الله عليه وسلم وترك الاختلاف عليه والمسائل - 6/ 185)، برقم (1356، 2432)؛ من طريق زهير بن حرب، عن يزيد بن هارون، عن الرَّبيع بن مسلم القرشي، عن محمد بن زياد، عن أبي هريرة؛ به مرفوعًا، بلفظ:"إذا أمرتكم بشيء فأتوا منه ما استطعتم، وإذا نهيتكم عن شيء فدعوه" ا. هـ، ومن طريق حرملة بن يحيى التُّجيبي، عن ابن وهب، عن يونس، عن ابن شهاب، عن أبي سلمة بن عبد الرحمن، وسعيد بن المسيب؛ عن أبي هريرة؛ به مرفوعًا، بلفظ:"ما نهيتكم عنه فاجتنبوه، وما أمرتكم به فأتوا منه ما استطعتم" ا. هـ
(3)
تقدم تخريجه آنفًا عند الدليل السابع لأصحاب القول الأول.
(4)
ينظر: السرخسي: المصدر السابق، (15/ 118).