الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
عن الزوجة الأخرى لزوجها؛ عند قيام الحاجة؛ كما لو كان رحم إحدى الزوجتين معطلًا أو منزوعًا وهي سليمة المبيض، بينما يكون رحم ضرتها سليمًا من العلل والأدواء
(1)
، وهي الصورة التي لم ير جوازها ابن باز
(2)
.
المطلب الثاني
حكم رضاع المستأجر رحمها
اقتضت حكمة الله سبحانه أن يخلق الإنسان من ماء والديه، ففي بطن أمه تراصت عظام جسمه والتحمت أعصابه وتمت أعضاؤه من رأسه إلى قدمه، وبعد الانفصال منها نما وزاد وصار اللبن جزءًا منه بغذائه به؛ فقويت عظامه واشتدت أعصابه، وتمكن كل منهما على القيام بالحركة، ولولا هذا الغذاء لتهدمت أركانه ووقفت دقات قلبه وهبطت أنفاسه؛ فهذا اللبن هو الغذاء الوحيد، والسبب الفريد في قوته، وهو الغذاء الذي لا يصلح غيره للرضيع؛ فهذا هو ابن النسب.
أما ابن الرضاع فلم يتحقق عنده ولم ينل من أمه رضاعًا إلا اللبن فقط، ومعلوم أن اللبن منفصل عن جسم المرأة، فهو جزء منها أحسنت به إلى الرضيع؛ لينمو ويقوى على الحركة، فتستحق منه أن يقابل هذا الإحسان بإحسان مثله، لا بالإيذاء والإضرار بها، والنزاع والشقاق.
(3)
وقد تقدم في المبحث الثاني من هذا الفصل بيان مسألة حكم الإرضاع على الأم، وأنه يجب إرضاع المولود على المولود لها مما خلق الله في صدرها عند عامة العلماء في الجملة؛ للاعتبارات الآتية:
(1)
ينظر: د. عادل الصاوي: المصدر السابق، (ص 103). منظمة المؤتمر الإسلامي بجدة: مجلة مجمع الفقه الإسلامي (2/ 154 - 156، 160 - 163).
(2)
ينظر: منظمة المؤتمر الإسلامي بجدة: مجلة مجمع الفقه الإسلامي (2/ 185).
(3)
الرافعي: تقريرات الرافعي على رد المحتار على الدر المختار، (4/ 388).
1 -
النصوص الدالة على وجوب الإرضاع لكل من أنجب الله لها ولدًا ودرَّ في ضرعها لبنًا؛ كقول الحق جل شأنه: {وَالوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلَادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ} [سورة البقرة: 233]، وهو خبر عام في كل والدة - ولو مطلقة - يراد به الأمر المؤكد، وما جاء الأمر فيه بصيغة الإخبار كان معنى الإيجاب فيه ظاهر، والحتمية فيه أقوى، والأصل في الأوامر الوجوب.
(1)
وكقول النبي صلى الله عليه وسلم في شأن الغامدية من الأزد بعدما تأكد عليها حد الزنى من المحصنات: "اذهبي، فأرضعيه حتى تفطميه"، وقوله:"لا نرجمها وندع ولدها صغيرًا ليس له من يرضعه"، فلما فطمته أتته بالصبي في يده كسرة خبز، فقالت: هذا يا نبي الله؛ قد فطمته، وقد أكل الطعام، فدفع الصبيَّ إلى رجل من المسلمين، ثم أمر بها فحفر لها إلى صدرها، وأمر الناس فرجموها. رواه مسلم
(2)
، ولولا وجوب إرضاع الوليد على أمه حتى الفطام؛ ما حكم عليه الصلاة والسلام بتأخير إقامة حد الله في المرضع حتى الفطام، ولا نهى عن رجمها؛ في قوله:"لا نرجمها".
(3)
ولو لم يكن الرضاع واجبًا على المولود لها ما هم النبي صلى الله عليه وسلم بالنهي عن الغيلة - يعني: مجامعة المرضع - لولا ما رأى من الدليل الواقعي المحسوس عند الروم وفارس أنها - أي: الغيلة - لا تضر أولادهم في الرضاع من أمهاتهم
(4)
.
2 -
إن إيجاب الإرضاع على المولود لها هو مقتضى الحاجة الفطرية والعرف
(5)
، والعادة محكمة، و"المرأة في بيت زوجها راعية، ومسؤولة عن رعيتها" رواه البخاري مرفوعًا
(6)
.
(1)
ينظر: الزمخشري: المصدر السابق، (ص 135). القرطبي: المصدر السابق، (3/ 161، 172). القرافي: المصدر السابق، (4/ 270 - 271). ابن قدامة: المصدر السابق، (11/ 429، 430). الحمد: المصدر السابق، (25/ 67). ابن حزم: المصدر السابق، (10/ 129 - 130، 432). السمين الحلبي: المصدر السابق (2/ 462). ابن منظور: المصدر السابق، (5/ 223).
(2)
ينظر تخريجه في المطلب الثالث من المبحث الثاني ضمن هذا الفصل.
(3)
ينظر: القرافي: المصدر السابق، (4/ 271).
(4)
ينظر تخريجه في المطلب الثالث من المبحث الثاني ضمن هذا الفصل.
(5)
ينظر: الحمد: المصدر السابق، (25/ 67).
(6)
ينظر تخريجه في المطلب الثالث من المبحث الثاني ضمن هذا الفصل.
ولو لم يكن العرف كذلك؛ لكان في قواعد الشريعة وعموماته ما يقضي بإيجاب الإرضاع على الأم؛ في مثل قول البارئ جلَّ وعلا: {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ} [سورة المائدة: 2]، والأمر بالرحمة في قول النبي صلى الله عليه وسلم:"من لا يَرحم لا يُرحم" متفق عليه
(1)
، حتى سقطت عن المرضع فريضة الصوم وهي ركن في الإسلام إذا خافت على رضيعها، ومن ذلك: الحكم على من قتل ولده سفهًا بالخسران {قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ قَتَلُوا أَوْلَادَهُمْ سَفَهًا بغَيْرِ عِلْمٍ} [سورة الأنعام: 140]، وحرمانه من الرضاع مع حاجته قتل له، ومن ذلك قول الله تعالى عمن سلكوا سقرَ:{وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ} [سورة المدثر: 44]، وفيمن أوتي كتابه بشماله:{وَلَا يَحُضُّ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ} [سورة الحاقة: 34]، وفيما ذم به الإنسان:{وَلَا تَحَاضُّونَ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ} [سورة الفجر: 18]، وفي المقابل وصف عباده الأبرار بأنهم {يُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا} [سورة الإنسان: 8]، والرضيع مسكين مستضعف، وجعل النبي صلى الله عليه وسلم ذلك من تمام الإيمان، فقال:"لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه" متفق عليه
(2)
، وعدم إرضاع المولود بما خلق الله في الثدي من الحليب لؤم ظاهر وشح مذموم؛ لأن الله تعالى إذا كان قد خلق في المولود لها لبنًا؛ فأي حكمة من إيجاده، وأي معنى من تكوينه؛ إن حرمت مولودها منه ولم تحفظ عليه نفسه بما أودع الله في صدرها؟ ، {فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ} [سورة المؤمنين: 14].
(3)
3 -
إن في حبس الحليب في الثدي أضرارًا تتعدى إلى أم المولود؛ كتأخر انقباض رحمها وعودته سريعًا إلى حجمه الطبعي، وتعرضها للإصابة بسرطان الثدي والمبيض، وغير ذلك
(4)
؛ مما يوجب عليها أن تدفعه عن نفسها بإرضاع مولودها؛ لأن الضرر يزال
(5)
.
(1)
تقدم تخريجه في الفرع الثاني من المطلب الثالث للمبحث الأول في الفصل الأول.
(2)
ينظر تخريجه في المطلب الثالث من المبحث الثاني ضمن هذا الفصل.
(3)
ينظر: ابن جرير: المصدر السابق، (8/ 52، 23/ 239، 451، 543). ابن حزم: المصدر السابق، (6/ 310، 10/ 434).
(4)
ينظر: د. جاسمية شمس الدين: المصدر السابق، (21/ 34). صلاح عبد التواب: المصدر السابق، (ص 466). د. عبلة الكحلاوي: المصدر السابق، (ص 89). أ. د. محمد البار: المصدر السابق، (ص 80 - 84). د. إسماعيل مرحبا: المصدر السابق، (ص 328 - 330).
(5)
ينظر: ابن نجيم: المصدر السابق، (ص 73 وما بعدها).