الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الفرع الثاني
أثر إذن أولياء المرتضع في انتشار المحرمية
الأصل في إذن أولياء المرتضع ما جاء عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه حين سئل: ما يحرم من الرضاع؟ فكتب إلى السائل: إنه لا يحرم منها: الضرار، والعفافة، والملجة؛ فالضرار: أن ترضع المرأة الولدين كي تحرم بينهما، والعفافة: الشيء اليسير الذي يبقى في الثدي، والملجة: اختلاس المرأة ولد غيرها فتلقمه ثديها ا. هـ
(1)
، وهذا ما يدل على أن بطلان أثر الرضاع إذا كان غير مأذون فيه وقصد من ورائه الإضرار؛ فلا ينشر حينئذ من الحرمة شيئًا؛ معاملةً للقاصد بنقيض قصده
(2)
؛ كما لو كان لزوج امرأتان، فأرادت كبراهما أن ترضع الصغرى؛ لإفساد نكاحها عليه ونكاح المرتضعة منه.
(3)
على أن ظاهر كلام كثير من الفقهاء فيمن قصد الإضرار بالرضاع أن قصده هذا لا يعود بالفساد على أثر الرضاع الشرعي؛ بل بتغريم القاصد ضررًا، أو تعزيره، أو نحو ذلك، ومثاله قول القدوري ت 428 هـ: وإذا تزوج الرجل صغيرة وكبيرة، فأرضعت الكبيرة الصغيرة؛ حرمتا على الزوج، فإن كان لم يدخل بالكبيرة؛ فلا مهر لها، وللصغيرة نصف المهر، ويرجع به الزوج على الكبيرة؛ إن كانت تعمدت به الفساد، وإن لم تتعمد؛ فلا شيء عليها ا. هـ
(4)
، إلى غير ذلك من النقول التي سيظهر طرف منها خلال عرض المسألة الآتية.
فأما إذا لم يُقصد بذلك الإضرار؛ فهل على المرضعة شيء إذا ترتب على إرضاعها فوات مطلوب أو إفساد نكاح أو ضياع حق على الغير؛ كما لو كان تحت رجل أربع نساء؛ فأرضعتهن أخته من النسب، وترتب على ذلك فسخهن منه، أو طلاقه لهن؛ إلا واحدة؟
اختلفت أنظار أهل العلم في ذلك على ما يأتي:
القول الأول: لا شيء على المرضعة لهن، وإن تعدّت، وعليها للزوج ما غرم.
وبه قال المالكية
(5)
.
القول الثاني: لا غرم على المرضعة إلا أن تتعدى
(6)
؛ كما لو تعمدت الفساد، وتؤدَّب.
وهو قول عند المالكية
(7)
، وبه قال اللخمي
(8)
.
القول الثالث: لها عليه نصف المهر - المثلي لا المسمى فيما يظهر من سياق العبارة -، ويرجع على التي أرضعتها بنصف صداق مثلها؛ تعمدت إفساد النكاح أو لم تتعمده، وإن تعددن رجع عليهن على قدر رضاعهن المحرِّم أخماسًا؛ على كل واحدة بقدر ما أتلفت.
(9)
وهو مذهب الشافعي
(10)
، والحنابلة
(11)
.
القول الرابع: تغرم
(12)
الحرة للزوج دون المستولدة؛ سواء قصدت بالإرضاع فسخ النكاح أو لا، وسواء وجب عليها الإرضاع بأن لا يكون هناك مرضعة غيرها أم لا، وسواء أكرهت على الإرضاع أو لا. فإن كن جماعة نساء، فأرضعن مرتبًا؛ فالغرم يتعلق بإرضاع الأخيرة، وإن أرضعن معًا؛ بأن أخذت كل واحدة لبنها في مسعط، وأوجرته معا؛ اشتركن في
(1)
رواه عبد الرزاق في مصنفه، وقد تقدم تخريجه في المطلب السادس من المبحث الثالث للفصل الأول.
(2)
ينظر: القرافي: المصدر السابق، (7/ 3162).
(3)
الجصاص: المصدر السابق، (5/ 271). ابن حزم: المصدر السابق، (10/ 8 - 9).
(4)
القدوري: المصدر السابق، (ص 232).
(5)
ينظر: القرافي: الذخيرة (4/ 282).
(6)
هذا موضع قول اللخمي.
(7)
ينظر: الحطاب: المصدر السابق، (4/ 577).
(8)
ينظر: القرافي: المصدر السابق، (4/ 282).
(9)
هذه الزيادة للحنابلة.
(10)
ينظر: الشافعي: المصدر السابق، (6/ 90).
(11)
ينظر: شمس الدين ابن قدامة: المصدر السابق، (24/ 262). البهوتي: المصدر السابق، (13/ 100).
(12)
لا يعني كون الغرم عليها أن المهر لا يجب عليه للمرضَعة؛ بل أداء ما يجب من المهر عليه، والرجوع على المرضِعة وما تدفعه له هو المراد بالغرم. ينظر: النووي: المصدر السابق، (9/ 22).
الغرم، ويقسَّم بينهم على عدد رؤوس المرضعات
(1)
، وذلك في الصغيرة المنفسخ نكاحها بالرضاع لا يخلو:
أتستحق نصف المسمى؛ إن كان صحيحًا.
ب تستحق نصف مهر المثل إن كان فاسدًا.
ويسثنى من ذلك أن يكون الانفساخ من جهتها؛ بأن دبَّت، فرضعت من نائمة، فإنه لا شيء لها.
وهو وجه عند الشافعية
(2)
.
القول الخامس: تغرم الحرة للزوج دون المستولدة؛ سواء قصدت بالإرضاع فسخ النكاح أو لا؛ إلا: أن يلزمها الإرضاع
(3)
؛ بأن لا يكون هناك مرضعة غيرها أم لا، أو أن تكون مكرهة.
فإن كن جماعة نساء، فأرضعن مرتبًا؛ فالغرم يتعلق بإرضاع الأخيرة، وإن أرضعن معًا؛ بأن أخذت كل واحدة لبنها في مسعط، وأوجرته معا؛ اشتركن في الغرم، ويقسَّم بينهم على عدد الرضعات؛ كل بحسبه
(4)
، وذلك في الصغيرة المنفسخ نكاحها بالرضاع لا يخلو:
أتستحق نصف المسمى؛ إن كان صحيحًا.
ب تستحق نصف مهر المثل إن كان فاسدًا.
ويسثنى من ذلك أن يكون الانفساخ من جهتها؛ بأن، فرضعت من نائمة، فإنه لا شيء لها.
وهو وجه عند الشافعية
(5)
، واحتمال للشيخ أبي حامد
(6)
.
- الأدلة: استدل بعض أصحاب الأقوال بأدلة، وهي:
أدلة القول الأول: استدل أصحاب القول الأول بما يأتي:
(1)
هذا هو موضع الوجه الأول عند الشافعية، وما بقي فهو المذهب.
(2)
ينظر: النووي: المصدر السابق، (9/ 10 - 11، 20، 22، 23).
(3)
هذا هو موطن احتمال الشيخ أبي حامد.
(4)
هذا هو موضع الوجه الأول عند الشافعية، وما بقي فهو المذهب.
(5)
ينظر: النووي: المصدر السابق، (9/ 10 - 11، 20، 22).
(6)
ينظر: النووي: المصدر السابق، (9/ 21).
أولًا: الاستدلال على أن لا شيء على المرضعة لمن أرضعت وتسببت في مفارقتهن الزوج، وإن تعدّت؛ بما يأتي:
1 -
عدم وجوب شيء على الزوج؛ لأنه غير مطلق.
(1)
ثانيًا: الاستدلال على أن للمرضعة على الزوج ما غرم:
1 -
كالرجوع على الشاهد.
(2)
أدلة القول الثالث: استدل أصحاب القول الثالث بما يأتي:
أولًا: الاستدلال على أن للصبية التي تزوجها عليه نصف مهر المثل:
1 -
إن فساد النكاح ليس جناية؛ فلا يلزمه كامل مهرها، والرضاع الذي كان قبل نكاحه جائز لها، وكذلك بعد نكاحه؛ إلا بمعنى أن يكون فسادًا عليه.
(3)
ثانيًا: الاستدلال على رجوع الزوج على المرضعة:
1 -
إن كل من أفسد شيئًا ضمن قيمة ما أفسد؛ تعمد الفساد أو لم يتعمده.
(4)
ثالثًا: الاستدلال على أن على المرضعة نصف صداق مثلها:
1 -
إن ذلك قيمة ما أفسدت منها مما يلزم زوجها؛ كان أكثر من نصف ما أصدقها أو أقل؛ إن كان أصدقها شيئًا أو لم يسم لها صداقًا؛ لأن ذلك أقل ما كان وجب لها عليه بكل حال؛ إذا لم يكن هو طلقها قبل أن يسمي لها شيئًا.
(5)
2 -
إن المهر المسمى شيء حابى به الزوج في ماله.
(6)
3 -
كما لو اشترى سلعة بمائة؛ استهلكها، وقيمتها خمسون؛ لم يغرم مائة.
(7)
(1)
ينظر: القرافي: المصدر السابق، (4/ 281). وهذا مبني على توصيف ابن القاسم المفارقة حالتئذ بكونها فسخًا لا طلاقًا.
(2)
ينظر: القرافي: المصدر السابق، (4/ 281).
(3)
ينظر: الشافعي: المصدر السابق، (6/ 90).
(4)
المصدر السابق.
(5)
المصدر السابق.
(6)
المصدر السابق.
(7)
المصدر السابق.
4 -
إن أبا الصبية لو حابا الزوج في صداقها؛ كان عليه نصف مهر مثلها، فلم تغرم المرضعة الأقل من نصف مهر مثلها، أو ما سمى لها، وإنما غرمت ما يلزمه، أو أقل منه؛ إن كان قيمة نصف مهر مثلها أقل مما أصدقها.
(1)
رابعًا: الاستدلال على أن الرجوع على الجماعة إذا أفسدوا النكاح يكون بقدر ما أتلفت لا بعدد رؤوسهن:
1 -
كما لو أتلفن مالًا وتفاوتن فيه.
(2)
أدلة القول الرابع: استدل أصحاب القول الرابع بما يأتي:
أولًا: الاستدلال على تغريم الحرة للزوج دون المستولدة:
1 -
إنه لا يثبت له دين على مملوكه
(3)
.
ثانيًا: الاستدلال على وجوب الإرضاع عليها بأن لا يكون هناك مرضعة غيرها:
1 -
إن غرامة الإتلاف لا تختلف بهذه الأسباب.
- الترجيح: الراجح هو أن لا شيء على المرضعة إذا ترتب على إرضاعها فوات مطلوب أو إفساد نكاح أو ضياع حق على الغير؛ إذا أذن لها، ولم تَقصد بذلك الإضرار؛ لأن ما نشأ عن المأذون، فليس بالمضمون، وهذا هو القدر الكافي لهذا الفرع.
- ثمرة الخلاف: ترتب على الخلاف في هذه المسألة أثر في الفروع الآتية:
1 -
لو كان تحت رجل صغيرة، وله خمس مستولدات، فأرضعتها كل واحدة رضعة بلبنه؛ فلا غرم عليهن عند الشافعية، لأنه لا يثبت له دين على مملوكه
(4)
.
2 -
لو أرضع نسوةُ رجلٍ الثلاثُ ومستولدتاه زوجتَه الصغيرة؛ فغرامة مهرها يتعلق بإرضاع الأخيرة؛ إن أرضعن مرتبًا وكانت الأخيرة زوجة، فإن كانت مستولدة؛ فلا شيء عليها، وإن أرضعنه معًا؛ بأن أخذت كل واحدة لبنها في مسعط، وأوجرنه معًا؛ فلا شيء على المستولدتين، وعلى النسوة ثلاثة أخماس الغرم.
(5)
(1)
المصدر السابق.
(2)
ينظر: البهوتي: المصدر السابق، (13/ 100).
(3)
ينظر: النووي: المصدر السابق، (9/ 10).
(4)
ينظر: النووي: المصدر السابق، (9/ 10).
(5)
ينظر: النووي: المصدر السابق، (9/ 10).
3 -
لو كان لرجل أم، وبنت، وأخت، وبنت أخ لأب، وبنت أخت لأب؛ فأرضعت كل واحدة من هؤلاء زوجة الرجل رضعة، فتغرم الأخيرة للزوج؛ في وجه عند الشافعية، وإن أرضعن معًا؛ اشتركن في الغرم، فإن اختلف عدد الرضعات بأن كن ثلاثًا فأرضعت واحدة رضعتين، وأخرى كذلك، والثالثة رضعة؛ فهل يغرمن أثلاثا على عدد الرءوس، أم أخماسا على عدد الرضعات؟ وجهان عند الشافعية
(1)
، والحنابلة على الثاني، وهو عدد الرضعات
(2)
، ولا ترد هذه المسألة ونظائرها على أصل أبي حنيفة
(3)
، ومالك
(4)
، وغيرهما
(5)
؛ ممن يكون عنده قليل الرضاع ككثيره في التحريم.
4 -
لو أوجر أجنبي واحدٌ صغيرةً بلبن أم زوجها مرة، وآخران مرتين مرتين؛ فهل يوزع عليهم أثلاثًا؟ أم على عدد الرضعات؟ وجهان
(6)
، أصحهما الثاني
(7)
.
5 -
ولو كان تحته صغيرة، فأرضعتها أمة له قد وطئها بلبن غيره؛ بطل نكاح الصغيرة، وحرمتا أبدًا. ولو كان تحت زيد كبيرة، وتحت عمرو صغيرة، فطلق كل واحد زوجته ونكح زوجة الآخر، ثم أرضعت الكبيرة الصغيرة واللبن لغيرهما، حرمت الكبيرة عليهما أبدًا؛ لأنها أم زوجتهما، فإن كانا دخلا بالكبيرة؛ حرمت الصغيرة عليهما أبدًا، وإلا؛ فلا تحرم عليهما، ولا ينفسخ نكاحها، وكذا لو لم يدخل زيد بها حين كانت في نكاحه لا تحرم عليه الصغيرة، ولا ينفسخ نكاحها. وإذا انفسخ نكاحها، فعلى زوجها نصف المسمى، ويرجع بالغرم على الكبيرة، ولا يجب للكبيرة شيء على زوجها إن لم يدخل بها؛ لأن الانفساخ منها.
(8)
6 -
تحت رجل صغيرة وكبيرة، فأرضعت الصغيرةُ الكبيرة؛ انفسخ نكاحهما، وحرمت الكبيرة مؤبدًا، وكذا الصغيرة إن كانت الكبيرة أرضعتها بلبنه، أو كانت مدخولًا بها، وإلا؛
(1)
ينظر: النووي: المصدر السابق، (9/ 11).
(2)
ينظر: شمس الدين ابن قدامة: المصدر السابق، (24/ 262). المرداوي: المصدر السابق، (24/ 262).
(3)
ينظر: الجصاص: المصدر السابق، (5/ 255). ابن عابدين: المصدر السابق، (4/ 399). الميداني: المصدر السابق، (4/ 75).
(4)
ينظر: القرافي: المصدر السابق، (4/ 274).
(5)
ينظر: الترمذي: المصدر السابق، (2/ 444). ابن القيم: المصدر السابق، (5/ 571).
(6)
ينظر: النووي: المصدر السابق، (9/ 21 - 22).
(7)
ينظر: النووي: المصدر السابق، (9/ 22).
(8)
ينظر: النووي: المصدر السابق، (9/ 25).
فلا؛ لأنها ربيبة لم يدخل بأمها، وعلى الزوج للصغيرة نصف المسمى، وفيما يرجع به على الكبيرة الأقوال الأربعة، ولا مهر للكبيرة إن لم يكن مدخولًا بها، فإن كانت؛ فلها المهر.
(1)
7 -
لو كان لرجل ثلاث نسوة لهن لبن منه، فأرضعن امرأة له صغرى؛ كل واحدة رضعتين؛ كان عليه نصف مهرها؛ يرجع به عليهن على قدر رضاعهن، يقسم بينهن أخماساً، وهذا في مذهب الحنابلة
(2)
؛ لأن الرضعات الخمس محرمة، وقد وجد من الأولى رضعتان، ومن الثانية رضعتان، والخامسة وجدت من الثالثة؛ فيجب على الأولى خمس مهرها، وعلى الثانية خمس، وعلى الثالثة عشر - وهو نصف الخمس -؛ حيث كُنَّ سببًا في استقراره عليه فكان الفسخ من غير جهتها
(3)
.
وهنا مسألة أختم بها هذا الفرع، وهي: توصيف المفارقة بسبب الرضاع بعد العقد.
اختلف الفقهاء في ذلك على قولين فيما وقفت عليه:
القول الأول: يفسخ بلا طلاق في الجميع.
وبه قال بعض المالكية؛ كابن القاسم
(4)
، وهو ظاهر مذهب الشافعي
(5)
.
القول الثاني: يكون طلاقًا.
وبه قال المالكية
(6)
.
(1)
ينظر: النووي: المصدر السابق، (9/ 26).
(2)
ينظر: شمس الدين ابن قدامة: المصدر السابق، (24/ 261 - 262). البهوتي: المصدر السابق، (13/ 96).
(3)
ينظر: شمس الدين ابن قدامة: المصدر السابق، (24/ 262). المرداوي: المصدر السابق، (24/ 262). البهوتي: المصدر السابق، (13/ 96).
(4)
ينظر: القرافي: المصدر السابق، (4/ 281). الحطاب: المصدر السابق، (4/ 577).
(5)
ينظر: الشافعي: المصدر السابق، (6/ 90، 91).
(6)
ينظر: القرافي: المصدر السابق، (4/ 281).