الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المسألة التاسعة: رضاع الخنثى المشكل
(1)
.
اختلف الفقهاء في الخنثى إذا أرضع؛ هل يتعلق به تحريم أو لا؟ ، وكانت آراؤهم كما يأتي:
القول الأول: لا يتعلق به تحريم
؛ إلا إذا قال النساء: إنه لا يكون على غزارته إلا للمرأة.
وبه قال الحنفية
(2)
.
القول الثاني: لا يخلو من حالين:
الأول: إذا كان الأغلب عليه أنه رجل؛ فلا يتعلق برضاعه تحريم.
الثاني: إذا كان الأغلب عليه أنه امرأة؛ تعلق برضاعه التحريم.
وهو مذهب الشافعي
(3)
.
القول الثالث: لبن الخنثى لا يقتضي أنوثته
، فلو ارتضعه صغير تُوُقِّفَ في التحريم حتى ينكشف أمر الخنثى؛ فإن بان أنثى؛ حرم، وإلا؛ فلا.
وهو المذهب عند الشافعية
(4)
، وابن حامد من الحنابلة
(5)
.
القول الرابع: لا ينشر الحرمة مطلقًا
.
وهو مذهب الحنابلة
(6)
.
القول الخامس: يتعلق به التحريم
.
وهو وجه عند الحنابلة
(7)
، والمالكية تخريجًا على قولهم بتحريم رضاع الرجل
(8)
.
(1)
يعرف فقهاء المسلمين الخنثى بأنه الذي في قبله فرجان؛ ذكر وفرج امرأة؛ فإن ظهرت فيه علامات الرجال، أو علامات النساء؛ حكم له بها، ولم يكن مشكلًا، وإن لم تظهر فيه علامات الرجال ولا النساء؛ كان مشكلًا؛ كما لو كان مباله مستويًا من المخرجين في أصل الخروج منهما، والسبق في الخروج، وكثرة الخارج. أما أهل الطب الحديث فيعرفونه بأنه من غمضت أعضاؤه الجنسية الظاهرة، ولتحديد نوع الخنثى؛ ينظر الطبيب إلى الغدة التناسلية حسب فحصها النسيجي؛ فإن كانت الغدة خصية، والأعضاء الخارجية تشبه تلك الموجودة لدى الأنثى؛ فهو خنثى ذكر كاذب، وإن كانت الغدة مبيضًا، والأعضاء التناسلية الظاهرة ذكرية؛ فهي خنثى كاذبة، وإن كان له مبيض وخصية، أو هما معًا ملتحمان؛ فهو خنثى حقيقة، ولا عبرة عندئذ بالأعضاء الظاهرة التي قد تشبه الذكر أو الأنثى أو كليهما معًا.
ينظر: ابن قدامة: المصدر السابق، (10/ 94 - 95). د. محمد علي البار: مشكلة الخنثى بين الطب والفقه ضمن مجلة المجمع الفقهي الإسلامي (6/ 347).
(2)
ينظر: ابن عابدين: المصدر السابق، (4/ 413).
(3)
ينظر: الشافعي: المصدر السابق، (6/ 100).
(4)
النووي: المصدر السابق، (9/ 3).
(5)
ينظر: ابن قدامة: المصدر السابق، (11/ 323 - 324). شمس الدين ابن قدامة: المصدر السابق، (24/ 226). المرداوي: المرجع السابق، (24/ 226).
(6)
ينظر: ابن قدامة: المصدر السابق، (11/ 323). شمس الدين ابن قدامة: المصدر السابق، (24/ 224). المرداوي: المرجع السابق، (24/ 224 - 225). البهوتي: المصدر السابق، (13/ 82).
(7)
ينظر: المرداوي: المرجع السابق، (24/ 225 - 226).
(8)
المصدر السابق.
- الأدلة: لم أر من استدل من أصحاب الأقوال إلا الآتي:
أدلة القول الثاني: استدل أصحاب القول الثاني بما يأتي:
1 -
إنه في الحالة الأولى مثل لبن الرجل، وفي الحالة الثانية يحرم كما تحرم المرأة إذا أرضعت.
(1)
أدلة القول الثالث: استدل أصحاب القول الثالث بقولهم: إنه لا يؤمن كونه محرمًا.
(2)
أدلة القول الرابع: استدل أصحاب القول الرابع بما يأتي:
1 -
إنه لم يثبت كونه امرأة، فلا يثبت التحريم مع الشك.
(3)
2 -
إذا كان لبن المرأة الذي حدث من غير حمل لا ينشر الحرمة، فهنا لا ينشر بطريقٍ أولى وأحرى.
(4)
- الترجيح: إن الأقوال الآنفة ترجع في الجملة إلى قائل بالتحريم من رضاع الخنثى، ونافٍ له؛ غير أن مثبتي التحريم اختلفوا؛ فمنهم من أطلق، ومنهم من قيد التحريم فيه بوصف للحليب يغلب على ظنه معه كون الخنثى أنثى، وهو غزارة الحليب، ومنهم من قيد إثبات التحريم بأن تغلب علامات الأنثى على الخنثى، ومنهم من قيد ثبوت التحريم بانكشاف أمره؛ فإن بان أنثى؛ حرم، وإلا؛ فلا.
والتحقيق أن مرجع الحكم في ثبوت التحريم بلبن الخنثى هو الحليب نفسه؛ فإن كانت له علامات حليب الإناث من المراضع؛ ثبت به التحريم، وما لا؛ فلا؛ لأن الحكم يدور مع علته وجودًا وعدمًا، وثوبان الحليب علامة الأنثى؛ قال الشافعي ت 204 هـ: لا أحسبه ينزل للرجل لبن ا. هـ
(5)
(1)
ينظر: الشافعي: المصدر السابق، (6/ 100).
(2)
ينظر: ابن قدامة: المصدر السابق، (11/ 324). شمس الدين ابن قدامة: المصدر السابق، (24/ 226).
(3)
ينظر: ابن قدامة: المصدر السابق، (11/ 323). شمس الدين ابن قدامة: المصدر السابق، (24/ 226). البهوتي: المصدر السابق، (13/ 82).
(4)
ينظر: المرداوي: المرجع السابق، (24/ 225).
(5)
الشافعي: المصدر السابق، (6/ 99).
- ثمرة الخلاف: ترتب على الخلاف في هذه المسألة أثر في الآتي:
1 -
إذا تعاطى الخنثى مدرًّا صناعيًّا للحليب، فدر له لبن، وأرضع به صبيًّا؛ تعلق به التحريم إن لم تختلف صفته عن حليب الإناث.
- سبب الخلاف: يعود سبب الخلاف في هذا المسألة إلى الآتي:
1 -
الخلاف في رضاع الرجل؛ فمن لم يجعل من حليب الرجل ناشرًا للحرمة - وهم السواد الأعظم
(1)
-؛ لم ير في رضاع الخنثى ما يوجب التحريم؛ ما لم يدل دليل أو تشِر قرينة إلى خلاف ذلك، ومن أثبت التحريم في رضاع الرجل - وهم المالكية
(2)
وبعض الشافعية
(3)
-؛ لم يشكل عليه أن يثبت التحريم برضاع الخنثى بوجه أحرى.
ويتبين مما تقدم الآتي:
أولًا: إذا تعاطت المرأة عقارًا مدرًّا للحليب؛ فنشأ في ضرعها حليب
(4)
، أو عاد ثوبان الحليب إليها إبان جفافه، أو تضاعف، فأرضعت به صبيًّا؛ انتشرت به الحرمة
(5)
إلى أصول المرضعة وأصول زوجها - إن كان ثمَّ زوجٌ - وفروعهما وحواشيهما، وإلى الرضيع وفروعه، ويستوي في ذلك كون المرضعة حائلًا أو حاملًا، بكرًا أو ثيبًا، ولو كانت آيسة، أو خنثى، أو مطلَّقة ممن ثاب اللبن بسبب مطلِّقها ولم تنكح غيره، أو متوفى عنها زوجها الذي ثاب اللبن بسببه ولم تنكح غيره؛ ما دام الخارج يسمى حليبًا، بأوصافه المعتادة.
أما إن خرجَ
(6)
من الثدي ماءً، أو دمًا، أو صديدًا، أو إفرازًا ملونًا ولزجًا؛ فلا ينتشر من الإرضاع به تحريمٌ.
ثانيًا: إذا تعاطى رجلٌ المدراتِ الصناعية للحليب؛ فدرت له لبنًا، أو كثرته، أو أوجدته بعد جفافه؛ لم يثبت برضاعه تحريم.
ثالثًا: إذا وجب الرضاع على امرأة، فعليها أن تأكل وتشرب ما يَدِرُّ به لبنها، ويَصلُحُ به؛ من الطبعيات والمصنعات، وتُطالب بذلك، وعلى من ولي أمر المسلمين توفيرها.
رابعًا: للأم المرضع أن تترخص بالفطر في نهار رمضان بتعاطي المدرات الحليب مع وجود الألبان الصناعية؛ إذا خافت على ولدها.
خامسًا: إذا ترتب على الدواء المدر للحليب ضرر على متعاطيه؛ ضمن الطبيب أو الصيدلي الذي صرفه له؛ إن جنى في صرفه بتعدٍّ أو تفريط.
(7)
(1)
ينظر: القدوري: المصدر السابق، (ص 232). الميداني: المصدر السابق، (4/ 86). الشافعي: المصدر السابق، (6/ 99 - 100). النووي: المصدر السابق، (9/ 3). ابن قدامة: المصدر السابق، (11/ 323 - 424). شمس الدين ابن قدامة: المصدر السابق، (24/ 225). المرداوي: المرجع السابق، (24/ 225). البهوتي: المصدر السابق، (13/ 82).
(2)
ينظر: القرافي: المصدر السابق، (4/ 270).
(3)
ينظر: النووي: المصدر السابق، (9/ 3). شمس الدين ابن قدامة: المصدر السابق، (24/ 225).
(4)
ولم أجد من خلال بحثي ما ينشئ حليب البكر ابتداءً من المتعاطَيات.
(5)
ينظر: د. عادل الصاوي: المصدر السابق، (ص 424).
(6)
الفاعل ضمير مستتر جوازًا؛ تقديره: هو - أي: الحليب أو الشيء الخارج -.
(7)
ينظر في تأصيل هذه المسألة: المبحث العاشر من هذا الفصل.