الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
حكم معه لأي وطء أو ما في حكمه؛ يقع من زنا، أو شبهة، أو إكراه، أو تلقيح الصناعي، أو غير ذلك؛ فمهما كان شيء من ذلك فإن الولد للزوج الذي ولد على فراشه؛ لأن الحقيقة الواقعية العلمية ليست بالضرورة هي الحقيقة الشرعية؛ فالشرع يحكم بالظاهر، والحقيقة علمها عند الله سبحانه، والرضاع لا يحرم منه إلا ما يحرم من النسب.
ولكن يشكل على هذا: أن الولد من الواطئ بشبهة لا ينتسب إلى الذي تزوجها بعد الولادة قطعًا، ولذلك لم يكن المولد ابنًا للزوج الأخير؛ لأنه لم يولد في فراشه، والرضاع فرع عن الانتساب.
ويشكل عليه أيضًا: أن الأصل عدم ثبوت التحريم بالرضاع، ولا ينتقل عن هذا الأصل إلا بيقين، وهذه مسألة مشتبهة، ولا يحرم بالرضاع مع الشك شيء.
- ثمرة الخلاف: ترتب على الخلاف في هذا المسألة أثر في فروع، منها:
1 -
إذا استؤجر رحم عزباء لتزرع فيه بويضة ملقحة بعد عقد نكاح صوري مشتبه من الذي لقحت البويضة بمائه لم يرجع فيه إلى المستأجر رحمها، ثم تزوجت بآخر بعد ولادتها وفراقها منه، وأرضعت صبيًّا أجنبيًّا وهي في عصمة الآخر الذي لم تلد منه؛ كان الصبي ابنًا للواطئ بشبهة في قول الجمهور، خلافًا للشافعية في قول عندهم.
المسألة الخامسة: اللبن الثائب مِن زِنا
.
صورة المسألة: أن ترضع الزانية بنتًا من اللبن الثائب عن حملٍ ووضْعٍ من ماء مَن زنت به.
(1)
اختلف الفقهاء في اللبن من وطء الزنا؛ من حيث تعلق المحرمية به، والجهات التي تتعلق بها المحرمية عند من قال بمادة المحرمية تعلقًا بلبن الزنا؛ على ما يأتي:
القول الأول: لبن الزنا كالحلال؛ يَحرُم من أُرْضِعَ به على الزاني وآبائه وأبنائه - وإن سفلوا -.
وهو إحدى الروايتين عند الحنفية
(2)
، وقول أبي بكر عبد العزيز من الحنابلة
(3)
.
(1)
ينظر: ابن عابدين: المصدر السابق، (4/ 416).
(2)
ينظر: ابن عابدين: المصدر السابق، (4/ 416 - 417).
(3)
ينظر: ابن قدامة: المصدر السابق، (11/ 321). شمس الدين ابن قدامة: المصدر السابق، (24/ 218 - 219). البهوتي: المصدر السابق، (13/ 81).
القول الثاني: لبن الزنا كالحلال، وتثبت الحرمة من جهة الأم خاصة؛ ما لم يثبت النسب، فحينئذ تثبت من الأب.
وهو أوجه الروايتين عند الحنفية
(1)
، واعتمده بعضهم مذهبًا
(2)
، وبه قال المالكية
(3)
.
القول الثالث: هو ابنها، ولا يكون ابن الذي زنى بها؛ اعترف الذي زنى بها أو لم يعترف - أي: نسبه إليه أو لم ينسبه؛ فيما يظهر -؛ إلا تحريم المصاهرة.
وهو مذهب الشافعي
(4)
، وهو مفهوم كلام الخرقي وقول عبد الله بن حامد من الحنابلة وابن عبدوس وهو المذهب
(5)
.
القول الرابع: اللبن النازل على ولد الزنا لا حرمة له.
وبه قال الشافعية
(6)
.
- الأدلة: استدل بعض أصحاب الأقوال بأدلة، وهي:
أدلة القول الأول: استدل أصحاب القول الأول بما يأتي:
أولًا: أدلة اعتبار اللبن الثائب عن زنا حلالًا:
1 -
قياسًا على اللبن الثائب من وطء بشبهة.
(7)
2 -
إنه معنى ينشر الحرمة، فاستوى في ذلك مباحه ومحظوره؛ كالوطء؛ يحققه أن الواطئ حصل منه لبن وولد.
(8)
ونوقش بما يأتي: أ- إنه يفارق تحريم ابنته من الزنى؛ لأنها من نطفته حقيقة، بخلاف مسألتنا.
(9)
3 -
إن الولد ينشر الحرمة بينها وبين الواطئ، كذلك اللبن.
(10)
4 -
إنه رضاع ينشر الحرمة إلى المرضعة، فنشرها إلى الواطئ، كصورة الإجماع.
(11)
ثانيًا: أدلة توجيه التحريم في اللبن الثائب عن زنًا بخصوص الزاني إلى أصوله وفروعه فقط:
1 -
القياس على المولودة من الزاني؛ لعدم ثبوت النسب من الزاني.
(12)
2 -
الجزئية، ولا جزئية بينها وبين العم.
(13)
أدلة القول الثاني: استدل أصحاب القول الثاني بما يأتي:
1 -
إن الحرمة من الزنا للبعضية، وذلك في المولود نفسه؛ لأنه مخلوق من مائه دون اللبن؛ إذ ليس اللبن كائنًا من منيه؛ لأنه فرع التغذي، وهو لا يقع إلا بما دخل من أعلى المعدة لا من أسفل البدن؛ كالحقنة؛ فلا إنبات؛ فلا حرمة، بخلاف ثابت النسب؛ لأن النص أثبت الحرمة منه.
(14)
2 -
إن الزنا لا ينافي معنى الأمومة.
(15)
3 -
سقوط نسب الزاني الذي هو أصل الرضاع.
(16)
(1)
ينظر: ابن عابدين: المصدر السابق، (4/ 416 - 417).
(2)
ينظر: ابن عابدين: المصدر السابق، (4/ 416 - 417).
(3)
ينظر: القرافي: المصدر السابق، (4/ 273، 280).
(4)
ينظر: الشافعي: المصدر السابق، (6/ 84).
(5)
ينظر: ابن قدامة: المصدر السابق، (11/ 321). شمس الدين ابن قدامة: المصدر السابق، (24/ 218 - 219). المرداوي: المصدر السابق، (24/ 218 - 219). البهوتي: المصدر السابق، (13/ 81).
(6)
ينظر: النووي: المصدر السابق، (9/ 16).
(7)
ينظر: ابن عابدين: المصدر السابق، (4/ 416).
(8)
ينظر: ابن قدامة: المصدر السابق، (11/ 321). شمس الدين ابن قدامة: المصدر السابق، (24/ 219).
(9)
ينظر: ابن قدامة: المصدر السابق، (11/ 321).
(10)
ينظر: ابن قدامة: المصدر السابق، (11/ 321). شمس الدين ابن قدامة: المصدر السابق، (24/ 219).
(11)
ينظر: ابن قدامة: المصدر السابق، (11/ 321). شمس الدين ابن قدامة: المصدر السابق، (24/ 219).
(12)
ينظر: ابن عابدين: المصدر السابق، (4/ 416).
(13)
ينظر: ابن عابدين: المصدر السابق، (4/ 416).
(14)
ينظر: ابن عابدين: المصدر السابق، (4/ 417).
(15)
ينظر: القرافي: المصدر السابق، (4/ 273).
(16)
ينظر: القرافي: المصدر السابق، (4/ 280).
أدلة القول الثالث: استدل أصحاب القول الثالث بما يأتي:
1 -
إنه رضع من لبنها حقيقة.
(1)
2 -
إن التحريم بين المولود والزاني فرع لحرمة الأبوة، فلما لم تثبت حرمة الأبوة للزاني؛ لم يثبت ما هو فرع لها، ويفارق تحريم ابنته من الزنى؛ لأنها من نطفته حقيقة، بخلاف مسألتنا. ويفارق تحريم المصاهرة؛ فإن التحريم ثم لا يقف على ثبوت النسب، ولهذا تحرم أم زوجته وابنتها من غير نسب، وتحريم الرضاع مبني على النسب، فأما المرضعة، فإن الطفل المرتضع محرم عليها، ومنسوب إليها عند الجميع. وكذلك يحرم جميع أولادها، وأقاربها الذين يحرمون على أولادها، على هذا المرتضع، كما في الرضاع باللبن المباح.
(2)
3 -
إن من شرط ثبوت حرمة الرضاع بين المرتضع والرجل الذي ثاب اللبن بوطئه؛ أن ينسب الحمل إلى الواطئ، فأما ولد الزنا ونحوه؛ فلا.
(3)
4 -
إنه ولد موطوءته، والوطء الحرام كالحلال في تحريم الربيبة.
(4)
- الترجيح: ربما توهم الناظر في بعض إطلاقات الفقهاء في باب الرضاع أنهم يثبتون أبوة الزاني الرضاعية؛ في مثل المقالات الآتية:
قال القدوري ت 428 هـ: "ولبن الفحل يتعلق به التحريم، وهو: أن ترضع المرأة صبية؛ فتحرم هذه الصبية على زوجها، وعلى آبائه، وأبنائه، ويصير الزوج الذي نزل لها منه اللبن أباً للمرضَعَة".
(5)
وقال القرافي ت 684 هـ: "قال اللخمي: اللبن يكون للفحل بثلاثة أسباب: أن يوجده، أو يكثره، أو يباشر منيه الولدَ في البطن".
(6)
لكن التحقيق ما ذهب إليه الشافعي والحنابلة كما في القول الثالث أنه لا تثبت للزاني الأبوة الرضاعية؛ لعدم وجود الداعي الشرعي لإثبات الأبوة النسبية، وهو الميثاق الغليظ بعقد النكاح، وإنما يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب.
(7)
(1)
ينظر: البهوتي: المصدر السابق، (13/ 81).
(2)
ينظر: ابن قدامة: المصدر السابق، (11/ 322). شمس الدين ابن قدامة: المصدر السابق، (24/ 219 - 220).
(3)
ينظر: البهوتي: المصدر السابق، (13/ 81).
(4)
ينظر: البهوتي: المصدر السابق، (13/ 81).
(5)
القدوري: المصدر السابق، (ص 230).
(6)
القرافي: المصدر السابق، (4/ 280).
(7)
متفق عليه مرفوعًا. تقدم تخريجه عند الضابط الثاني في المبحث الثالث من التمهيد.