الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الفصل الأول: الوسائل الحديثة المتعلقة بالرضاع
.
المبحث الأول
مدرات الحليب
المطلب الأول
حقيقة مدرات الحليب
اعتنت شريعة الله بالإسلام في الطفل، ومنحته حقوقًا تصونه، وحضانة تقوم بشؤونه؛ حيث ألزم الأم بإرضاعه من حليبها إذ كان الغذاء المناسب بعد أن كان جزءًا من بدنها.
والمرأة التي ترضع الطفل إن لم تكن أمه التي ولدته فهي غيرها، وإذا كان الله تعالى قد وصف الوالدة أمًّا، كما في قوله جل ذكره:{إِنْ أُمَّهَاتُهُمْ إِلّا اللَّائِي وَلَدْنَهُمْ} [سورة المجادلة: 2]، فقد سمى المرضع أمًّا بعد أن لم تكن أمًّا في قوله تبارك اسمه:{وَأُمُهَاتُكُمْ اللَّاتِي أَرْضَعْنَكُمْ} [سورة النساء: 23]؛ الأمر الذي أشعر بفضلها، وأقر بأمومتها، وحفز هو الآخر على الإرضاع لما كان درء هلاك الطفل مناطًا بإقدامها على الرضاع في كثير من الأحيان، وبخاصة إذا لم يكُ للطفل أم ترضعه.
(1)
وحيث أطلق الشارع على المرضع لفظ الأم، فقد رتب على ذلك أمورًا تأتي تباعًا في هذا البحث إن شاء الله تعالى.
وقد خلق الله في المرأة نهدين، وهيأ لهما من الوظائف ما يحصل به إنتاج الحليب للطفل؛ إذ يوجد في كلا الثديين غدد منتجة للحليب، وتسمى أيضًا: الفصيصات أو الأسناخ
(2)
التي تصنع الحليب من العناصر الغذائية، وتحصُل على المياه من مجرى الدم، كما توجد قنوات ناقلة للحليب إلى الحلمة من غدد الحليب، وهي تعمل على تنظيم غدد الحليب.
وتتمثل هذه القنوات في جدائل يطلق عليها اسم الفصوص، والتي يحتوي الثدي منها فعليًّا على 15 - 20 فصًّا؛ إذ تبدو هذه الفصوص من الداخل كأنها عقد صغير أو كتل، وبشكل خاص قبل فترة الدورة الشهرية.
(1)
ينظر: محمد أبو زهرة: الأحوال الشخصية (ص 83).
(2)
تعد الأسناخ أصغر مكوِّنٍ في ثدي المرأة، وهي حويصلة مبطنة بالخلايا التي تنتج الحليب، والحويصلات تجتمع مع بعضها لِتُكَوِّنَ الفصيص، وتعمل الفصيصات على تكوين الفص الذي تخرج منه القناة الناقلة للحليب إلى حلمة الثدي ليرتضع من خلالها الطفل. ينظر:
Breastfeeding A-Z: Cindy Turner-Maffei And Karin Cadwell (p 424).
ينتج الحليب في الخلايا المنتجة له - الفصيصات - في عمق الثدي، وينتقل الحليب نزولًا في القنوات، ويتجمع في برك (خزانات) الحليب؛ خلف هالة حلمة الثدي، فإذا استُحِثَّت الحلمة في إطلاق الحليب بدأت عملية الإدرار.
يتدفق الحليب من الناحية الخلفية للثدي نحو الحلمة، وتدعى النتوءات الصغيرة على هالة حلمة الثدي: غدد مونتجمري
(1)
، وهي مسؤولة عن إفراز مادة زيتية تساهم في ترطيب مجموعة الحلمة والهالة.
كما يوجد في الحلمة العديد من الفتحات الدقيقة التي يتدفق الحليب من خلالها أثناء عملية الإرضاع.
إن عملية الإدرار الطبَعية
(2)
تسهل من عملية الإرضاع الطبَعي، وتحدث عند حلول وقت تغذية الطفل، أو عند سماع بكائه، أو حتى عندما تفكر الأم بطفلها. ويجب البدء بإرضاع الطفل من ثديي أمه خلال النصف ساعة الأولى بعد الولادة؛ لأنه يزيد من إدرار الحليب؛ إذ إن محض الالتقاء الجسدي والبصري يساعد على إدرار الحليب.
ويمكن أن يكون الإدرار قويًّا بما فيه الكفاية؛ بحيث يتسبب بسعال الطفل؛ الحالة التي ترشد الأم حينها إلى القيام بعصر قليل من الحليب بواسطة اليد قبل البدء بعملية الإرضاع الطبَعي.
وقد يكون در الحليب ضعيفًا، وهذا ما يعود إلى عدة أسباب محتملة، وهي:
1 -
مرات التغذية غير الكافية، أو فترات التغذية القصية أو المتقطعة.
2 -
الوضعية غير المريحة على الصدر، أو المص الضعيف بسبب تقرح الحلمة.
3 -
التغيير بين الثديين بسرعة.
(1)
هي غدة تحيط بحلمة الصدر، من شأنها إفراز مادة مضادة للبكتيريا إلى جانب إفراز الموادِّ الدهنية التي تعمل على ترطيب منطقة الحلمة والمحافظة عليها. ينظر:
Breastfeeding A-Z: Cindy Turner-Maffei And Karin Cadwell (p 424).
(2)
ولم أقل الطبيعية في هذا الموضع وفي المواضع اللاحقة من هذا البحث؛ لنسبة سيبويه إثبات الياء الثانية إلى الشذوذ، ولقول ابن مالك في الخلاصة: وفَعَلِيٌّ في فَعِيْلَةَ التُزِم ا. هـ، وطبيعة على وزن فعيلة، فإذا أريد النسب إلى اسمها؛ حذفت منه تاء التأنيث أوَّلًا؛ لأنها لا تجامع ياء النسب، ثم حذفت الياء، ثم قلبت كسرة العين فتحةً؛ كراهة توالي كسرتين وياء النسب، وإنما حذفت الياء لكون العين صحيحة، وغير مضعَّفة. ينظر: سيبويه: الكتاب (3/ 339). عبد الله الفوزان: دليل السالك إلى ألفية ابن مالك (2/ 379 - 380).
4 -
الضغط، أو الألم، أو التعب النفسي الذي يعيق إدرار اللبن.
5 -
استخدام الأغذية التكميلية، أو حليب الأطفال الصناعي، أو وجود فواصل طويلة بين عمليات الرضاعة الطبَعية.
6 -
تقديم الأغذية الصلبة للطفل بشكل مبكر جدًّا قبل ستة أشهر.
7 -
التغيرات الهرمونية لدى الأم.
8 -
الإباضة
(1)
، أو الدورة الشهرية، أو الحمل، أو حبوب منع الحمل.
9 -
تناول بعض أنواع الأدوية أوالعقاقير؛ بموجب وصفية طبية أو شعبية أو مركبة.
10 -
تدخين السجائر.
(2)
وكما أن هناك أنواعًا من الحبوب الطبَعية التي عرفت منذ القدم بإدرار حليب المرأة؛ كحبوب الحلبة والسمسم، وثمار الجوز واللوز الجبلي؛ غير أن المقصود بحثه هنا ما استجد من العقاقير والأدوية التي تساهم في زيادة إدرار الحليب والمحافظة عليه من النقص، أو تنشئه من العدم.
تتكون تلك الأقراص والعقاقير المدرة لحليب المرأة من مجموعة من الفيتامينات والمعادن المختلفة؛ كفيتامين ك، وفيتامين جـ، وفيتامين هـ، والزنك، والحديد، والمغنيسيوم، واليود، وحين تتعاطاها المرأة خلال فترة رعاية المولود وإرضاعه، ومن شأنها أن تسهم في توفير العديد من المواد الغذائية في كميات محددة ومتوازنة لتوفير الدعم الكامل للجسم.
ولم يكن من بين مدرات الحليب المعاصرة في حد بحثي حين كتبت هذه الأسطر ما يجعل الثدي يدر الحليب ابتداءً، ثم اطَّلعت على خبر نُشر فيه أن استشارية سعودية
(3)
أعلنت من خلال مؤتمر متعلقات الإرضاع ومتابعة الأمومة وعلاجياتها في دورته الخامسة بالمدينة النبوية
(1)
الإباضة هي عملية إنتاج البويضة التي إذا تم تلقيحها من الحيوان المنوي تم الحمل. ينظر: بيتر ومجموعة معه: علم الأحياء (ص 1078).
(2)
ينظر: هيئة الصحة بدبي: مخزون حليب الأم بتاريخ 25/ 10/1436 هـ:
https://www.ha.gov.ae/EN/Facilities/Hospitals/AlWaslHospital/PatientsGuie/HealthEucation/ocuments/3%20 - %20 Breast%20 milk%20 Supply.pf
هيئة الصحة بدبي: الرضاعة الطبيعية حق للأم والطفل بتاريخ 29/ 10/1436 هـ:
https://www.ha.gov.ae/AR/HealthEucation/Articles/Pages/Breastfeeing.aspx
(3)
هي الدكتورة رذاذ محمد ولي؛ استشارية طب الأسرة في مدينة الملك عبد العزيز الطبية للحرس الوطني.
عن إمكان مساعدة العازبات والعقيمات على إدرار الحليب لإرضاع الأطفال اليتامى، وأشارت إلى حالات ثاب فيها اللبن بنفس خصائص حليب الأم الطبَعي؛ عن طريق إخضاع النساء الراغبات بحضانة الأيتام وغير القادرات على الإرضاع لإجراءات طبية وحقن معينة من أجل مساعدتهن على إدرار الحليب.
وعودًا على ذي بدئ، فإن مدرات الحليب المعاصرة تتميز بخلوها من الأمور المانعة من استعمالها للكبار في الجملة؛ إلا عند الإفراط في تعاطيها.
(1)
وحيث كان لهذه المدرات ارتباطٌ بالهرمونات، فإني أشير هنا إلى بعض ما يتصل بالهرمونات.
عرف أهل التخصص الهرمونات بأنها مواد كيميائية عضوية توجد في الدم بكميات بسيطة جدًّا
(2)
، ومن صفاتها الدوران في الدم بصفة مستمرة ليلًا ونهارًا باعتبارها المقررة في الجسد نسبةَ النمو، والرجولة والأنوثة، والقوة والضعف، والانفعالات الأخرى.
كما إن للهرمونات أبعد الأثر في وظائف أعضاء الجسم عامة؛ الخامل منها والعامل، بما في ذلك تصرفات الشخص وأخلاقياته وعاداته، ويعتبر كل هرمون بمثابة رسول كيميائي محدد الوظيفة يسري في مجرى الدم من الغدة المفرزة إلى الخلية أو النسيج الهدف ليؤدي دورًا محدَّدًا.
وبهذا تصبح الهرمنة ظاهرة باتت تهدد فئات كثيرة من الناس، وخاصة الشباب؛ حيث أثبتت الدراسات أن الإفراط في تناولها يؤدي إلى الإصابة بسلسلة من الأمراض الكثيرة.
وإلى جانب ما ذكر، فإن لكل هرمون وظيفة محددة، ومن خلال هذه الوظيفة يتحكم الهرمون في سلامة أداء الأعضاء، كما إن إفراز الهرمون يجري بنسبة معينة محكومة باحتياج الجسم كله، وقد تؤدي الزيادة اليسيرة في نسبة الهرمون أو النقص القليل إلى أعراض مرضية.
وحيث كان التعرف على الهرمونات ومنظمات النمو بمعرفة طبيعة عملها ودراسة تأثيرها على الأعضاء المختلفة من الأمور الهامة؛ فقد مدَّت الوكالة الفرنسية للأمن الصحي أصابع الاتهام إلى الهرمونات البديلة التي تتناولها المرأة - مثلًا - في أعقاب انقطاع الدورة الشهرية
(1)
بريجناكير: اللوحة الإرشادية للدواء.
(2)
أ. د. حسين خليل محمد: فسيولوجي الحيوان (ص 435).