الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المطلب الثالث
ممارسة الرجل للأعراف المجتمعية على المحرمات عليه بالرضاع
للرجل أن يمارس الأعراف الاجتماعية مع من يحرم عليه بالرضاع من النساء، ويؤجر على وصلهن، ولا يحرم التفريق بين الأم وولدها الصغير من الرضاعة كما يحرم في الولد النسبي
(1)
، ولا يجتنب منها إلا ما يؤمر باجتنابه في المحرمات عليه نسبًا؛ كالنظر بشهوة، أو النظر إلى العورة.
ولذلك؛ فإن له أن يختلي بها، ويرى وجهها وشعر رأسها وكفيها وقدميها، وأن يصافحها، ويقبلها بين عينيها، أو على أنفها، ورأسها، وخديها.
وذلك؛ لأن الله سبحانه سمى المرضعةَ أمًّا للرضيع، وبنتَها أختًا له؛ فقال:{وَأُمَّهَاتُكُمْ اللَّاتِي أَرْضَعْنَكُمْ وَأَخْوَاتُكُمْ مِنَ الرَّضَاعَةِ} [سورة النساء: 23]
(2)
وما قيل في الرجل مع من يحرم عليه بالرضاع من النساء، فيقال نظيره للمرأة إزاء الرجل المحرم عليها بالرضاع.
المبحث الثالث
تعارض حق المرتضع مع حق غيره لدى المرضع
المطلب الأول
تعارض حق الخالق مع حق المرتضع لدى المرضع
يتصل بموضوع الرضاع المناط بالمرضع المولود لها مسائل يبدو للناظر إليها التعارض فيها بين حق الخالق وحق المخلوق، وهو المرتضع هنا، وحينئذ ينبغي طرح توهم التعارض، أو اعتباره مع بيان الأولى تقديمًا في نظر الشارع، وهي:
المسألة الأولى: حليب المرأة الميتة
.
إن للخالق الملكِ الوهابِ سبحانه وتعالى في البدن حقًّا، وللمرتضع فيه حقًّا؛ فهل يجوز أن يَمتص الرضيع أو أن يُحلب من بدن الآدمية الميتة الحليب الذي في ضرعها؟ وهل هو كلبن الحية في التحريم؟ اختلف الفقهاء في ذلك على ما يأتي:
القول الأول: لبن الميتة كلبن الحية في التحريم، ولو محلوبًا - يعني: إن زمن الحلب ليس مؤثرًا؛ فسيتوي في ذلك أن يحلب قبل موتها فيشربه الصبي بعد موتها، أو يحلب بعد موتها -، وفحله أب.
وبه قال الحنفية
(3)
، والمالكية
(4)
، والحنابلة في الرواية المنصوصة عن أحمد
(5)
، وعليه أكثر الأصحاب
(6)
، والمصحح عند طائفة منهم
(7)
، وهو قول أبي بكر
(8)
، وأبي
(1)
ينظر: ابن القيم: المصدر السابق، (5/ 558).
(2)
ينظر: الشويعر: فتاوى نور على الدرب لابن باز (23/ 170، 172 - 174).
(3)
الجصاص: المصدر السابق، (5/ 276). ابن عابدين: المصدر السابق، (4/ 411).
(4)
القرافي: المصدر السابق، (4/ 270). الحطاب: المصدر السابق، (4/ 575).
(5)
ينظر: ابن قدامة: المصدر السابق، (11/ 316). شمس الدين ابن قدامة: المصدر السابق، (24/ 239، 240). المرداوي: المصدر السابق، (24/ 239). البهوتي: المصدر السابق، (13/ 87).
(6)
ينظر: المرداوي: المصدر السابق، (24/ 239).
(7)
ينظر: المرداوي: المصدر السابق، (24/ 240). البهوتي: المصدر السابق، (13/ 87).
(8)
ينظر: شمس الدين ابن قدامة: المصدر السابق، (24/ 239).
ثور، والأوزاعي، وابن القاسم، وابن المنذر
(1)
، وابن حزم
(2)
؛ على أبا بكر ومن ذكر بعده لم ينصوا على حالة حلب الحليب في الحياة، وتعاطي الرضيع له بعد وفاة صاحبته.
كما أن بعض المالكية
(3)
قيد هذا القول بشروط؛ هي: وجود لبن محقق، ووصول اللبن إلى جوف الرضيع.
القول الثاني: لبن الميتة يحرم مطلقًا، وإن شك؛ هل هو لبن أم لا.
وبه قال ابن ناجي من المالكية
(4)
.
القول الثالث: لا يحرم، ولا تحل له.
وهو قول عند المالكية
(5)
، ووجه عند الشافعية
(6)
، واختاره أبو بكر الخلال من الحنابلة
(7)
.
القول الرابع: لا يتعلق تحريم بما ارتضع من ميتة أو كان محلوبًا من ميتة؛ إلا أن يحلب منها وهي حية فيحرم لو أوجر به صبي بعد موتها.
ووهو مذهب الشافعي
(8)
، والصحيح المنصوص من مذهب الشافعية
(9)
.
(1)
ينظر: ابن قدامة: المصدر السابق، (11/ 316). شمس الدين ابن قدامة: المصدر السابق، (24/ 239، 240).
(2)
ينظر: ابن حزم: المصدر السابق، (10/ 11).
(3)
ينظر: الحطاب: المصدر السابق، (4/ 575). وحيث بدا أن هذين الشرطين أقرب إلى التأكيد منه إلى التأسيس؛ لم أفرد للقائلين به قولًا؛ لأنه مقتضى قول غيرهم من أصحاب القول الأول، والظاهر أن سبب صدور هذه القيود منهم هو: قول بعض متأخريهم بعدم اشتراط خروج شيء من اللبن من الثدي لإثبات التحريم، فضلًا عن تحقق وصوله، واكتفائهم بقرينة المص في تحقق الرضاع المحرِّم بين الرضيع ومرضعته.
(4)
ينظر: الحطاب: المصدر السابق، (4/ 575).
(5)
ينظر: القرافي: المصدر السابق، (4/ 270).
(6)
ينظر: النووي: المصدر السابق، (9/ 3). وقد قال في المقدمة:"وحيث أقول: على الصحيح، أو الأصح؛ فهو من الوجهين". (1/ 6)، وقس على هذه المسألة سائر المسائل.
(7)
ينظر: ابن قدامة: المصدر السابق، (11/ 316). شمس الدين ابن قدامة: المصدر السابق، (24/ 239).
(8)
ينظر: الشافعي: المصدر السابق، (6/ 89).
(9)
النووي: المصدر السابق، (9/ 3)، وحيث قال النووي:"الصحيح"، فهو أمارة ضعف الخلاف في المذهب، كما صرح في المقدمة، ثم قال:"وإذا قوي - يعني: الخلاف - قلت: الأصح أو الأظهر، وقد أصرح ببيان الخلاف في بعض المذكورات". ينظر: النووي: المصدر السابق، (1/ 6).
القول الخامس: التوقف.
وبه صرح أحمد
(1)
.
- الأدلة:
أدلة القول الأول: استدل أصحاب القول الأول بما يأتي.
1 -
عموم قول صلى الله عليه وسلم: "الرضاعة من المجاعة" متفق عليه
(2)
، لأن المقصود من اللبن التغذي، والموت لا يمنع منه
(3)
، فحيث وجد الارتضاع على وجه ينبت اللحم وينشز العظم من امرأة؛ ثبت التحريم، كما لو كانت حية.
(4)
ونوقش بما يأتي: أ-إنه حليبها نجس بعد موتها.
(5)
وأجيب عنه: بأن نجاسته لا تؤثر؛ كما لو حلب في إناء نجس؛ إن قلنا: ينجس الآدمي بالموت.
(6)
2 -
إن اللبن لا يلحقه حكم الموت؛ لأنه لا حياة فيه، وما لا حياة فيه فحاله بعد الموت كهي قبله. والدليل على أنه لا حياة فيه: أخذه من الحيوان حال حياته من غير إيلام له، ولو كان فيه حياة لألم الحيوان بأخذه؛ كاللحم، وسائر أعضائه لما كان فيها حياة.
(7)
3 -
إنه لا فارق بين شربه في حياتها وموتها إلا الحياة والموت أو النجاسة، وهذا لا أثر له، فإن اللبن لا يموت، والنجاسة لا تمنع معنى التحريم؛ كما لو حلب في وعاء نجس
(8)
؛ فلو حلب منها في حياتها، فشربه بعد موتها؛ نشر الحرمة.
(9)
(1)
. ينظر: ابن قدامة: المصدر السابق، (11/ 316). شمس الدين ابن قدامة: المصدر السابق، (24/ 239).
ولقائل أن يقول: إن هذا القول لا تتمثل فيه وجهةٌ رأييَّةٌ؛ فكيف ينصب قولًا؟
والجواب وإن كان بالتسليم؛ إلا أنه يضفي بعدًا عن وعورة المسألة وإشكالها.
(2)
تقدم تخريجه عند الضابط الثامن من المبحث الثالث للتمهيد. ينظر: القرافي: المصدر السابق، (4/ 270).
(3)
ينظر: ابن عابدين: المصدر السابق، (4/ 411). القرافي: المصدر السابق، (4/ 270).
(4)
ينظر: ابن قدامة: المصدر السابق، (11/ 316). شمس الدين ابن قدامة: المصدر السابق، (24/ 240).
(5)
ينظر: البهوتي: المصدر السابق، (13/ 87).
(6)
ينظر: البهوتي: المصدر السابق، (13/ 87 - 88).
(7)
ينظر: ابن عابدين: المصدر السابق، (4/ 411). ابن قدامة: المصدر السابق، (11/ 316).
(8)
ينظر: ابن قدامة: المصدر السابق، (11/ 316). شمس الدين ابن قدامة: المصدر السابق، (24/ 240). المرداوي: المصدر السابق، (24/ 240). البهوتي: المصدر السابق، (13/ 88).
(9)
ينظر: ابن قدامة: المصدر السابق، (11/ 316 - 317). شمس الدين ابن قدامة: المصدر السابق، (24/ 240).
4 -
إنه لو حلف: لا يشرب من لبن امرأة، فشرب منه وهي ميتة؛ حنث؛ لأنه شرب من لبنها.
(1)
5 -
إنه رضاع صحيح.
(2)
6 -
إنه لو ارتضع صبي من نائمة حسبت رضعة
(3)
؛ فكذا هاهنا؛ لاشتراك النائم والميت في معنى الوفاة؛ فإن الله تبارك وتقدس وإن كان يتوفى الأنفس حين موتها، فهو الذي يتوفى التي لم تمت في منامها، وإن أرسلها سبحانه إلى أجل مسمى ولم يمسكها.
(4)
7 -
إنه لا يليق بكرامة الإنسان أن يكون حليب الأنثى نجسًا، ولا فرق بين الحية وغيرها.
(5)
8 -
ألا ترى أن الصوف والشعر والعظم إذا أريد من الشاة وهي حية وأبين منها؛ لم تصر ميتة لا يجوز الانتفاع به، وغيره من اللحم إذا أبين منها صار ميتة، فكذلك اللبن.
(6)
ونوقش بما يأتي: أ- إن اللبن يفسد بنجاسة الضرع؛ كالوعاء النجس يكون فيه اللبن يفسد بفساده.
(7)
وأجيب: بأن الشيء إذا كان موضعًا للشيء ومعدنه في الأصل؛ فإن فساد ذلك الموضع لا يوجب فساد ما فيه.
(8)
ويمكن أن يناقش بعض أصحاب هذا القول الذين اشترطوا وصول اللبن إلى الجوف؛ كالمالكية؛ بما يلي: أ- إن الحكم ألحق بمظنة، وهو: المص من ثدي انعقد سبب ثوبان الحليب
(1)
ينظر: البهوتي: المصدر السابق، (13/ 88).
(2)
ينظر: ابن حزم: المصدر السابق، (10/ 11).
(3)
ينظر: ابن القيم: المصدر السابق، (5/ 575).
(4)
ينظر: ابن جرير: جامع البيان عن تأويل آي القرآن (20/ 215 - 216).
(5)
ينظر: زكريا الأنصاري: المصدر السابق، (1/ 24).
(6)
ينظر: الماتريدي: المصدر السابق، (1/ 623).
(7)
ينظر: الماتريدي: المصدر السابق، (1/ 624).
(8)
ينظر: الماتريدي: المصدر السابق، (1/ 624).
فيه؛ فأغنى عن التنطع في تحقيق المناط، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم:"هلك المتنطعون" رواه مسلم.
(1)
ب - إن هذا القيل من آثار توسع طائفة من متأخري المالكية في الذرائع سدًّا ومنعًا، وهو ما يعود إلى أصل اعتبار المآلات، وهو من الأصول الفكرية المؤثرة في تكوين الفكر القواعدي عند المالكية بعد اعتبار المقاصد؛ حتى رجعت هذه المبالغة في اعتباره على كثير من الأحكام بالإشكال، وقد كان هذا منهم؛ اعتبارًا بمدرك اجتهاد الإمام في الاعتداد بالاحتياط والالتزام بالأثر، لكن الخلل فيما وقعوا فيه من مزالق التنزيل الذرائعي؛ كالمبالغة، والغلو، والإجراء على التعميم، والتأبيد دون التوقيت، والأصل اعتبار هذا الأصل بضوابطه؛ على وفق تمليه مقاطع الشرع لرعْيِه
(2)
، ولا يعني ذلك أنه يكتفى لإثبات التحريم محض الالتقام، بل لا بد من وجود داعي ثوبان الحليب في ثدي المرضع؛ كالولادة، والوطء، أو رؤيته بصفاته.
أدلة القول الثاني: تقدمت الأدلة الموجبة للتحريم، وقد استدل أصحاب القول الثاني لحرمة حليب الميتة في حال الشك بما يأتي:
1 -
إنه أحوط.
(3)
أدلة القول الثالث: استدل أصحاب القول الثالث بما يأتي:
1 -
شبهها بالبهيمة، بل بالجماد.
(4)
2 -
إنه لبن ممن ليس بمحل للولادة، فلم يتعلق به التحريم؛ كلبن الرجل.
(5)
ويمكن أن يستدل له بما يأتي:
(1)
ينظر: مسلم: المصدر السابق، (كتاب العلم - باب هلك المتنطعون - 7/ 34)، برقم (2762)؛ من طريق أبي بكر ابن أبي شيبة، عن حفص بن غياث، ويحيى بن سعيد؛ عن ابن جريج، عن سليمان بن عتيق، عن طلق بن حبيب، عن الأحنف بن قيس، عن عبد الله؛ به مرفوعًا، قالها ثلاثًا.
(2)
ينظر: القرافي: الفروق (3/ 405 - 411). الشاطبي: المصدر السابق، (5/ 184 - 186). د. عبدالله الحسني: المصدر السابق، (1/ 451، 2/ 539، 924). د. مصطفى الصمدي: المصدر السابق، (ص 363، وما بعدها).
(3)
الحطاب: المصدر السابق، (4/ 575).
(4)
ينظر: القرافي: المصدر السابق، (4/ 270).
(5)
ينظر: ابن قدامة: المصدر السابق، (11/ 316). شمس الدين ابن قدامة: المصدر السابق، (24/ 240).
3 -
عموم قوله تعالى: {حُرِّمَّتْ عَلَيْكُمُ المَيْتَةُ} [سورة المائدة: 3].
أدلة القول الرابع: استدل أصحاب القول الرابع بما يأتي:
أولًا: الاستدلال على عدم تعلق التحريم بمن ارتضع من ميتة أو من لبن حلب من ميتة:
1 -
إنه لا يكون للميت فعل له حكم بحال.
(1)
2 -
كما لا تثبت حرمة المصاهرة بوطء الميتة.
(2)
3 -
إنه نجس.
(3)
ونوقش بما يأتي: أ- نعم؛ قد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "المؤمن لا ينجس" متفق عليه
(4)
، وقد علمنا أن المؤمن في حال موته وحياته سواء؛ هو طاهر في كلتا الحالتين، ولبن المرأة بعضها، وبعض الطاهر طاهر، إلا أن يخرجه عن الطهارة نص فيوقف عنده، لكن لا نسلم أن لبن الكافرة طاهرًا يحرم، وهو بعضها، والله تعالى يقول:{إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ} [سورة التوبة: 28]، وبعض النجس نجس بلا شك.
(5)
ويمكن أن يجاب عنه: بأنكم تقولون: إن لبن الكافرة نجس بلا شك، وأنتم تجيزون مع ذلك استرضاع الكافرة؟
(6)
ونوقش هذا الجواب: بأن الله تعالى أباح لنا نكاح الكتابية، وأوجب على الأم رضاع ولدها، وقد علم الله تعالى أنه سيكون لنا أولاد منهن:{وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا} [سورة مريم: 64]؛ إلا أننا نقول: إن غير الكتابية لا يحل لنا استرضاعها؛ لأنها ليست مما أبيح لنا اتخاذهن أزواجًا وطلب الولد منهن فبقي لبنها على النجاسة جملة، ثم نقول: لو خالط لبن المرضعة دم ظاهر من فم المرضع، أو غير ذلك من المحرمات كما يحرم الذي لم يخالطه شيء من ذلك؛ لأن النجس والحرام إذا خالطهما الطاهر الحلال؛ فإن الطاهر طاهر، والنجس نجس، والحلال حلال، والحرام حرام؛ فالمحرِّم هو اللبن، لا ما خالطه من حرام أو نجس، ولكل شيء حكمه،
(1)
ينظر: الشافعي: المصدر السابق، (6/ 89).
(2)
النووي: المصدر السابق، (9/ 3).
(3)
ينظر: ابن حزم: المصدر السابق، (10/ 11).
(4)
تقدم تخريجه في الفرع الثاني للمطلب الخامس من مطالب المبحث الثالث ضمن الفصل الأول.
(5)
ينظر: ابن حزم: المصدر السابق، (10/ 11).
(6)
ينظر: ابن حزم: المصدر السابق، (10/ 12).
ولبن المشركة إنما ينجس هو وهي بذلك؛ لدينها النجس، فلو أسلمت لطهرت كلها، فلإرضاعها حكم الإرضاع في التحريم؛ لما ذكرنا، وبالله تعالى التوفيق.
(1)
ثانيًا: الاستدلال على تعلق التحريم باللبن يحلب من حية فيوجر به صبي بعد موتها:
1 -
كما يكون ابنَها لو أرضعته في الحياة.
(2)
- الترجيح: من خلال ما تقدم من أدلة ومناقشة يترجح القول الأول، وهو أن لبن الميتة كلبن الحية في التحريم، ولو حلب من المرضعة بعد موتها؛ لتحقق المعنى الذي نصبه الشارع سببًا للتحريم، وهو الغذاء، والنصوص المثبتة للتحريم من الرضاع لم تفرق بين الحليب المعروف بأوصافه إذا كان من آدمية حية أو من ميتة.
ومفهوم قولهم هذا جواز حلب لبن المرضع بعد موتها، وهذا هو الظاهر من نصوص الشريعة ومقتضى مقاصدها العامة؛ لأن الحليب إنما خلق في ضرعها لا لها وإنما لغيرها؛ فجاز حلبه منها بعد موتها، كما جاز أخذ أظفار الميت، وشاربه، ونتف إبطه؛ إزالة للأذى.
- ثمرة الخلاف: ترتب على الخلاف في هذه المسألة أثر في فروع فقهية، منها:
1 -
حليب الميتة دماغيًّا عند من يعتبر الميِّت دماغيًّا كالميت حقيقةً؛ فيقع به التحريم إذا حلب منها بعد موتها دماغيًّا في قول الجمهور، وهو الراجح، ولا يقع به التحريم في مذهب الشافعي وبعض أتباعه، وبعض المالكية والحنابلة.
2 -
لو ارتضع صبي في الحولين أربع رضعات، وفي خلال الرضعة الخامسة ماتت المرضعة؛ ففي وجه عند الشافعية: لا يثبت التحريم
(3)
، وهو مقتضى قول الشافعي، والوجه الثاني عند الشافعية: ثبوته
(4)
، وهو مقتضى مذهب الأوزاعي والحنابلة والظاهرية، ولا ترد هذه المسألة على أصل أبي حنيفة
(5)
، ومالك
(6)
، وغيرهما
(7)
؛ ممن يكون عنده قليل الرضاع ككثيره في التحريم.
(1)
ينظر: ابن حزم: المصدر السابق، (10/ 12).
(2)
ينظر: الشافعي: المصدر السابق، (6/ 89).
(3)
ينظر: النووي: المصدر السابق، (9/ 12).
(4)
ينظر: النووي: المصدر السابق، (9/ 12).
(5)
ينظر: الجصاص: المصدر السابق، (5/ 255). ابن عابدين: المصدر السابق، (4/ 399). الميداني: المصدر السابق، (4/ 75).
(6)
ينظر: القرافي: المصدر السابق، (4/ 274).
(7)
ينظر: الترمذي: المصدر السابق، (2/ 444). ابن القيم: المصدر السابق، (5/ 571).