الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
القاعدة الثانية: يدفع الشر الكبير بارتكاب الشر الصغير
.
(1)
ويعبر عنها أيضًا بالكلمات الآتية: إذا تعارضت مفسدتان روعي أعظمهما ضررًا بارتكاب أخفهما
(2)
، دفع أعظم الضررين بارتكاب أخفهما
(3)
، يُختار أهون الشَّرين، الضرر الأشد يزال بالضرر الأخف، يدفع أعظم الضررين بارتكاب أخفهما، تحتمل أخف المفسدتين لدفع أعظمهما، إذا اجتمع مكروهان أو محظوران أو ضرران ولم يمكن الخروج عنهما وجب ارتكاب أخفهما
(4)
، تقدم المصلحة الغالبة على المفسدة النادرة ولا تترك لها، دفع أعلى المفاسد بأدناها
(5)
.
والمقصود أن الشريعة جاءت لمنع المفاسد، فإذا وقعت المفاسد؛ وجب دفعها ما أمكن، وإذا تعذر درء الجميع لزم دفع الأكثر فسادًا فالأكثر، وذلك يكون بمراعاة أكبر المصلحتين، وتفويت أدناهما؛ لأن القصد تعطيل المفاسد وتقليلها بحسب الإمكان؛ فإذا اضطر إنسان لارتكاب أحد الفعلين الضارين، دون تعيين أحدهما، مع تفاوتهما في الضرر أو المفسدة؛ لزمه أن يختار أخفهما ضررًا ومفسدة؛ إذ كان مراعاة أعظم الضررين بإزالته، لأن المفاسد تراعى نفيًا، والمصالح تراعى إثباتًا
(6)
، فأنت ترى قتل الغلام في قصة موسى مع الخضر شرًّا، ولكن بقاءه حتى يفتن أبويه عن دينهما أعظم شرًّا منه، وإن كان يظن أن بقاءه خير، فالخير ببقاء دين أبويه، وإيمانُهما خير من حياته؛ فلذلك قتله الخضر
(7)
، وكذلك في بول الأعرابي في
(1)
السعدي: المصدر السابق، (2/ 681).
(2)
د. محمد مصطفى الزحيلي: القواعد الفقهية وتطبيقاتها في المذاهب الأربعة (1/ 226). الفوزان: منحة العلام في شرح بلوغ المرام (1/ 67).
(3)
ينظر: د. محمد مصطفى الزحيلي: المصدر السابق، (1/ 226). الفوزان: المصدر السابق، (1/ 67).
(4)
د. محمد مصطفى الزحيلي: المصدر السابق، (1/ 226).
(5)
د. محمد مصطفى الزحيلي: المصدر السابق، (1/ 230).
(6)
د. محمد مصطفى الزحيلي: المصدر السابق، (1/ 226).
(7)
ينظر: السعدي: المصدر السابق، (2/ 681).
مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم مفسدة، والاستمرار عليه مفسدة، وقد حصل ذلك، لكن كون الرجل يقوم من بوله مفسدة أكبر؛ لما يترتب عليه من مفاسد، وهي:
1 -
تضرر هذا الرجل بقطع بوله واحتباسه.
2 -
إنه يؤدي إلى تلوث ثيابه وبدنه.
3 -
إنه يؤدي إلى تلوث مكان أكبر من المسجد.
(1)
ودليل هذه القاعدة ما يأتي:
(2)
1 -
قول الله تعالى: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ قُلْ قِتَالٌ فِيهِ كَبِيرٌ وَصَدٌّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَكُفْرٌ بِهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَإِخْرَاجُ أَهْلِهِ مِنْهُ أَكْبَرُ عِنْدَ اللَّهِ وَالْفِتْنَةُ أَكْبَرُ مِنَ الْقَتْلِ} [سورة البقرة: 217]؛ فبين الله تعالى أن مفسدة أهل الشرك في الكفر بالله سبحانه والصد عن هداه، وإخراج أهل المسجد الحرام منه وفتنة أهله؛ أكبرُ عند الله تعالى، وأعظمُ مفسدة؛ من قتالهم في الشهر الحرام، فاحتُملت أخف المفسدتين لدفع أشدِّهما وأعظمهما. كما وقع في صلح الحديبية؛ فإن عمر رضي الله عنه قد استشكل ما فيه من ضيم على المسلمين، ولكن لما كان الصلح أخفُّ ضررًا ومفسدة من قتل المؤمنين والمؤمنات الذين كانوا متخفين بدينهم في مكة، ولا يعرفهم أكثر الصحابة، وفي قتلهم مَعَرَّة عظيمة على المؤمنين؛ اقتضت المصلحةُ احتمالَ أخف الضررين لدفع أشدهما، وهو ما أشار إليه قول الله عز وجل:{وَلَوْلَا رِجَالٌ مُؤْمِنُونَ وَنِسَاءٌ مُؤْمِنَاتٌ لَمْ تَعْلَمُوهُمْ أَنْ تَطَئُوهُمْ فَتُصِيبَكُمْ مِنْهُمْ مَعَرَّةٌ بِغَيْرِ عِلْمٍ} [سورة الفتح: 25].
2 -
إن مباشرة المحظور لا تجوز إلا للضرورة، ولا ضرورة في حق الزيادة، والضرورة تقدر بقدرها.
وتحت هذه القاعدة من الفروع والفوائد، ما لا يدخل تحت الحصر، فتزاحم المصالح والمفاسد كلها داخل في هذا.
(3)
(1)
ينظر: الفوزان: المصدر السابق، (1/ 67).
(2)
د. محمد مصطفى الزحيلي: المصدر السابق، (1/ 226 - 227).
(3)
ينظر: السعدي: المصدر السابق، (2/ 681).