الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ونبات اللحم، وهذا المعنى هو الذي نصبه الشارع سببًا للتحريم؛ كما لو فصل هذا الحليب المخلوط بالدواء وشرب لوحده.
فإن قيل: إن العبرة بالحقائق والمعاني لا بمحض مسمى الحليب؛ لأن الألفاظ والمباني لا تغير من الحقيقة، أو تغني من الحق؛ شيئًا.
أجيب: بأن وجود الحليب في المخلوط حقيقةٌ، ولما كان يستدل على المسميات بأسمائها؛ ألحق الترجيح بما يظن معه وجود الحليب وأنه لم يستهلك في الدواء إذا غلبه، وذلك بالأمارة الآتية، وهي أن يبقى إطلاق اسم الحليب عليه؛ ممن ينظر إليه، أو يتذوقه، أو يفحصه، ونحو ذلك.
- ثمرة الخلاف: ترتب على الخلاف في هذه المسألة أثر فيما يأتي:
1 -
إذا خلط مع حليب الآدمية أدوية حافظة أو علاجية في بعض المؤسسات العلاجية أو المعنية بجمع الحليب؛ لم يكن ذلك سببًا في إزالة وصف التحريم عنه حتى يزول مسمى الحليب.
- سبب الخلاف: يرجع منشأ الخلاف في هذه المسألة إلى الاختلاف في مسائل، منها:
1 -
اشتراط التقام الثدي لثبوت التحريم؛ فمن اعتبر وصول الحليب إلى المعدة دون الوسيلة - وهم الجمهور
(1)
-؛ أثبت تعلق التحريم بالحليب المخلوط بالدواء، على اختلاف قيوداتهم، ومن اشترط امتصاص الراضع من ثدي المرضعة بفيه ليكون الرضاع محرمًا - وهو ابن حزم
(2)
-؛ منع من تعلق التحريم باللبن المخلوط بالدواء.
المسألة الثانية: اختلاط حليب الآدمية بغيرها من الآدميات
.
اختلف الفقهاء فيما يتعلق به التحريم من ألبان الآدميات المخلوطة ببعضها، والخلاف في هذه المسألة جارٍ عند من لا يشترط التقام الثدي لثبوت التحريم، وأقوالهم في ذلك هي:
القول الأول: إذا اختلط لبن امرأتين تعلق التحريم بأكثرهما وأغلبهما
.
وبه قال أبو حنيفة وأبو يوسف
(3)
، وهو مذهب المالكية
(4)
، ووجه عند الشافعية
(5)
.
القول الثاني: إذا اختلط لبن امرأتين تعلق بهما التحريم مطلقاً
؛ يعني: تساويا، أو تغالبا؛ كما لو ارتضع من كل واحدة منهن.
وهو مروي عن أبي حنيفة
(6)
، وبه قال محمد بن الحسن
(7)
، ورجحه الطحاوي وجماعة من الحنفية، وصححوه مذهباً
(8)
، واستظهره بعضهم احتياطاً
(9)
، وهو قول عند الشافعية
(10)
، ومذهب الحنابلة
(11)
.
- الأدلة:
أدلة القول الأول: استدل أصحاب القول الأول بما يأتي:
1 -
إن الكل صار شيئًا واحدًا؛ فيجعل الأقل تبعاً للأكثر في بناء الحكم عليه.
(12)
2 -
قياسًا على الماء والطعام؛ إذا غلبا على اللبن، أو غلب اللبن عليهما.
(13)
(1)
ينظر: ابن عابدين: المصدر السابق، (4/ 401 - 402، 414). القرافي: المصدر السابق، (4/ 276). النووي: المصدر السابق، (9/ 6). ابن قدامة: المصدر لسابق، (11/ 313).
(2)
ينظر: ابن حزم: المصدر السابق، (10/ 9).
(3)
ينظر: الجصاص: المصدر السابق، (5/ 277). ابن عابدين: المصدر السابق، (4/ 412). الميداني: المصدر السابق، (4/ 84).
(4)
القرافي: المصدر السابق، (4/ 276).
(5)
ينظر: النووي: المصدر السابق، (9/ 6).
(6)
ابن عابدين: المصدر السابق، (4/ 411 - 412). الميداني: المصدر السابق، (4/ 84).
(7)
الجصاص: المصدر السابق، (5/ 277). ابن عابدين: المصدر السابق، (4/ 412). الميداني: المصدر السابق، (4/ 84).
(8)
ينظر: الجصاص: المصدر السابق، (5/ 277). ابن عابدين: المصدر السابق، (4/ 412). الميداني: المصدر السابق، (4/ 84 - 85).
(9)
ينظر: ابن عابدين: المصدر السابق، (4/ 412). الميداني: المصدر السابق، (4/ 85).
(10)
ينظر: النووي: المصدر السابق، (9/ 6).
(11)
ينظر: ابن قدامة: المصدر السابق، (11/ 316). شمس الدين ابن قدامة: المصدر السابق، (24/ 242 - 243).
(12)
الميداني: المصدر السابق، (4/ 84).
(13)
ينظر: الجصاص: المصدر السابق، (5/ 277).
ويمكن أن يناقش بما يأتي: أ- إن هذا مسلم فيما إذا استهلك أحد المخلوطين في الآخر، ولا يُسَلَّم بأن حليب الآدمية تتلاشى عينه أو تستهلك فيما خلط معه من ألبان الآدميات الأخريات، ولو كان مغلوبًا؛ إذا كان يكفي أن يكون رضعة مشبعة لو كان منفردًا.
3 -
إن النقطة من الخمر لا يحد عليها إذا استهلكت مطلقًا، فكذا كل ما يستهلك في غيره؛ كالحليب المغلوب خلطًا بغيره.
(1)
ونوقش بما يأتي: أ- إن النقطة من الخمر إذا اختلطت لا تسكر، ولا تصلح للإسكار مع أمثالها؛ فظهر الفرق
(2)
، والمعنى: أن عدم الإسكار لا يمنع حصول الاغتذاء.
أدلة القول الثاني: استدل أصحاب القول الثاني:
1 -
إن الجنس لا يغلب الجنس؛ فإن الشيء لا يصير مستهلكاً في جنسه؛ لأن كل واحد منهما لا تأثير له في سلب قوة الآخر؛ لاتحاد المقصود.
والدليل على ذلك: أن رجلاً لو غصب من رجل زيتًا، فخلطه بزيت آخر؛ اشتركا فيه، ولو خلطه بشيرج أو دهن من غير جنسه؛ اعتبر الغالب؛ فإن كان الغالب هو المغصوب كان لصاحبه أن يأخذه، ويعطيه بقسط ما اختلط بزيته، وإن كان الغالب غير المغصوب؛ صار المغصوب مستهلكاً فيه، ولم يكن له أن يشاركه، ولكن الغاصب يغرم له مثل ما غصبه؛ فدل ذلك عل اختلاف حكم الجنس الواحد، والجنسين.
(3)
2 -
إنه لو شيب بماء أو عسل؛ لم يخرج عن كونه رضاعًا محرمًا، فكذلك إذا شيب بلبن آخر.
(4)
- الترجيح: سبق قريبًا حكاية الإجماع على أنه يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب، والأدلة في ذلك لا تفرق في ثبوت التحريم بين حليب الآدمية إذا تناوله الرضيع منفردًا أو مختلطًا بغيره، ولذلك كان الراجح مما تقدم القول بتعلق التحريم بجميع الآدميات اللائي خلط لبنهن، ولو كان بعضها مغلوبًا؛ مع مراعاة شروط الإجزاء في عدد الرضعات وسن الرضيع، ويشترط لذلك أن يكون حليب الآدمية الواحدة يصلح أن يكون رضعة واحدة مشبعة لو انفرد عما خلط معه من ألبان الآدميات.
وهذا ما يفهم من تقريرات كثير الفقهاء، وجريان كثير من تحقيقاتهم على اعتباره؛ فانظر إلى محمد بن الحسن الشيباني حين استدل على كون الرضاع واقعًا من كلا الزوجين في مسألة حمل المرأة من زوج ثان وإرضاعها في أثنائه من لبن كان مبدأ ثيابته من ولد ولدته من زوجها الأول؛ حيث جعله بمنزلة لبن امرأتين امتزجا في قدح واحد؛ فأوقع الرضاع منهما
(5)
، ومن ذلك: ما صرح به أبو محمد ابن قدامة ت 620 هـ في قوله: وإن حلب من نسوة، وسُقيه الصبي؛ فهو كما لو ارتضع من كل واحدة منهن؛ لأنه لو شيب بماء أو عسل، لم يخرج عن كونه رضاعًا محرمًا، فكذلك، إذا شيب بلبن آخر ا. هـ
(6)
، وبنحوه قال شمس الدين ابن قدامة ت 682 هـ
(7)
، وقال الحجاوي ت 968 هـ:"فإن حلب اللبن من نسوة، وسقي الطفل؛ فهو كما لو ارتضع من كل واحدة منهن"
(8)
؛ قال البهوتي ت 1051 هـ: "لاختلاط لبنهن"
(9)
.
- ثمرة الخلاف: ترتب على الخلاف في هذه المسألة أثر في فروع، منها:
1 -
أثر اعتبار المغلوب لبنها إذا خلط بلبن غيرها من الآدميات على ثبوت التحريم للزوج إذا كان له زوجتان.
فمن جعل التحريم لأكثر الحليبين المخلوطين دون أقلِّهما - وهو قول للحنفية والشافعية، ومذهب المالكية -؛ لم يثبِت للزوج أربع رضعات إذا حلبت كل واحدة من زوجتيه لبنها دفعة، ثم خلطا، فشربه الرضيع مرتين، وهو ما صرح به الشافعية في وجه عندهم
(10)
، ومقتضى التخريج على أصحاب القول الأول عند من يشترط عددًا.
(1)
ينظر: القرافي: المصدر السابق، (4/ 276).
(2)
ينظر: القرافي: المصدر السابق، (4/ 276).
(3)
ينظر: الجصاص: المصدر السابق، (5/ 277 - 278). الميداني: المصدر السابق، (4/ 84).
(4)
ينظر: ابن قدامة: المصدر السابق، (11/ 316). شمس الدين ابن قدامة: المصدر السابق، (24/ 242 - 243).
(5)
ينظر: الجصاص: المصدر السابق، (5/ 275).
(6)
ابن قدامة: المصدر السابق، (11/ 316).
(7)
شمس الدين ابن قدامة: المصدر السابق، (24/ 242 - 243).
(8)
الحجاوي: الإقناع في فقه الإمام أحمد بن حنبل (4/ 126).
(9)
البهوتي: المصدر السابق، (13/ 88).
(10)
ينظر: النووي: المصدر السابق، (9/ 13 - 14).
ومن جعل التحريم لكلٍّ من الغالب والمغلوب من ألبان الآدميات المختلطة - وهم الجمهور -، وحسب لكل زوجة رضعتين اعتبارًا بوصول اللبن؛ أثبت للزوج أربع رضعات، وإن حسب لكل واحدة رضعة اعتبارًا بالحلب؛ ثبت للزوج رضعتان، ولكل من الحسابين وجه مصرَّحٌ به عند الشافعية
(1)
، والحساب الأول هو مفهوم تصريح الحنابلة
(2)
، وابن حزم
(3)
، وهذه المسألة لا ترد على أصل أبي حنيفة
(4)
، ومالك
(5)
، وغيرهما
(6)
؛ ممن يكون عنده قليل الرضاع ككثيره في التحريم.
2 -
إذا حلب خمس نسوة في إناء، وأوجره الصبي دفعة واحدة؛ جرعةً بعد أخرى متتابعةً.
فمن جعل التحريم لأكثر الحليبين المخلوطين دون أقلهما - وهو قول للحنفية والشافعية، ومذهب المالكية -؛ اعتبره رضعةً واحدة من أكثرهن حليبًا في الإناء؛ فيما يقتضيه التخريج، وهو ظاهر قول الخرقي من الحنابلة
(7)
.
ومن جعل التحريم لكلٍّ من الغالب والمغلوب من ألبان الآدميات المختلطة - وهم الجمهور -؛ قال: يحسب من كل واحدة رضعة، وهو ما صرح به الشافعية
(8)
، والحنابلة في وجه عندهم
(9)
.
(1)
ينظر: النووي: المصدر السابق، (9/ 13 - 14).
(2)
ينظر: البهوتي: المصدر السابق، (13/ 88).
(3)
ينظر: ابن حزم، المصدر السابق، (10/ 3).
(4)
ينظر: الجصاص: المصدر السابق، (5/ 255). ابن عابدين: المصدر السابق، (4/ 399). الميداني: المصدر السابق، (4/ 75).
(5)
ينظر: القرافي: المصدر السابق، (4/ 274).
(6)
ينظر: الترمذي: المصدر السابق، (2/ 444). ابن القيم: المصدر السابق، (5/ 571).
(7)
ينظر: شمس الدين ابن قدامة: المصدر السابق، (24/ 238 - 239). البهوتي: المصدر السابق، (13/ 87)؛ اعتبارًا بشربه له؛ إذ كان المعتبر في الرضعة العرف، وهم لا يعدون هذا رضعات، فأشبه ما لو أكل الطعام لقمة بعد لقمة؛ فإنه لا يعد أكلات.
(8)
ينظر: النووي: المصدر السابق، (9/ 9).
(9)
ينظر: ابن قدامة: المصدر السابق، (11/ 316). البهوتي: المصدر السابق، (13/ 87).
وهذه المسألة لا ترد على أصل داود وابن حزم في اشتراط امتصاص الراضع من ثدي المرضعة لثبوت التحريم باللبن
(1)
؛ لأن الوجور صب اللبن في الفم، وهو إحدى الروايتين عن أحمد
(2)
، واختيار أبي بكر من الحنابلة
(3)
.
3 -
إذا حلب خمس نسوة في إناء، وأوجره الصبي في خمس دفعات.
فمن جعل التحريم لأكثر الحليبين المخلوطين دون أقلهما - وهو قول للحنفية والشافعية، ومذهب المالكية -؛ اعتبره من أكثرهن حليبًا في الإناء دون غيرها؛ فيما يقتضيه التخريج، وهو ظاهر قول الخرقي من الحنابلة
(4)
.
ومن جعل التحريم لكلٍّ من الغالب والمغلوب من ألبان الآدميات المختلطة - وهم الجمهور -؛ قال باعتبار الرضعات
(5)
، ولكنهم اختلفوا في عددها من كل واحدة؛ فقالت طائفة: يحسب من كل واحدة رضعة، وهو ما نسب إلى الشافعي
(6)
، وصرح به الشافعية في وجه عندهم
(7)
؛ صححه النووي
(8)
، وقالت الطائفة الأخرى: يحسب من كل واحدة خمس رضعات، وهو وجه مصرح به عند الشافعية أيضًا
(9)
، ومذهب الحنابلة
(10)
.
(1)
ينظر: ابن حزم: المصدر السابق، (10/ 9 - 10). ابن قدامة: المصدر السابق، (11/ 313). شمس الدين ابن قدامة (24/ 237).
(2)
ينظر: ابن قدامة: المصدر السابق، (11/ 313). شمس الدين ابن قدامة (24/ 236). البهوتي: المصدر السابق، (13/ 87).
(3)
ينظر: ابن قدامة: المصدر السابق، (11/ 313). شمس الدين ابن قدامة (24/ 236).
(4)
ينظر: شمس الدين ابن قدامة: المصدر السابق، (24/ 238 - 239). البهوتي: المصدر السابق، (13/ 87)؛ اعتبارًا بشربه له؛ إذ كان المعتبر في الرضعة العرف، وهم لا يعدون هذا رضعات، فأشبه ما لو أكل الطعام لقمة بعد لقمة؛ فإنه لا يعد أكلات.
(5)
ينظر: ابن قدامة: المصدر السابق، (11/ 316). البهوتي: المصدر السابق، (13/ 87).
(6)
ينظر: ابن قدامة: المصدر السابق، (11/ 314)؛ اعتبارا لخروجه منها؛ لأن الاعتبار بالرضاع، والوجور فرعه.
(7)
ينظر: النووي: المصدر السابق، (9/ 9).
(8)
ينظر: النووي: المصدر السابق، (9/ 9).
(9)
ينظر: النووي: المصدر السابق، (9/ 9).
(10)
ينظر: ابن قدامة: المصدر السابق، (11/ 314). شمس الدين ابن قدامة: المصدر السابق، (24/ 238). البهوتي: المصدر السابق، (13/ 87)؛ اعتبارًا بالعرف أيضًا؛ لأنه لو أكل من طعام خمس أكلات متفرقات؛ لكان قد أكل خمس أكلات، ولأنه لما ثبت التحريم به من غير التقام مباشر من الثدي علم أن الاعتبار بشرب الصبي له؛ لأنه المحرم.