الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
رضي الله عنهم -، ومن إطلاقات الفقهاء التي تبرز هذا المعنى قول الجصاص ت 370 هـ: ومن تزوج امرأة، ثم قال قبل الدخول بها: هي أختي من الرضاع؛ انفسخ النكاح بينهما ا. هـ
(1)
، وقول ابن قدامة ت 620 هـ: وإن تزوج امرأة، ثم قال قبل الدخول: هي أختي من الرضاع؛ انفسخ النكاح، فإن صدقته؛ فلا مهر، وإن كذبته؛ فلها نصف المهر ا. هـ
(2)
كما أن تفاوت الزمن بين صبي صبية ارتضعا من ثدي واحد لا يمنع مما يتعلق بينهما من المحرمية والتحريم، ولو بلغت المدة بين رضاعيهما عشرات السنين؛ لأنه يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب، وقد يكون بين الأخوين عشرات السنين في العمر؛ قال ابن عابدين ت 1252 هـ: لا حل بين رضيعي امرأة وإن اختلف الزمن؛ كأن أرضعت الولد الثاني بعد الأول بعشرين سنة مثلًا، وكان كل منهما في مدة الرضاع - يعني: الحولين - ا. هـ
(3)
، وقال النووي ت 676 هـ: ومن نكح صغيرة، أو كبيرة، حرمت عليه مرضعتها؛ لأنها أم زوجته من الرضاع. ولو نكح صغيرة ثم طلقها، فأرضعتها امرأة؛ حرمت المرضعة على المطلق؛ لأنها صارت أم من كانت زوجته، ولا نظر إلى التاريخ في ذلك ا. هـ
(4)
المطلب الثالث
الرجوع عن الإقرار بشهادة الرضاع
الكلام في الرجوع عن الإقرار بشهادة الرضاع من وجوه:
أولًا: إذا وجد إقرار على ارتضاع محرِّم، ثم رجع المقر؛ كما لو شهد رجل على نفسه أن فلانة أختي أو أمي أو ابنتي من الرضاع، أو قال: فلان أخي أو ابني من الرضاع، واتفقا على ذلك، ووجد إمكان ذلك، ولم يحصل نكاح؛ فصح، ثم رجعا، أو رجع المقر أو أكذب نفسه؛
(1)
الجصاص: المصدر السابق، (5/ 273)؛ نقلاً عن الطحاوي في مختصره.
(2)
ينظر: ابن قدامة: المقنع مع الشرح الكبير (24/ 275).
(3)
ينظر: ابن عابدين: المصدر السابق، (4/ 410).
(4)
ينظر: النووي: المصدر السابق، (9/ 24).
كما لو قال: غلطت، أو وهمت، أو أخطأت؛ فهل يقبل منه؟ وإذا كان يقبل منه؛ فهل يجري هذا القبول مع تكرار الشهادة أو الإقرار؟ تلك مسألة تباينت فيها آراء الفقهاء، على ما يأتي:
القول الأول: يقبل قوله.
ونسب هذا القول إلى أبي حنيفة
(1)
.
القول الثاني: صدّق في رجوعه، ولو تكرر إقراره، أو وافقته المرأة في إقراره؛ إلا أن يَثبُت عليه - يعني: أن يثبت على إقراره، ومنه المداومة والإصرار -؛ فلا يصدق في رجوعه، ولو جحد بعد ذلك، وهذا ما يعني التفصيل في قولهم على النحو الآتي:
أ- إما أن لا يثبُت على إقراره؛ فيصدق في رجوعه، ولو كان متكررًا، أو وافقته المرأة عليه.
ب- أو أن يثبت على إقراره؛ فلا يصدق في رجوعه عنه، ولو جحد بعد ذلك.
ومن صور الثبات على الإقرار عند أصحاب هذا القول؛ أن يقول: هو حق، أو هو كما قلت، ما أقررت به ثابت، هو صدق، هو صواب، هو صحيح، لا شك فيه عندي، ونحوه.
وليس يدخل في الثبات على الإقرار عندهم تكرار الإقرار؛ فلا يكون مانعًا من الرجوع.
وبه قال الحنفية.
(2)
القول الثالث: لا يقبل رجوعه، ولا يصح النكاح.
وبه قال الشافعية
(3)
، والحنابلة مع قيد التفريق بينهما من دون نفي الصحة
(4)
، وزاد الحنابلة: فأما فيما بينه وبين ربه، فينبني ذلك على علمه بصدقه؛ فإن علم أن الأمر كما قال،
(1)
ينظر المصدر الآتي.
(2)
ينظر: ابن عابدين: المصدر السابق، (4/ 417 - 419).
(3)
ينظر: الشافعي: المصدر السابق، (6/ 97). النووي: المصدر السابق، (9/ 34).
على أنه يفهم من بعض تحريرات الشافعي في مواطن من المرجع السابق أن النكاح يحل لهما ولأولادهما فيما بينه وبين الله تعالى إن علما أنهما كاذبان، وهذا يخصص عدم تصحيح النكاح الآنف بأنه عدم التصحيح القضائي لا الشرعي. ينظر: الشافعي: المصدر السابق، (6/ 98).
(4)
ينظر: ابن قدامة: المصدر السابق، (11/ 343). شمس الدين ابن قدامة: المصدر السابق، (24/ 275 - 276). البهوتي: المصدر السابق، (13/ 105).
فهي محرمة عليه، ولا نكاح بينهما، وإن علم كذب نفسه فالنكاح باق بحاله فيما بينه وبين الله، وقوله كذبٌ لا يحرمها عليه، وإن شك في ذلك؛ لم يزُل عن اليقين بالشك.
(1)
القول الرابع: كالقول الثاني؛ إلا أنهم نصوا على كونها لا تحل له إذا علم كذب نفسه.
وهو رواية في مذهب أحمد.
(2)
- الأدلة:
أدلة القول الأول: استدل أصحاب القول الأول بما يأتي:
1 -
إن قوله ذلك يتضمن أنه لم يكن بينهما نكاح، ولو جحد النكاح ثم أقر به قبل؛ كذلك ههنا.
(3)
ونوقش بما يأتي: أ- إنه قياس غير مسلم.
(4)
أدلة القول الثاني: استدل أصحاب القول الثاني بما يأتي:
1 -
إن الرضاع مما يخفى؛ فلا يمنع من التناقض فيه، وسبب خفائه أنه لا يعلمه إلا بالسماع من غيره، ولذلك؛ لم يمنع التناقض فيه؛ لاحتمال أنه لما أقر به بناء على ما أخبره به غيره تبين له كذبه فرجع عن إقراره، وحينئذ لا فرق في ذلك بين كونه أقر مرة أو أكثر.
وذلك بخلاف ما لو شهد على إقراره، أو قال: هو حق، أو نحوه؛ فإنه يدل على علمه بصدق المخبر، وأنه جازم به؛ فلا يقبل رجوعه بعده.
(5)
2 -
إن تكرار الإقرار لا يقوم مقام من قال: هو حق.
(6)
أدلة القول الثالث: استدل أصحاب القول الثالث بما يأتي:
(1)
ينظر: ابن قدامة: المصدر السابق، (11/ 343). شمس الدين ابن قدامة: المصدر السابق، (24/ 275 - 276). البهوتي: المصدر السابق، (13/ 105).
(2)
ينظر: ابن قدامة: المصدر السابق، (11/ 343). شمس الدين ابن قدامة: المصدر السابق، (24/ 276).
(3)
ينظر: ابن قدامة: المصدر السابق، (11/ 343). شمس الدين ابن قدامة: المصدر السابق، (24/ 275).
(4)
ينظر: ابن قدامة: المصدر السابق، (11/ 343). شمس الدين ابن قدامة: المصدر السابق، (24/ 275).
(5)
ينظر: ابن عابدين: المصدر السابق، (4/ 417 - 419).
(6)
ينظر: ابن عابدين: المصدر السابق، (4/ 418).
1 -
إنه إن كان رجلًا؛ فقد أقر أنهما ذواتا محرم منه قبل يلزمه لهما أو يلزمهما له شيء، وإن كانت امرأة؛ فقد أقرت به في حال لا يدفع بها عن نفسه ولا يجر إليها ولا تلزمه ولا نفسها بإقرارها شيئًا.
(1)
2 -
إنه أقر بما يتضمن تحريمها عليه، فلم يقبل رجوعه عنه في الحكم دونما بينه وبين الله؛ لأن المحرم حقيقة الرضاع لا القول، ولأن الإقرار بالباطل لا يزيل الشيء عن صفته، ولأنه رجوع عن إقرار بحق لآدمي، فلم يقبل؛ كما لو أقر لها بمال ثم رجع عنه، أو أقر بالطلاق ثم رجع، أو أقر أن أمته أخته من النسب، أو قال لها وهي أكبر منه: هي ابنتي من الرضاعة.
(2)
- ثمرة الخلاف: ترتب على الخلاف في أهذه المسألة أثر في الفروع الآتية:
1 -
إن قال الزوج لزوجته: هذه رضيعتي، ثم رجع عن قوله؛ صدِّق؛ فيما صرح به الحنفية
(3)
.
2 -
إن قال زوج لزوجته: هذه رضيعتي، ثم قال: هو حق كما قلت؛ فرِّق بينهما ولو رجع؛ فيما صرح به الحنفية.
(4)
3 -
إذا أقرت المرأة بالرضاع بينها وبين رجل، ثم أكذبت نفسها، وقالت: أخطأت، وتزوجها الرجل؛ جاز فيما صرح به الحنفية، كما لو تزوجها قبل أن تكذب نفسها، وإن أصرت؛ لأن الحرمة ليست إليها.
(5)
4 -
إذا اشتهر بين الناس أن امرأةً كانت تعطي ثديها صبية، ثم قالت: ليس في ثديي لبن حين ألقمتها ثديي، ولم يعلم ذلك إلا من جهتها؛ لم تتعلق محرمية بهذا الالتقام فيما صرح به الحنفية، وجاز لابنها أن يتزوج بهذه الصبية.
(6)
(1)
الشافعي: المصدر السابق، (6/ 97).
(2)
ينظر: ابن قدامة: المصدر السابق، (11/ 343). شمس الدين ابن قدامة: المصدر السابق، (24/ 275 - 276). البهوتي: المصدر السابق، (13/ 105).
(3)
ينظر: ابن عابدين: المصدر السابق، (4/ 417).
(4)
ينظر: ابن عابدين: المصدر السابق، (4/ 417 - 419).
(5)
ينظر: ابن عابدين: المصدر السابق، (4/ 419).
(6)
ينظر: ابن عابدين: المصدر السابق، (4/ 401 - 402).