الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(11) بَابُ مَا يُقَطَعُ فِيهِ السَّارِقُ
4383 -
حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ حَنْبَلٍ، نَا سُفْيَانُ،
===
قال السندي (1) على النسائي: ونقل عن أبي داود في بعض نسخ السنن أنه قال: "إنّما أرهبهم بهذا القول، أي لا أحب الضربَ إِلَّا بعد الاعتراف"، قلت: كنى به أنه لا يحل (2) ضربهم، فإنّه لو جاز لجاز ضربكم أيضًا قصاصًا، انتهى.
قلت: معنى قوله في النسخة: "وإنّما أرهبهم بهذا القول" أي هَدَّدَ النعمانُ الكلاعيين بهذا القول: "إن شئتم أن أضربهم"، قلت: هذا ظاهر؛ لأنه لو ضرب الإمام لكان الإمام واسطةَ للضرب وذريعةً له، فكان الضارب حقيقة الكلاعيون فيؤخذ منهم، وأمّا قوله:"أي لا يجب الضرب إِلَّا بعد الاعتراف"، وفي حاشية النسائي:"لا أحب الضرب إِلَّا بعد الاعتراف" فلا معنى له؛ لأنه إذا اعترف السارق يقطع يده فلا معنى للضرب.
وكتب مولانا محمّد يحيى المرحوم في "التقرير": قوله: "هذا حكم الله
…
إلخ"، إِلَّا أن العلماء جَوَّزوا في أيامنا هذه الامتحانَ بالضرب (3)، وبما شاء من التهديد؛ لما رأوا من تفويت الحقوق وإتلافِها لولا ذلك، وكان فيما مضى من الزّمان يُكتفى باليسير من التهديد في اعتراف السارق بما أخذ.
(11)
(بَابُ مَا يُقْطَعُ فِيهِ السَّارِقُ)(4)
4383 -
(حدّثنا أحمد بن محمّد بن حنبل، نا سفيان،
(1) راجع: "سنن النسائي" بحاشية السندي (8/ 66) ح (4874).
(2)
وفيه تفصيل عند الحنفية من أن المعروف بالبر لا يحبس ولا يعاقب، وهل يحلف؟ فيه قولان، والمستور يحبس، والمعروف بالفسق يعاقب. "الشامي"(6/ 147).
(3)
صرَّح بذلك في "الدر المختار"(6/ 147). (ش).
(4)
وتتوقف براءة السارق على رد المسروق، كذا في "الفتح"(12/ 85) ح (6784). (ش).
عن الزُّهْرِيِّ، قَالَ: سَمِعْتُهُ مِنْهُ، عن عَمْرَةَ، عن عَائِشَةَ:"أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَقْطَعُ في رُبُعِ دِينَارٍ فَصَاعِدًا". [خ 6789، م 1684، ت 6445، ن 4918، جه 2585، حم 6/ 36]
4384 -
حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ صَالِحٍ وَوَهْبُ بْنُ بَيَانٍ قَالَا: نَا. (ح): وَنَا ابْنُ السَّرْحِ قَالَ: نَا ابْنُ وَهْبٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي يُونُسُ، عن ابْنِ شِهَابٍ، عن عُرْوَةَ وَعَمْرَةَ، عن عَائِشَةَ، عن النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:"تُقْطَعُ يَدُ السَّارِقِ فِي رُبُعِ دِينَارٍ فَصَاعِدًا". [خ 6790 ، م 1684 ، ت 1445 ، ن 4917، حم 6/ 163]
قَالَ أَحْمَدُ بْنُ صَالِحٍ: الْقَطْعُ في رُبُعِ دِينَارٍ فَصَاعِدًا.
4385 -
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ مَسْلَمَةَ، نَا مَالِكٌ، عن نَافِعٍ، عن ابْنِ عُمَرَ:"أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَطَعَ في مِجَنٍّ ثَمَنُهُ ثَلَاثَةُ دَرَاهِمَ". [خ 6795، م 1686، ن 4908، حم 2/ 80]
===
عن الزهري، قال) سفيان:(سمعته) أي الحديثَ (منه) أي عن الزهري، وهو يروي (عن عمرة، عن عائشة: أن النّبيّ صلى الله عليه وسلم كان يقطع في ربع دينار فصاعدًا).
4384 -
(حدّثنا أحمد بن صالح ووهب بن بيان قالا: نا، ح: ونا ابن السرح قال: نا ابن وهب قال: أخبرني يونس، عن ابن شهاب، عن عروة وعمرة، عن عائشة، عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال: تُقطَع يدُ السارق في ربع دينار فصاعدًا، قال أحمد بن صالح: القطع في ربع دينار فصاعدًا).
اختلف لفظ أحمد بن صالح، ووهب، وابن السرح، فلفظ وهب وابن السرح كان ما تقدّم في الحديث بلفظ "تقطع" بصيغة المضارع المجهول، ولفظ أحمد بن صالح: القطع بلفظ المصدر المعرف باللام.
4385 -
(حدّثنا عبد الله بن مسلمة، نا مالك، عن نافع، عن ابن عمر: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قطع في مجن) يكسر ميم، وفتح جيم: هو الترس؛ لأنه يواري حامله (ثمنه ثلاثة دراهم).
4386 -
حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ، نَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ، أَخْبَرَنِي إسْمَاعِيلُ بْنُ أُمَيَّةَ، أَنَّ نَافِعًا مَوْلَى عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ حَدَّثَهُ، أَنَّ عَبْدَ اللهِ بْنَ عُمَرَ حَدَّثَهُمْ:"أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَطَعَ يَدَ رَجُلٍ سَرَقَ تُرْسًا مِنْ صُفَّةِ النِّسَاءِ، ثَمَنُهُ ثَلَاثَةُ دَرَاهِمَ". [م 1686، ن 4909، حم 2/ 145، دي 2305]
4387 -
حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَمُحَمَّدُ بْنُ أَبِي السَّرِيِّ الْعَسْقَلَانِيُّ، وَهَذَا لَفْظُهُ وَهُوَ أَتَمُّ، قَالَا: نَا ابْنُ نُمَيْرٍ، عن مُحَمَّدِ بْنِ إسْحَاقَ، عن أَيُّوبَ بْنِ مُوسَى، عن عَطَاءٍ، عن ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ:"قَطَعَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَدَ رَجُلٍ في مِجَنِّ قِيمَتُهُ دِينَارٌ أَوْ عَشَرَةُ دَرَاهِمَ".
قَالَ أَبُو دَاوُدَ: رَوَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ سَلَمَةَ وَسَعْدَانُ بْنُ يَحْيَى، عن ابْنِ إسْحَاقَ، بِإسْنَادِهِ.
===
4386 -
(حدّثنا أحمد بن حنبل، نا عبد الرزّاق، أنا ابن جريج، أخبرني إسماعيل بن أمية، أن نافعًا مولى عبد الله بن عمر حدثه، أن عبد الله بن عمر) رضي الله عنهما (حدثهم: أن النّبيّ صلى الله عليه وسلم قطع يد رجل سرق ترسًا من صُفَّة النِّساء)، لعلّه موضع في المسجد مظلل للنساء يصلين فيه، كالصِّفَة للفقراء المهاجرين (ثمنه) أي ثمن الترس (ثلاثة دراهم).
4387 -
(حدّثنا عثمان بن أبي شيبة ومحمد بن أبي السري العسقلاني، وهذا لفظه، وهو أتم، قالا: نا ابن نمير، عن محمّد بن إسحاق، عن أَيّوب بن موسى، عن عطاء، عن ابن عبّاس قال: قطع رسول الله صلى الله عليه وسلم يدَ رجلٍ في مجن قيمته دينار أو عشرة دراهم).
(قال أبو داود: رواه محمّد بن سلمة (1)، وسعدان بن يحيى (2)، عن ابن إسحاق، بإسناده) أي بإسناد ابن إسحاق هذا الحديث.
(1) أخرج روايته النسائي (8/ 83).
(2)
لم أقف على روايته.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
===
واختلف أهل العلم في قدر ما تقطع به يد السارق، فذهب الجمهور (1) إلى أن يقطع في ثلاثة دراهم أو ربع دينار، واختلفوا فيما يقوَّم به ما كان من غير الذهب والفضة، فذهب مالك في المشهور عنه إلى أنه يكون التقويم بالدراهم لا بربع الدّينار إذا كان الصّرف مختلفًا، وقال الشّافعيّ: الأصل في تقويم الأشياء هو الذهب؛ لأنه الأصل في جواهر الأرض كلها، قال: إن ثلاثة دراهم إذا لم تكن قيمتها ربع دينار لم توجب القطع.
وذهب العترة، وأبو حنيفة، وأصحابه، وسائر فقهاء العراق إلى أن النصاب الموجب للقطع هو عشرة دراهم، ولا قطع في أقل من ذلك.
والمذهب الثّالث نقله عياض عن النخعي أنه لا يجب القطع إِلَّا في أربعة دنانير أو أربعين درهمًا.
والمذهب الرّابع حكاه ابن المنذر عن الحسن البصري أنه يقطع في درهمين.
المذهب الخامس أربعة دراهم، نقله ابن المنذر عن أبي هريرة وأبي سعيد.
المذهب السّادس ثلاثة دنانير، رواه ابن المنذر عن ابن الباقر.
المذهب السابع يقطع في خمسة دراهم، حكاه في "البحر" عن الناصر والنخعي، وروي عن ابن شبرمة وهو مروي عن ابن أبي ليلى، والحسن البصري.
المذهب الثّامن دينار أو ما بلغ قيمته، رواه ابن المنذر عن النخعي، وحكاه ابن حزم عن طائفة.
(1) راجع: "نيل الأوطار"(4/ 577، 578).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
===
المذهب التاسع ربع دينار من الذهب ومن غيره في القليل والكثير، وإليه ذهب ابن حزم، ونقل نحوه ابن عبد البرّ.
المذهب العاشر أنه يثبت القطع في القليل والكثير، حكاه في "البحر" عن الحسن البصري، وداود، والخوارج.
الحادي عشر أنه يثبت القطع في درهم فصاعدًا لا دونه، حكاه في "البحر" عن البتي (1)، وروي عن ربيعة.
هذه جملة المذاهب المذكورة في المسألة، وقد جعلها في "الفتح"(2) عشرين مذهبًا، لكن البقية على ما ذكرنا لا يصلح جعلها مذاهب مستقلة لرجوعها إلى ما حكيناه، ملخص ما في "النبل".
قلت: واستدل الجمهور بأوائل حديث الباب، واستدل الإمام أبو حنيفة وأصحابه وآخرون بآخر حديث الباب، وهو حديث ابن عبّاس، واستدل الطحاوي (3) لهم بحديث أيمن الحبشي قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أدنى ما يقطع فيه السارق ثمن المجن"، وفي رواية عن أم أيمن قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا يقطع يد السارق إِلَّا في حجفةٍ"، وقُوِّمت يومئذ على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم دينارًا أو عشرة دراهم.
قال الطحاوي: فلما اختُلِفَ في قيمة المجن الّذي قطع فيه رسولُ الله صلى الله عليه وسلم احتيط في ذلك، فلم يُقطَع إِلَّا فيما أجمع أن فيه وفاء بقيمة المجن الّتي جعلها رسول الله صلى الله عليه وسلم مقدارًا لا يقطع فيما هو أقل منها، وهي عشرة دراهم.
قال: وأمّا احتجاجهم بحديث عائشة رضي الله عنها قالت: "كان
(1) في الأصل: "عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم"، وهو تحريف، والتصويب من "النيل"(4/ 578).
(2)
انظر: "فتح الباري"(12/ 106، 107).
(3)
"شرح معاني الآثار"(3/ 163، 164).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
===
رسول الله صلى الله عليه وسلم يقطع في ربع الدّينار فصاعدًا"، قيل لهم: ليسِ فيه حجة؛ لأن عائشة رضي الله عنها إنّما أخبرت عما قطع فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم، فيحتمل أن يكون ذلك لأنها قَوَّمَتْ ما قطع فيه، فكانت قيمته عندها ربع دينار، فجعلت ذلك مقدارَ ما كان النّبيّ صلى الله عليه وسلم يقطع فيه.
وأمّا احتجاجهم بحديث عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "يُقطَع يد السارق في ربع دينار فصاعدًا"، فهذا الحكم إنّما أخذت ذلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بما وقفها عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم، لا من جهة تقويمها.
قيل لهم: هذا كما ذكرتم لو لم يختلف في ذلك عنها، فقد روى ابن عيينة، عن الزّهريّ، عن عمرة، عن عائشة رضي الله عنها ما قد ذكرناه في الفصل الّذي قبل هذا الفصل فكان ذلك إخبارًا منها عن فعل النّبيّ صلى الله عليه وسلم لا عن قوله، ويونس بن يزيد عندكم لا يقارب ابنَ عيينة، فكيف تحتجُّون بما روى، وَتَدَعون ما روى ابن عيينة؟
وأجاب عنه الحافظ في "الفتح"(1) بأن نقل الطحاوي عن المحدثين أنهم يقدِّمون أبنَ عيينة في الزّهريُّ على يونس فليس متفَقًا عليه عندهم، بل أكثرهم على العكس، وممن جزم بتقديم يونس على سفيان في الزّهريُّ: يحيى بن معين، وأحمد بن صالح المصري، انتهى.
ورده العيني (2) فقال: قلت: سفيان إمام عالم ورع زاهد حجة ثبت مجمع على صحة حديثه، وكيف يقارنه يونُس بنُ يزيد، وقد قال ابن سعد: كان يونس حلوَ الحديث وكثيرَه، ليس بحجة، وربما جاء بالشيء المنكر.
فقالوا (3): قد روي أيضًا عن عمرة عن عائشة - وضي الله عنها -،
(1)"فتح الباري"(12/ 102).
(2)
انظر: "عمدة القاري"(16/ 73).
(3)
نقله من "شرح معاني الآثار"(3/ 164).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
===
وهو ما روى مخرمة بن بكير، عن أبيه، عن سليمان بن يسار، عن عمرة؛ عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "لا تُقْطَع يد السارق إِلَّا في ربع دينار فصاعدًا"، قيل لهم: كيف تحتجون بهذا وأنتم تزعمون أن مخرمة لم يسمع من أبيه حرفًا فهو مرسل، وأنتم لا تقبلونه؟ وقد أطال الكلام بما في نقله طول لا يسعه المقام.
وقال الكاساني في "البدائع"(1) ولنا ما روى محمّد في "الكتاب" بإسناده عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده عبد الله بن عمرو بن العاص عنه صلى الله عليه وسلم:"أنه كان لا يقطع إِلَّا في ثمن مجن"، وهو يومئذ يساوي عشرةَ دراهم. وفي رواية عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم. "لا قطع فيما دون عشرة دراهم".
وعن ابن مسعود رضي الله عنه، عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم أنه قال:"لا تُقطَع اليد إلَا في دينار، أو في عشرة دراهم"، وعن ابن عبّاس رضي الله عنهما، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال:"لا يقطع السارق إِلَّا في ثمن المجن"، وكان يقوَّم يومئذ بعشرة دراهم؛ وعن ابن أم أيمن أنه قال:"ما قطِعَتْ يد على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم إِلَّا في ثمن المجن، وكان يساوي يومئذ عشرة دراهم".
وذكر محمّد في "الأصل": أن سيدنا عمر رضي الله عنه أمر بقطع يدِ سارقِ ثوبٍ بلغت قيمته عشرةَ دراهم، فمر به سيدنا عثمان رضي الله عنه فقال: إن هذا لا يساوي إِلَّا ثمانية، فَدَرَأَ سيدُنا عمرُ رضي الله عنه القطعَ عنه، وعن سيدِنا عمر، وسيدِنا عثمان، وسيدِنا علي، وابنِ مسعود رضي الله عنهم مثل مذهبنا، والأصل أن الإجماع انعقد على وجوب القطع في العشرة، وفيما دونه العشرة اختلف العلماء لاختلاف الأحاديث، فوقع الاحتمال في وجوب القطع فلا يجب مع الاحتمال، انتهى.
(1)"بدائع الصنائع"(6/ 25).