الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(35) بابٌ في الْحَدِّ فِى الْخَمْرِ
4476 -
حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ عَلِىٍّ وَمُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، وَهَذَا حَدِيثُهُ، قَالَا: نَا أَبُو عَاصِمٍ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ:"أَنَّ النبيَّ (1) صلى الله عليه وسلم لَمْ يَقِتْ (2) فِى الْخَمْرِ حَدًّا". [حم 1/ 332، ن 5290]
===
وإن لم يثبت (3)، فالقول ما قال عياض، فإنه لم يثبت خبر أنه قذف صريحًا ثم لم يُحَدَّ. انتهى.
(35)
(بابٌ الْحَدِّ فِى الْخَمْرِ)
4476 -
(حدثنا الحسن بن علي ومحمد بن المثنى، وهذا حديثه) أي لفظ هذا الحديث لمحمد بن المثني (قالا: نا أبو عاصم، عن ابن جريج، عن محمد بن علي) بن يزيد (بن ركانة، عن عكرمة، عن ابن عباس: أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يَقِتْ في الخمر حدًا) أي لم يُوَقِّت ولم يُعيِّنْ، يقال: وَقَتَ بالتخفيف يقِتُ فهو موقوف، وليس المراد أنه ما قَرَّر حدًا أصلًا، بل معناه أنه لم يعين فيه قدرًا معينًا، بل كان يضرب فيه ما بين أربعين إلى ثمانين.
قال الشوكاني (4): وقد استدل بهذا الحديث من قال: إن حد السكر غير واجب، وإنه غير مقرر، وإنما هو تعزير فقط، وأجيب عن هذا: أنه قد وقع الإجماع من الصحابة على وجوبه، وحديث ابن عباس المذكور قد قيل: إنه كان قبل أن يشرَع الجلد، ثم شرع الجلدُ، والأولى أن يقال: إن النبي صلى الله عليه وسلم إنما لم يقم على ذلك الرجل الحدَّ؛ لكونه لم يقِرَّ لديه، ولا قامت
(1) وفي نسخة: "رسول الله".
(2)
في نسخة: "لم يوقت".
(3)
كذا في الأصل، وفي "الفتح":"وإن لم يثبتا".
(4)
"نيل الأوطار"(4/ 605).
وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: شَرِبَ رَجُلٌ فَسَكِرَ، فَلُقِىَ يَمِيلُ فِى الْفَجِّ، فَانْطُلِقَ بِهِ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، فَلَمَّا حَاذَى بِدَارِ الْعَبَّاسِ انْفَلَتَ فَدَخَلَ عَلَى الْعَبَّاسِ فَالْتَزَمَهُ، فَذُكِرَ (1) ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، فَضَحِكَ وَقَالَ:"أَفَعَلَهَا؟ " وَلَمْ يَأْمُرْ فِيهِ بِشَىْءٍ.
قَالَ أَبُو دَاوُدَ: هَذَا مِمَّا تَفَرَّدَ بِهِ أَهْلُ الْمَدِينَةِ: حَدِيثُ الْحَسَنِ بْنِ عَلِىٍّ هَذَا.
4477 -
حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، نَا أَبُو ضَمْرَةَ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ الْهَادِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ أَبِى سَلَمَةَ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ:
===
عليه بذلك الشهادةُ عنده، فيكون في ذلك دليل على أنه لا يجب على الإِمام أن يقيم الحدَّ على شخص بمجرد إخبار الناس له أنه فعل ما يوجبه، ولا يلزمه البحثُ بعد ذلك؛ لما قدَّمْنا من مشروعيةِ الستر، وأولويةِ ما يدرأ الحد على ما يوجبه. انتهى.
(وقال ابن عباس: شرب رجل) الخمرَ (فسكر فلقي) أي لقي الناس (يميل في الفجّ) أي الطريق (فانطُلِق به إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فلما حاذى) أي قابل (بدار العباس انفلت) أي تخلَّص من أيديهم (فدخل على العباس فالتزمه، فذُكر ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم، فضحك، وقال: أفعلها؟ ) أي هذه الفعلة، وتعجب منها (ولم يأمر فيه بشيء).
(قال أبو داود: وهذا مما تفرَّد به أهل المدينة: حديث الحسن بن علي هذا)، وأكثر رواة السند غير أهل المدينة، فمعنى قوله:"تفرد به أهل المدينة" باعتبار ابن عباس ومولاه عكرمة فإنهما مدنيان.
4477 -
(حدثنا قتيبة بن سعيد، نا أبو ضمرة، عن يزيد بن الهاد، عن محمد بن إبراهيم، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة،
(1) في نسخة: "فذكروا".
أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أُتِىَ بِرَجُلٍ قَدْ شَرِبَ، فَقَالَ "اضْرِبُوهُ"، قَالَ (1) أَبُو هُرَيْرَةَ: فَمِنَّا الضَّارِبُ بِيَدِهِ، وَالضَّارِبُ بِنَعْلِهِ، وَالضَّارِبُ بِثَوْبِهِ، فَلَمَّا انْصَرَفَ قَالَ بَعْضُ الْقَوْمِ: أَخْزَاكَ اللَّهُ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:"لَا تَقُولُوا هَكَذَا، لَا تُعِينُوا عَلَيْهِ الشَّيْطَانَ". [خ 6777، حم 2/ 399]
4478 -
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ دَاوُدَ بْنِ أَبِى نَاجِيَةَ الإِسْكَنْدَرَانِىُّ، نَا ابْنُ وَهْبٍ، أَخْبَرَنِى يَحْيَى بْنُ أَيُّوبَ وَحَيْوَةُ بْنُ شُرَيْحٍ وَابْنُ لَهِيعَةَ، عَنِ ابْنِ الْهَادِ، بِإِسْنَادِهِ وَمَعْنَاهُ، قَالَ فِيهِ بَعْدَ الضَّرْبِ: ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لأَصْحَابِهِ: "بَكِّتُوهُ"، فَأَقْبَلُوا عَلَيْهِ يَقُولُونَ: مَا اتَّقَيْتَ اللَّهَ، مَا خَشِيتَ اللَّهَ،
===
أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أُتي برجل (2) قد شرب، فقال: اضربوه، قال أبو هريرة: فمنَّا الضاربُ بيده، والضارب بنعله، والضارب بثوبه) بأن يلوي الثوب فيجعل كالسوط (فلما انصرف) أي الرجل (قال بعض القوم: أخزاك الله، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا تقولوا هكذا) أي مثل هذه الكلمة (لا تعينوا عليه الشيطانَ) فإنه إذا أخزاه الله غلب عليه الشيطانُ، أو لأنه إذا سمع ذلك أَيِسَ من رحمة الله، وانهمك في المعاصي.
4478 -
(حدثنا محمد بن داود بن أبي ناجية الإسكندراني، نا ابن وهب، أخبرني يحيى بن أيوب وحيوة بن شريح وابن لهيعة، عن ابن الهاد، بإسناده ومعناه) أي بإسناد ابن الهاد المتقدم ومعنى حديثه.
(قال فيه بعد الضرب: ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأصحابه: بَكِّتُوه) أي وَبِّخُوه وعَيِّرُوه باللسان (فأقبلوا عليه يقولون: ما اتقيت الله، ما خشيت الله،
(1) في نسخة: "فقال".
(2)
اختُلِفَ في اسمه، كما ذكره الحافظ. [راجع:"فتح الباري"(12/ 67، 76، 77)]. (ش).
وَمَا اسْتَحَيْتَ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، ثُمَّ (1) أَرْسَلُوهُ. وَقَالَ فِى آخِرِهِ:"وَلَكِنْ قُولُوا: اللَّهُمَّ اغْفِرْ لَهُ، اللَّهُمَّ ارْحَمْهُ". وَبَعْضُهُمْ يَزِيدُ الْكَلِمَةَ وَنَحْوَهَا. [انظر مَا قبله]
4479 -
حَدَّثَنَا مُسْلِمُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، نَا هِشَامٌ. (ح): ونَا مُسَدَّدٌ، نَا يَحْيَى، عَنْ هِشَامٍ الْمَعْنَى، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ: "أَنَّ النَّبِىَّ صلى الله عليه وسلم جَلَدَ فِى الْخَمْرِ بِالْجَرِيدِ وَالنِّعَالِ، وَجَلَدَ أَبُو بَكْرٍ أَرْبَعِينَ، فَلَمَّا وَلِىَ عُمَرُ دَعَا النَّاسَ فَقَالَ لَهُمْ: إِنَّ النَّاسَ قَدْ دَنَوْا مِنَ الرِّيفِ - وَقَالَ مُسَدَّدٌ: مِنَ الْقُرَى وَالرِّيفِ
===
وما استحييت من رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم أرسلوه، وقال في آخره: ولكن قولوا: اللهمَّ اغفر له، اللهمَّ ارحمه، وبعضهم) أي بعض الرواة المذكورين وهم: يحيى بن أيوب، وحيوة، وابن لهيعة (يزيد الكلمة ونحوها) أي نحو الكلمة على بعض.
4479 -
(حدثنا مسلم بن إبراهيم، نا هشام، ح: وَنَا مُسَدَّد، نَا يَحْيَى، عن هِشَام- المعنى-) أي معنى حديثهما واحد، (عن قتادة، عن أنس بن مالك، أن النبي صلى الله عليه وسلم جلد) أمر بالضرب (في الخمر بالجريد) وهو غصن النخلة (والنعال، وجلد أبو بكر أربعين، فلما ولي عمر) أي صار خليفة (دعا الناس) أي جمع الصحابة رضي الله عنهم (فقال لهم: إن الناس قد دنوا) أي قربوا (من الريف) هو كل أرض فيها زرع ونخل (وقال مسدد: من القرى، والريف) قال النووي (2): معناه: لما كان زمن عمر بن الخطاب، وفتحت الشام والعراق، وسكن الناس في الريف، ومواضع الخصب، وسعة العيش، وكثرة الأعناب (3) والثمار، أكثروا من شرب الخمر، فزاد عمر في حد الخمر تغليظًا عليهم، وزجرًا لهم عنها.
(1) زاد في نسخة: "قال رسول الله صلى الله عليه وسلم".
(2)
"شرح صحيح مسلم"(6/ 235).
(3)
وفي الأصل: "الأحباب"، وهو تحريف.
فَمَا تَرَوْنَ فِى حَدِّ الْخَمْرِ؟ فَقَالَ لَهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ: نَرَى أَنْ تَجْعَلَهُ (1) كَأَخَفِّ الْحُدُودِ، فَجَلَدَ فِيهِ ثَمَانِينَ". [خ 6773، م 1706، جه 2570]
قَالَ أَبُو دَاوُدَ: رَوَاهُ ابْنُ أَبِى عَرُوبَةَ عَنْ قَتَادَةَ (2) ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ جَلَدَ بِالْجَرِيدِ وَالنِّعَالِ أَرْبَعِينَ (3). وَرَوَاهُ شُعْبَةُ عَنْ قَتَادَةَ،
===
فكثر فيهم شرب الخمر (فما ترون في) تعيين (حد الخمر؟ فقال له عبد الرحمن بن عوف).
قال النووي (4): هكذا هو في مسلم وغيره أن عبد الرحمن بن عوف هو الذي أشار بهذا، وفي "الموطأ" وغيره أنه علي بن أبي طالب، وكلاهما صحيح، وأشارا جميعًا، ولعل عبد الرحمن بدأ بهذا القول فوافقه علي وغيره، فنسب ذلك في رواية إلى عبد الرحمن لسبقه به، ونسبه في رواية إلى علي لفضيلته على عبد الرحمن.
(نرى أن نجعله كأخف (5) الحدود) فاجتمع رأيهم على ذلك (فجلد) عمر رضي الله عنه (فيه ثمانين).
(قال أبو داود: رواه ابن أبي عروبة (6)، عن قتادة، عن النبي صلى الله عليه وسلم: أنه جلد بالجريد والنعال أربعين، ورواه شعبة (7)، عن قتادة،
(1) في نسخة: "تجعله".
(2)
زاد في نسخة: "عن أنس".
(3)
في نسخة: "الأربعين".
(4)
"شرح صحيح مسلم"(6/ 235).
(5)
المنصوصة في القرآن، وهي: حد السرقة القطع، وحد الزنا جلد مائة، وحد القذف ثمانون، كذا في "عون المعبود"(12/ 116). (ش).
(6)
أخرج روايته ابن ماجه (2570).
(7)
أخرج روايته أحمد (3/ 176، 272)، ومسلم (1706)، والترمذي (1443)، والنسائي في "الكبرى"(5275)، كما في "تحفة الأشراف"(1254)، والدارمي (2/ 144) رقم (2311).
عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، قَالَ: ضَرَبَ بِجَرِيدَتَيْنِ نَحْوَ الأَرْبَعِينَ.
4480 -
حَدَّثَنَا مُسَدَّدُ بْنُ مُسَرْهَدٍ وَمُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ، الْمَعْنَى، قَالَا: نَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ الْمُخْتَارِ، نَا عَبْدُ اللَّهِ الدَّانَاجُ، حَدَّثَنِى، حُضَيْنُ بْنُ الْمُنْذِرِ الرَّقَاشِىُّ، هُوَ أَبُو سَاسَانَ، قَالَ: شَهِدْتُ عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ وَأُتِىَ بِالْوَلِيدِ بْنِ عُقْبَةَ، فَشَهِدَ عَلَيْهِ حُمْرَانُ وَرَجُلٌ آخَرُ، فَشَهِدَ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ رَآهُ شَرِبَهَا - يَعْنِى الْخَمْرَ -، وَشَهِدَ الآخَرُ أَنَّهُ رَآهُ يَتَقَيَّؤُهَا،
===
عن النبي صلى الله عليه وسلم مرسلًا (قال: ضرب) الشاربَ (بجريدتين نحو أربعين) أي أمر بالضرب بكل منهما حتى كمل من الجميع أربعون، وقيل: بل جمعهما، وجلده بهما، فيكون المبلغ ثمانين.
4480 -
(حدثنا مسدد بن مسرهد وموسى بن إسماعيل، المعنى، قالا: نا عبد العزيز بن المختار، نا عبد الله الداناج، حدثني حُضين بن المنذر الرقاشي، هو أبو ساسان، قال: شهدتُ) أي حضرتُ مجلس (عثمان بن عفان، وأتي بالوليد بن عقبة، فشهد عليه حمران) مولى عثمان بن عفان (ورجل آخر، فشهد أحدهما أنه رآه شربها -يعني الخمر-، وشهد الآخر) منهما (أنه رآه يتقيَّؤها).
قال النووي (1): وهذا دليل لمالك وموافقيه في أنه من تقيَّأ الخمر يُحَدُّ حَدَّ الشارب، ومذهبنا (2) أنه لا يُحَدُّ بمجرد ذلك؛ لاحتمال أنه شربها جاهلًا كونَها خمرًا، أو مكرهًا، أو غير ذلك من الأعذار المسقِطَةِ للحدود، ودليل مالك هنا قوي؛ لأن الصحابة اتفقوا على جلد الوليد بن عقبة المذكور في هذا الحديث، وقد يجيب أصحابنا عن هذا بأن عثمان علم بشرب الوليد فقضى بعلمه، وهذا تأويل ضعيف، وظاهر كلام عثمان يرد هذا التأويل.
(1)"شرح صحيح مسلم"(6/ 235).
(2)
وبه قالت الحنفية، كما في "الهداية"(1/ 354). (ش).
فَقَالَ عُثْمَانُ: إِنَّهُ لَمْ يَتَقَيَّأْهَا حَتَّى شَرِبَهَا، فَقَالَ لِعَلِىٍّ: أَقِمْ عَلَيْهِ الْحَدَّ، فَقَالَ عَلِيٌّ لِلْحَسَنِ: أَقِمْ عَلَيْهِ الْحَدَّ، فَقَالَ الْحَسَنُ: وَلِّ حَارَّهَا مَنْ تَوَلَّى قَارَّهَا، فَقَالَ عَلِيٌّ لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَعْفَرٍ: أَقِمْ عَلَيْهِ الْحَدَّ، فَأَخَذَ السَّوْطَ فَجَلَدَهُ وَعَلِيٌّ يَعُدُّ، فَلَمَّا بَلَغَ أَرْبَعِينَ قَالَ: حَسْبُكَ،
===
(فقال عثمان: إنه لم يتقيأها حتى شربها، فقال لعلي) بن أبي طالب: (أقم عليه الحَدَّ، فقال علي للحسن: أقم عليه الحدَّ، فقال الحسن: وَلِّ)(1) أمر من التولية (حارَّها) الضمير للخلافة، أي وَلِّ شدائدَها ومكروهاتِها (من تولى قارَّها) أي من تولى منافعها، وهم بنو أمية ومن يواليها.
وكتب مولانا محمد يحيى المرحوم في "التقرير": ويقال: إن علي بن أبي طالب كره منه هذا القول؛ لكونه تَرَكَ أدبَ عثمان، قال الخطابي (2): هذا مثل يريدون [به] العقوبة والضرب عن تولية العمل والنفع.
(فقال علي لعبد الله بن جعفر: أقم عليه الحد، فأخذ السوط فجلده) أربعين (وعلي يعدّ، فلما بلغ) عبدُ الله بنُ جعفر في الحد (أربعين قال: حسبك).
قال النووي (3): واعلم أنه وقع ها هنا ما ظاهره أن عليًا جلد الوليدَ بنَ عقبة أربعين، ووقع في "صحيح البخاري"(4) من رواية عبيد الله بن عدي (5) ابن الخيار أن عليًا جلده ثمانين، وهي قضية واحدة، قال القاضي
(1) مثل معروف، وقد قال عمر رضي الله عنه لابن مسعود إذ سأله: أما يبلغني أنك تقضي ولست بأمير؟ فقال: نعم، فقال: وَلِّ حارَّها
…
إلخ، كذا في "إزالة الخفاء". [انظر:"إزالة الخفاء"(2/ 119)، أحكام الخلافة والقضاء]. (ش).
(2)
قول الخطابي كذا في الأصل، وفي "معالم السنن" (3/ 338): هذا مثل، أي: ولِّ العقوبةَ والضربَ، من توليه العملَ والنفعَ.
(3)
"شرح صحيح مسلم"(6/ 236).
(4)
أشار إليه الحافظ في "الفتح"(12/ 70)، وهو مذكور في مناقب عثمان ح (3696)، ورجَّح هناك الحافظ (7/ 57) روايةَ أربعين. (ش).
(5)
وفي "شرح النووي": "عبد الله بن عدي"، وهو تحريف.
جَلَدَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم أَرْبَعِينَ - أَحْسِبُهُ قَالَ: - وَجَلَدَ أَبُو بَكْرٍ أَرْبَعِينَ -، وَعُمَرُ ثَمَانِينَ، وَكُلٌ سُنَّةٌ، وَهَذَا أَحَبُّ إِلَىَّ. [م 1707، جه 2571، حم 1/ 82]
===
عياض: المعروف من مذهب علي: الجلدُ في الخمر ثمانين، ومنه قوله:"في قليل الخمر وكثيرِها ثمانون جلدة"، وروي عنه أنه جلد المعروف بالنجاشي ثمانين.
قال: والمشهور أن عليًا هو الذي أشار على عمر رضي الله عنه بإقامة الحد ثمانين، وهذا كلُّه يرجِّح رواية من روى أنه جلد الوليد ثمانين، قال: وُيجمَع بينه وبين ما ذكره مسلم من رواية الأربعين بما روي أنه جلده بسوط له رأسان، فضربه برأسيه أربعين فتكون جملتها ثمانين، قال: ويحتمل أن يكون قوله: "وهذا أحبّ إلي" عائدًا إلى الثمانين التي فعلها عمر رضي الله عنه.
(جلد النبي صلى الله عليه وسلم أربعين، أحسبه قال: وجلد أبو بكر أربعين، وعمر ثمانين، وكلٌّ سنة، وهذا أحب إلى).
والوليد بن عقبة بن أبي معيط أخو عثمان بن عفان لأمه، أسلم الوليد يوم الفتح، ونشأ في كنف عثمان إلى أن استخلف، فولاه الكوفةَ بعد عزل سعد بن أبي وقاص، وقصة صلاته بالناس [الصبح] أربعًا وهو سكران مشهورة، وقصة عزله بعد أن ثبت عليه شرب الخمر أيضًا مخرجة في "الصحيحين"، وعزَلَه عثمانُ بعد جلده عن الكوفة، وولاها سعيدَ بنَ العاص، ويقال: إن بعض أهل الكوفة تعصبوا عليه، فشهدوا عليه بغير الحق، حكاه الطبري، واستنكره ابن عبد البر، ولما قُتِلَ عثمان اعتزل الوليد الفتنة، فلم يشهد مع علي ولا مع غيره، ولكنه كان يُحَرِّض معاويةَ على قتال علي بكتبه وبشعره، وأقام بالرقة إلى أن مات، وكانت ولاية وليد الكوفةَ سنة خمس وعشرين، وَعُزِلَ سنة تسع وعشرين، كذا في "الإصابة"(1).
(1) انظر: "الإصابة"(3/ 601) الترجمة (9149).