الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قَالَ: دَخَلْنَا عَلَى أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، فَحَدَّثَتْنِي أُخْتِي الْمُغِيرَةُ (1) قَالَتْ: وَأَنْتَ يَوْمَئِذٍ غُلَامٌ وَلَكَ قَرْنَانِ أَوْ قُصَّتَانِ، فَمَسَحَ رَأسَكَ وَبَرَّكَ عَلَيْكَ، وَقَالَ:"احْلِقُوا هَذيْنِ أَوْ قُصُّوهُمَا، فَإنَّ هَذَا زِيُّ الْيَهُودِ".
(15) بَابٌ: في أَخْذِ الشَّارِبِ
4198 -
حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، نَا سُفْيَانُ، عن الزُّهْرِيِّ، عن سعِيدٍ،
===
(قال: دخلنا على أنس بن مالك) أي: كان هو صغيرًا لم يحفظ إلَّا دخولهم على أنس بن مالك (فحدثتني أختي المغيرة) أي: بنت حسان (قالت: وأنتَ يومئذ غلام) أي: صغير (ولك قرنان أو) للشك من الراوي (قصتان، فمسح رأسك، وبرَّك عليك) أي: دعا لك بالبركة (وقال: احلقوا هذين أو قصوهما، فإن هذا زي اليهود) أي القرنان.
وهذا يدل على أن الرواية المتقدمة عن أنس قال: "كانت لي ذؤابة" لا تدل على جواز الذؤابة مطلقًا، بل الظاهر أن المنهي عنه غير المرخَّص فيه، فالرخصة إنما هي جميع شعر الرأس موجودة، وكانت الذؤابة طويلة من سائر الشعور، وأما إذا كان البعض محلوقًا، والذؤابة باقية، فلا رخصة فيه.
(15)
(بَابٌ: في أَخْذِ الشَّارِبِ)(2)
4198 -
(حدثنا مسدد، نا سفيان، عن الزهري، عن سعيد) بن المسيب،
(1)"المغيرة": رواية ابن داسة: "النغيرة". لكن ترجمتها في الكتب باسم: المغيرة.
(2)
وقد تقدم في "كتاب الطهارة" أن في إحفاء اللحية وإعفاء الشارب مخالفة الأعاجم من اليهود والنصارى، وذكر في "الخميس"(2/ 35) قصة دخول رسولي كسرى على النبي صلى الله عليه وسلم، وقد حلقا لحاهما وأعفيا شواربهما حتى وارت شفاههما، فكره النظر إليهما، وقال:"ويلكما من أمركما بهذا؟ " قالا: أمرنا بهذا ربنا، يعنيان كسرى. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"لكن ربي أمرني بإعفاء لحيتي وقص شواربي"، انتهى. (ش).
عن أَبِي هُرَيْرَةَ يَبْلُغُ بِهِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: "الْفِطْرَةُ خَمْسٌ، أَوْ خَمْسٌ مِنَ الْفِطْرَةِ: الْخِتَانُ، وَالاسْتِحْدَادُ، وَنَتْفُ الإبْطِ، وَتَقْلِيمُ الأَظْفَارِ،
===
(عن أبي هريرة يبلغ به النبيَّ صلى الله عليه وسلم: الفطرة خمس، أو) للشك من الراوي (خمس من الفطرة) قال ابن رسلان: قال الشيخ أبو إسحاق، والماوردي: هي الدين، وقال أكثر العلماء: هي السنَّة بدليل رواية البخاري: "من السنَّة قص الشارب"(1).
(الختان) وهو واجب على الرجال والنساء، هذا هو الصحيح في المذهب، وقال مالك وأبو حنيفة: سنَّة، والواجب في ختان الرجل قطع الجلدة التي تغطي الحشفة بحيث تنكشف الحشفة كلُّها، فإن قطع بعضها وجب قطع الباقي ثانيًا، والواجب في المرأة قطع ما يطلق عليه الاسم من الجلدة التي كعرف الديك فوق مخرج البول، اتفق عليه أصحابنا، قالوا: ويستحب أن يقتصر في المرأة على شيء يسير، ولا يبالغ في القطع، قاله ابن رسلان (2).
(والاستحداد) وهو حلق العانة، وهو متفق على أنه سنَّة، (ونتف الإبط) وهو كذلك متفق على سنيته، (وتقليم الأظفار) وهو سنَّة أيضًا للرجل والمرأة، ويستحب أن يبدأ باليد اليمنى قبل اليسرى، فيبدأ بمسبحة اليمنى، ثم الوسطى، ثم البنصر، ثم الخنصر، ثم الإبهام، ثم خنصر اليد اليسرى، ثم بنصرها إلى آخره، ثم خنصر الرجل اليمنى إلى أن يختم بخنصر اليسرى، كذا جزم به النووي في "شرح مسلم"(3).
وقال العراقي في "شرح المهذب": إنه الأحسن، وإنه في رواية؛ وإن لم تصح فالمعنى تساعدها؛ لأن التيمن سنة، والمسبحة أشرف الأصابع؛ لكونها يُشارُ بها إلى التوحيد، ثم الذي يليها هو الأيمن فالأيمن.
(1) انظر: "فتح الباري"(10/ 339).
(2)
انظر: "الفتح"(10/ 340).
(3)
"شرح صحيح مسلم"(2/ 151).
وَقَصُّ الشَّارِبِ". [خ 5889، م 257، ت 2756، ن 9، جه 292، حم 2/ 229]
4199 -
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ الْقَعْنَبِىُّ، عن مَالِكٍ، عن أَبِي بَكْرِ بْنِ نَافِعٍ، عن أَبِيهِ، عن عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ: "أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَمَرَ بِإحْفَاءِ الشَّارِبِ (1)،
===
وفي "المغني"(2) للموفق الحنبلي: حديث "من قص أظفاره مخالفًا لم يَرَ في عينيه رمدًا"، وفسَّره ابن بَطَّةَ بأن يبدأ بخنصر اليمنى، ثم الوسطى، ثم الإبهام، ثم البنصر، ثم المسبحة، ثم بإبهام اليسرى، ثم وسطاها، ثم خنصرها، ثم السبابة، ثم البنصر، قال ابن الرفعة: وهذه الكيفية هي الأولى، وعن الحافظ شرف الدين الدمياطي: أنه كان يفعلها في اليدين، والرجلين، ويأثر أنَّ هذا أمان من الرمد، قاله ابن رسلان.
قلت: ولم يثبت في ترتيب الأصابع عند تقليبم الأظفار شيء من الأحاديث.
(وقص الشارب) وهو ما نبت على الشفة العليا بحيث يبدو طرف الشفة.
4199 -
(حدثنا عبد الله بن مسلمة القعنبي، عن مالك، عن أبي بكر بن نافع، عن أبيه نافع، عن عبد الله بن عمر: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر بإحفاء الشارب)(3) وهو المبالغة في جَزِّها، قال مالك: إن استئصال الشوارب (4) مثلة،
وخالف الكوفيون استدلالًا برواية الصحيح: "أنهكوا الشوارب"، ولفظ مسلم:
(1) في نسخة: "الشوارب".
(2)
انظر: "المغني"(1/ 118).
(3)
وتقدم بعض بيانه في "كتاب الطهارة"، وفي "الدر المختار": حلق الشارب بدعة، وقيل: سنة، ونسبه الطحاوي إلى الأئمة الثلاثة، كما في "الشامي"(9/ 583) و"العالمكَيرية"(5/ 358). (ش).
(4)
انظر: "شرح الزرقاني على الموطأ"(4/ 287)، و"فتح الباري"(10/ 347).
وَإعْفَاءِ اللِّحْيَةِ" (1). [خ 5893، م 259، ت 2763، ن 15، حم 2/ 16]
===
"أحفوا الشوارب"، وأوَّل مالك المرادَ إحفاء ما طال عن الشفتين، وقال الطحاوي: لم نجد عن الشافعي في هذا شيئًا منصوصًا، وأصحابه الذين رأيناهم كالمزني والربيع كانا يحفيان شواربهما، وذلك يدل على أنهما أخذا ذلك عن الشافعي. وقد ذكر ابن جوير منداد (2) من المالكية موافقةَ الشافعي للكوفيين، وقال الأثرم: رأيت أحمد بن حنبل يحفي شاربه شديدًا، وسمعته يقول وقد سئل عن الإحفاء: إنه السنَّة. وجمع بعضهم بين الأحاديث، فقال: نقص الشارب، ونحفي الإطار، وهو بكسر الهمزة، وتخفيفِ الطاء المهملة، إطار كل شيء ما أحاط به.
(وإعفاءِ اللحية)(3) أي توفيرها، وإطالتِها، وعدمِ الأخذ منها، وكان من عادة الفرس قص اللحية، فنهى الشارع عن ذلك.
قال الغزالي: اختلف السلف فيما زاد من اللحية، فقيل: لا بأس أن يقبض عليها، ويقص ما تحت القبضة، كان ابن عمر رضي الله عنه يفعله، ثم جماعة من التابعين، واستحسنه الشعبي، وابن سيرين، والحسن، وقتادة قالوا: يتركها عافية؛ لقوله: "وأعفوا اللحى"، قال الغزالي: والأمر في هذا قريب؛ لأن الطول المفرط قد يُشَوِّه الخلقة.
قال النووي (4): والصحيح كراهة الأخذ منها مطلقًا، ويتركها على حالها كيف كانت لحديث:"أعفوا اللحى". وأما حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن
(1) في نسخة: "اللحى".
(2)
كذا في الأصل، وفي "شرح الزرقاني" (4/ 287): ابن خُويز بالخاء والزاء المعجمتين.
(3)
وذكر شيئًا من ذلك مع الزيادة في "الإكليل" والعيني في "شرح الهداية"(4/ 354) تحت قول صاحب "الهداية"(1/ 158) في الحج: ولفظة: "الأخذ من الشارب": تدل على أنه السنَّة فيه، دون الحلق. (ش).
(4)
انظر: "شرح صحيح مسلم"(2/ 154).
4200 -
حَدَّثَنَا مُسْلِمُ بْنُ إبْرَاهِيمَ، نَا صَدَقَةُ الدَّقِيقِيُّ، نَا أَبُو عِمْرَانَ الْجَوْنِيُّ، عن أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: "وَقَّتَ لنَا رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم حَلْقَ الْعَانَةِ، وَتَقْلِيمَ الأَظْفَارِ،
===
جده: "أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يأخذ من لحيته من عرضها، وطولها"، فرواه الترمذي (1) بإسناد ضعيف لا يُحتَجّ به، وأما الأخذ من الحاجبين إذا طالا فكان أحمد ابن حنبل يفعله، وحكي أيضًا عن الحسن البصري، ملخص من ابن رسلان.
4200 -
(حدثنا مسلم بن إبراهيم، نا صدقة) بن موسى (الدقيقي) أبو المغيرة، ويقال: أبو محمد السلمي، البصري، قال مسلم بن إبراهيم: كان صدوقًا، وقال ابن أبي خيثمة عن ابن معين: ليس حديثه بشيء، وقال ابن معين أيضًا، وأبو داود، والنسائي، والدولابي: ضعيف، وقال الترمذي: ليس عندهم بذاك القوي، وقال أبو حاتم: لين الحديث، يُكتَب حديثه، ولا يُحْتَج به، ليس بقوي، وقال أبو أحمد الحاكم: ليس بالقوي عندهم.
(نا أبو عمران الجوني، عن أنس بن مالك قال: وقَّت لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم) والتوقيت أن يُجْعَلَ للشيء وقت يختص به، وهو بيان مقدار المدة (حلقَ العانة) أي في حلقها، وفي معناه: الإزالة بالنتف والنورة وغيرِهما، إلا أنه بالحديد للرجل أفضل بخلاف المرأة؛ فالسنَّة في حقها النتف، والمراد بالعانة ما فوق الفرج وحواليه من الرجل والمرأة، وفي معنى ذلك قال ابن شريح (2): ما حول حلقة الدبر، وأغرب من قال: لا يجوز حلق ما حول الدبر، حكاه الفاكهي.
(وتقليم الأظفار) وهو قطع ما طال منها عن اللحم، وفي معنى ذلك
(1)"سنن الترمذي"(2762).
(2)
لعلَّ الصواب بدله: ابن سريج؛ فإنه أبو العباس، كما قاله النووي (2/ 151)، ونقل عنه الحافظ [انظر:"الفتح"(10/ 343)]. (ش).
وَقَصَّ الشَّارِبِ، وَنَتْفَ الإبْطِ، أَرْبَعِينَ يَوْمًا مَرَّةً". [ت 2758، حم 3/ 122، جه 295، م 258]
قَالَ أَبُو دَاوُدَ: رَوَاهُ جَعْفَرُ بْنُ سُلَيْمَانَ، عن أَبي عِمْرَانَ (1)، عن أَنَسٍ لَمْ يَذْكُرِ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم، قَالَ:"وُقِّتَ لنَا"(2).
===
الإزالة بكل شيء من الآلات من مقص، وسكين، ونحوهما، نعم يكره بالأسنان.
(وقصر الشارب، ونتف الإبط) وفي معناه الحلق لحصول النظافة به في كل (أربعين يومًا مرة)، وهذا تحديد لأكثر المدة، ويستحب نتفه ذلك من الجمعة إلى الجمعة، وإلَّا فلا تحديد فيه، بل كل ما كثر أزاله، ويختلف ذلك باختلاف طباع (3) الناس.
(قال أبو داود: رواه جعفر بن سليمان (4)، عن أبي عمران، عن أنس، لم يذكر النبي صلى الله عليه وسلم) بل (قال: وُقِّتَ) بصيغة المجهول (لنا) في قص الشارب، الحديث.
(1) زاد في نسخة: "الجوني".
(2)
زاد في نسخة: "وهذا أصح".
(3)
وفي "المجمع"(5/ 92): المختار أنه يضبط الحلق والتقليم والقص بالطول، روي: أنه عليه السلام كان يأخذ أظفارَه وشاربَه كل جمعة، ويحلق العانة في عشرين، وينتف الإبط في أربعين، انتهى. وفي "العالمكَيرية" (5/ 357): الأفضل الأسبوع والخمسة عشر الوسط، ولا عذر في أكثر من أربعين
…
إلخ، وقريب منه ما في "الدر المختار"، [انظر:"رد المحتار"(9/ 583، 584)]. (ش).
(4)
رواية جعفر بن سليمان أخرجها مسلم (258)، والترمذي (2759)، والنسائي (1/ 15)، وابن ماجه (295)، والبيهقي (1/ 150)، ووقع عند النسائي: "وَقَّتَ لَنَا رسول الله صلى الله عليه وسلم
…
" الحديث! ! .
وقال الترمذي بعد إيراد هذا الحديث: وهذا أصح من حديث الأول، وصدقة بن موسى ليس عندهم بالحافظ.
4201 -
حَدَّثَنَا ابْنُ نُفَيْلو نَا زُهَيْرٌ قَالَ: قَرَأتُ عَلَى عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ، وَقَرَأَهُ عَبْدُ الْمَلِكِ عَلَى أَبِي الزُّبَيْرِ، وَرَوَاهُ أَبُو الزُّبَيْرِ عن جَابِرٍ قَالَ:"كُنَّا نُعَفِّي السِّبَالَ إلَّا في حَج أَوْ عُمْرَةٍ".
===
4201 -
(حدثنا ابن نفيل، نا زهير قال: قرأت على عبد الملك بن أبي سليمان، وقرأه عبد الملك على أبي الزبير، ورواه أبو الزبير عن جابر قال: كنا نُعْفي)(1) بضم النون وسكون العين المهملة، أي: نُوَفِّر (السِّبالَ) بكسر السين وتخفيف الموحدة، أي: نَدَعُهما على ما خلقهما الله تعالى من طول وقصر؛ لكونهما متصلتين باللحية، فأعطيا حكمها، والظاهر أن السبال جمع سَبَلة، وهي طرف الشارب (2) كرقاب جمع رقبة، وهذا من الجمع المراد به التثنية، لأن من المعلوم أن الإنسان ليس له إلَّا سبالان، لأن الحكمة في قص الشارب لمخالطة المأكل والمشرب، وهذان لا يخالطان المأكل والمشرب، فكانا كاللحية.
وقال الهروي (3): هي الشعرات التي تحت الحنك الأسفل، والسَّبَلَة عند العرب مقدم اللحية، وما أسبل منها على الصدر، قال الغزالي في "الإحياء" (4): ولا بأس بترك سباليه، يعني على ما خلقه الله تعالى، وهما طرفا الشارب.
(إلَّا في حج أو عمرة) أي: كنا نوفر السبلتين إلا إذا كنا في حج أو عمرة فكنا نأخذ منها، وكان ابن عمر إذا قص من لحيته في حج أو عمرة يقبض على لحيته، ويأخذ من طرفها ما خرج عن القبضة، وابن عمر روى:"أعفوا اللحى"، وفهم من معناه ما يأخذ من لحيته، فالسبال أولى بالأخذ؛ لكونه متصلًا بالشارب، ملخص من ابن رسلان.
(1) وضبطه في "الفتح"(10/ 350) بتشديد الفاء، وفي "جمع الوسائل" عدة روايات مرفوعة في أخذ السبال. (ش).
(2)
وفي "الفتح"(10/ 350): هي ما طال من شعر اللحية، كذا في "الأوجز"(17/ 8). (ش).
(3)
انظر: "المجمع"(3/ 31).
(4)
"إحياء علوم الدين"(1/ 140).