الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بسم الله الرحمن الرحيم
(9) أَوَّلُ كِتَابِ الْجِهَاد
(1)
===
بسم الله الرحمن الرحيم
(9)
(أَوَّلُ كِتَابِ الْجهَادِ)(2)
قال الحافظ (3): والجهاد بكسر الجيم، أصله لغةً: المشقة، يقال: جهدت جهادًا بلغت المشقة، وشرعًا: بذل الجهد في قتال الكفار، ويطلق أيضًا على مجاهدة النفس والشيطان والفساق.
فأما مجاهدة النفس فعلى تعلم الدين، ثم على العمل بها، ثم على تعليمها، وأما مجاهدة الشيطان فعلى دفع ما يأتي به من الشبهات وما يُزَيِّنُه من
(1) زاد في نسخة: "والهجرة".
(2)
ويسمون هذا الكتاب بكتاب السير وكتاب المغازي أيضًا، كما في "البحر الرائق" وشروح "الهداية" وغيرها، وما يظهر من كتب الحديث والفقه أنهم يطلقون كل واحد منهما على الآخر، وبينهما فرق باعتبار اللغة، فإن الجهاد لغةً: المشقة، وفي الشرع: بذل الجهد في قتال الكفار، ويقال أيضًا على مجاهدة النفس والشيطان والفساق، كما في "الفتح" (6/ 3). والسير جمع سيرة لغةً: وهي الطريقة، ويراد به سيره وطرقه صلى الله عليه وسلم في مغازيه وسير أصحابه، كذا في "عمدة القاري"(10/ 76) وغيره.
وفي "الفتح"(7/ 276): أصل الغزو القصد، ومغزى الكلام مقصده، والمراد بالمغازي ما وقع من قصد النبي صلى الله عليه وسلم الكفار بنفسه الشريفة أو بجيش من قبله
…
إلخ. (ش).
(3)
"فتح الباري"(6/ 3).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
===
الشهوات، وأما مجاهدة الكفار فتقع باليد والمال واللسان والقلب، وأما مجاهدة الفساق فباليد، ثم اللسان، ثم القلب.
واختلف في جهاد الكفار، هل كان أولًا فرض عين أو كفاية؟
وقال في محل آخر (1): وللناس في الجهاد حالان: إحداهما: في زمن النبي صلى الله عليه وسلم، والأخرى بعده، فأما الأولى: فأول ما شرع الجهاد بعد الهجرة النبوية إلى المدينة اتفاقًا، ثم بعد أن شرع هل كان فرض عين أو كفاية؟ قولان مشهوران للعلماء، وهما في مذهب الشافعي.
وقال الماوردي: كان عينًا على المهاجرين دون غيرهم، ويؤيده وجوب الهجرة قبل الفتح في حق كل من أسلم إلى المدينة لنصر الإسلام.
وقال السهيلي: كان عينًا على الأنصار دون غيرهم، ويؤيده مبايعتهم النبي صلى الله عليه وسلم ليلة العقبة على أن يؤووا رسول الله صلى الله عليه وسلم وينصروه.
فيخرج من قولهما أنه كان عينًا على الطائفتين كفاية في حق غيرهم، ومع ذلك فليس في حق الطائفتين على التعميم، بل في حق الأنصار إذا طرق المدينة طارق، وفي حق المهاجرين إذا أريد قتال أحد من الكفار ابتداءً، ويؤيد هذا ما وقع في قصة بدر فيما ذكره ابن إسحاق، فإنه كالصريح في ذلك، وقيل: كان عينًا في الغزوة التي يخرج فيها النبي صلى الله عليه وسلم دون غيرها، والتحقيق أنه كان عينًا على من عينه النبي صلى الله عليه وسلم في حقه ولو لم يخرج.
الحال الثاني: بعده صلى الله عليه وسلم، فهو فرض كفاية (2) على المشهور، إلَّا أن تدعو
(1)"فتح الباري"(6/ 37).
(2)
وكذا قال الشعراني، فقال: اتفقوا على أنه فرض كفاية، وعن سعيد بن المسيب أنه فرض، انتهى. (انظر:"كتاب الميزان" للشعراني 3/ 366). (ش).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
===
الحاجة إليه، كَأَنْ يدهم العدو، ويتعين على من عينه الإمام، ويتأدى فرض الكفاية بفعله في السنَّة مرة عند الجمهور.
ومن حجتهم أن الجزية تجب بدلًا عنه، ولا تجب في السنَّة أكثر من مرة اتفاقًا، فليكن بدلها كذلك، وقيل: يجب كلما أمكن وهو قوي، والذي يظهر أنه استمر على ما كان عليه في زمن النبي صلى الله عليه وسلم إلى أن تكاملت فتوح معظم البلاد، وانتشر الإسلام في أقطار الأرض، ثم صار إلى ما تقدم ذكره، والتحقيق أيضًا أن جنس جهاد الكفار متعين على كل مسلم، إما بيده وإما بلسانه وإما بماله وإما بقبله، قاله الحافظ.
وقال في "الهداية"(1): الجهاد فرض على الكفاية (2) إذا قام به فريق من الناس سقط عن الباقين، فإن لم يقم به أحد أثم جميع الناس بتركه؛ إلَّا أن يكون النفير عامًا فحينئذ يصير من فروض الأعيان لقوله تعالى:{انْفِرُوا خِفَافًا وَثِقَالًا} (3) الآية.
وفي "الذخيرة": فإن جاءه النفير إنما يصير فرض عين على من يقرب من العدو على الجهاد، وأما من يبعد عن العدو، فعليهم فرض كفاية حتى يسعهم تركه إذا لم يحتج إليهم، أما إذا احتيج إليهم بأن عجز من كان بقرب العدو، أو تكاسلوا، أو لم يجاهدوا، فإنه يفترض على كل من يليهم فرض عين، وهكذا إلى أن يفترض على جميع أهل الإسلام شرقًا وغربًا.
والمناسبة بين كتاب الجهاد وكتاب الصوم والاعتكاف بأن فيهما أيضًا مجاهدة النفس، فناسب إيراد كتاب الجهاد عقبهما، فإن المسلم يجاهد نفسه أولًا فيُهذِّبُها وُيمرِّنها، ثم يجاهد الكفار.
(1)(1/ 378).
(2)
وهل يشترط له وجود الزاد والراحلة، سيأتي في "باب الرجل يتحمل". (ش).
(3)
سورة التوبة: الآية 41.