الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(18) بَابٌ: فِي نَسْخِ نَفِيرِ الْعَامَّةِ بِالْخَاصَّةِ
2505 -
حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْمَرْوَزِيُّ، حَدَّثَنِي عَلِيُّ بْنُ حُسَيْنٍ، عن أَبِيهِ، عن يَزِيدَ النَّحْوِيِّ، عن عِكْرِمَةَ، عن ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ:{إِلَّا تَنْفِرُوا يُعَذِّبْكُمْ عَذَابًا أَلِيمًا} وَ {مَا كَانَ لِأَهْلِ الْمَدِينَةِ} - إِلَى قَوْلِهِ: {يَعْمَلُونَ} نَسَخَتْهَا الآيَةُ الَّتِي تَلِيهَا {وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً} (1). [ق 9/ 47]
===
(18)
(بَابٌ: فِي نَسْخِ نَفِيرِ العَامَّةِ بِالخَاصَّةِ)
أي أمر المسلمون أولًا أن ينفروا في الجهاد عامة كافة، ثم نسخ ذلك، وأمروا بأن لا ينفروا كلهم، بل تنفر طائفة منهم
2505 -
(حدثنا أحمد بن محمد المروزي، حدثني علي بن حسين، عن أبيه) حسين، (عن يزيد النحوي، عن عكرمة، عن ابن عباس قال) أي ابن عباس: الآية الأولى ({إِلَّا}) أصله: "إن لا"، فأدغم النون في اللام وحذف النون في رسم خط المصاحف ({تَنْفِرُوا}) وأصل النفر مفارقة مكان إلى مكان لأمر هاجه على ذلك، أي إن لم تخرجوا من منازلكم إلى مغزاكم ({يُعَذِّبْكُمْ عَذَابًا أَلِيمًا}) الآية، قيل: المراد بالعذاب الأليم: إمساك المطر عنهم، (و) الآية الثانية:({مَا كَانَ لِأَهْلِ الْمَدِينَةِ} - إلى قوله ({يَعْمَلُونَ}) وتمام الآية: {مَا كَانَ لِأَهْلِ الْمَدِينَةِ وَمَنْ حَوْلَهُمْ مِنَ الْأَعْرَابِ أَنْ يَتَخَلَّفُوا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ وَلَا يَرْغَبُوا بِأَنْفُسِهِمْ عَنْ نَفْسِهِ} الآية (نسختها) أي نسخت كلَّ واحدة منهما (الآيةُ التي تليها {وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً}).
قال الطبري في تفسيره (2): وقد زعم بعضهم أن هذه الآية منسوخة، ثم أخرج عن عكرمة والحسن البصري أنهما قالا: إن الآيتين منسوختان، نسختهما قوله تعالى:{وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً} .
(1) سورة التوبة: الآية 39، 120، 172.
(2)
(10/ 154).
2506 -
حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، نَا زَيْدُ بْنُ الْحُبَابِ، عن عَبْدِ الْمُؤْمِنِ بْنِ خَالِدٍ الْحَنَفِيِّ، حَدَّثَنِي نَجْدَةُ بْنُ نُفَيْعٍ قَالَ: سَأَلْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ عن هَذِهِ الآيَةِ: {إِلَّا تَنْفِرُوا يُعَذِّبْكُمْ عَذَابًا أَلِيمًا} ، قَالَ: فَأُمْسِكَ عَنْهُم الْمَطَرُ، وَكَانَ (1) عَذَابَهُمْ. [ق 9/ 48]
===
ثم قال الطبري: ولا خير بالذي قال عكرمة والحسن من نسخ حكم هذه الآية التي ذكروا يجب التسليم له، ولا حجة تأتي بصحة ذلك، وقد رأى ثبوت الحكم بذلك عدد من الصحابة والتابعين سنذكرهم بعد، وجائز أن يكون قوله {إِلَّا تَنْفِرُوا يُعَذِّبْكُمْ عَذَابًا أَلِيمًا} لخاص من الناس، ويكون المراد به من استنفره رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم ينفر على ما ذكرنا من الرواية عن ابن عباس "أنه استنفر حيًا من أحياء العرب فتثاقلوا عنه" الحديث.
وإذا كان ذلك كذلك كان قوله: {وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً} نهيًا من الله المؤمنين عن إخلاء بلاد الإسلام بغير مؤمن مقيم فيها، وإعلامًا من الله لهم أن الواجب النفر على بعضهم دون بعض، وذلك على من استنفر منهم دون من لم يستنفر، وإذا كان ذلك كذلك، لم يكن في إحدى الآيتين نسخ للأخرى، وكان حكم كل واحدة منهما ماضيًا فيما عُنِيَتْ به، انتهى.
2506 -
(حدثنا عثمان بن أبي شيبة، نا زيد بن الحباب، عن عبد المؤمن بن خالد الحنفي) أبو خالد المروزي، قاضي مرو، قال أبو حاتم: لا بأس به، وذكره ابن حبان في "الثقات"(حدثني نجدة بن نفيع) الحنفي (2)، ذكره ابن حبان في "الثقات"، وقال في "الميزان": لا يعرف، وقال في "الخلاصة": مجهول، وكذا في "التقريب".
(قال: سألت ابن عباس عن هذه الآية: {إِلَّا تَنْفِرُوا يُعَذِّبْكُمْ عَذَابًا أَلِيمًا}) أي: أيُّ عذاب أراد؟ (قال) أي ابن عباس: (فأمسك عنهم) أي عن الذين استنفرهم فلم ينفروا (المطر، وكان) أي ذلك الإمساك (عذابهم).
(1) في نسخة: "فكان".
(2)
انظر ترجمته في: "تهذيب التهذيب"(10/ 419)، و"التقريب"(ص 998)، و"الخلاصة"(ص 400)، و"ميزان الاعتدال"(4/ 245).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
===
وقد أخرج ابن جرير الطبري (1) هذا الحديث: حدثنا أبو كريب قال: ثنا زيد بن الحباب قال: ثني عبد المؤمن بن خالد الحنفي قال: ثني نجدة الخراساني قال: سمعت ابن عباس وسئل عن قوله: {إِلَّا تَنْفِرُوا يُعَذِّبْكُمْ عَذَابًا أَلِيمًا} ، قال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم استنفر حيًا من أحياء العرب، فتثاقلوا عنه، فأمسك عنهم المطر، فكان ذلك عذابهم، وكذلك (2) قوله:{إِلَّا تَنْفِرُوا يُعَذِّبْكُمْ عَذَابًا أَلِيمًا} .
قلت: أورد المصنف في هذا الباب حديثين، أحدهما عن عكرمة عن ابن عباس، وهو يدل على أن قوله تعالى:{إِلَّا تَنْفِرُوا يُعَذِّبْكُمْ عَذَابًا أَلِيمًا} ، وقوله تعالى:{مَا كَانَ لِأَهْلِ الْمَدِينَةِ وَمَنْ حَوْلَهُمْ مِنَ الْأَعْرَابِ} منسوخان، نسخهما قوله تعالى:{وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً} .
والحديث الثاني أخرج من طريق نجدة بن نفيع عن ابن عباس، وهو يدل على أن هذين الآيتين غير منسوختين، بل هما ثابتتا الحكم، فإن قوله تعالى:{وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً} ، وقوله تعالى:{مَا كَانَ لِأَهْلِ الْمَدِينَةِ وَمَنْ حَوْلَهُمْ مِنَ الْأَعْرَابِ} نزلا في قوم خاص استنفرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فتثاقلوا، وهذا الحكم خاص بهم، وبإمام استنفر القوم عند الحاجة، فلم ينفروا وتثاقلوا.
وأما قوله تعالى: {وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً} ، فورد في النهي عن خروج الجميع كلهم، فليس فيها نسخ حكم بحكم آخر، فكأن المصنف أشار إلى ما وقع من الاختلاف في رواية ابن عباس.
(1)"تفسير الطبري"(10/ 153).
(2)
وفي "تفسير الطبري" فذلك.