الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(124) بابٌ: فِى فِدَاءِ الأَسِيرِ بِالْمَالِ
2690 -
حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ حَنْبَلٍ قَالَ: ثَنَا أَبُو نُوحٍ قَالَ: أَنَا عِكْرِمَةُ بْنُ عَمَّارٍ قَالَ: ثَنَا سِمَاكٌ الْحَنَفِىُّ قَالَ: ثَنَا ابْنُ عَبَّاسٍ قَالَ: ثَنِى عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ قَالَ: "لَمَّا كَانَ يَوْمُ بَدْرٍ
===
العرب، فرجال مشركي العرب والمرتدين فإنهم لا يسترقون عندنا بل يقتلون أو يسلمون، لأن النبي صلى الله عليه وسلم استرق نساء هوازن وذراريهم، وهم من صميم العرب، وكذا الصحابة استرقوا نساء المرتدين من العرب وذراريهم، ويجوز أن يمن عليهم وتركهم أحرارًا بالذمة، وليس للإمام أن يمن على الأسير، فيتركه من غير ذمة لا يقتله ولا يقسمه.
فإن قيل: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم منَّ على الزَّبِير من بنى باطا من بني قريظة، وكذا منّ على أهل خيبر.
فالجواب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم منَّ على الزَّبير ولم يقتله، إما لأنه لم يثبت أنه ترك بالجزية أم بدونها، فاحتمل أنه تركه بالجزية وبعقد الذمة، وأما أهل خيبر فقد كانوا أهل الكتاب فتركهم، ومنَّ عليهم ليصيروا أَكَرَة (1) للمسلمين، ويجوز المنّ لذلك، لأن ذلك في معنى الجزية، فيكون تركًا بالجزية من حيث المعنى، كذا في كتب الأحناف (2).
(124)
(بابٌ: فِى فِدَاءِ الأَسِيرِ بِالْمَالِ)
2690 -
(حدثنا أحمد بن محمد بن حنبل قال: ثنا أبو نوح) وهو عبد الرحمن بن غزوان الخزاعي، ويقال: الضبي، المعروف بقراد بضم القاف وتخفيف الراء، ثقة، (قال: أنا عكرمة بن عمار قال: ثنا سماك الحنفي قال: ثني ابن عباس قال: ثني عمر بن الخطاب قال) أي عمر: (لما كان يوم بدر)
(1) قوله: "أَكَرَة" جمع أكَّار، أي: الحرَّاث.
(2)
انظر: "بدائع الصنائع"(6/ 93).
فَأَخَذَ - يَعْنِى النَّبِىَّ صلى الله عليه وسلم الْفِدَاءَ، أَنْزَلَ اللَّهُ عز وجل:{مَا كَانَ لِنَبِىٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرَى حَتَّى يُثْخِنَ فِى الأَرْضِ) إِلَى قَوْلِهِ: {لَمَسَّكُمْ فِيمَا أَخَذْتُمْ} (1) مِنَ الْفِدَاءِ
===
شاور رسول الله صلى الله عليه وسلم أبا بكر وعمر في أسارى بدر، فقال: إن الله قد مكّنكم منهم، فقام عمر فقال: يا رسول الله! اضرب أعناقهم، فأعرض عنه صلى الله عليه وسلم، ثم عاد فقال للناس مثل ذلك، فقام أبو بكر فقال: يا رسول الله صلى الله عليه وسلم نرى أن تعفو عنهم، وأن تقبل منهم الفداء عفاءً عنهم.
(فأخذ) أي: قبل واختار (يعني النبي صلى الله عليه وسلم، الفداء، أنزل الله عز وجل جواب لما {مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرَى} أي: ما كان لنبي يحبس من عدوه الكفار أناسًا فيأخذ منهم الفدية {حَتَّى يُثْخِنَ فِي الْأَرْضِ} أي: يبالغ في قتلهم فيها ويقهرهم قسرًا (إلي قوله: {لَمَسَّكُمْ فِيمَا أَخَذْتُمْ} من الفداء){عَذَابٌ عَظِيمٌ} ، وتمام الآية:{تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيَا وَاللَّهُ يُرِيدُ الْآخِرَةَ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} ، والآية الثانية:{لَوْلَا كِتَابٌ مِنَ اللَّهِ سَبَقَ لَمَسَّكُمْ فِيمَا أَخَذْتُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ} .
قصته أن جبرائيل عليه السلام نزل على النبي صلى الله عليه وسلم في أسارى بدر فقال: إن شئتم أخذتم منهم الفداء ويستشهد منكم سبعون بعد ذلك، فنادى منادي النبي صلى الله عليه وسلم في أصحابه فجاءوا، فقال: إن هذا جبرئيل يخيركم بين أن تقدموهم فتقتلوهم وبين أن تفادوهم، ويستشهد في القابل منكم بعدتهم، فقالوا: بل نفاديهم فنتقوى به عليهم، وبدخل في القابل منا الجنة سبعون، فاختاروا الفدية إلا ابن الخطاب وسعد بن معاذ وعبد الله بن رواحة، فنزلت هذه الآية.
قال عمر: فلما كان من الغد جئت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإذا هو وأبو بكر قاعدان يبكيان، فقلت: يا رسول الله! أخبرني من أي شيء تبكي أنت وصاحبك؟ فإن وجدتُ بكاءً بكيت، وإن لم أجد بكاء تباكيت، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أبكي للذي عُرض على أصحابك في أخذهم الفداء، ولقد
(1) سورة الأنفال: الآية 67 - 68.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
===
عُرض علي عذابكم أدنى من هذه الشجرة، شجرة قريبة من رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأنزل الله عز وجل:{مَا كَانَ لِنَبِيٍّ} إلى آخر الآيات.
وفيه إشكال وهو: أن التخيير يقتضي جواز كل واحد منهما، فكيف يجوز أن ينزل العذاب باختيار أحدهما.
والجواب عنه: أنهم خيروا بأن يختاروا من الأمرين باجتهادهم ما هو أحبّ في الحالة الموجودة عند الله تعالى، فأخطأوا بترك ما هو الأحب عنده تعالى رغبة في المال، فعوتبوا على ذلك، والأولى أن يقال: إن بعض الصحابة مالوا إلى ذلك رغبة في عرض الدنيا، فهم الذين عوتبوا بذلك خاصة دون غيرهم، يومئ إليه قوله تعالى:{تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيَا وَاللَّهُ يُرِيدُ الْآخِرَةَ} (1).
قال العلامة ابن القيم في "زاد المعاد"(2): وقد تكلم الناس في أي الرأيين كان أصوب؟
فرجحت طائفة قول عمر لهذا الحديث، ورجحت طائفة قول أبي بكر لاستقرار الأمر عليه، وموافقته الكتاب الذي سبق من الله بإحلال ذلك لهم، ولموافقته الرحمة التي غلبت الغضب، ولتشبيه النبي صلى الله عليه وسلم له في ذلك بإبراهيم وعيسى، وتشبيهه لعمر بنوح وموسى، ولحصول الخير العظيم الذي حصل بإسلام أكثر أولئك الأسرى، ولخروج من خرج من أصلابهم من المسلمين، ولحصول القوة التي حصلت للمسلمين بالفداء، ولموافقة رسول الله صلى الله عليه وسلم لأبي بكر أولًا، ولموافقة الله له آخرًا، حيث استقر الأمر على رأيه ولكمال نظر الصديق، فإنه رأى ما يستقر عليه حكم الله آخرًا، وغلبة جانب الرحمة على جانب العقوبة.
قالوا: وأما بكاء النبي صلى الله عليه وسلم، فإنما كانت رحمة لنزول العذاب لمن أراد بذلك عرض الدنيا، ولم يرد بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا أبو بكر، وإن أراده بعض
(1) سورة الأنفال: الآية 68.
(2)
(3/ 111).
ثُمَّ أَحَلَّ اللَّهُ لَهُمْ الْغَنَائِمَ". [م 1763، ت 3081، حم 1/ 30]
قَالَ أَبُو دَاوُدَ: سَمِعْتُ أَحْمَدَ بْنَ حَنْبَلٍ يُسْأَلُ عَنِ اسْمِ أَبِى نُوحٍ فَقَالَ: أَىّ شئٍ تَصْنَعُ بِاسْمِهِ؟ اسْمُهُ اسْمٌ شَنِيعٌ.
قَالَ أَبُو دَاوُدَ: اسْمُه قُرَادٌ، وَالصَّحِيحُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ غَزْوَانَ.
2691 -
حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ الْمُبَارَكِ الْعَيْشِىُّ، ثَنَا سُفْيَانُ بْنُ
===
الصحابة، فالفتنة كانت تعم ولا تصيب من أراد ذلك خاصة، كما هزم العسكر يوم حنين بقول أحدهم: لن نغلب اليوم من قلة، وبإعجاب كثرتهم لمن أعجبته منهم، فهزم الجيش بذلك فتنة ومحنة، ثم استقر الأمر على النصرة والظفر.
(ثم أحل الله لهم الغنائم) وكانت الغنائم قبل ذلك حرامًا على الأمم السابقة وعلى الأنبياء، وكان الله حرمها عليهم تحريمًا شديدًا، وكان قد سبق من الله في قضائه أن الغنائم له ولأمته حلال، وإليه الإشارة في قوله تعالى:{لَوْلَا كِتَابٌ مِنَ اللَّهِ سَبَقَ} ، وكانت تنزل نار من السماء فتأكلها، وكانت هذه علامة القبول، فأحلها الله تعالى بقوله:{فَكُلُوا مِمَّا غَنِمْتُمْ حَلَالًا طَيِّبًا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} (1).
(قال أبو داود: سمعت أحمد بن حنبل يسأل عن اسم أبي نوح) الذي اشتهر به (فقال) أي أحمد: (أي شيء تصنع باسمه) المشهور؟ (اسمه اسم شنيع) أي شديد القبح (قال أبو داود: اسمه قراد). قال في "القاموس": كغراب: دويبة كالقرد، وهو كبار الحلم (2) (والصحيح) أن اسمه (عبد الرحمن بن غزوان) قلت: عبد الرحمن بن غزوان علم، وقراد لقبه، فلا منافاة بينهما، وهذه العبارة من قوله:"قال أبو داود" ليست بموجودة في النسخة المكتوبة الأحمدية.
2691 -
(حدثنا عبد الرحمن بن المبارك العيشي، ثنا سفيان بن
(1) سورة الأنفال: الآية 69.
(2)
قوله: الحَلَم، واحدة: حَلَمَةٌ، أي: القراد العظيم.
حَبِيبٍ، ثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ أَبِى الْعَنْبَسِ، عَنْ أَبِى الشَّعْثَاءِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ:"أَنَّ النَّبِىَّ صلى الله عليه وسلم جَعَلَ فِدَاءَ أَهْلِ الْجَاهِلِيَّةِ يَوْمَ بَدْرٍ أَرْبَعَمِائَةٍ". [ك 2/ 125، "السنن الكبرى" 8607]
2692 -
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ النُّفَيْلِىُّ، ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَلَمَةَ ،عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ، عَنْ يَحْيَى بْنِ عَبَّادٍ، عَنْ أَبِيهِ عَبَّادِ بْنِ
===
حبيب، ثنا شعبة، عن أبي العنبس، عن أبي الشعثاء، عن ابن عباس: أن النبي صلى الله عليه وسلم جعل فداء أهل الجاهلية) أي: كفار مكة الذين أسروا (يوم بدر أربعمائة) أي: درهم.
قال في "السيرة الحلبية"(1): وكان الفداء فيهم على قدر أموالهم، وكان من أربعة آلاف إلى ثلاثة آلاف درهم إلى ألفين إلى ألف، ومن لم يكن معه فداء وهو يحسن الكتابة، دفع إليه عشرة (2) غلمان من غلمان المدينة يعلمهم الكتابة، فإذا تعلموا كان ذلك فداءه.
وفي حديث ابن عباس عند ابن جرير في "تفسيره"(3): وكان العباس أسر يوم بدر، فافتدى نفسه بأربعين أوقية من ذهب، وأيضًا عنده عن أشعث، عن ابن سيرين، عن عبيدة قال: كان فداء أسارى بدر مائة أوقية، والأوقية أربعون درهمًا، ومن الدنانير ستة دنانير، وقد أخذ من المطلب بن أبي وداعة في فداء أبيه أربعة آلاف درهم، وقد كان صلى الله عليه وسلم قال لأصحابه لما رأى أبا وداعة أسيرًا: إن له بمكة ابنًا كيِّسًا تاجرًا ذا مال، وكأنكم به قد جاء في طلب فداء أبيه، أي: فكان أول أسير فدي.
2692 -
(حدثنا عبد الله بن محمد النفيلي، ثنا محمد بن سلمة، عن محمد بن إسحاق، عن يحيى بن عباد، عن أبيه عباد بن
(1)(2/ 451).
(2)
وكذا في "الخميس"(1/ 395)، و"مسند أحمد"(1/ 247). (ش).
(3)
(10/ 49).
عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: لَمَّا بَعَثَ أَهْلُ مَكَّةَ فِى فِدَاءِ أَسْرَاهُمْ بَعَثَتْ زَيْنَبُ فِى فِدَاءِ أَبِى الْعَاصِ بِمَالٍ، وَبَعَثَتْ فِيهِ بِقِلَادَةٍ لَهَا كَانَتْ عِنْدَ خَدِيجَةَ أَدْخَلَتْهَا بِهَا عَلَى أَبِى الْعَاصِ.
قَالَتْ: فَلَمَّا رَآهَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم رَقَّ لَهَا رِقَّةً شَدِيدَةً وَقَالَ: «إِنْ رَأَيْتُمْ أَنْ تُطْلِقُوا لَهَا أَسِيرَهَا وَتَرُدُّوا عَلَيْهَا الَّذِى لَهَا» ، فَقَالُوا: نَعَمْ، وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَخَذَ عَلَيْهِ، أَوْ وَعَدَهُ أَنْ يُخَلِّىَ سَبِيلَ زَيْنَبَ إِلَيْهِ، وَبَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم زَيْدَ بْنَ حَارِثَةَ وَرَجُلًا مِنَ الأَنْصَارِ فَقَالَ: «كُونَا بِبَطْنِ يَأْجِجَ
===
عبد الله بن الزبير، عن عائشة قالت: لما بعث أهل مكة في فداء أسراهم) بمال (بعثت زينب) ابنة رسول الله صلى الله عليه وسلم زوجة أبي العاص بن الربيع (في فداء) زوجها (أبي العاص بمال، وبعثت فيه) أي في المال (بقلادة لها) هي حلية تلبس في العنق (كانت) أي القلادة (عند خديجة أدخلتها) أي: أدخلت خديجة زينب (بها) أي بتلك القلادة (على أبي العاص) أي: زوجها.
(قالت) أي عائشة: (فلما رآها) أي: القلادة (رسول الله صلى الله عليه وسلم رق لها) أي: لان قلبه لها حيث تذكر غربتها، وتذكر عهد خديجة وصحبتها (رقة شديدة وقال) أي رسول الله صلى الله عليه وسلم:(إن رأيتم أن تطلقوا) أي: تفُكُّوا (لها) أي: لزينب (أسيرها) وهو زوجها أبو العاص (وتردوا عليها) المال (الذي لها) وهو المال الذي أرسلت في فداء زوجها فافعلوا (فقالوا: نعم) يا رسول الله، فأطلقوا وردوا عليها القلادة.
(وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم أخذ) أي: عهد (عليه) أي أبي العاص (أو) للشك من الراوي (وعده أن يخلي سبيل زينب إليه) أي يرسلها إليه صلى الله عليه وسلم، ولم يرد بتخلية السبيل الطلاق، وكان حكم المناكحة بين المسلمات والكفار بعد باقيًا.
(وبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم زيد بن حارثة ورجلًا من الأنصار) لم أقف على تسميته (فقال) أي رسول الله صلى الله عليه وسلم: (كونا) أي: أقيما (ببطن يأجج) بالهمزة وكسر
حَتَّى تَمُرَّ بِكُمَا زَيْنَبُ فَتَصْحَبَاهَا حَتَّى تَأْتِيَا بِهَا». [حم 6/ 276، ك 3/ 23، ق 6/ 322]
2693 -
حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ أَبِى مَرْيَمَ ،ثَنَا عَمِّى - يَعْنِى سَعِيدَ بْنَ الْحَكَمِ - قَالَ: أَخْبَرَنَا اللَّيْثُ، عَنْ عُقَيْلٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، وَذَكَرَ عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ
===
الجيم، مكان من مكة على ثمانية أميال (حتى تمر بكما زينب فتصحباها) صيغة الخبر بمعنى الأمر، أي: اصحباها معكما (حتى تأتيا بها) بالمدينة.
وقد كان كفار قريش سألوا أبا العاص أن يطلِّق زينب بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم، كما طلَّق ولدا أبي لهب بنتي النبي صلى الله عليه وسلم رقية وأم كلثوم قبل الدخول بهما، وقالوا له: نزوجك أيَّ امرأة من قريش شئت، فأبى ذلك، وقال: والله لا أفارق صاحبتي، وما أحب أن لي بها امرأة من قريش، فشكر له رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك، وأثنى عليه بذلك خيرًا.
فلما أُسر يوم بدر أطلقه رسول الله صلى الله عليه وسلم، ورد عليه فداءه، وشرط عليه أن يخلي سبيل زينب أن تهاجر إلى المدينة، فلما وصل أبو العاص بمكة أرسلها وكانت حاملًا، فخرج في طلبها هبَّار بن الأسود ورجل آخر، حتى أدركها بذي طوى، ونخس البعير، فوقعت وألقت حملها، ثم وصلت بطن يأجج عند زيد بن حارثة ورجل من الأنصار، فصحباها وأوصلاها إلى المدينة.
2693 -
(حدثنا أحمد بن أبي مريم) وهو أحمد بن سعد بن الحكم بن محمد بن سالم المعروف بابن أبي مريم، الجمحي، أبو جعفر المصري، ابن أخي سعيد بن الحكم، قال في "التقريب": صدوق، قال الحافظ في "تهذيب التهذيب": قال النسائي: لا بأس به، وقال أبو عمر الكندي: كان من أهل العلم والرحلة والتصنيف، وكان لا يحدث إلا عن ثقة، (ثنا عمي -يعني سعيد بن الحكم- قال: أنا الليث، عن عقيل، عن ابن شهاب). قال ابن شهاب:(وذكر عروة بن الزبير) فاعل لذكر، ولفظ "ذكر" عطف على قصة الحديبية.
أَنَّ مَرْوَانَ وَالْمِسْوَرَ بْنَ مَخْرَمَةَ أَخْبَرَاهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ حِينَ جَاءَهُ وَفْدُ هَوَازِنَ مُسْلِمِينَ، فَسَأَلُوهُ أَنْ يَرُدَّ إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ، فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «مَعِى مَنْ تَرَوْنَ،
===
(أن مروان والمسور بن مخرمة أخبراه) أي عروة بن الزبير، قوله: أن مروان إلى آخره مفعول لقوله: ذكر، يدل عليه قول البخاري في "صحيحه": حدثنا سعيد بن عفير، حدثني الليث بن سعد، حدثني عقيل، عن ابن شهاب "ح"، وحدثني إسحاق، حدثنا يعقوب بن إبراهيم قال: حدثنا ابن أخي ابن شهاب، قال محمد بن شهاب: وزعم عروة بن الزبير: أن مروان والمسور بن مخرمة أخبراه (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: حين جاءه وقد هوازن مسلمين، فسألوه أن يرد إليهم أموالهم).
قال الحافظ (1): هذه القصة مختصرة، وقد ساقها موسى بن عقبة في "المغازي" مطولة، ولفظه: ثم انصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم من الطائف في شوال إلى الجعرَّانة، وبها السبي يعني سبي هوازن، وقدم عليه صلى الله عليه وسلم -وقد هوازن مسلمين، فيهم تسعة نفرٍ من أشرافهم، فأسلموا وبايعوا، ثم كلموه فقالوا: يا رسول الله! إن فيمن أصبتم الأمهات والأخوات والعمات والخالات، وهن مخازي الأقوام.
فقال: سأطلب لكم، وقد وقعت المقاسم، فأي الأمرين أحب إليكم: آلسبي أم المال؟ قالوا: خيرتنا يا رسول الله بين الحسب والمال، فالحسب أحبّ إلينا، ولا نتكلم في شاة ولا بعير، فقال: أما الذي لبني هاشم فلكم، وسوف أكلم لكم المسلمين، فكلّموهم وأظهروا إسلامكم، فلما صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم الهاجرة قاموا فتكلم خطباؤهم، فأبلغوا ورغبوا إلى المسلمين في رد سبيهم، ثم قام رسول الله صلى الله عليه وسلم حين فرغوا فشفع لهم، وحضَّ المسلمين عليه، وقال: قد رددت الذي لبني هاشم عليهم، انتهى.
(فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم: معي من ترون) من العسكر، قال
(1)"فتح الباري"(8/ 33).
وَأَحَبُّ الْحَدِيثِ إِلَىَّ أَصْدَقُهُ، فَاخْتَارُوا إِمَّا السَّبْىَ وَإِمَّا الْمَالَ» ، فَقَالُوا: نَخْتَارُ سَبْيَنَا، فَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَأَثْنَى عَلَى اللَّهِ، ثُمَّ قَالَ:«أَمَّا بَعْدُ! فَإِنَّ إِخْوَانَكُمْ هَؤُلَاءِ جَاؤوا تَائِبِينَ، وَإِنِّى قَدْ رَأَيْتُ أَنْ أَرُدّ إِلَيْهِمْ (1) سَبْيَهُمْ، فَمَنْ أَحَبَّ مِنْكُمْ أَنْ يُطَيِّبَ ذَلِكَ فَلْيَفْعَلْ، وَمَنْ أَحَبَّ مِنْكُمْ أَنْ يَكُونَ عَلَى حَظِّهِ حَتَّى نُعْطِيَهُ إِيَّاهُ مِنْ أَوَّلِ مَا يُفِئُ اللَّهُ عَلَيْنَا فَلْيَفْعَلْ» ،
===
القسطلاني (2): وحاصل هذا القول أن معي العسكر، ولهم حق في السبايا والمال التي أخذت منكم، فلا يمكن أن يرد إليكم كل السبي والمال، لأن فيه ضلال العمل وإضاعة الحق، بل يمكن أن يرد إليكم بعض ما أُخذ منكم، وما قال صاحب "العون" في شرحه (3):"معي من ترون من السبايا" بعيد بل غلط.
(وأحب الحديث إليّ أصدقه)، وهو أن يرد عليكم إحدى الطائفتين، (فاختاروا إما السبي وإما المال، فقالوا: نختار سبينا، فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم) أي: خطيبًا فيهم (فأثنى على الله) أي: بما هو أهله (ثم قال: أما بعد! فإن إخوانكم) لكونهم من العرب من هوازن ولإسلامهم (هؤلاء جاؤوا تائبين) عن الكفر، مسلمين.
(وإني قد رأيت أن أرد إليهم سبيهم، فمن أحب منكم أن يطيب) أي: يعطيه بطيب نفس من غير عوض (ذلك) أي: رد السبي (فليفعل، ومن أحب منكم أن يكون على حظه) أي: نصيبه من السبي (حتى نعطيه إياه من أول ما يفيء الله علينا) أي: يعطيه الله من طريق الفيء (فليفعل).
حاصله: أن من أحب منكم أن لا يترك نصيبه من السبي إلَّا بعوض، فنحن نَعِدُه أن نعطيه من أول ما يفيء الله علينا، فعليه أن يترك نصيبه بذلك العوض.
(1) في نسخة: "عليهم".
(2)
انظر: "إرشاد الساري"(6/ 49).
(3)
"عون المعبود"(7/ 255).
فَقَالَ النَّاسُ: قَدْ طَيَّبْنَا ذَلِكَ لَهُمْ يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:«إِنَّا لَا نَدْرِى مَنْ أَذِنَ مِنْكُمْ مِمَّنْ لَمْ يَأْذَنْ، فَارْجِعُوا حَتَّى يَرْفَعَ إِلَيْنَا عُرَفَاؤُكُمْ أَمْرَكُمْ» ، فَرَجَعَ النَّاسُ وكَلَّمَهُمْ عُرَفَاؤُهُمْ، فَأَخْبَرُوا (1) أَنَّهُمْ قَدْ طَيَّبُوا وَأَذِنُوا. [خ 4319، حم 4/ 326 - 327، "السنن الكبرى" 8876، ق 6/ 360]
2694 -
حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ، ثَنَا حَمَّادٌ ،عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ
===
(فقال الناس: قد طيبنا ذلك لهم يا رسول الله، فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم: إنا لا ندري من أذن منكم ممن لم يأذن، فارجعوا) وكلِّموا عرفاءكم، ولا نعلم ذلك الإذن المجهول (حتى يرفع إلينا عرفاؤكم) أي رؤساؤكم (أمركم، فرجع الناس وكلمهم عرفاؤهم، فأخبروا) أي: العرفاء رسول الله صلى الله عليه وسلم (أنهم) أي: أكثرهم (قد طيبوا) أي: أعطوا ذلك بطيب النفس من غير عوض (وأذنوا) برد سباياهم.
قال الحافظ (2): في رواية موسى بن عقبة: "فأعطى الناس ما بأيديهم إلا قليلًا من الناس سألوا الفداء"، وفي رواية عمرو بن شعيب المذكورة:"فقال المهاجرون: ما كان لنا فهو لرسول الله صلى الله عليه وسلم، وقالت الأنصار كذلك، وقال الأقرع بن حابس: أما أنا وبنو تميم فلا، وقال عيينة: أما أنا وبنو فزارة فلا، وقال العباس بن مرداس: أما أنا وبنو سليم فلا، فقالت بنو سليم: بل ما كان لنا فهو لرسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من تمسك منكم بحقه فله بكل إنسان ست فرائض من أول فيء نصيبه، فردوا إلى الناس نساءهم وأبناءهم".
2694 -
(حدثنا موسى بن إسماعيل، ثنا حماد، عن محمد بن
(1) في نسخة: "فأخبروه".
(2)
"فتح الباري"(8/ 34).
إِسْحَاقَ، عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ فِى هَذِهِ الْقِصَّةِ قَالَ: فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «رُدُّوا عَلَيْهِمْ نِسَاءَهُمْ وَأَبْنَاءَهُمْ، فَمَنْ تَمَسَكَ (1) بِشَىْءٍ مِنْ هَذَا الْفَىْءِ، فَإِنَّ لَهُ بِهِ عَلَيْنَا سِتَّ (2) فَرَائِضَ مِنْ أَوَّلِ شَىْءٍ يُفِيئُهُ اللَّهُ عَلَيْنَا» ، ثُمَّ دَنَا - يَعْنِى النَّبِىَّ صلى الله عليه وسلم مِنْ بَعِيرٍ، فَأَخَذَ وَبَرَةً مِنْ سَنَامِهِ ثُمَّ قَالَ:«أَيُّهَا النَّاسُ! إِنَّهُ لَيْسَ لِى مِنَ الْفَىْءِ شَىْءٌ وَلَا هَذَا» ، وَرَفَعَ أُصْبُعَيْهِ (3) «إلَّا الْخُمُسَ، وَالْخُمُسُ مَرْدُودٌ عَلَيْكُمْ
===
إسحاق، عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده في هذه القصة (4) أي: قصة وفد هوازن (قال) أي: جد شعيب، وهو عبد الله بن عمرو بن العاص:(فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ردوا عليهم) أي على وفد هوازن (نساءهم وأبناءهم، فمن تمسك بشيء من هذا الفيء) وأطلق الفيء على الغنيمة مجازًا.
حاصله: فمن لم يعط بشيء من غير عوض (فإن له علينا به) أي: بهذا الشيء (ست فرائض) جمع فريضة، وهي البعير المأخوذ في الزكاة، ثم اتسع فيه حتى سمي البعير فريضة في غير الزكاة أيضًا، (من أول شيء يفيئه الله تعالى علينا) إن كان من الفيء ففي كله، وإن كان من الغنيمة ففي خُمسه.
(ثم دنا) أي: قرب (يعني النبي صلى الله عليه وسلم، من بعير، فأخذ وبرة) أي: شعرة (من سنامه) بفتح السين المهملة (ثم قال: أيها الناس! إنه ليس لي من هذا الفيء شيء ولا هذا) أي: ما أخذ من الوبرة (ورفع إصبعيه) اللتين فيهما الوبرة (إلَّا الخمس، والخمس مردود عليكم) أي: مصروف في مصالحكم من الخيل والسلاح وغير ذلك.
(1) في نسخة: "مسك".
(2)
في نسخة: "ستة فرائض".
(3)
في نسخة بدله: "إصبعه".
(4)
ولفظ الجصاص: عن جده: ذكر غنائم هوازن، وقال: ثم دنا رسول الله صلى الله عليه وسلم من بعير فأخذ وبرة، الحديث. [انظر:"أحكام القرآن"(3/ 51)]. (ش).
فَأَدُّوا الْخِيَاطَ وَالْمِخْيَطَ» ، فَقَامَ رَجُلٌ فِى يَدِهِ كُبَّةٌ مِنْ شَعْرٍ، فَقَالَ: أَخَذْتُ هَذِهِ لأُصْلِحَ بِهَا بَرْذَعَةً لِى، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:«أَمَّا مَا كَانَ لِى وَلِبَنِى عَبْدِ الْمُطَّلِبِ فَهُوَ لَكَ» ، فَقَالَ: أَمَّا إِذْا (1) بَلَغَتْ مَا أَرَى فَلَا أَرَبَ لِى فِيهَا، وَنَبَذَهَا. [ن 3688، حم 2/ 184]
===
فإن قلت: هذا الحصر منقوض بسهم الصفي، وسهمه كسهم الغانمين، قال في "شرح السير الكبير": قد كان لرسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاث حظوظ في الغنائم: الصفي، وخُمس الخمس، وسهم كسهم أحد الغانمين.
قلت: المراد من هذا الفيء هو الغنيمة التي حصلت من هوازن، ولم يأخذ منها رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا الخمس، ولم يصطف منها شيئًا، ولم يأخذ سهمه كسهم الغانمين، فلم يبق لرسول الله صلى الله عليه وسلم فيه إلَّا الخمس فصح الحصر.
(فأدوا) أي لما لم يكن في هذا الفيء لي، فأولى أن لا يكون لكم منه شيء غير حقكم، فمن يأخذ منكم بغير حقه فليدفعه (الخياط والمخيط) (2) أي: إذا أخذتم الخياط والمخيط بغير حقه فأدوه، (فقام رجل في يده كبة) أي: قطعة ومجموعة (من شعر، فقال: أخذت هذه) قبل القسمة (لأصلح بها برذعة) بفتح الباء والدال المهملة، وقيل: المعجمة، وفي "القاموس": إهمال داله أكثر، وهي الحلس التي تحت رحل البعير (لي).
(فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أما ما كان لي ولبني عبد المطلب) أي: من حق فيها (فهو لك) أي: وأما ما كان من غير ما هو حق لي ولبني عبد المطلب فلا يحل لك حتى تستحله منهم (فقال) أي الرجل: (أما إذا بلغت) أي: هذه الكبة (ما أرى)، أي: من الضيق فيه (فلا أرب) أي لا حاجة الي فيها، ونبذها).
(1) في نسخة بدله: "إذ".
(2)
واستدل بذلك الموفق على مسألة خلافية، وهي أن اليسير مما أخذه الغانم هل يجوز أخذها أو يجب ردها؟ [انظر:"المغني"(13/ 132)]، وسيأتي في هامش "باب حمل الطعام من أرض العدو". (ش).
(125)
بابٌ: فِى الإِمَامِ يُقِيمُ عِنْدَ الظُّهُورِ عَلَى الْعَدُوِّ (1) بِعَرْصَتِهِمْ
2695 -
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، ثَنَا مُعَاذُ بْنُ مُعَاذٍ. (ح): وَثَنَا هَارُونُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، ثَنَا رَوْحٌ، قَالَا: ثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسٍ، عَنْ أَبِى طَلْحَةَ قَالَ:"كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِذَا غَلَبَ عَلَى قَوْمٍ أَقَامَ بِالْعَرْصَةِ ثَلَاثًا". قَالَ ابْنُ الْمُثَنَّى: "إِذَا غَلَبَ قَوْمًا أَحَبَّ أَنْ يُقِيمَ (2) بِعَرْصَتِهِمْ ثَلَاثًا". [خ 3065، م 2875، ت 1551،حم 4/ 29 ، ق 9/ 62]
===
(125)
(بابٌ: فِى الإِمَامِ يُقِيمُ عِنْدَ الظُّهُورِ)، أي: الغلبة (عَلَى الْعَدُوِّ بِعَرْصَتِهِمْ)
قال في "القاموس": والعرصة: كل بقعة بين الدور واسعة ليس فيها بناء، جمعه: عراص، وعرصات، وأعراص.
2695 -
(حدثنا محمد بن المثنى، ثنا معاذ بن معاذ، ح: وثنا هارون بن عبد الله، ثنا روح) بن عبادة (قالا) أي معاذ وروح: (ثنا سعيد) بن أبي عروبة، (عن قتادة، عن أنس، عن أبي طلحة قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا غلب على قوم أقام بالعرصة) أي: بعرصتهم (ثلاثًا) أي: ثلاثة أيام ولياليهن (قال ابن المثنى) أي لفظه: (إذا غلب قومًا أحب أن يقيم بعرصتهم) بفتح العين وسكون الراء (ثلاثًا).
قال الحافظ (3): قال المهلب: حكمة الإقامة لإراحة الظهر والأنفس، ولا يخفى أن محله إذا كان في أمن من عدو طارق، وقال ابن الجوزي: إنما كان يقيم ليظهر تأثير الغلبة وتنفيذ الأحكام وقلة الاحتفال، فكأنه يقول: من كان فيه قوة منكم فليرجع إلينا، وقال ابن المنير: يحتمل أن يكون المراد أن تقع ضيافة الأرض التي وقعت فيها المعاصي بإيقاع الطاعة فيها بذكر الله وإظهار شعار المسلمين، وإذا كان ذلك في حكم الضيافة، ناسب أن يقيم عليها ثلاثًا لأن الضيافة ثلاثة.
(1) في نسخة بدله: "عرصة العدو".
(2)
في نسخة بدله: "يقع".
(3)
"فتح الباري"(6/ 182).
قَالَ أَبُو دَاوُدَ: كَانَ يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ يَطْعَنُ فِى هَذَا الْحَدِيثِ؛ لأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ قَدِيمِ حَدِيثِ سَعِيدٍ؛ لأَنَّهُ تَغَيَّرَ سَنَةَ خَمْسٍ وَأَرْبَعِينَ، وَلَمْ يُخْرِجْ هَذَا الْحَدِيثَ إلَّا بِآخَرَةِ (1).
قَالَ أَبُو دَاوُدَ: يُقَالُ: إِنَّ وَكِيعًا حَمَلَ عَنْهُ فِى تَغَيُّرِهِ.
===
(قال أبو داود: كان يحيى بن سعيد) القطان (يطعن في هذا الحديث، لأنه ليس من قديم حديث سعيد، لأنه) أي: سعيد بن أبي عروبة (تغير سنة خمس وأربعين) ومائة (ولم يُخرج) أي: سعيد (هذا الحديث إلَّا بآخره) أي في آخر عمره الذي اختلط فيه.
(قال أبو داود: يقال: إن وكيعًا حمل عنه في) حال (تغيره).
قلت: أخرجه البخاري (2) في الجهاد في "باب من غلب العدو فأقام على عرصتهم ثلاثًا"، من طريق روح بن عبادة، حدثنا سعيد، عن قتادة قال: ذكر لنا أنس بن مالك، عن أبي طلحة، ثم قال: تابعه معاذ وعبد الأعلى، حدثنا سعيد، عن قتادة، عن أنس، عن أبي طلحة.
قال الحافظ (3): وقد رواه شيبان عن قتادة، فلم يذكر أبا طلحة، أخرجه أحمد، ورواية سعيد أولى، وكذا أخرجه مسلم من طريق حماد بن سلمة عن ثابت، عن أنس بغير ذكر أبي طلحة.
فمدار تضعيف القطان على اختلاط سعيد بن أبي عروبة، فروح ومعاذ بن معاذ وعبد الأعلى كلهم رووا عن سعيد هذا الحديث، ولم يثبت أنهم تحملوا عنه في حال الاختلاط، بل قال الآجري عن أبي داود: وسماع روح منه قبل الهزيمة، فلا يصح رد هذا الحديث بسبب اختلاط سعيد، وأما وكيع وإن كان تحمل في حال تغيره، فليس له دخل في هذا الحديث، وقد أورده البخاري ومسلم في "صحيحيهما"، فلا مطعن في هذا الحديث.
(1) في نسخة: "بأخرة".
(2)
"صحيح البخاري" رقم الحديث (3065).
(3)
"فتح الباري"(7/ 301).