الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(174) بَابٌ: فِي حَمْلِ السِّلَاحِ إِلَى أَرْضِ الْعَدُوّ
(1)
2786 -
حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، نَا عِيسَى بْنُ يُونُسَ، نَا أَبِي، عَنْ أَبِى إِسْحَاقَ، عَنْ ذِى الْجَوْشَنِ - رَجُلٍ مِنَ الضِّبَابِ-،
===
قلت: وفيه إشارة إلى مسألة خلافية بين الأحناف والشوافع في بيع المغانم في دار الحرب قبل القسمة، فإنه يجوز ذلك عند الشوافع، وأما عند الأحناف فلا يجوز، والمراد بعدم الجواز: الكراهة، لا نفي ترتب أحكام البيع، لأنه مجتهد فيه، فإذا باع صح مع الكراهة.
وميل المصنف إلى مذهب الشوافع، كما يدل عليه الحديث بظاهر لفظه، والجواب عنه أنه لا دليل في الحديث على أن التبايع وقع قبل القسمة، بل المراد أن فتح خيبر لما تم بعضها عنوة، وبعضها صلحًا دخل في دار الإِسلام، فأخرجوا غنائمهم، فقسمها بينهم، ثم تبايعوا بعد ذلك، أو يقال: إنهم كانوا محتاجين، فقسمها رسول الله صلى الله عليه وسلم بينهم لشدة حاجتهم، ثم تبايعوا، والأصل في ذلك أن مدار الملك عند الشافعية على الاستيلاء وعند الحنفية على الملك.
(174)
(بَابٌ: في حَمْلِ السِّلَاحِ إِلَى أَرْضِ الْعَدُوِّ)
هل يجوز ذلك أم لا؟
2786 -
(حدثنا مسدد، نا عيسى بن يونس، نا أبي) أي يونس، (عن أبي إسحاق، عن ذي الجوشن، رجل من) بني (الضباب) أبو شمر، اختلف في اسمه قيل: اسمه أوس، وقيل: شرحبيل، وهو الأشهر، وقيل: عثمان، وذو الجوشن لقبه، لأنه دخل على كسرى، فأعطاه جوشنا، فلبسه، فكان أول عربي لبسه، وكان فارسًا شاعرًا، له حديث عند أبي داود من طريق أبي إسحاق عنه، ويقال: إنه لم يسمع منه، وإنما سمعه من ولده شمر، قال ابن عيينة: وكان ابن ذي الجوشن جارًا لأبي إسحاق لا أراه إلَّا سمعه، قلت:
(1) زاد في نسخة: "إذا أخذ منه عوضًا كراعًا".
قَالَ: أَتَيْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم بَعْدَ أَنْ فَرَغَ مِنْ أَهْلِ بَدْرٍ بِابْنِ فَرَسٍ لِي يُقَالُ لَهَا: الْقَرْحَاءُ، فَقُلْتُ: يَا مُحَمَّدُ، إِنِّى قَدْ جِئْتُكَ بِابْنِ الْقَرْحَاءِ لِتَتَّخِذَهُ، قَالَ:«لَا حَاجَةَ لِى (1) فِيهِ، فَإِنْ (2) شِئْتَ أَنْ أُقِيضَكَ بِهِ الْمُخْتَارَةَ مِنْ دُرُوعِ بَدْرٍ فَعَلْتُ» ، قُلْتُ: مَا كُنْتُ أُقِيضُهُ الْيَوْمَ بِغُرَّةٍ قَالَ: «فَلَا حَاجَةَ لِي فِيهِ» . [حم 3/ 484، ق 9/ 108]
===
قال البخاري في "تاريخه": وقال سفيان: كان ابنه جارًا لأبي إسحاق، ولا أراه إلَّا سمعه من ابن ذي الجوشن.
قال البخاري وأبو حاتم: روى عنه أبو إسحاق مرسلًا، وقال أبو قاسم البغوي وابن عبد البر: وقيل: إن أبا إسحاق لم يسمع منه، وإنما سمع من ابنه شمر، وقال مسلم في "الوحدان": لم يرو عن ذي الجوشن إلا أبو إسحاق، وكذا قال غيره، والله أعلم.
(قال: أتيت النبي صلى الله عليه وسلم) أي: في حالة الشرك (بعد أن فرغ من أهل بدر بابن فرس لي يقال لها) أي للفرس: (القرحاء، فقلت: يا محمد) صلى الله عليه وسلم (إني قد جئتك بابن القرحاء) أي: هدية إليك (لتتخذه، قال) أي رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا حاجة لي فيه) أي: في ابن القرحاء أن آخذه هدية (فإن شئت أن أقيضك) أي: أعوضك (به) أي: بابن القرحاء (المختارة) أي: النفيسة (من دروع بدر فعلت، قلت: ما كنت أقيضه) أي: أبدله (اليوم بغرة) أي: بفرس أو عبد أو أمة فكيف بدروع بدر؟ ولفظ أحمد في "مسنده": "ما كنت أقيضه اليوم بعدة"، معناه متاع خيار جيد.
(قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم: (فلا حاجة لي فيه)، ثم في حديث أحمد (3) زيادة بعد هذا: "ثم قال: يا ذا الجوشن! ألا تسلم، فتكون من أول أهل هذا الأمر؟
(1) في نسخة: "لنا".
(2)
في نسخة: "وإن".
(3)
"مسند أحمد"(4/ 68).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
===
فقلت: لا، قال: لِمَ؟ قلت: إني رأيت قومك ولعوا بك، قال: فكيف بلغك عن مصارعهم ببدر؟ قلت: قد بلغني، قال: فإنا نهدي لك، قلت: إن تغلب على الكعبة وتقطنها، قال: لعلك إن عشت ترى ذلك، ثم قال: يا بلال! خذ حقيبة الرجل، فزوده من العجوة، فلما أدبرت، قال: أما إنه من خير فرسان بني عامر، قال: فوالله إني بأهلي بالغور إذ أقبل راكب، فقلت: ما فعل الناس؟ قال: والله قد غلب محمد بالكعبة وقطنها، قلت: هبلتني أمي ولو أسلم يومئذ ثم أسأله الحيرة لأقطَعَنيها".
ومناسبة الحديث بالباب بأن رسول الله صلى الله عليه وسلم رضي بأن يعطي المختارة من دروع بدر بابن القرحاء، فيذهب بها إلى دار الحرب، فاستفيد منه جواز حمل السلاح إلى أرض العدو.
وأما عندنا الحنفية فلا يجوز أن يحمل المسلم إلى أرض العدو من الكراع والسلاح والسبي والحديد، وهو المنقول عن إبراهيم النخعي وعطاء بن أبي رباح وعمر بن عبد العزيز رضي الله عنهم، وهذا لأنهم يتقوون بالكراع والسلاح على قتال المسلمين، وقد أمرنا بكسر شوكتهم، وقتل مقاتلتهم بدفع فتنة محاربتهم، كما قال الله تعالى:{وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ} (1)، فعرفنا أنه لا رخصة في تقويتهم على محاربة المسلمين، وهذا السبي والحديد، وإن السبي إما أن يقاتل بنفسه، أو يكون منهم من يقاتل، وتقويتهم بالمقاتل فوق تقويتهم بآلة القتال والحديد المصنوع منه وغير المصنوع في كراهية الحمل إليهم سواء، لأنه أصل السلاح.
والحكم الثابت فيما يحصل من أصل يكون ثابتًا في الأصل، وإن لم يوجد فيه ذلك المعنى، ألا ترى أن المحرم إذا كسر بيض الصيد يلزمه الجزاء لما يلزمه بقتل الصيد، إلَّا أنه لا بأس بذلك في الطعام والثياب، ونحو ذلك لحديث ثمامة
(1) سورة الأنفال: الآية 39.