الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(130) بابٌ: فِى إِبَاحَةِ الطَّعَامِ فِى أَرْضِ الْعَدُوِّ
2701 -
حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ حَمْزَةَ (1) الزُّبَيْرِىُّ، ثَنَا أَنَسُ بْنُ عِيَاضٍ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ، عَنْ نَافِعٍ ،عَنِ ابْنِ عُمَرَ:"أَنَّ جَيْشًا غَنِمُوا فِى زَمَانِ (2) رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم طَعَامًا وَعَسَلًا، فَلَمْ يُؤْخَذْ مِنْهُمُ الْخُمُسُ". [خ 3154]
2702 -
حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ وَالْقَعْنَبِىُّ قَالَا: حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ،
===
(130)
(بابٌ: فِى إِبَاحَةِ الطَّعَامِ فِى أَرْضِ الْعَدُوِّ)(3)
2701 -
(حدثنا إبراهيم بن حمزة الزبيري، ثنا أنس بن عياض، عن عبيد الله، عن نافع، عن ابن عمر: أن جيشًا غنموا في زمان رسول الله صلى الله عليه وسلم طعامًا وعسلًا، فلم يؤخذ منهم الخمس)، ولعله لم يكن زائدًا على قدر الحاجة، فأكلوه هناك، ولم يبق (4) مثله شيء حتى يؤخذ منه الخمس ويقسم الباقي.
قال في "الهداية"(5): ولا بأس بأن يعلف العسكر في دار الحرب، ويأكلوا مما وجدوه من الطعام، لقوله عليه السلام في طعام خيبر:"كلوها واعلفوها ولا تحملوها"، ويستعملوا الحطب، ويدهنوا بالدهن، وُيوقِّحُوا به الدابة، ويقاتلوا بما يجدونه من السلاح، كل ذلك بلا قسمة إذا احتاج إليه، ولا يجوز أن يبيعوا من ذلك شيئًا ولا يتموّلونه، وأما الثياب والمتاع فيكره الانتفاع بها قبل القسمة من غير حاجة.
2702 -
(حدثنا موسى بن إسماعيل والقعنبي قالا: ثنا سليمان) بن
(1) زاد في نسخة: "ابن محمد بن حمزة بن مصعب بن الزبير".
(2)
في نسخة بدله: "زمن".
(3)
إجماع، كما حكاه غير واحد من نقلة المذاهب، سواء كان بإذن الإِمام أو بدون إذنه، وقيده الزهري بالإذن، كذا في "الأوجز"(9/ 152). (ش).
(4)
هكذا أوله الزيلعي على "الكنز"(3/ 152). (ش).
(5)
"الهداية"(2/ 386).
عَنْ حُمَيْدٍ - يَعْنِى ابْنَ هِلَالٍ -، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُغَفَّلٍ قَالَ:"دُلِّىَ جِرَابٌ مِنْ شَحْمٍ يَوْمَ خَيْبَرَ، قَالَ: فَأَتَيْتُهُ فَالْتَزَمْتُهُ، قَالَ: ثُمَّ قُلْتُ: لَا أُعْطِى مِنْ هَذَا أَحَدًا الْيَوْمَ شَيْئًا، قَالَ: فَالْتَفَتُّ فَإِذَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَتَبَسَّمُ إِلَىَّ". [خ 3155، م 1772، حم 4/ 86 - 5/ 56، "السنن الكبرى" 4509]
===
المغيرة، (عن حميد - يعني ابن هلال-، عن عبد الله بن مغفل قال: دلي) أي: رمي وألقي، وفي رواية "البخاري":"فرمى إنسان بجراب"(جراب) بكسر الجيم (من شحم) أي: مملوء من شحم (يوم خيبر، قال: فأتيته) أي: تقدمت إليه (فالتزمته) أي: أخذته أخذًا.
(قال: ثم قلت: لا أعطي من هذا أحدًا اليوم شيئًا) أي لشدة حاجته إليه (قال) عبد الله بن مغفل: (فالتفت) أي: نظرت إلى أحد جوانبي (فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم يتبسم إلى). قال الحافظ (1): زاد أبو داود الطيالسي في آخره: قال: "هو لك"، وكأنه عرف شدة حاجته إليه، فسوَّغ له الاستئثار به.
قال القاري (2): قال عياض: أجمع العلماء على جواز أكل طعام الحربيين، ما دام المسلمون في دار الحرب على قدر حاجتهم، ولم يشترط أحد من العلماء استئذان الإِمام إلا الزهري، وجمهورهم على أنه لا يجوز أن يخرج معه منه شيئًا إلى عمارة دار الإِسلام، فإن أخرجه لزمه رده إلى المغنم، ولا يجوز بيع شيء منه في دار الحرب، ويجوز أن يركب دوابهم، ويلبس ثيابهم، ويستعمل سلاحهم في حال الحرب بغير الاستئذان، وشرطه الأوزاعي، وفيه دليل (3) على جواز أكل شحوم ذبائح اليهود وإن كانت محرمة عليهم.
(1)"فتح الباري"(6/ 257).
(2)
"مرقاة المفاتيح"(7/ 572 - 573).
(3)
والمسألة خلافية: منعها مالك وأحمد، واستدل الحافظ للجمهور بهذا الحديث كما في "الفتح"(6/ 257 - 9/ 636)، فقد قالا: إن الذي يباح من ذبائح أهل الكتاب ما يكون حلالًا لهم لقوله تعالى: {وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ} [سوة المائدة: الآية 5]، والشحم ليس بطعامهم، وسيأتي الكلام عليه في هامش "باب ذبائح أهل الكتاب". (ش).
(131)
بابٌ (1): فِى النَّهْىِ عَنِ النُّهْبَى إِذَا كَانَ فِى الطَّعَامِ قِلَّةٌ فِى أَرْضِ الْعَدُوِّ
2703 -
حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ، ثَنَا جَرِيرٌ - يَعْنِى ابْنَ حَازِمٍ -، عَنْ يَعْلَى بْنِ حَكِيمٍ، عَنْ أَبِى لُبَيْدٍ قَالَ: "كُنَّا مَعَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ سَمُرَةَ بِكَابُلَ ،
===
(131)
(بابٌ: فِى النَّهْىِ عَنِ النُّهْبَى (2) إِذَا كَانَ فِى الطَّعَامِ قِلَّة فِى أَرْضِ الْعَدُوِّ)
حاصله: إذا كان في طعام قلة، واحتاج العسكر إلى الطعام، فلا يجوز لبعضهم أن ينهبوه ويبقى الباقون محرومين منه، فإذا كان كذلك فالإمام يقسمه بينهم.
2703 -
(حدثنا سليمان بن حرب، ثنا جرير -يعني ابن حازم-، عن يعلي بن حكيم، عن أبي لبيد) اسمه لِمازة- بكسر اللام وتخفيف المهملة وبالزاي- ابن زياد الأزدي الجهضمي البصري، قال ابن سعد: ثقة، وقال حرب عن أبيه: كان أبو لبيد صالح الحديث، وأثنى عليه ثناءً حسنًا، وذكره ابن حبان في "الثقات".
(قال: كنا مع عبد الرحمن بن سمرة بكابل) بفتح الكاف وضم الباء الموحدة، وهي ناحية معروفة من بلاد الهند، قاله السمعاني في "الأنساب"(3)، وقال في "معجم البلدان" (4): وكابل اسم يشمل الناحية ومدينتها العظمى، واجتمعتُ برجل من عقلاء سجستان ممن دوَّخ البلاد وطرقها، فذكر لي بالمشاهدة أن كابل ولاية ذات مروج كبيرة بين هند
(1) في نسخة: "باب النهي عن النُّهبى في أرض العدو إذا كان في الطعام قلة".
(2)
النُّهْبي: أخذ مال الغنيمة قبل القسمة.
(3)
"الأنساب"(5/ 5).
(4)
"معجم البلدان"(4/ 426).
فَأَصَابَ النَّاسُ غَنِيمَةً (1) فَانْتَهَبُوهَا، فَقَامَ خَطِيبًا، فَقَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَنْهَى عَنِ النُّهْبَى فَرَدُّوا مَا أَخَذُوا فَقَسَمَهُ بَيْنَهُمْ".
2704 -
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْعَلَاءِ، ثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ، ثَنَا أَبُو إِسْحَاقَ الشَّيْبَانِىُّ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِى مُجَالِدٍ (2) ،
===
وغزنة، قال: ونسبتها إلى الهند أولى، فصحَّ عندي (3)، وأما قول ابن الفقيه: إنه من ثغور طخارستان، فليس ببعيد من الصواب، ولعل طخارستان تكون في المثلثة الشرقية منها.
قلت: وكابل (4) الآن بلدة معروقة في شمال الهند، وهي مع مضافاتها تحت ولاية المسلمين، وفيها أمير ووال مستقل ليس تابعًا للنصارى ولا تحت حمايتهم، - بارك الله في دينه ودنياه وجعل آخرته خيرًا من أولاه -.
(فأصاب الناس غنيمة، فانتهبوها، فقام) عبد الرحمن بن سمرة (خطيبًا، فقال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم ينهى عن النهبى) أي: أخذ مال الغنيمة قبل القسمة (فردوا ما أخذوا فقسمه) عبد الرحمن ذلك المال (بينهم)، وهذا المال الذي وقع فيه النهب إن كان طعامًا فلعل بعضًا منهم نهبوه وبعضهم بقوا محرومين، وإن كان غير الطعام فظاهر أنه لا يجوز أخذه قبل القسمة.
2704 -
(حدثنا محمد بن العلاء، ثنا أبو معاوية، ثنا أبو إسحاق الشيباني، عن محمد بن أبي مجالد)، ذكره الحافظ في "تهذيب التهذيب" في ترجمة عبد الله بن أبي المجالد. وقال: يقال: محمد بن أبي المجالد الكوفي،
(1) في نسخة: "غُنَيْمة".
(2)
في نسخة بدله: "المجالد".
(3)
في الأصل: "هندي"، وهو تحريف.
(4)
وكابل: هي عاصمة أفغانستان.
عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِى أَوْفَى، قَالَ:"قُلْتُ: هَلْ كُنْتُمْ تُخَمِّسُونَ - يَعْنِى الطَّعَامَ - فِى (1) عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم؟ فَقَالَ: أَصَبْنَا طَعَامًا يَوْمَ خَيْبَرَ، فَكَانَ الرَّجُلُ يَجِئُ فَيَأْخُذُ مِنْهُ مِقْدَارَ مَا يَكْفِيهِ ثُمَّ يَنْصَرِفُ". [حم 4/ 354، ك 2/ 126 - 133 - 134، ق 9/ 60]
===
مولى عبد الله بن أبي أوفى، قال البخاري عن علي بن المديني: له نحو عشرة أحاديث، وقال ابن معين وأبو زرعة: ثقة، وقال الآجري عن أبي داود: يخطئ فيه شعبة، فيقول: محمد بن أبي المجالد، وقال ابن حبان في "الثقات": عبد الله بن أبي المجالد، ختن مجاهد، قلت: قد سماه أيضًا محمدًا أبو إسحاق الشيباني، كذا عند البخاري وأبي داود، وأما شعبة فكان يشك في اسمه، ففي البخاري عن شعبة مرة عبد الله، ومرة محمد، ومرة عبد الله أو محمد، وكذلك أخرجه البخاري وأبو داود جميعًا عن حفص بن عمر، عن شعبة، عن محمد أو عبد الله بن أبي المجالد، وكذا روى النسائي عن محمود، عن أبي داود، عن شعبة، عن عبد الله بن أبي المجالد قال وقال مرة: محمد.
(عن عبد الله بن أبي أوفى، قال) محمد بن أبي المجالد: (قلت)
لعبد الله بن أبي أوفى، وقال صاحب "العون" (2): أي لبعض الصحابة: (هل كنتم تخمسون، يعني الطعام) يعني: هل تخرجون الخمس من الطعام (في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فقال) عبد الله بن أبي أوفى: (أصبنا طعامًا يوم خيبر، فكان الرجل (3) يجيء فيأخذ منه مقدار ما يكفيه ثم ينصرف) إلى رحله.
وأخرج الإِمام أحمد هذا الحديث في "مسنده"(4): حدثنا عبد الله، حدثني أبي، ثنا هشيم، أنا الشيباني، عن محمد بن أبي المجالد قال: "بعثني أهل
(1) في نسخة بدله: "على".
(2)
"عون المعبود"(7/ 265).
(3)
أي: في دار الحرب، كما تدل عليه الترجمة، وبه قالت الأربعة، لا بعد ما أحرز في دار الإِسلام. (ش).
(4)
"مسند أحمد"(4/ 354).
2705 -
حَدَّثَنَا هَنَّادُ بْنُ السَّرِىِّ، ثَنَا أَبُو الأَحْوَصِ، عَنْ عَاصِمٍ - يَعْنِى ابْنَ كُلَيْبٍ -، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ رَجُلٍ مِنَ الأَنْصَارِ قَالَ: خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِى سَفَرٍ، فَأَصَابَ النَّاسَ حَاجَةٌ شَدِيدَةٌ وَجَهْدٌ، وَأَصَابُوا غَنَمًا فَانْتَهَبُوهَا،
===
المسجد إلى ابن أبي أوفى، أسأله ما صنع رسول الله صلى الله عليه وسلم في طعام خيبر؟ فأتيته فسألته عن ذلك، قال: وقلت: هل خمَّسه؟ قال: لا، كان أقل من ذلك، قال: وكان أهلنا إذا أراد منه شيئًا أخذ منه حاجته".
وهذا صريح في أن السائل محمد بن أبي المجالد سأله عن مولاه عبد الله بن أبي أوفى، وما أدري ما سنح لصاحب "العون" (1) أنه قال في تفسير قوله:"قال: قلت أي لبعض الصحابة" فأبهمه، وهاب أن يعين عبد الله بن أبي أوفى، ولم يظهر مرجع ضمير لفظ "قال".
وليس لهذا الحديث مناسبة بالترجمة إلَّا أن يقال: إن النهي منوط بالأخذ نَهْبًا، وأما إذا لم يكن بطريق النهب، بل يأخذ ذو الحاجة منها على قدر حاجته، فهو ليس بداخل في النهي.
2705 -
(حدثنا هناد بن السري، ثنا أبو الأحوص، عن عاصم- يعني ابن كليب-، عن أبيه) كليب بن شهاب، (عن رجل من الأنصار) لم أقف على اسمه (2)، والإبهام في الصحابي لا يقدح في الحديث (قال: خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر) (3) لم أقف على تعيينه، ولا أنه سفر غزو أو غيره (فأصاب الناس حاجة شديدة) أي جوع (وجهد) أي: مشقة (وأصابوا غنمًا) وهذا يدل على أن السفر كان للغزو (فانتهبوها) أي: أخذوها قبل القسمة، وطبخوها في القدور.
(1)"عون المعبود"(7/ 265).
(2)
انظر: "فتح الباري"(9/ 532).
(3)
وحكى العيني أنها كانت في سنة 8 هـ في قصة حنين. (ش).
فَإِنَّ قُدُورَنَا لَتَغْلِى، إِذْ جَاءَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَمْشِى عَلَى قَوْسِهِ، فَأَكْفَأَ قُدُورَنَا بِقَوْسِهِ، ثُمَّ جَعَلَ يُرَمِّلُ اللَّحْمَ بِالتُّرَابِ، ثُمَّ قَالَ:«إِنَّ النُّهْبَةَ لَيْسَتْ بِأَحَلَّ مِنَ الْمَيْتَةِ» ، أَوْ (1) إِنَّ الْمَيْتَةَ لَيْسَتْ بِأَحَلَّ مِنَ النُّهْبَةِ» ، الشَّكُّ مِنْ هَنَّادٍ. [ق 9/ 61]
===
(فإن قدورنا) جمع قِدر بكسر القاف، هي ظرف يطبخ فيه الطعام (لتغلي، إذ جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم يمشي) أي على رجليه متكأً (على قوسه، فأكفأ) أي: أكبَّ وصبَّ ما فيها (قُدُورنا بقوسه، ثم جعل يرمل اللحم بالتراب) أي: يخلط اللحم بالرمل والتراب، (ثم قال: إن النهبة ليست بأحل من الميتة، أو) للشك من الراوي (إن الميتة ليست بأحل من النهبة) أي المال المنهوب، أي كلتاهما سواء في الحرمة، ليس بينهما تفاوت فيها (الشك من هناد) أي الشك الواقع في هاتين الجملتين المتقدمتين من هناد شيخ المصنف.
وقد نقل القاري (2) في المسألة عن ابن الهمام كلامًا أذكره لتتميم الفائدة، قال: حاصل ما هنا أن الموجود إما ما يؤكل أَوْ لا، وما يؤكل إما ما يتداوى به كالهليلج أَوْ لا، فالثاني: ليس لهم استعماله إلا ما كان من السلاح والكراع كالفرس، فيجوز بشرط الحاجة، بأن مات فرسه أو انكسر سيفه.
أما إن أراد أن يوفر سيفه وفرسه باستعماله ذلك فلا يجوز، ولو فعل أثم، ولا ضمان عليه لو أتلف نحو الحطب، فيستعمله ثم يرده إلى الغنيمة إذا انقضى الحرب، وكذا الثوب إذا ضره البرد يستعمله، ثم يرده إذا استغنى عنه، ولو تلف قبل الرد لا ضمان عليه، ولو احتاج الكل إلى الثياب والسلاح قسمها حينئذ.
(1) في نسخة: "و".
(2)
"مرقاة المفاتيح"(7/ 571).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
===
وأما ما يتداوى به فليس لأحد تناوله، وكذا الطيب والأدهان التي لا تؤكل كدهن البنفسج، لأنه ليس في محل الحاجة، بل الفضول، ولا شك أنه لو لتحقق بأحدهم مرض يحوجه إلى استعمالها، كان له ذلك كلبس الثوب، فالمعتبر حقيقة الحاجة.
وأما ما يؤكل لا للتداوي سواء كان مهيئًا للأكل كاللحم المطبوخ والخبر والزيت والعسل والسكر والفاكهة اليابسة والرطبة والبصل والشعير والتين والأدهان المأكولة كالزيت، فلهم الأكل والادّهان بتلك الأدهان، لأن الادّهان انتفاع في البدن كالأكل، وكذا توقيح (1) الدابة وهو تصليب حافرها بالدهن، وكذا كل ما يكون غير مهيَّأ كالغنم فلهم ذبحها وأكلها، ويردون الجلد إلى الغنيمة.
ثم شرط في "السير الصغير" الحاجة إلى التناول من ذلك، وهو القياس، ولم يشترطها في "السير الكبير"(2)، وهو الاستحسان، وبه قالت الأئمة الثلاثة، فيجوز لكل من الغني والفقير تناوله إلا التاجر والداخل لخدمة الجندي بأجر لا يحل لهم، ولو فعلوا لا ضمان عليهم، ويأخذ ما يكفيهم هو ومن معه من عبيده ونسائه وصبيانه الذين دخلوا معه.
قلت: وفي الحديث إشكال من جهة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أكفأ القدور ورمل اللحم بالتراب، وهو إضاعة المال، وإبطال لحق جميع الغانمين، ويمكن أن يجاب عنه بما حكى الشوكاني في "النيل"(3) عن القرطبي، قال
(1) وفي الأصل: "ترقيح"، وكذا في "المرقاة" وهو تحريف، والصواب ما أثبتناه،
(2)
انظر: "السير الكبير"(3/ 1017).
(3)
"نيل الأوطار"(5/ 56).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
===
القرطبي (1): المأمور بإكفائه إنما هو المرق عقوبة للذين تعجلوا، وأما نفس اللحم فلم يتلف، بل يحمل على أنه جمع، ورد إلى المغانم لأجل النهي عن إضاعة المال.
ثم فيه إشكال آخر وهو أن عند جمهور الأئمة (2) الفقهاء يجوز ذبح الحيوانات عند تحقق الحاجة (3)، وقد تحققت لقوله:"فأصاب الناس حاجة شديدة وجهد".
ويمكن أن يجاب عنه: بأن رسول الله صلى الله عليه وسلم أغلظ في ذلك على أنها أخذت بطريق النهب، فلا يتقدر بقدر الحاجة، أو يقال: إن في ذاك الوقت كان جميع الجيش محتاجًا إليها، وإذا كان الكل محتاجين لا يجوز لهم أتى يأخذوا منها إلَّا بعد قسمة الإِمام، كما نقل القاري عن ابن الهمام: ولو احتاج الكل إلى الثياب والسلاح قسمها حينئذ.
(1) وكذا حكاه الحافظ في "الفتح"(6/ 188)، وذكر وجوهًا أُخر، وكذا العيني (10/ 408)، والنووي (7/ 141)، ثم إن إباحة الطعام في أرض العدو غير مختص بالمهيأ للأكل كالطعام، بل يجوز ذبح الحيوان أيضًا، وكذا الإباحة غير مقيد بالحاجة عند الجمهور إلَّا ما حكي عن الشافعي من التقييد بالحاجة، لكن في فروعه التعميم، فيشكل يعد ذلك الحديث على الأربعة، فوجهوه بوجوه: منها: أنها كانت عقوية لتعجيلهم وعدم انتظارهم النبي صلى الله عليه وسلم. ومنها: ما أشار إليه المصنف في الترجمة من القلة. ومنها: أنها كانت بطريق النهب والتعدي وعدم الاقتصار على قدر الحاجة. (ش).
(2)
منهم الأئمة الأربع. (ش).
(3)
بل بدونها إلا ما حكى الحافظ عن الشافعي، ومال إليه الخرقي من التقييد بالحاجة، كذا في "الأوجز"(9/ 155). (ش).