الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(143) بَابُ مَنْ أَجَازَ عَلَى جَرِيحٍ مُثْخَنٍ يُنَفَّلُ مِنْ سَلَبِهِ
2722 -
حَدَّثَنَا هَارُونُ بْنُ عَبَّادٍ (1) ، ثَنَا وَكِيعٌ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِى إِسْحَاقَ، عَنْ أَبِى عُبَيْدَةَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ قَالَ:"نَفَّلَنِى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَوْمَ بَدْرٍ سَيْفَ أَبِى جَهْلٍ، كَانَ (2) قَتَلَهُ".
===
حصل بقوة الكل، إلَّا أن الإِمام خص البعض ببعضها، وقطع حق الباقين عنه، فبقي حق الكل متعلقًا بما وراءه، فيشاركهم فيه.
(43)
(بَابُ مَنْ أَجَازَ)، أي: أثبت قتله، وأسرع، وتمم عليه (عَلَى جَرِيحٍ مُثْخَنٍ) مبالغ في الجراحة (يُنَفَّلُ مِنْ سَلَبِهِ)، أي: بعض سلبه (3)
2722 -
(حدثنا هارون بن عباد، ثنا وكيع، عن أبيه، عن أبي إسحاق، عن أبي عبيدة، عن عبد الله بن مسعود قال: نفَّلني رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم بدر سيف أبي جهل) قال الراوي: (كان) عبد الله بن مسعود (قتله) أي: أبا جهل، يعني حزَّ رأسه (4) وبه رمق، وإلَّا فقد قتله الأنصاريان، وهذا من كلام الراوي عنه، ويحتمل أن يكون من كلامه على التجريد أو الالتفات.
فإن قلت: هذا معارض بما وقع في "الصحيحين"(5): "أن النبي صلى الله عليه وسلم نظر في سيفي معاذ بن عمرو بن الجموح ومعاذ بن عفراء، وقال: كلاكما قتله"،
(1) زاد في نسخة: "الأزدي".
(2)
في نسخة: "وَكَان".
(3)
وفي "الأوجز"(9/ 202): لا سلب له عند أحمد والشافعي، وعند مالك على رأي الإِمام، وعندنا إن كان الجرح الأول صيَّره بحيث لا يقاتل ولا يعينهم بالكلام، فالسلب للأول وإلَّا فللثاني. (ش).
(4)
وهل يجوز أن يحزّ ويطاف به؟ قال السرخسي (10/ 131): مكروه، وأباحه بعضهم لهذا الحديث. (ش)
(5)
انظر: "صحيح البخاري"(3141) و"صحيح مسلم"(1752).
(144)
بَابُ مَنْ جَاءَ بَعْدَ الْغَنِيمَةِ (1) لَا سَهْمَ لَهُ
2723 -
حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ، ثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَيَّاشٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْوَلِيدِ الزُّبَيْدِىِّ، عَنِ الزُّهْرِىِّ، أَنَّ عَنْبَسَةَ بْنَ سَعِيدٍ
===
وأنه قضى بسلبه لمعاذ بن عمرو بن الجموح، وأيضًا لما استحق الأنصاري السلب بقتله، فكيف أعطى رسول الله صلى الله عليه وسلم سيف أبي جهل لعبد الله بن مسعود؟
والجواب عنه بأوجه، الأول: أن حديث أبي داود منقطع، فإن أبا عبيدة لم يلق أباه عبد الله بن مسعود.
والثاني: بما قال الزيلعي في "نصب الراية"(2): ووجه الدليل أن السلب لو كان للقاتل لقضى به بينهما، لأنه قال:"كلاكما قتله"، وكونه عليه السلام دفعه إلى أحدهما دليل على أن الأمر فيه مفوَّض إلى الإِمام، قال البيهقي في "المعرفة": وهذا لا حجة لهم فيه، فإن غنيمة بدر كانت للنبي صلى الله عليه وسلم بنص الكتاب يعطي منها من يشاء، وقد قسم لجماعة لم يشهدوا، ثم نزلت الآية في الغنيمة بعد بدر، وقضى عليه السلام بالسلب للقاتل، واستقر الأمر على ذلك.
والثالث: يحتمل أن يكون صلى الله عليه وسلم نفَّل سيف أبي جهل عبد الله بن مسعود برضا معاذ بن عمرو بن الجموح، والله تعالى أعلم.
(144)
(بَابُ مَنْ جَاءَ بَعْدَ الْغَنِيمَةِ)
أي: بعد إحرازها في دار الإِسلام، أو قسمتها في دار الحرب، أو بيعه المغانم فيها خلافًا للشافعي (3) رحمه الله (لَا سَهْمَ لَهُ)
2723 -
(حدثنا سعيد بن منصور، ثنا إسماعيل بن عياش، عن محمد بن الوليد الزبيدي) مصغرًا، (عن الزهري، أن عنبسة بن سعيد
(1) في نسخة: "القسمة".
(2)
"نصب الراية"(3/ 432).
(3)
وكذا أحمد إذ قال: إن الغنيمة إذا أُحرزت، لم يكن فيها لمن جاءهم مددًا حظ، وإن جاء قبل الإحراز بدار الإِسلام، كذا في "المغني"(13/ 105). (ش).
أَخْبَرَهُ، أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ يُحَدِّثُ سَعِيدَ بْنَ الْعَاصِ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بَعَثَ أَبَانَ بْنَ سَعِيدِ بْنِ الْعَاصِ عَلَى سَرِيَّةٍ مِنَ الْمَدِينَةِ قِبَلَ نَجْدٍ، فَقَدِمَ أَبَانُ بْنُ سَعِيدٍ وَأَصْحَابُهُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِخَيْبَرَ بَعْدَ أَنْ فَتَحَهَا، وَإِنَّ حُزُمَ خَيْلِهِمْ لِيفٌ، فَقَالَ أَبَانُ: اقْسِمْ لَنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَقَالَ (1) أَبُو هُرَيْرَةَ: فَقُلْتُ: لَا تَقْسِمْ لَهُمْ
===
أخبره، أنه سمع أبا هريرة يحدث سعيد بن العاص) بن سعيد بن العاص بن أمية الأموي، أبو عثمان، ويقال: أبو عبد الرحمن، قُتل أبوه يوم بدر كافرًا، ومات جده أبو أصيحة قبل بدر مشركًا، قبض النبي صلى الله عليه وسلم وله تسع سنين، استعمله عثمان على الكوفة، ومعاوية على المدينة، وهو أحد الذين كتبوا المصحف لعثمان، وكان أشبههم لهجة برسول الله صلى الله عليه وسلم.
(أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث أبان بن سعيد بن العاص) بن أمية بن عبد شمس، القرشي الأموي، له صحبة، وكان أبوه من أكابر قريش، وله أولاد نجباء، أسلم منهم قديمًا خالد وعمرو، وكانا ممن هاجرا إلى الحبشة، فأقاما بها، وشهد أبان بدرًا مشركًا، فقتل بها أخواه العاص وعبيدة على الشرك، ونجا هو، فبقي بمكة، حتى أجار عثمان زمن الحديبية، فأسلم أبان قبل أيام خيبر، وشهدها مع النبي صلى الله عليه وسلم، فأرسله النبي صلى الله عليه وسلم في سرية، ذكر ذلك الواقدي، ووافقه عليه أهل العلم بالأخبار، وخالفهم ابن إسحاق، فعدَّ أبان فيمن هاجر إلى الحبشة، ومعه امرأته فاطمة بنت صفوان الكنانية، والله أعلم.
(على سرية)(2) أي أميرًا عليها (من المدينة قبل نجد، فقدم أبان بن سعيد وأصحابه) راجعين من نجد (على رسول الله صلى الله عليه وسلم بخيبر بعد أن فتحها، وإن حزم خيلهم ليف) والحزم بضمتين جمع حزام، وهو ما يُشَدَّ به الوسط.
(فقال أبان: اقسم لنا يا رسول الله، فقال أبو هريرة: فقلت: لا تقسم لهم
(1) في نسخة: "قال".
(2)
قال الحافظ: لم أقف على هذه السرية. (ش).
يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَقَالَ أَبَانُ: أَنْتَ بِهَا يَا وَبْرُ، تَحَدَّرُ عَلَيْنَا مِنْ رَأْسٍ ضَالٍ! فَقَالَ النَّبِىُّ صلى الله عليه وسلم:«اجْلِسْ يَا أَبَانُ» ، وَلَمْ يَقْسِمْ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم. [خت 4238، ق 2/ 333، الطيالسي 2591]
2724 -
حَدَّثَنَا حَامِدُ بْنُ يَحْيَى الْبَلْخِىُّ قَالَ: نَا سُفْيَانُ، نَا الزُّهْرِىُّ، وَسَأَلَهُ إِسْمَاعِيلُ بْنُ أُمَيَّةَ، فَحَدَّثَنَاهُ (1) الزُّهْرِىُّ أَنَّهُ سَمِعَ عَنْبَسَةَ بْنَ سَعِيدٍ الْقُرَشِىَّ يُحَدِّثُ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ: "قَدِمْتُ الْمَدِينَةَ وَرَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِخَيْبَرَ حِينَ افْتَتَحَهَا فَسَأَلْتُهُ أَنْ يُسْهِمَ لِى،
===
يا رسول الله، فقال أبان: أنت بها) أي: أنت المتكلم بهذه الكلمة، أو أنت بهذه المثابة تتكلم بها (يا وبر) بفتح الواو وسكون الموحدة: دابة صغيرة كالسنور، وحشية، قال ذلك تحقيرًا لأبي هريرة (تحدر علينا) أي: تدلى علينا (من رأس ضال) وفي رواية: بالنون، وفسر البخاري الضال باللام، فقال: هو السدر البري، وأما الضأن بالنون، فقيل: هو رأس الجبل، وقيل: هو بغير همز، وهو جبل لدوس قوم أبي هريرة.
(فقال النبي صلى الله عليه وسلم: اجلس يا أبان، ولم يقسم لهم) أي: لأبان ومن معه (رسول الله صلى الله عليه وسلم).
2724 -
(حدثنا حامد بن يحيى البلخي قال: نا سفيان، نا الزهري، وسأله) أي: الزهري (إسماعيل بن أمية، فحدثناه الزهري أنه سمع عنبسة بن سعيد القرشي يحدث، عن أبي هريرة قال: قدمت المدينة ورسول الله صلى الله عليه وسلم بخيبر حين افتتحها (2)، فسألته) أي رسول الله صلى الله عليه وسلم (أن يسهم لي،
(1) في نسخة بدله: "فحدثنا الزهري".
(2)
ويوضح المراد ما في "الفتح"(7/ 489): أخرج أحمد والحاكم وغيرهما من طريق خثيم بن عراك بن مالك، عن أبيه، عن أبي هريرة قال: قدمت المدينة، والنبي صلى الله عليه وسلم بخيبر، واستخلف سباع بن عرفطة، فذكر الحديث، وفيه فزوّدنا شيئًا، فأتينا خيبر وقد افتتحها النبي صلى الله عليه وسلم، فكلم المسلمين، فأشركونا في سهامهم، انتهى. (ش).
فَتَكَلَّمَ بَعْضُ وُلْدِ سَعِيدِ بْنِ الْعَاصِ، فَقَالَ: لَا تُسْهِمْ لَهُ يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: فَقُلْتُ: هَذَا قَاتِلُ ابْنِ قَوْقَلٍ، فَقَالَ سَعِيدُ بْنُ الْعَاصِ: يَا عَجَبًا لِوَبْرٍ
===
فتكلم بعض ولد سعيد بن العاص) وهو أبان بن سعيد.
(فقال) أبان: (لا تسهم له) أي: لأبي هريرة (يا رسول الله، قال) أبو هريرة: (فقلت: هذا) أي أبان بن سعيد (قاتل ابن قوقل) وهو النعمان بن قوقل بن أصرم بن فهر بن ثعلبة بن غنم بن عمرو بن عوف، ذكره موسى بن عقبة وابن إسحاق فيمن استشهد بأحد، وكان شهد بدرًا.
وأخرج البغوي أن النعمان بن قوقل الأنصاري قال: أقسمت عليك يا رب، أن لا تغيب الشمس حتى أطأ بعرجتي في خضر الجنة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"لقد رأيته يطأ فيها وما به من عرج"، ويقال: إن قوقلًا لقب، واسمه ثعلبة، أو مالك بن ثعلبة، وقد غاير أبو عمر بين النعمان بن قوقل والنعمان بن مالك بن ثعلبة، وتعقبه ابن الأثير "إصابة".
وقال في ترجمة النعمان بن مالك بن ثعلبة، قال أبو عمر: وشهد بدرًا وأحدًا، وقتل بها في قول الواقدي، وأما ابن القداح فقال: إن الذي شهد بدرًا وقتل بأحد هو النعمان الأعرج، وقد تعقب ابن الأثير هذا بأن النعمان الأعرج هو ابن قوقل، وأن مالك بن ثعلبة لقبه قوقل، وما قاله أبو عمر محتمل، وترجم البخاري النعمان بن قوقل، ثم قال: النعمان بن مالك، ولم يسق له شيئًا (1).
(فقال سعيد بن العاص (2): يا عجبًا لوبر) أي لرجل
(1) انظر: "نصب الراية"(3/ 534 - 535).
(2)
قال الحافظ في "الإصابة"(3/ 235): هذا يوهم أن سعيدًا حاج أبا هريرة بسب بعض ولده، وليس كذلك، بل الصواب: أبان بن سعيد بن العاص
…
إلخ، والحديث أخرجه البخاري (4237) برواية علي بن عبد الله عن سفيان بهذا السند بلفظ:"فقال: واعجبًا" بدون فاعل قال. (ش).
قَدْ تَدَلَّى عَلَيْنَا مِنْ قَدُومٍ ضَالٍ، يُعَيِّرُنِى بِقَتْلِ امْرِئٍ مُسْلِمٍ أَكْرَمَهُ اللَّهُ عَلَى يَدَىَّ وَلَمْ يُهِنِّى عَلَى يَدَيْهِ" (1). [خ 4237، "مسند الحميدي" 1109]
===
كالوبر (2)(قد تدلى علينا)، وفي رواية:"تحدر"، وفي رواية:"تدأدأ"، أي: تهجم علينا بغتة (من قدوم) بفتح القاف للأكثر، أي طرف، ووقع في رواية الأصيلي بضم القاف (ضال، يعيرني) أي: يطعنني ويعيبني (بقتل امرئٍ مسلم أكرمه الله تعالى على يدي) بأن وصل مرتبة الشهادة (ولم يُهِنِّي على يديه) فإنه إن كان هو قتلني قتلت في حالة الكفر وأدخلت جهنم.
قال الحافظ (3): قيل: وقع في إحدى الطريقين ما يدخل في قسم المقلوب، فإن في رواية ابن عيينة: أن أبا هريرة السائل أن يقسم له، وأن أبان هو الذي أشار بمنعه، وفي رواية الزبيدي: أن أبان هو الذي سأل، وأن أبا هريرة هو الذي أشار لمنعه، وقد رجح الذهلي رواية الزبيدي، ويؤيد ذلك وقوع التصريح في روايته بقول النبي صلى الله عليه وسلم:"يا أبان اجلس ولم يقسم لهم".
ويحتمل أن يجمع بينهما بأن يكون كل من أبان وأبي هريرة أشار أن لا يقسم للآخر، ويدل عليه أن أبا هريرة احتج على أبان بأنه قاتل ابن قوقل، وأبان احتج على أبي هريرة بأنه ليس ممن له في الحرب يد يستحق بها النفل، فلا يكون فيه قلب، وقد سلمت رواية السعيدي من هذا الاختلاف، فإنه لم يتعرض في حديثه لسؤال القسمة أصلًا، والله أعلم.
(1) زاد في نسخة: "قال أبو داود: هؤلاء كانوا نحو عشرة، فقتل منهم ستة، ورجع من بقي".
(2)
صيد كالأرنب لا ذَنَب له، يكون في النجد كثيرًا، وهو المراد بما جاء في قصة مسيلمة إذ قال: نزل علي سورة وبر، فقال: وبر وما وبر
…
إلخ، بمقابلة سورة العصر، قاله قاضي القضاة ابن بليهد. (ش).
(3)
"فتح الباري"(7/ 492).
2725 -
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْعَلَاءِ، نَا أَبُو أُسَامَةَ، حَدَّثَنَا بُرَيْدٌ، عَنْ أَبِى بُرْدَةَ، عَنْ أَبِى مُوسَى قَالَ: "قَدِمْنَا فَوَافَقْنَا رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم حِينَ افْتَتَحَ خَيْبَرَ، فَأَسْهَمَ لَنَا، أَوْ قَالَ: فَأَعْطَانَا مِنْهَا، وَمَا قَسَمَ لأَحَدٍ غَابَ عَنْ فَتْحِ خَيْبَرَ مِنْهَا شَيْئًا إلَّا مَنْ (1) شَهِدَ مَعَهُ إلَّا أَصْحَابَ سَفِينَتِنَا: جَعْفَرٍ (2) وَأَصْحَابُهُ،
===
فإن قلت: لم لم يقسم لهم الغنيمة ولم يشركهم فيها، وهم قد وصلوه بخيبر، والغنيمة هناك، ولم يحرزوها بالمدينة؟
وقد قال في "الهداية"(3): وإذا لحقهم المدد في دار الحرب قبل أن يخرجوا الغنيمة إلى دار الإِسلام، شاركوهم فيها خلافًا للشافعي رحمه الله بعد انقضاء القتال.
قلت: إن أبان وأصحابه لحقوا رسول الله صلى الله عليه وسلم بخيبر بعد أن فتحها، فصارت خيبر دار الإسلام، فكانت الغنيمة في دار الإسلام، فلذلك لم يشاركوا في الغنيمة، ولم يبق لهم حق الشركة، وكذلك أبو هريرة فإنه لم يشركهم لهذا الوجه، وأما ما أعطى أبا موسى الأشعري وغيره من أصحاب السفينة فإنهم أيضًا لم يشركوهم في الغنيمة، ولكن رسول الله صلى الله عليه وسلم أعطاهم من الخمس، ويمكن أن يكون أعطاهم من الغنيمة برضا الغانمين.
2725 -
(حدثنا محمد بن العلاء، نا أبو أسامة، حدثنا بُريد) مصغرًا، (عن أبي بردة، عن أبي موسى قال: قدمنا) من اليمن (فوافقنا رسول الله صلى الله عليه وسلم) أي وصلنا إليه (حين افتتح خيبر، فأسهم لنا، أو قال: فأعطانا منها) لفظ: "أو" للشك من الراوي، (وما قسم لأحد غاب عن فتح خيبر منها) أي: من غنائم خيبر (شيئًا إلَّا من شهد معه) غزوة خيبر (إلَّا) استثناء من الاستثناء (أصحاب سفينتنا) أي: من كانوا معه في السفينة، وهم: (جعفر وأصحابه،
(1) في نسخة: "بمن" وفي نسخة: "لمن".
(2)
في نسخة: "جعفرًا".
(3)
"الهداية"(2/ 385).
فَأَسْهَمَ لَهُمْ (1) مَعَهُمْ". [خ 4233، م 2502، ت 1559، حم 4/ 394، ق 6/ 333]
2726 -
حَدَّثَنَا مَحْبُوبُ بْنُ مُوسَى أَبُو صَالِحٍ قَالَ: (2) نَا أَبُو إِسْحَاقَ الْفَزَارِىُّ، عَنْ كُلَيْبِ بْنِ وَائِلٍ، عَنْ هَانِئِ بْنِ قَيْسٍ، عَنْ حَبِيبِ بْنِ أَبِى مُلَيْكَةَ،
===
فأسهم لهم) أي: لأصحاب السفينة (معهم) أي مع من شهد معه غزوة خيبر.
وقد تقدم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يعط أبان وأصحابه وأبا هريرة (3)، وأعطى هؤلاء، إما لأن أبان وأصحابه سألوه أن يسهم لهم من أصل الغنيمة كالغانمين، فلم يعطهم؛ لأنه لم يكن لهم حق في الغنيمة، وأما أهل السفينة فلم يعطهم رسول الله صلى الله عليه وسلم من أصل الغنيمة، بل أعطاهم من الخمس، أو أعطاهم من الغنيمة برضا الغانمين، ويحتمل أن يكون أصحاب السفينة لحقوه بخيبر قبل الفتح التام، وقبل أن تصير دار الإسلام، فأشركوهم في الغنيمة.
2726 -
(حدثنا محبوب بن موسى أبو صالح قال: نا أبو إسحاق الفزاري، عن كليب بن وائل) بن هبار التيمي اليشكري المدني، ثم الكوفي، عن ابن معين: ثقة، وعنه وعن أبي داود: لا بأس به، وقال أبو زرعة: ضعيف، وذكره ابن حبان في "الثقات"، وقال الدارقطني: ثقة، وقال العجلي: يكتب حديثه، (عن هانئ بن قيس) الكوفي، ذكره ابن حبان في "الثقات"، وقال في "التقريب": مستور، (عن حبيب بن أبي مليكة) النهدي نسبة إلى نهد بن زيد، ويقال: إنه أبو ثور، الحداني، الأزدي، قال أبو زرعة: ثقة، روى له أبو داود حديثًا واحدًا في فضل عثمان، ذكره ابن حبان في "الثقات".
(1) في نسخة: "له".
(2)
في نسخة: "أنا".
(3)
وما تقدَّم عن "الفتح" برواية أحمد وغيره عن أبي هريرة أنه قسم له، قال الحافظ: ويجمع بين هذا وبين حصر أبي موسى أن أبا موسى أراد أنه لم يسهم لأحد من غير استرضاء الغانمين إلا لأصحاب السفينة، وأما أبو هريرة وأصحابه فلم يعطهم إلا عن طيب خواطر المسلمين، انتهى. [انظر:"فتح الباري"(7/ 489)]. (ش).
عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَامَ - يَعْنِى يَوْمَ بَدْرٍ - فَقَالَ: «إِنَّ عُثْمَانَ انْطَلَقَ فِى حَاجَةِ اللَّهِ وَحَاجَةِ رَسُولِهِ، وَإِنِّى (1) أُبَايِعُ لَهُ» ، فَضَرَبَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِسَهْمٍ وَلَمْ يَضْرِبْ لأَحَدٍ غَابَ غَيْرُهُ. [ق 9/ 174]
===
(عن ابن عمر قال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قام -يعني يوم بدر- فقال: إن عثمان انطلق في حاجة الله وحاجة رسوله) أي تخلف في المدينة لتمريض رقية بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم زوجته، وكانت مريضة إذ ذاك، والمراد بحاجة الله: سبيله ورضاه وأمر دينه، والمراد بحاجة رسوله: خدمته وخدمة بنته.
(وإني أبايع له) فضرب (2) رسول الله صلى الله عليه وسلم بيمينه على شماله، وقال: هذه يد عثمان (فضرب له) أي: قرر وعيَّن (رسول الله صلى الله عليه وسلم بسهم) أي: كسهم الغازي (ولم يضرب لأحد غاب) عن بدر (3)(غيره) أي غير عثمان.
قال الطحاوي (4): وكذلك كل من غاب عن وقعة المسلمين بأهل الحرب بشغل يشغله به الإِمام من أمور المسلمين، مثل أن يبعثه إلى جانب آخر من دار الحرب، لقتال قوم آخرين، فيصيب الإمام غنيمة بعد مفارقة ذلك الرجل إياه،
(1) في نسخة: "فأنا".
(2)
وفي هامش "العون"(7/ 283): أن في الحديث وهمًا من بعض الرواة، لأن قصة البيعة لم تكن في بدر، بل كانت في بيعة الرضوان في الحديبية، وفي بدر كان تخلفه لرقية فتأمل. (ش).
(3)
ويشكل عليه أنهم صرحوا في ترجمة عاصم بن عدي: أنه عليه السلام أسهم له ولم يشهد بدرًا، كما في "الإصابة"(2/ 237)، وكذا أسهم لأبي لبابة والحارث بن حاطب، كما في "الإصابة"(4/ 167) في ترجمة أبي لبابة. وذكر صاحب "الخميس"(1/ 398) ثلاثة من المهاجرين، وخمسة من الأنصار لم يحضروا، وأسهم لهم صلى الله عليه وسلم وذكر أسماءهم، وسيأتي الجواب عنه في "البذل" من أنه محمول على عدم علم ابن عمر رضي الله عنه، ويحتمل عندي أن إعطاءهم كان لشيء من مصالح الغزو، بخلاف عثمان، فإن قيامه بالمدينة على الظاهر لم يكن لمصلحة الغزو، وإن كان فيه أيضًا مصلحة خفية للغزو، فلا إشكال في تخصيص عثمان. (ش).
(4)
"شرخ معاني الآثار"(3/ 244).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
===
أو يبعث برجل ممن معه من دار الحرب إلى دار الإِسلام، ليمده بالسلاح والرجال، فلا يعود ذلك الرجل إلى الإِمام حتى يغنم غنيمة، فهو شريك فيها، وهو كمن حضرها، وكذلك من أرادها فرده الإِمام عنها، وشغله بشيء من أمور المسلمين، فهو كمن حضرها.
وأما حديث أبي هريرة رضي الله عنه فإنما ذلك عندنا- والله أعلم- أن النبي صلى الله عليه وسلم وجه أبان إلى نجد قبل أن يتهيأ خروجه إلى خيبر، فتوجه أبان في ذلك، ثم حدث من خروج النبي صلى الله عليه وسلم إلى خيبر ما حدث، فكان ما غاب فيه أبان من ذلك عن حضور خيبر، ليس هو شغلًا شغله النبي صلى الله عليه وسلم به عن حضورها بعد إرادته إياه، فكان كمن حضرها، انتهى.
ثم إن ما وقع في هذا الحديث من قوله: "ولم يضرب لأحد غاب غيره" يخالف ما تقدم، من أن الزيلعي (1) نقل عن البيهقي فإنه قال في "المعرفة": فإن غنيمة بدر كانت للنبي صلى الله عليه وسلم بنص الكتاب يعطي منها من يشاء، وقد قسم لجماعة لم يشهدوا.
وقال في "شرح السير الكبير"(2): وذكر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أسهم لعثمان بن عفان رضي الله عنه من غنائم بدر، وأسهم لطلحة بن عبيد الله ولسعيد بن زيد رضي الله عنهما، وكان بعثهما نحو الشام يتجسسان أخبار عير قريش، وأسهم لخمسة من الأنصار، وقد كان ردهم إلى المدينة لخبر بلغه عن المنافقين.
وفي تأويل ذلك وجوه: أحدها: أن المدينة يومئذ ما كان لها حكم دار الإِسلام بعد خروج رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه منها، لكثرة اليهود والمنافقين بها، فكانوا جميعًا في دار الحرب مشغولين بما فيه منفعة للمسلمين، وبما فيه فراغ قلب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقيل: إن غنائم بدر كان الأمر فيه مفوضًا إلى
(1)"نصب الراية"(3/ 432).
(2)
"شرح السير الكبير"(3/ 1008).