الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(140) بَابٌ: فِى السَّلْبِ يُعْطَى الْقَاتِلُ
2717 -
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ الْقَعْنَبِىُّ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ عُمَرَ بْنِ كَثِيرِ بْنِ أَفْلَحَ، عَنْ أَبِى مُحَمَّدٍ مَوْلَى أَبِى قَتَادَةَ، عَنْ أَبِى قَتَادَةَ أنه قَالَ: خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِى عَامِ حُنَيْنٍ، فَلَمَّا (1) الْتَقَيْنَا كَانَتْ لِلْمُسْلِمِينَ جَوْلَةٌ، قَالَ: فَرَأَيْتُ رَجُلًا مِنَ الْمُشْرِكِينَ قَدْ عَلَا رَجُلًا مِنَ الْمُسْلِمِينَ،
===
(140)
(بَابٌ: فِى السَّلَبِ)(2) بمعنى المسلوب، وهو ما يكون مع المقتول من لباس وسلاح ودابة (يُعْطَى الْقَاتِلُ)
2717 -
(حدثنا عبد الله بن مسلمة القعنبي، عن مالك، عن يحيى بن سعيد، عن عمر بن كثير بن أفلح) المدني، مولى أبي أيوب الأنصاري، قال النسائي: ثقة، وذكره ابن حبان في "الثقات"، وقال ابن سعد: كان ثقة، له أحاديث، وقال ابن المديني والعجلي: ثقة، (عن أبي محمد مولى أبي قتادة) وهو نافع بن عباس، ويقال: ابن عياش الأقرع، ويقال: مولى عقيلة الغفارية، ويقال: إنهما اثنان، قال النسائي: ثقة، وقال ابن حبان في "الثقات": نافع مولى عقيلة بنت طالق الغفارية، وهو الذي يقال له: نافع مولى أبي قتادة، نسب إليه ولم يكن مولاه، وإنما نسب إليه للزومه.
(عن أبي قتادة أنه قال: خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في عام حنين) أي: في غزوتها (فلما التقينا) أي: الكفار (كانت للمسلمين جولة) أي: هزيمة في بعض الجيش لا فيما هم عند النبي صلى الله عليه وسلم (قال) أبو قتادة: (فرأيت رجلًا من المشركين) لم أقف على تسميته (قد علا رجلًا من المسلمين) لم أقف على تسميته.
(1) في نسخة: "ولما".
(2)
ومن الغرائب أن كل كلمة من قوله صلى الله عليه وسلم: "من قتل قتيلًا فله سلبه" خلافية، كما بسط في تلخيص "البذل"، وفي "الأوجز" فيه ثمان عشرة بحثًا. [انظر:"أوجز المسالك"(9/ 201)]. (ش).
قَالَ: فَاسْتَدَرْتُ لَهُ حَتَّى أَتَيْتُهُ مِنْ وَرَائِهِ فَضَرَبْتُهُ بِالسَّيْفِ عَلَى حَبْلِ عَاتِقِهِ، فَأَقْبَلَ عَلَىَّ فَضَمَّنِى ضَمَّةً وَجَدْتُ مِنْهَا رِيحَ الْمَوْتِ، ثُمَّ أَدْرَكَهُ الْمَوْتُ فَأَرْسَلَنِى (1) ، فَلَحِقْتُ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ، فَقُلْتُ لَهُ: مَا بَالُ النَّاسِ؟ قَالَ: أَمْرُ اللَّهِ، ثُمَّ إِنَّ النَّاسَ رَجَعُوا
===
(قال) أبو قتادة: (فاستدرت) من الدور (له) أي: للمشرك (حتى أتيته من ورائه) أي: خلفه (فضربته بالسيف على حبل عاتقه) نقل في الحاشية: قال الخطابي (2): هو وصلة ما بين العنق والكاهل، وقال في "النهاية": هو موضع الرداء من العنق، وقيل: ما بين العنق والمنكبين، وقيل: هو عرق أو عصب هناك.
(فأقبل) أي: الرجل المشرك (علي فضمني ضمة) أي: غطني وأخذني (وجدت منها) أي: من الضمة (ريح الموت) أي: كدت أموت من شدة تلك الضمة (ثم أدركه الموت) فاسترخى (فأرسلني، فلحقت) أي: لقيت (عمر بن الخطاب، فقلت له: ما بال الناس؟ ) أي: انهزموا (قال) عمر: (أمر الله) بانهزامهم، فإنهم لما أعجبوا بكثرتهم، واعتمدوا على قوتهم، فجازاهم الله تعالى بانهزامهم بأمرٍ تكويني.
(ثم إن الناس رجعوا) بعد إلانهزام بصوت العباس بن عبد المطلب، فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم جعل يقول للعباس وكان العباس رجلًا صيِّتًا: ناد، يا معشر الأنصار! يا أصحاب السمرة! فجعل العباس ينادي: يا أصحاب السمرة، ففي رواية "مسلم": قال العباس: فوالله كانت عطفتهم حين سمعوا صوتي عطفة البقر على أولادها، يقولون: يا لبيك، يا لبيك، فتراجعوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم، حتى إذا اجتمع عنده مائة، استقبلوا الناس فاقتتلوا، فنظر إلى قتالهم، فقال: الآن حَمِيَ الوَطِيسُ، ثم تناول حصيات من الأرض، ثم قال:"شاهت الوجوه"،
(1) زاد في نسخة: "قال".
(2)
"معالم السنن"(2/ 301).
وَجَلَسَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: "مَنْ قَتَلَ قَتِيلًا لَهُ عَلَيْهِ بَيِّنَةٌ فَلَهُ سَلَبُهُ"، قَالَ: فَقُمْتُ ثُمَّ قُلْتُ: مَنْ يَشْهَدُ لِى؟ ثُمَّ جَلَسْتُ، ثُمَّ قَالَ ذَلِكَ الثَّانِيَةَ:«مَنْ قَتَلَ قَتِيلًا لَهُ عَلَيْهِ بَيِّنَةٌ فَلَهُ سَلَبُهُ» . قَالَ: فَقُمْتُ ثُمَّ قُلْتُ: مَنْ يَشْهَدُ لِى؟ ثُمَّ جَلَسْتُ، ثُمَّ قَالَ ذَلِكَ الثَّالِثَةَ، فَقُمْتُ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم «مَا لَكَ يَا أَبَا قَتَادَةَ؟ » ، فَاقْتَصَصْتُ عَلَيْهِ الْقِصَّةَ، فَقَالَ رَجُلٌ مِنَ الْقَوْمِ:
===
فرمى بها في وجوه المشركين، فما كان إنسان منهم إلا وقد امتلأت عيناه من تلك القبضة من التراب، فولى المشركون الأدبار.
(وجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم) لما وضعت الحرب أوزارها، وفرغ من قتال المشركين (فقال: من قتل قتيلًا (1) له عليه بينة فله سلبه، قال) أبو قتادة:(فقمت، ثم قلت (2): من يشهد لي؟ ) بأني قتلت قتيلًا (ثم جلست، ثم قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم (ذلك) أي: الكلام المذكور المرة (الثانية (3): من قتل قتيلًا له عليه بينة فله سلبه، قال) أبو قتادة:(فقمت) ثانيًا (ثم قلت: من يشهد لي؟ ثم جلست) لأنه لم يشهد لي أحد.
(ثم قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم (ذلك) أي: الكلام المذكور (الثالثة) أي المرة الثالثة (فقمت) ثالثًا (فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما لك يا أبا قتادة؟ (4) فاقتصصت عليه القصة) أي قصة قتل الرجل (فقال رجل من القوم) من أهل مكة من قريش، ولم أقف على تسميته، وذكر الواقدي: أن اسمه أسود بن خزاعي، وفيه نظر، لأن الرواية الصحيحة أن الذي أخذه قرشي، قاله الحافظ في "الفتح"(5).
(1) قال أحمد: لا يقبل إلَّا ببينة، وحكي الإجماع عليه، وقال الأوزاعي: لا يحتاج إليها، وهو قول لمالك، وقال الدسوقي: إن قال الإِمام: له عليه بينة يحتاج إليها، وإلَّا ففيه قولان، وقال طائفة من أهل الحديث: يكفي شاهد ويمين، كذا في "الأوجز"(9/ 205). (ش).
(2)
جهارًا، أو في نفسي، "الأوجز"(9/ 226). (ش).
(3)
في هذا الوقت، أو في وقت آخر. (ش).
(4)
تقوم وتقعد. (ش).
(5)
انظر: "فتح الباري"(8/ 37).
صَدَقَ يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَسَلَبُ ذَلِكَ الْقَتِيلِ عِنْدِى، فَأَرْضِهِ مِنْهُ، فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ: لَاهَا اللَّهِ إِذًا
===
(صدق يا رسول الله) أي: أبو قتادة، (وسلب ذلك القتيل عندي، فأرضه) من باب الإفعال، أي: أرض أبا قتادة (منه) أي من السلب بأن تعوضه شيئًا عن ذلك السلب (فقال أبو بكر الصديق (1): لاها الله إذًا) (2)، قال الخطابي (3): هكذا يروى، والصواب:"لاها الله ذا" بغير ألف قبل ذا، فمعناه في كلامهم: لا والله، يجعلون ها مكان واو القسم، ومعناه: لا والله لا يكون ذا.
قال الحافظ (4): وأما "إذًا" فثبتت في جميع الروايات المعتبرة والأصول المحققة من "الصحيحين" وغيرهما بكسر الألف ثم ذال معجمة منونة، ثم نقل عن الخطابي وغيره من أهل العربية أنه خطأ، والصواب: لفظ "ذا".
ثم قال بعد كلام طويل: والعجب ممن يعتني بشرح الحديث، ويقدم نقل بعض الأدباء على أئمة الحديث وجهابذته، وينسبون إليهم الخطأ والتصحيف، ولا أقول: إن جهابذة المحدثين أعدل وأتقن في النقل إذ يقتضي المشاركة بينهم (5)، بل أقول: لا يجوز العدول عنهم في النقل إلى غيرهم.
(1) وفي "مسند أحمد"(3/ 190) نسب هذا القول إلى عمر رضي الله عنه، فأما يرجح ما في الكتاب لأن أبا قتادة صاحب القصة، فهو أتقن، أو يوجه الجمع بأن عمر رضي الله عنه قاله تأييدًا لأبي بكر، كذا في "عمدة القاري"(12/ 293)، و"الأوجز"(9/ 228). (ش).
(2)
قال الموفق: هو يمين إذا أراد به اليمين، وإلا فلا، وهو مذهب الشافعي، انتهى، وجزم به الدردير أنه يمين بحذف حرف القسم، وإقامة هاء التنبيه مقامه. (ش).
(3)
"معالم السنن"(2/ 301).
(4)
وبسطه بما لا مزيد فيه (8/ 38 - 39 - 40). (ش).
(5)
في الأصل: "فيهم"، وهو تحريف.
يَعْمِدُ إِلَى أَسَدٍ مِنْ أُسْدِ اللَّهِ يُقَاتِلُ عَنِ اللَّهِ وَعَنْ رَسُولِهِ، فَيُعْطِيكَ سَلَبَهُ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:«صَدَقَ، فَأَعْطِهِ إِيَّاهُ» .
===
والذي يظهر لي أن الرواية المشهورة صواب وليست بخطأ، وذلك أن هذا الكلام وقع على جواب إحدى الكلمتين للأخرى (1)، والهاء هي التي عوض بها عن واو القسم، وذلك أن العرب تقول في القسم:"آلله لأفعلن" بمد الهمزة وقصرها، فكأنهم عوضوا عن الهمزة هاء، فقالوا:"هاالله" لتقارب مخرجيهما.
وأما إذًا فهي بلا شك حرف جواب وتعليل، وهي مثل التي وقعت في قوله صلى الله عليه وسلم وقد سئل عن بيع الرطب بالتمر فقال:"أينقص الرطب إذا جف؟ " قالوا: نعم، قال:"فلا إذًا"، فلو قال:"فلا والله إذًا" لكان مساويًا لما وقع هنا، وهو قوله:"لاها الله إذًا" من كل وجه، لكنه لم يحتج هناك إلى القسم فتركه، فقد وضح تقدير الكلام ومناسبته واستقامته معنى ووضعًا من غير حاجة إلى تكلف بعيد يخرج عن البلاغة.
ثم أثبت وقوع مثل هذا الكلام في أحاديث مختلفة متعددة، ثم قال في آخره: وإنما أطلت في هذا الموضع لأنَّني منذ طلبت [الحديث] ووقفت على كلام الخطابي وقعت عندي منه نفرة للإقدام على تخطئة الروايات الثابتة، خصوصًا ما في "الصحيحين"، فما زلت أتطلب المخلص من ذلك إلى أن ظفرت بما ذكرته، فرأيت إثباته كله هنا، والله الموفق.
(يعمد) أي: يقصد، بتقدير همزة الاستفهام للإنكار، ولفظ "البخاري":"لا يعمد" بحرف لا النافية (إلي أسد) أي إلى رجل كأنه أسد في الشجاعة (من أسد الله يقاتل عن الله) أي: عن دينه (وعن رسوله) فيأخذ حقه (فيعطيك سلبه؟ ) بغيرطيب من نفسه.
(فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: صدق) أي أبو بكر (فأعطه) أي: أبا قتادة (إياه)
(1) في الأصل: "على الأخرى"، وهو تحريف.
فَقَالَ (1) أَبُو قَتَادَةَ: فَأَعْطَانِيهِ، فَبِعْتُ الدِّرْعَ، فَابْتَعْتُ بِهِ مَخْرَفًا فِى بَنِى سَلِمَةَ، فَإِنَّهُ لأَوَّلُ مَالٍ تَأَثَّلْتُهُ فِى الإِسْلَامِ. [خ 4321، م 1571، ت 1562، جه 2837، حم 5/ 295]
===
أي: السلب (فقال أبو قتادة: فأعطانيه)(2) أي ذلك السلب (فبعت الدرع، فابتعت به) قال الحافظ (3): ذكر الواقدي أن الذي اشتراه منه حاطب بن أبي بلتعة، وأن الثمن كان سبع أواقي (مخرفًا (4)) بفتح الميم والراء ويجوز كسر الراء، أي: بستانًا، وذكر الواقدي أن البستان المذكور يقا ل له: الوديين (في بني سلمة) بكسر اللام، هم بطن من الأنصار، وهم قوم أبي قتادة (فإنه لأول مال تأثلته) أي: تملكته وجعلته أصل مالي (في الإِسلام).
قال في "بداية المجتهد"(5): وأما تنفيل الإِمام من الغنيمة لمن شاء، أعني أن يزيده على نصيبه، فإن العلماء اتفقوا على جواز ذلك، واختلفوا من أي شيء يكون النفل، وفي مقداره، وهل يجوز الوعد به قبل الحرب؟ وهل يجب السلب (6) للقاتل أم ليس يجب إلَّا أن ينفله له الإِمام؟ فهذه أربع مسائل، هي قواعد هذا الفصل.
أما المسألة الأولى: فإن قومًا قالوا: النفل يكون من خمس الواجب لبيت مال المسلمين، وبه قال مالك، وقال قوم: بل النفل إنما يكون من خمس
(1) في نسخة: "قال".
(2)
استدل بذلك من قال: لا يحتاج إلى البينة، وأجاب غيره بأن في هذا الحديث تصريحًا بقوله: له عليه بينة، فكيف بدونها؟ ولا حجة في هذا اللفظ على نفي البينة، كذا في "الأوجز"(9/ 195 - 196). (ش).
(3)
"فتح الباري"(8/ 40).
(4)
قوله: "المخْرفُ" بفتح الميم، البستان، وبكسر الميم كمنبر: زنبيل صغير يُخترف فيه أطايب الرطب.
(5)
"بداية المجتهد"(1/ 395).
(6)
قال ابن القيم (5/ 66): السلب كله للقاتل، ولم يخمسه، ولم يجعله من الخمس. (ش).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
===
الخمس، وهو حظ الإِمام فقط، وهو الذي اختاره الشافعي، وقال قوم: بل النفل من جملة الغنيمة، وبه قال أحمد (1) وأبو عبيد، ومن هؤلاء من أجاز تنفيل جميع الغنيمة، والسبب في اختلافهم هو: هل بين الآيتين الواردتين في المغانم تعارض، أم هما على التخيير؟ أعني قوله تعالى:{وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ} الآية (2)، وقوله تعالى:{يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَنْفَالِ} الآية (3).
فمن رأى أن قوله تعالى: {وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ} ناسخة لقوله تعالى: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَنْفَالِ} ، قال: لا نفل إلَّا من الخمس أو من خص الخمس، ومن رأى أن الآيتين لا معارضة بينهما وأنهما على التخيير، أعني أن للإمام أن ينفل من رأس الغنيمة من شاء، وله أن لا ينفِّل بأن يعطي جميع أرباع الغنيمة للغانمين قال بجواز النفل من رأس الغنيمة.
وأما المسألة الثانية: وهي ما مقدار ما للإمام أن ينفل من ذلك؟ عند الذين أجازوا النفل من رأس الغنيمة، فإن قومًا قالوا: لا يجوز أن ينفَّل أكثر من الثلث أوالربع على حديث حبيب بن مسلمة، وقال قوم: إن نفل الإِمام السرية جميع ما غنمت جاز مصيرًا إلى أن آية الأنفال غير منسوخة بل محكمة، وأنها على عمومها غير مخصصة، ومن رأى أنها مخصصة بهذا الأثر قال: لا يجوز أن ينفل أكثر من الثلث أو الربع.
وأما المسألة الثالثة: وهي هل يجوز الوعد بالتنفيل قبل الحرب أم ليس
(1) ما حكي من مذهب الشافعي ومالك هو الصحيح في مذهبهما، والصحيح في مذهب أحمد أن النفل من أربعة أخماس، ومذهب الحنفية أن التنفيل قبل الإحراز من أصل الغنيمة ولا يخمس، لكن الإِمام إن قيَّد بقوله: لكم كذا بعد الخمس فهو بعد الخمس، وأما بعد الإحراز بدار الإِسلام فلا يصح إلَّا من الخمس، كذا في "الأوجز"(9/ 126). (ش).
(2)
سورة الأنفال: الآية 41.
(3)
سورة الأنفال: الآية 1.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
===
يجوز ذلك؟ فإنهم اختلفوا فيه، فكره ذلك مالك، وأجازه جماعة، وجه قوله أن الغزو إنما يقصد به وجه الله العظيم، ولتكون كلمة الله هي العليا، وإذا وعد الإِمام بالنفل قبل الحرب خيف أن يسفك الغزاة دماءهم في حق غير الله، ووجه قول الجماعة ظاهر حديث حبيب بن مسلمة: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان ينفل في الغزو في البدء [الربع]، وفي القفول الثلث.
وأما المسألة الرابعة: وهي هل يجب سلب المقتول للقاتل، أو ليس يجب إلا أن ينفله الإِمام؟ فإنهم اختلفوا في ذلك، فقال مالك: لا يستحق القاتل سلب المقتول إلَّا أن ينفله له الإِمام على جهة الاجتهاد، وذلك بعد الحرب، وبه قال أبو حنيفة والثوري، وقال الشافعي وأحمد وأبو ثور وإسحاق وجماعة من السلف: هو واجب للقاتل، قال ذلك الإِمام أو لم يقله، ومن هؤلاء من جعل السلب له على كل حال، ولم يشترط في ذلك شرطًا، ومنهم من قال: لا يكون له السلب إلا إذا قتله مقبلًا غير مدبر، وبه قال الشافعي، ومنهم من قال: إنما يكون السلب للقاتل إذا كان القتل قبل معمعة الحرب أو بعدها، وأما إن قتله في حين المعمعة فليس له سلب، وبه قال الأوزاعي، وقال قوم: إن استكثر الإِمام السلب جاز أن يخمسه.
وسبب اختلافهم هو احتمال قوله عليه السلام يوم حنين بعد ما برد القتال: "من قتل قتيلًا فله سلبه"، أن يكون ذلك منه عليه الصلاة والسلام على جهة النفل، أو على جهة الاستحقاق للقاتل، ومالك رحمه الله قوي عنده أنه على جهة النفل من قِبَلِ أنه لم يثبت عنده أنه قال ذلك عليه الصلاة والسلام ولا قضى به إلا أيام حنين، ولمعارضة آية الغنيمة له إن حمل ذلك على الاستحقاق، أعني قوله تعالى:{وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ} الآية (1)، فإنه لما نص في الآية علم أن الأربعة الأخماس واجبة للغانمين، كما أنه لما نص على الثلث للأم في المواريث علم أن الثلثين للأب.
(1) سورة الأنفال: الآية 41.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
===
قال أبو عمر: وهذا القول محفوظ عنه صلى الله عليه وسلم في حنين وفي بدر، وروي عن عمر بن الخطاب أنه قال:"كنا لا نخمس السلب على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم".
وخرج أبو داود (1) عن عوف بن مالك الأشجعي وخالد بن الوليد: "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قضى بالسلب للقاتل"، وخرج ابن أبي شيبة عن أنس بن مالك: أن البراء بن عازب حمل على مرزبان يوم الدارة، فطعن طعنة على قربوس سرجه، فبلغ سلبه ثلاثين ألفًا، فبلغ ذلك عمر بن الخطاب، فقال لأبي طلحة: إنا كنا لا نخمس السلب، وإن سلب البراء قد بلغ مالًا كثيرًا، ولا أراني إلا خمَّسته، قال: قال ابن سيرين: فحدثني أنس بن مالك أنه أول سلب خمس في الإِسلام، وبهذا تمسك من فرَّق بين السلب القليل والكثير.
واختلفوا في السلب الواجب، ما هو؟ فقال قوم: له جميع ما وجد على المقتول، واستثنى قوم من ذلك الذهب والفضة، انتهى ملخصًا.
وملخص ما في "شرح السير الكبير"(2): أن لفظ الأنفال في عبارة الفقهاء ما يخص الإِمام به بعض الغانمين، فذلك الفعل يسمى تنفيلًا، وذلك المال يسمى نفلًا.
ولا خلاف أن التنفيل جائز قبل الإصابة للتحريض على القتال، فإنه مأمور بالتحريض، لقوله تعالى:{يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى الْقِتَالِ} (3)، فهذا الخطاب لرسول الله صلى الله عليه وسلم ولكل من قام مقامه، فإن الشجعان قلما يتخاطرون بأنفسهم إذا لم يخصوا بشيء من المصاب، فإذا خصهم الإِمام بذلك، فذلك يغريهم على المخاطرة بأرواحهم وإيقاع أنفسهم في حَلَبَة العدو.
(1)"سنن أبي داود"(2722).
(2)
انظر: "شرح السير الكبير"(2/ 594).
(3)
سورة الأنفال: الآية 65.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
===
ولا يستحق القاتل السلب بدون تنفيل الإِمام عندنا، وعلى قول الشافعي - رحمة الله عليه-: من قتل مشركًا على وجه المبارزة وهو مقبل غير مدبر استحق سلبه، وإن لم يسبق التنفيل من الإِمام، لأن قول رسول الله صلى الله عليه وسلم:"من قتل قتيلاً فله سلبه" لنصب الشرع، ومثل هذا الكلام في لسان صاحب الشرع لبيان السبب، كقوله عليه السلام:"من بدل دينه فاقتلوه".
ولكنا نقول: لو قال رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه الكلمة بالمدينة بين يدي أصحابه، لم ينقل أنه قال هذا إلَّا بعد تحقق الحاجة إلى التحريض، فإن مالك بن أنس- رحمة الله عليه- قال: لم يبلغنا أن النبي صلى الله عليه وسلم قال في شيء من مغازيه: "من قتل قتيلًا فله سلبه" إلَّا في موضع يوم حنين، وذلك بعد ما انهزم المسلمون، ووقعت الحاجة إلى تحريضهم ليكروا، كما قال الله تعالى:{ثُمَّ وَلَّيْتُمْ مُدْبِرِينَ} (1).
وذكر محمد بن إبراهيم التيمي أنه قال ذلك يوم بدر وحنين أيضًا، وقد كانت الحاجة إلى التحريض يوم بدر معلومة، فعرفنا أنه إنما قال ذلك بطريق التنفيل للتحريض، لا بطريق نصب الشرع.
وأيد ما قلنا ما ذكر عبد الله بن شقيق قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم محاصرًا وادي القرى، فأتاه رجل فقال: ما تقول في الغنائم؟ فقال: "لله تعالى سهم، ولهؤلاء أربعة"، قال: فالغنيمة يغنمها الرجل؟ قال: "إن رميت في جنبك بسهم فلست بأحق به من أخيك المسلم".
فهذا دليل ظاهر على أن القاتل لا يستحق السلب بدون التنفيل، وعلى هذا القول اتفق أهل العراق والحجاز.
وقال أبو حنيفة- رحمة الله عليه-: لا نفل بعد إحراز الغنيمة، وهذا
(1) سورة التوبة: الآية 25.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
===
مذهب أهل العراق والحجاز، وأهل الشام يجوِّزون التنفيل بعد الإحراز، وممن قال به الأوزاعي- رحمة الله عليه-، وما قلنا دليل على فساد قولهم، لأن التنفيل للتحريض على القتال، وذلك قبل الإصابة لا بعدها، ولأن التنفيل لإثبات الاختصاص ابتداء، لا لإبطال حق ثابت للغانمين، أو لإبطال حق ثابت في الخمس لأربابها، وفي التنفيل بعد الإصابة إبطال الحق.
ثم استدل بحديث الحسن في الزمام: "أن رجلًا سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم زمامًا من شعر من المغنم، فقال: ويلك سألتني زمامًا من نار"
…
الحديث، وبحديث مجاهد:"أن رجلًا جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بكبَّةٍ من شعر من المغنم، فقال: هب لي هذه، فقال: أما نصيبي منها فلك"، وبحديث أبي الأشعث الصنعاني قال:"جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم ومعه زمام من شعر" الحديث. ثم قال: ولو جاز التنفيل بعد الإصابة لما حرمه رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك مع صدق حاجته.
ثم قال: والذي روي أن النبي صلى الله عليه وسلم نفَّل بعد الإحراز، فإنما يُحمل على أنه أعطى ذلك من الخمس باعتبار أنه من المساكين، أو أعطى ذلك من سهم نفسه من الخمس، أو من الصفي الذي كان له، أو أعطى ذلك مما أفاء الله تعالى عليه لا بإيجاف الخيل والركاب، فقد كان الأمر فيها مفوضًا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، كما قال الله تعالى:{قُلِ الْأَنْفَالُ لِلَّهِ وَالرَّسُولِ} (1).
وذكر عن خالد بن الوليد وعوف بن مالك رضي الله عنهما أنهما كانا لا يخمسان الأسلاب، وعن حبيب بن مسلمة ومكحول:"أن السلب مغنم وفيه الخمس"، وهكذا روي عن ابن عباس رضي الله عنهما: وإنما نأخذ بقول هؤلاء لقوله تعالى: {وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ} (2)، والسلب من الغنيمة،
(1) سورة الأنفال: الآية 1.
(2)
سورة الأنفال: الآية 41.
2718 -
حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ، ثَنَا حَمَّادٌ ،عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِى طَلْحَةَ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَوْمَئِذٍ - يَعْنِى يَوْمَ حُنَيْنٍ -: «مَنْ قَتَلَ كَافِرًا فَلَهُ سَلَبُهُ» . فَقَتَلَ أَبُو طَلْحَةَ يَوْمَئِذٍ عِشْرِينَ رَجُلًا، وَأَخَذَ أَسْلَابَهُمْ، وَلَقِىَ أَبُو طَلْحَةَ أُمَّ سُلَيْمٍ وَمَعَهَا خِنْجَرٌ، فَقَالَ: يَا أُمَّ سُلَيْمٍ، مَا هَذَا مَعَكِ؟ قَالَتْ: أَرَدْتُ وَاللَّهِ إِنْ دَنَا مِنِّى بَعْضُهُمْ أَبْعَجُ بِهِ بَطْنَهُ، فَأَخْبَرَ بِذَلِكَ أَبُو طَلْحَةَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم". [م 1809، حم 3/ 114 - 123، دي 2484 (مختصرًا)]
===
وتأويل ما نقل عن خالد وعوف إذا تقدم التنفيل من الإِمام لقوله: "من قتل قتيلًا فله سلبه". وعندنا في هذا الموضع لا يخمس السلب، وأما بدون التنفيل يخمس، انتهى ملخصًا (1).
2718 -
(حدثنا موسى بن إسماعيل، ثنا حماد، عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة، عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يومئذ -يعني يوم حنين-: من قتل كافرًا فله سلبه، فقتل أبو طلحة (2) يومئذ عشرين رجلًا، وأخذ أسلابهم) وفيه أن السلب للقاتل وإن كثر المقتول (ولقي أبو طلحة أم سليم) زوجته (ومعها) الواو للحال (خنجر) قال في "القاموس": كجعفر: السكين، أو العظيمة منها، ويكسر خاؤه.
(فقال: يا أم سليم، ما هذا معك؟ ) ولأي شيء أخذته (قالت: أردت والله إن دنا) أي: قرب (مني بعضهم) أي الكفار (أبعج به) أي: أشق به (بطنه، فأخبر بذلك أبو طلحة رسول الله صلى الله عليه وسلم).
(1) انظر: "شرح السير الكبير"(2/ 603).
(2)
ظاهره تعقيب القتل عن القول، واستدل بذلك على جوازه خلافًا لمالك، إذ كَرِهَ تقديم القول لئلا يفسد النيات، كذا في "الأوجز"(9/ 223). (ش).