الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
نَا الْحَجَّاجُ بْنُ أَبِي عُثْمَانَ، عن أَبِي الزُّبَيْرِ، أَنَّ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ حَدَّثَهُمْ قَالَ:"كَانَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَتَخَلَّفُ فِي الْمَسِيرِ، فَيُزْجِي الضَّعِيفَ، وُيرْدِفُ، وَيَدْعُو لَهُمْ". [ق 5/ 257، ك 2/ 115]
(98) بَابٌ: عَلَى مَا يُقَاتَلُ الْمُشْرِكُونَ
؟
2640 -
حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، نَا أَبُو مُعَاوِيَةَ، عن الأَعْمَشِ، عن أَبِي صَالِحٍ، عن أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "أُمِرْتُ أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَقُولُوا لَا إِلهَ إِلَّا اللَّه، فَإِذَا قَالُوهَا مَنَعُوا مِنِّي دِمَاءَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ إِلَّا بِحَقِّهَا، وَحِسَابُهُمْ عَلَى اللَّهِ عز وجل". [تقدَّم برقم 1556]
===
نا الحجاج بن أبي عثمان، عن أبي الزبير، أن جابر بن عبد الله حدثهم قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتخلف) أي يمشي خلف الناس (في المسير فيزجي) أي يسوق (الضعيف، ويردف) خلفه من عَتَبَ أو عَيِيَ ظهره (ويدعو لهم) أي للذين معهم أو لجميع المسلمين.
(98)
(بَابٌ: عَلَى مَا يُقَاتَلُ) ببناء المجهول (المُشْرِكُونَ؟ )
2640 -
(حدثنا مسدد، نا أبو معاوية، عن الأعمش، عن أبي صالح، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا: لا إله إلَّا الله) أي: حتى يسلموا (فإذا قالوها) أي: تلك الكلمة، وقبلوا الإسلام (منعوا مني دماءهم وأموالهم) لا يجوز التعرض لأموالهم ودمائهم (إلَّا بحقها) وهو الزنا بعد إحصان، وكفر بعد إسلام، وقتل نفس فيقتل بها، وحق المال زكاة السوائم والعشر وغيرها.
(وحسابهم على الله عز وجل ومعنى قولهم: "وحسابهم على الله" أنهم إذا أسلموا في الظاهر يجري عليهم حكم الإسلام، وإن كانوا في الباطن على خلاف ذلك، فإذا كان باطنهم على خلاف ظاهرهم لا يتعرض لهم في الدنيا، ولكن يؤاخذ به في الآخرة، فيعاقبون عليه لأنهم منافقون، وإنما لم يذكر فيه
2641 -
حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ يَعْقُوبَ الطَّالْقَانِيُّ، نَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ، عن حُمَيْدٍ، عن أَنَسٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "أُمِرْتُ أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَشْهَدُوا أَنْ لَا إِلهَ إِلَّا اللَّهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، وَأَنْ يَسْتَقْبِلُوا قِبْلَتَنَا، وَأَنْ يَأْكُلُوا ذَبِيحَتَنَا، وَأَنْ يُصَلُّوا صَلَاتَنَا، فَإِذَا فَعَلُوا ذَلِكَ حَرُمَتْ عَلَيْنَا دِمَاؤُهُمْ وَأَمْوَالُهُمْ إِلَّا بِحَقِّهَا، لَهُمْ مَا لِلْمُسْلِمينَ، وَعَلَيْهِمْ مَا عَلَى الْمُسْلِمِينَ". [خ 392، ن 5003، ت 2608، حم 3/ 199]
2642 -
حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ دَاوُدَ الْمَهْرِيُّ، أَنَا ابْنُ وَهْبٍ، أَخْبَرَنِي يَحْيَى بْنُ أَيُّوبَ، عن حُمَيْدٍ الطَّوِيلِ، عن أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ:
===
الجزية، لأن المراد بالناس في قوله:"أقاتل الناس": مشركو العرب، فلا يقبل منهم جزية.
2641 -
(حدثنا سعيد بن يعقوب الطالقاني) أبو بكر، قال أبو زرعة والنسائي: ثقة، وقال أبو حاتم: صدوق، وقال مسلمة والدارقطني: ثقة، وذكره ابن حبان في "الثقات"، وقال: ربما أخطأ، (نا عبد الله بن المبارك، عن حميد، عن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلَّا الله، وأن محمدًا عبده ورسوله، وأن يستقبلوا قبلتنا) أي: يولوا وجوههم في الصلاة إلى الكعبة (وأن يأكلوا ذبيحتنا) أي: يذبحوا بالتكبير فيأكلوا الذبيحة (وأن يصلوا صلاتنا) أي: الصلوات الخمسة.
(فإذا فعلوا ذلك) أي: قبلوا ذلك وأسلموا وانقادوا لجميع الشرائع (حرمت علينا دماؤهم وأموالهم إلَّا بحقها) أي بحق الدماء والأموال (لهم) من الفيء والغنيمة في الدنيا، والأجر والثواب في الآخرة (ما للمسلمين) أي لجميع المسلمين (وعليهم) أي: ويلزم عليهم من العقوبة في الدنيا والآخرة (ما على المسلمين).
2642 -
(حدثنا سليمان بن داود المهري، أنا ابن وهب، أخبرني يحيى بن أيوب، عن حميد الطويل، عن أنس بن مالك قال:
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "أُمِرْتُ أَنْ أُقَاتِلَ الْمُشْرِكِينَ" بِمَعْنَاهُ. [ت 2608، حم 3/ 199، قط 1/ 232، ق 2/ 3]
2643 -
حَدَّثَنَا الْحَسَنُ وَعُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، الْمَعْنَى، قَالَا، نَا يَعْلَى بْنُ عُبَيْدٍ، عن الأَعْمَشِ، عن أَبِي ظَبْيَانَ، نَا أُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ قَالَ: بَعَثَنَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم سَرِيَّةً إِلى الْحُرَقَاتِ، فَنَذِرُوا بِنَا، فَهَرَبُوا، فَأَدْرَكْنَا رَجُلًا، فَلَمَّا غَشِينَاهُ قَالَ: لَا إِلهَ إِلَّا اللَّه، فَضَرَبْنَاهُ حَتَّى قَتَلْنَاهُ، فَذَكَرْتُهُ للنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ:
===
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أمرت أن أقاتل المشركين) من العرب (بمعناه) أي بمعنى الحديث المتقدم.
2643 -
(حدثنا الحسن) بن علي (وعثمان بن أبي شيبة، المعنى) أي معنى حديثيهما واحد (قالا: نا يعلي بن عبيد، عن الأعمش، عن أبي ظبيان) حصين بن جندب بن الحارث بن وحشي بن مالك الجنبي الكوفي، قال ابن معين والعجلي وأبو زرعة والنسائي والدارقطني: ثقة، (نا أسامة بن زيد قال: بعثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم سرية (1) إلى الحرقات) بضم الحاء وفتح الراء المهملتين ثم قاف، اسم لقبائل من جهينة، كذا في "فتح الودود"، وفي "معجم البلدان" (2): بضمتين وقاف وآخره تاء فوقها نقطتان: موضع (3).
(فنذروا) أي علموا (بنا) أي بهجومنا (فهربوا، فأدركنا رجلًا) سمَّاه ابن هشام في "سيرته"(4): مرداس بن نهيك (فلما غشيناه) أي: علونا عليه (قال: لا إله إلَّا الله، فضربناه) بالسيف (حتى قتلناه، فذكرته للنبي صلى الله عليه وسلم، فقال)
(1) في سنة 8 هـ، تسمى سرية أسامة إلى الحرقات، وقيل: بعث غالب بن عبد الله إلى فدك، وقيل: هما اثنان، كذا في "الوقائع والدهور" للعبد الضعيف. (ش).
(2)
"معجم البلدان"(2/ 243).
(3)
وفي "فتح الباري"(7/ 517): "الحرقات" نسبة إلى رجل من جهينة اسمه: جهيش بن عامر، تسمى الحرقة: لأنه حرَّق قومًا بالقتل فبالغ في ذلك.
(4)
انظر: "سيرة ابن هشام"(4/ 271).
"مَنْ لَكَ بلَا إِلهَ إِلَّا اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ؟ " فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّمَا قَالَهَا مَخَافَةَ السِّلَاحِ، قَالَ:"أَفَلَا شَقَقْتَ عن قَلْبِهِ حَتَّى تَعْلَمَ مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ قَالَهَا أَمْ لَا؟ مَنْ لَكَ بِلَا إِلهَ إِلَّا اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ؟ "، فَمَا زَالَ يَقُولُهَا (1) حَتَّى وَدِدْتُ أَنِّي لَمْ أُسْلِمْ إِلَّا يَوْمَئِذٍ. [خ 4269، م 96، ق 8/ 19]
2644 -
حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، عن اللَّيْثِ، عن ابْنِ شِهَابٍ، عن عَطَاءِ بْنِ يَزيدَ اللَّيْثِيِّ، عن عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَدِيِّ بْنِ الْخِيَارِ، عن الْمِقْدَادِ بْنِ الأَسْوَدِ، أَنَّهُ أَخْبَرَهُ، أَنَّهُ قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَرَأَيْتَ إِنْ لَقِيتُ رَجُلًا مِنَ الْكُفَّارِ
===
النبي صلى الله عليه وسلم: (من لك) أي: من المنجي لك أو المُعين لك (بلا إله إلَّا الله يوم القيامة؟ ) أي إذا جاء لا إله إلَّا الله ممثلًا بصورة مخاصم ويخاصمك.
(فقلت: يا رسول الله! إنما قالها) أي قال ذلك الرجل تلك الكلمة (مخافة السلاح، قال) النبي صلى الله عليه وسلم: (أفلا) وفي رواية "البخاري" و"مسلم": "فهلا"(شققت عن قلبه حتى تعلم من أجل ذلك) أي الخوف (قالها أم لا؟ )، والحاصل أن الاطلاع على ما في قلبه غير ممكن، وإن كان بالشق عن القلب، فلما لم يمكن الاطلاع على الباطن، فكيف قتلته على ظنك الفاسد.
(من لك بلا إله إلَّا الله يوم القيامة؟ ) كرره تهويلًا لشأن القتل بعد ظهور الإسلام (فما زال يقولها) تهويلًا وسدًا للباب على الآخرين (حتى وددت أني لم أسلم إلَّا يومئذ) أي: من شدة تهديده، لأن الإسلام يهدم ما كان قبله.
2644 -
(حدثنا قتيبة بن سعيد، عن الليث، عن ابن شهاب، عن عطاء بن يزيد الليثي، عن عبيد الله بن عدي بن الخيار، عن المقداد بن الأسود (2)، أنه أخبره، أنه قال: يا رسول الله! أرأيت) أخبرني (إن لقيت رجلًا من الكفار) في
(1) في نسخة: "يقول".
(2)
ذكرت الرواية في "مجمع الزوائد" بسياق آخر (5/ 601). (ش).
فَقَاتَلَنِي (1) فَضَرَبَ إِحْدَى يَدَيَّ بِالسَّيْفِ ثُمَّ لَاذَ مِنِّي بِشَجَرَةٍ، فَقَالَ: أَسْلَمْتُ للَّهِ، أَفَأَقْتُلُهُ يَا رَسُولَ اللَّهِ، بَعْدَ أَنْ قَالَهَا؟ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:"لَا تَقْتُلْهُ"، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّهُ قَطَعَ يَدِي، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:"لَا تَقْتُلْهُ، فَإِنْ قَتَلْتَهُ فَإِنَّهُ بِمَنْزِلَتِكَ قَبْلَ أَنْ تَقْتُلَهُ، وَأَنْتَ بِمَنْزِلَتِهِ قَبْلَ أَنْ يَقُولَ كَلِمَتَهُ الَّتِي قَالَ". [خ 6865، م 95، السنن الكبرى للنسائي 8591]
===
مقاتلتهم (فقاتلني، فضرب إحدى يدي بالسيف) أي: فقطعها (ثم لاذ) فعل ماض من لاذ يلوذ، أي: عاذ واعتصم (مني بشجرة فقال: أسلمت لله، أفأقتله يا رسول الله بعد أن قالها؟ ) أي تلك الكلمة، وهي:"أسلمت لله".
(قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا تقتله)، قال القاري (2): يستفاد من نهيه عن القتل والتعرض له ثانيًا بعد ما كرر أنه قطع إحدى يديه أن الحربي إذا جنى على مسلم، ثم أسلم لم يؤاخذ بالقصاص، إذ لو وجب لرخص في قطع إحدى يديه قصاصًا.
(فقلت: يا رسول الله! انه قطع يدي، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا تقتله، فإن قتلته) بعد ما تكلم بالإسلام (فإنه بمنزلتك) في عصمة الدم (قبل أن تقتله) أي قبل قتلك إياه (وأنت) في إباحة الدم (بمنزلته) أي بمنزلة ذلك الرجل (قبل أن (3) يقول كلمته التي قال) وهي كلمة الإسلام.
قال القاري (4): قوله: "فإنه بمنزلتك" لأنه صار مسلمًا معصوم الدم قبل أن فعلت فعلتك التي أباحت دمك قصاصًا، والمعنى كما كنت قبل قتله مَحْقُونُ الدم بالإسلام، كذلك هو بعد الإسلام، وقوله:"أنت بمنزلته"، لأنك صرت
(1) في نسخة: "يقاتلني".
(2)
"مرقاة المفاتيح"(7/ 10).
(3)
وفي "شرح الطحاوي" للعيني: معناه أنك كنت كذلك قبل أن تقول الكلمة التي قالها، وذاك حين كنت بمكة بين المشركين تكتم إيمانك، فلعله أيضًا كتم إيمانه. (ش).
(4)
"مرقاة المفاتيح"(7/ 10).
(1)
2645 -
حَدَّثَنَا هَنَّادُ بْنُ السَّرِيِّ، نَا أَبُو مُعَاوِيَةَ، عن إِسْمَاعِيلَ، عن قَيْسٍ، عن جَرِيرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: بَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم سَرِيَّةً إِلى خَثْعَمٍ، فَاعْتَصَمَ نَاسٌ مِنْهُمْ بِالسُّجُودِ، فَأَسْرَعَ فِيهِم الْقَتْلَ، قَالَ - أَي جَرِيْرٌ -: فَبَلَغَ ذَلِكَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَأَمَرَ لَهُمْ بِنِصْفِ الْعَقْلِ، وَقَالَ: "أَنَا بَرِيءٌ مِنْ كُلِّ مُسْلِمٍ يُقِيمُ بَيْنَ أَظْهُرِ
===
مباح الدم، كما هو مباح الدم قبل الإسلام، لكن السبب مختلف، لأن إباحة دم القاتل بحق القصاص، وإباحة دم الكافر بحق الإسلام.
2645 -
(حدثنا هناد بن السري، نا أبو معاوية، عن إسماعيل) بن أبي خالد، (عن قيس) بن أبي حازم، (عن جرير بن عبد الله قال: بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم سرية إلى خثعم)، قال في "القاموس": خثعم كجعفر: جبل، وأهله خثعميون، وابن أنمار: أبو قبيلة من مَعَدٍّ (فاعتصم ناس منهم) أي: من أهل خثعم (بالسجود) عن القتل بأنهم ظنوا أن المسلمين إذا رأونا ساجدين تيقنوا بإسلامنا فلا يقتلوننا، فلم يلتفت المسلمون إلى سجودهم.
(فأسرع فيهم القتل) أي: فشا وشاع (قال -أي جرير-: فبلغ ذلك) أي خبر قتلهم (النبي صلى الله عليه وسلم فأمر لهم) أي: لعصباتهم وورثتهم (بنصف العقل)(2)، لأنهم أعانوا على أنفسهم بمقامهم بين الكفرة، فكانوا كمن هلك بفعل نفسه وفعل غيره، فسقط حصة جنايته (وقال: أنا بريء من كل مسلم يقيم بين أظهر
(1) زاد في نسخة: "باب النهي عن قتل من اعتصم بالسجود".
(2)
وفي "إزالة الخفاء"(3/ 122): أمر بنصف الدية استطابة لهم وزجرًا للمسلمين في ترك التثبت، والأوجه عندي أنه على طريق الصلح، يشهد له كتاب عمر إلى أبي عبيدة: احرص على الصلح إذا لم يستبن لك القضاء، انتهى، ووجه ابن الهمام في العتق بوجه آخر، فقال: سجودهم يحتمل كونه لله تعالى وكونه تعظيمًا لهم، كما هو معروف، فصار احتمالان، فجعل نصف العقل.
الْمُشْرِكِينَ". قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، لِمَ؟ قَالَ: "لَا تَرَايَا (1) نَارَاهُمَا". [ت 1604، ق 9/ 142]
===
المشركين) ولفظ أظهر مقحم.
(قالوا: يا رسول الله! لم؟ ) أي: لم سقط نصف الدية، أو لم برئت من مسلم يقيم بين أظهر المشركين؟ (قال: لا ترايا) (2) من باب التفاعل من الرؤية، يقال: تراءى القوم، إذا رأى بعضهم بعضًا، وإسناد الترائي إلى النار مجاز، وأصله تتراءى، فحذف إحدى التائين تخفيفًا (ناراهما).
قال الخطابي (3): في معناه ثلاثة وجوه، قيل: معناه لا يستوي حكمهما، وقيل: معناه أن الله فرق بين داري الإسلام والكفر، فلا يجوز لمسلم أن يساكن الكفار في بلادهم، حتى إذا أوقدوا نارًا كان منهم بحيث يرى نارهم، ويرون ناره إذا أوقدت، وقيل: معناه لا يتسم المسلم بسمة المشرك ولا يشبه به في هديه وشكله.
وكتب مولانا محمد يحيى المرحوم من تقرير شيخه رحمه الله: قوله: لم يا رسول الله؟ الظاهر أنهم سألوا عن وجه التبري، ويمكن أن يكون السؤال عن وجه سقوط النصف من العقل، وأما وجوب الدية فكان ظاهرًا لأنهم مسلمون، وعلى كل من التوجيهين ينطبق الجواب، يعني إنما برئت، لأنهم خالفوا الواجب عليهم، حيث أمرتهم أن يكونوا من الكفار بحيث لا تتراءى ناراهما، أو إنما سقط النصف من دياتهم، لأنهم تسببوا لقتلهم، حيث أقاموا فيهم مع ما أمروا بالبعد عنهم، فكان قتلهم مضافًا إلى علتين:
أولاهما: قلة حزم القاتلين حيث لم يتثبتوا أمرهم، والثانية: إقامتهم في مقام المشركين، ومن ها هنا تستنبط مسألة وهي أن الفارسين إذا تصادما وماتا، فعلى القاتل منهما للمقتول نصف الدية، لأنه إنما هلك بقلة حزمه وقلة حزم صاحبه، فسقط من ديته حصته.
(1) في نسخة: "لا تراءى".
(2)
وفي "الفتاوى الحديثية": هو علة للبراءة حذفت أداتها، انتهى. (ش).
(3)
انظر: "معالم السنن"(2/ 272).
قَالَ أَبُو دَاوُدَ: رَوَاهُ مَعْمَرٌ وَهُشَيْمٌ (1) وَخَالِدٌ الْوَاسِطِيُّ وَجَمَاعَةٌ لَمْ يَذْكُرُوا جَرِيرًا.
===
(قال أبو داود: رواه معمر وهشيم وخالد الواسطي (2) وجماعة لم يذكروا جريرًا) أي: رووه مرسلًا، وأخرجه الترمذي في "باب ما جاء في الكراهية في المقام بين أظهر المشركين" فأخرج حديث أبي معاوية، عن إسماعيل بن أبي خالد، عن قيس بن أبي حازم مسندًا، ثم أخرج من حديث عبدة، عن إسماعيل بن أبي خالد مثل حديث أبي معاوية، وقال: لم يذكر فيه عن جرير، وهذا أصح، ثم قال: وأكثر أصحاب إسماعيل قالوا: عن إسماعيل، عن قيس بن أبي حازم: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث سرية، ولم يذكروا فيه عن جرير، وروى حماد بن سلمة، عن الحجاج بن أرطاة، عن إسماعيل بن أبي خالد، عن قيس، عن جرير مثل حديث أبي معاوية، وسمعت محمدًا يقول: الصحيح حديث قيس، عن النبي صلى الله عليه وسلم مرسلًا، انتهى.
قلت: ولم أجد في السير ذكر هذه السرية سرية خثعم، إلَّا ما ذكره القسطلاني في "المواهب"(3) والدياربكري في "تاريخ الخميس"(4) بأنه أمَّر قطبة بن عامر بن حديدة على عشرين رجلًا، وبعثه إلى قبيلة خثعم بناحية بيشة [قريبًا] من تربة بضم التاء وفتح الراء من أعمال مكة سنة تسع، وأمره أن يشنوا الغارة عليهم، فاقتتلوا قتالًا شديدًا حتى كثر الجرحى في الفريقين جميعًا، وقتل قطبة من قتل، وساقوا الإبل والغنيمة إلى المدينة.
(1) في نسخة بدله: "رواه هشيم ومعتمر"[قلت: وفي "تحفة الأشراف" (3227) أيضًا: "معتمر"].
(2)
رواية هشيم أخرجها أبو عبيد القاسم بن سلام في "غريب الحديث"(3/ 56). ورواية معتمر بن سليمان أخرجها سعيد بن منصور في "سننه"(2/ 249) رقم (2636)، أما رواية خالد الواسطي فلم أجد فيما عندي من الكتب.
(3)
انظر: "المواهب اللدنية"(1/ 618).
(4)
"تاريخ الخميس"(2/ 120).