الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
تسحر مع حذيفة، ذكره النسائي
(1)
.
11 -
باب الفطر قبل غروب الشمس
212/ 2258 - عن أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنها قالت: أفطرنا يومًا في رمضان في غَيْم، في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم طلعت الشمس. قال أبو أسامة ــ وهو حماد بن أسامة ــ: قلت لهشام ــ وهو ابن عروة ــ: أُمِرُوا بالقضاء؟ قال: وبُدٌّ من ذلك؟!
وأخرجه البخاري والترمذي وابن ماجه
(2)
. قال البخاري: قال معمر: سمعتُ هشامًا يقول: لا أدري، أقضَوا أم لا.
قال ابن القيم رحمه الله: واختلف الناس، هل يجب القضاء في هذه الصورة؟ فقال الأكثرون: يجب. وذهب إسحاق بن راهويه وأهل الظاهر إلى أنه لا قضاء عليهم، وحكمهم حكم من أكل ناسيًا
(3)
. وحكي ذلك عن الحسن
(4)
ومجاهد
(5)
.
(1)
. أعلَّ النسائي الرواية المرفوعة بقوله ــ كما في «تحفة الأشراف» (3/ 32) ــ: «لا نعلم أحدًا رفعه غير عاصم» . وعاصم صدوق في حفظه لين. وقد خالفه عدي بن ثابت فرواه عن زرٍّ عن حذيفة موقوفًا، أخرجه النسائي (2153). ويؤيده ما أخرجه عبد الرزاق (7606) عن شقيق بن سلمة قال: انطلقت أنا وزرّ بن حبيش إلى حذيفة
…
فذكره بنحوه موقوفًا.
(2)
. أبو داود (2359)، والبخاري (1959)، وابن ماجه (1674)، ولم أجده في «جامع الترمذي» ولا عزاه إليه في «تحفة الأشراف» (15749).
(3)
. انظر: «الاستذكار» (3/ 344)، و «المغني» (4/ 389)، و «مسائل إسحاق» للكوسج (1/ 293)، و «المحلَّى» (6/ 222 - 223).
(4)
. أخرجه عنه ابن أبي شيبة (9144).
(5)
. كذا نسب هذا القول إليه في «المغني» ، والمؤلف صادر عنه. والذي أخرجه عبد الرزاق (7389) بإسناد صحيح عنه أنه قال:«إذا أفطر الرجل في رمضان ثم بدت الشمس فعليه أن يقضيه، وإن أكل في الصبح وهو يُرى أنه الليل لم يقضه» . وأخرج ابن أبي شيبة (9142) أوّله مختصرًا.
واختلف فيه على عمر، فروى زيد بن وهب قال: كنت جالسًا في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم في رمضان في زمن عمر، فأُتِينا بِعِساسٍ
(1)
فيها شراب من بيت حفصة، فشربنا ونحن نرى أنه من الليل، ثم انكشف السحاب فإذا الشمس طالعة، قال: فجعل الناس يقولون: نقضي يومًا مكانه، فسمع بذلك عمر فقال: والله لا نقضيه! وما تجانفنا لإثم» رواه البيهقي وغيره
(2)
.
وقد روى مالك في «الموطأ»
(3)
عن زيد بن أسلم: أن عمر بن الخطاب أفطر ذات يوم في رمضان في يوم ذي غيم، ورأى أنه قد أمسى وغابت الشمس، فجاءه رجل فقال له: يا أمير المؤمنين، قد طلعت الشمس، فقال عمر:«الخَطْب يسير، وقد اجتهدنا» . قال مالك: يريد بقوله: «الخطب يسير» القضاءَ فيما نُرى. والله أعلم. وكذلك قال الشافعي
(4)
.
وهذا لا يناقض الأثر المتقدم. وقوله: «وقد اجتهدنا» مُؤذِن بعدم القضاء، وقوله «الخطب يسير» إنما هو تهوين لما فعلوه وتيسير لأمره. ولكن قد رواه الأثرم والبيهقي
(5)
عن عمر، وفيه: «من كان أفطر فليصم يومًا
(1)
. في الأصل والطبعتين: «بكأس» تصحيف، والتصحيح من مصادر التخريج. والعِساس: جمع العُسّ، وهو القَدَح الكبير.
(2)
. رواه عبد الرزاق (7395)، وابن أبي شيبة (9145)، والبيهقي (4/ 217).
(3)
. برقم (837).
(4)
. «الأم» (3/ 238)، ونقله البيهقي في «السنن الكبرى» (4/ 217).
(5)
. (4/ 217)، وأخرجه أيضًا عبد الرزاق (7393)، وابن أبي شيبة (9045)، كلهم من طريق علي بن حنظلة عن أبيه عن عمر.
مكانه»، وقدم البيهقي هذه الرواية على رواية زيد بن وهب وجعلها خطأً، وقال: تظاهرت الروايات بالقضاء. قال: وكان يعقوب بن سفيان الفارسي
(1)
يَحمِل على زيد بن وهب بهذه الرواية المخالفة للروايات المتقدمة. قال: وزيد ثقة إلا أن الخطأ غير مأمون.
وفيما قاله نظر، فإن الرواية لم تتظاهر عن عمر بالقضاء، وإنما جاءت من رواية علي بن حنظلة عن أبيه، وكان أبوه صديقًا لعمر، فذكر القصة وقال فيها:«من كان أفطر فليصم يومًا مكانه» . ولم أر الأمر بالقضاء صريحًا إلا في هذه الرواية
(2)
.
وأما رواية مالك فليس فيها ذكر للقضاء ولا لعدمه، فتعارضت رواية حنظلة و [رواية] زيد بن وهب، وتَفْضُلُها رواية زيد بن وهب بقدرِ ما بين
(1)
. هو الفسوي الحافظ (ت 277)، وقد أخرج البيهقي أكثر روايات قصة عمر من طريقه، وهي في «المعرفة والتأريخ» له (2/ 765 - 768)، ثم ذكر الفسوي عقبها حديثَين آخرين لزيد مستنكرًا لهما وقال:«حديث زيد فيه خلل كثير» . وتعقّبه الذهبي بأنه لم يُصِب في الحَمْل على زيد بن وهب واستنكار أحاديثه، فإنه ثقة مخضرم من جلّة التابعين، من رجال الجماعة، متفق على الاحتجاج به، حتى إن الأعمش قال: إذا حدّثك زيد بن وهب عن أحد، فكأنك سمعته من الذي حدّثك عنه. انظر:«ميزان الاعتدال» (2/ 107).
(2)
. ورد الأمر بالقضاء في رواية أخرى أيضًا: رواية زياد بن علاقة، عن بِشر بن قيس، عن عمر. أخرجها عبد الرزاق (7394) والفسوي في «المعرفة والتأريخ» (2/ 766، 767) من طُرق عن زياد به. رجالها ثقات، لكنها معلّة، فإن زيادًا لم يسمع من بشر، وبينهما رجل مبهم كما في رواية ابن أبي شيبة (9047). وانظر «العلل» لابن أبي حاتم (669).
حنظلة وبينه من الفضل
(1)
.
وقد روى البيهقي
(2)
بإسناد فيه نظر عن صهيب أنه أمر أصحابه بالقضاء في قصة جرت لهم مثل هذه.
فلو قُدّر تعارض الآثار عن عمر لكان القياس يقتضي سقوط القضاء، لأن الجهل ببقاء اليوم كنسيان نفس الصوم، ولو أكل ناسيًا لصومه لم يجب عليه قضاؤه. والشريعة لم تُفرّق بين الجاهل والناسي، فإنّ كل واحدٍ منهما قد فعل ما يعتقد جوازَه وأخطأ في فعله، وقد استويا في أكثر الأحكام وفي رفع الآثام، فما الموجب للفرق بينهما في هذا الموضع؟ وقد جعل أصحاب الشافعي وغيرهم الجاهل المخطئ أولى بالعذر من الناسي في مواضع متعددة.
[ق 116] وقد يقال: إنه في صورة الصوم أعذر منه، فإنه مأمور بتعجيل الفطر استحبابًا، فقد بادر إلى أداء ما أمر به واستحبه له الشارع، فكيف يفسد
(1)
. حنظلة لا يُعرف عنه شيء، إلا أنه سمع عمر وروى عنه ابنه، كما في «التاريخ الكبير» (3/ 41) للبخاري، و «الثقات» لابن حبان (4/ 166). وأما زيد بن وهب فتابعي ثقة جليل القدر كما سبق. وانظر لترجمته:«سير النبلاء» (4/ 196)، و «الإصابة» (4/ 154) ط. دار هجر.
(2)
. (4/ 217) من طريق يوسف بن محمد بن يزيد الصُّهَيبي، عن شعيب بن عمرو بن سليم الأنصاري، عن صهيب.
يوسف بن محمد، قال عنه البخاري: فيه نظر، وقال أبو حاتم: لا بأس به. وشعيب بن عمرو ذكره البخاري وابن أبي حاتم، ولم يذكرا فيه جرحًا ولا تعديلًا. انظر «التاريخ الكبير» (8/ 379، 4/ 219) و «الجرح والتعديل» (9/ 228، 4/ 350).
صومه؟ وفساد صوم الناسي أولى منه، لأن فعله غير مأذون له فيه، بل غايته أنه عفو، فهو دون المخطئ الجاهل في العذر.
وبالجملة: فلم يُفرَّق بينهما في الحج، ولا في مفسدات الصلاة، كحمل النجاسة وغير ذلك.
وما قيل من الفرق بينهما بأن الناسي غير مكلف والجاهل مكلف؛ إن أريد به التكليف بالقضاء فغير صحيح، لأن هذا هو المتنازع فيه. وإن أريد به أن فعل الناسي لا ينتهض سببًا للإثم ولا يتناوله الخطاب الشرعي، فكذلك فعل المخطئ. وإن أريد أن المخطئ ذاكر لصومه مُقْدِم على قطعه، ففِعله داخل تحت التكليف بخلاف الناسي= فلا يصحّ أيضًا لأنه يعتقد خروج زمن الصوم، وأنه مأمور بالفطر، فهو مُقْدِم على فعل ما يعتقده جائزًا، وخطؤه في بقاء اليوم كنسيان الآكل في اليوم، فالفعلان سواء، فكيف يتعلق التكليف بأحدهما دون الآخر؟!
وأجود ما فرق به بين المسألتين: أن المخطئ كان متمكّنًا من إتمام صومه بأن يؤخر الفطر حتى يتيقّن الغروب، بخلاف الناسي فإنه لا يضاف إليه الفعل، ولم يكن يمكنه الاحتراز.
وهذا، وإن كان فرقًا في الظاهر، فهو غير مؤثر في وجوب القضاء، كما لم يؤثر في الإثم اتفاقًا. ولو كان منسوبًا إلى تفريط لَلَحِقَه الإثم، فلما اتفقوا على أن الإثم موضوع عنه دل على أن فعله غير منسوب فيه إلى تفريط، لا سيما وهو مأمور بالمبادرة إلى الفطر. والسبب الذي دعاه إلى الفطر غير منسوب إليه في الصورتين، وهو النسيان في مسألة الناسي، وظهورُ الظلمة وخفاءُ النهار في صورة المخطئ؛ فهذا أطعمه الله وسقاه بالنسيان، وهذا