الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
لحوم الحمر شيئًا»، فقال أناس: إنما نهى عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم لأنها لم تُخمَّس، وقال آخرون: نهى عنها البتة
(1)
. وقال البخاري في بعض طرقه
(2)
: «نهى عنها البتة لأنها كانت تأكل العَذِرة» . فهذه علّتان.
العلة الثالثة: حاجتهم إليها، فنهاهم عنها إبقاءً لها كما في حديث ابن عمر المتفق عليه
(3)
: «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن أكل لحوم الحمر الأهلية» ، زاد في طريق أخرى: وكان الناس قد احتاجوا إليها.
العلة الرابعة: أنه إنما حرمها لأنها رجس في نفسها. وهذه أصح العلل، فإنها هي التي ذكرها رسول الله صلى الله عليه وسلم بلفظه كما في «الصحيحين»
(4)
عن أنس قال: لما افتتح رسول الله صلى الله عليه وسلم خيبر أصبنا حمرًا خارجةً من القرية وطبخناها فنادى منادي رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ألا إن الله ورسوله ينهيانكم عنها فإنها رجس من عمل الشيطان» . فهذا نص في سبب التحريم، وما عدا هذه من العلل فإنما هي حدْسٌ وظنّ ممن قاله.
3 -
باب أكل الطافي
468/ 3667 - عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما أَلقَى البحرُ أو جَزَرَ عنه فكُلُوه، وما مات فيه وطَفَا فلا تأكلوه»
(5)
.
(1)
أخرجه البخاري (3155) ومسلم (1937).
(2)
برقم (4220).
(3)
سبق تخريجه، والزيادة الآتية عند مسلم برقم (561/ 25)(ج 3، ص 1538)
(4)
سبق تخريجه.
(5)
«سنن أبي داود» (3815)، من طريق يحيى بن سُليم الطائفي، عن إسماعيل بن أمية، عن أبي الزبير، عن جابر مرفوعًا. وقد أعله الأئمة بالوقف كما سيأتي.
قال أبو داود: روى هذا الحديث سفيان الثوري وأيوب وحماد، عن أبي الزبير، أوقفوه على جابر
(1)
. وقد أُسند هذا الحديث من وجهٍ ضعيف
(2)
.
وأخرجه ابن ماجه
(3)
.
قال ابن القيم رحمه الله: قال عبد الحق
(4)
: هذا الحديث إنما يرويه الثقات من قول جابر، وإنما أُسنِد من وجه ضعيف من حديث يحيى بن سُلَيم عن إسماعيل بن أمية عن أبي الزبير عن جابر. ومن حديث عبد العزيز بن عبيد الله
(5)
بن حمزة بن صهيب، ضعيف لم يرو عنه إلا إسماعيل بن عياش
(6)
.
وقال ابن القطان
(7)
: يحيى بن سليم وثقه ابن معين، وتَكلّم فيه غيرُه من أجل حفظه، والناس رووه موقوفًا غيرَ يحيى. وذكر أبو داود هذا الحديث وقال: رواه الثوري وحماد عن أبي الزبير، وقفاه على جابر، وقد أُسنِد من
(1)
رواية الثوري عند عبد الرزاق (8662)، ورواية أيوب عند ابن أبي شيبة (20104)، ولم أجد من أخرجه عن حماد.
(2)
لكلام أبي داود تتمة لم ترد في «المختصر» ، وستأتي في كلام ابن القطان الذي سينقله المؤلف.
(3)
برقم (3247)، من طريق يحيى بن سُليم الطائفي بمثل إسناد أبي داود مرفوعًا.
(4)
«الأحكام الوسطى» (4/ 124).
(5)
في الأصل: «عبد الله» ، خطأ. والتصويب من «الأحكام» ومصادر ترجمته.
(6)
أخرجه ابن عدي في «الكامل» (5/ 285)، والدارقطني (4713) وقال: عبد العزيز ضعيف لا يحتجّ به. وقال أبو زرعة عنه: مضطرب الحديث واهي الحديث، وقال أبو حاتم: منكر الحديث. «الجرح والتعديل» (5/ 387 - 388).
(7)
«بيان الوهم والإيهام» (3/ 576 - 577).
وجهٍ ضعيف عن ابن أبي ذئب عن أبي الزبير عن جابر
(1)
.
قال ابن القطان: فإن كان عبد الحق ضعّف المرفوعَ لكونه من رواية أبي الزبير، فقد تناقض، لتصحيحه الموقوف وهو عنه. وإن عنى به ضعف يحيى بن سليم ناقَضَ
(2)
، فكم من حديث صحّحه من روايته! ولم يخالِف يحيى بنَ سليم في رفعه عن إسماعيل بن أمية إلا من هو دونه، وهو إسماعيل بن عياش
(3)
. وأما إسماعيل بن أمية فلا يُسأل عن مثله.
وهذا عَنَت من ابن القطان، والحديث إنما ضُعِّف لأن الناس رووه موقوفًا على جابر، وانفرد برفعه يحيى بن سليم
(4)
، وهو مع سوء حفظه فقد خالف الثقات وانفرد عنهم، ومثل هذا لا يَحتج به أهلُ الحديث، فهذا هو الذي أراده أبو داود وغيره
(5)
من تضعيف الحديث.
وأما تصحيحه
(6)
حديث يحيى بن سليم في غير هذا، فلا إنكار عليه فيه؛ فهذه طريقة أئمة الحديث العالمين بعلله، يصححون حديث الرجل ثم
(1)
أخرجه الترمذي في «العلل الكبير» (ص 242)، والطبراني في «الأوسط» (5656)، والجصّاص في «أحكام القرآن» (1/ 134)، من طريق الحسين بن يزيد الطحّان، عن حفص بن غياث، عن ابن أبي ذئب به. الحسين بن يزيد ضعيف، وقال الترمذي: سألت محمدًا عن هذا الحديث فقال: ليس هذا بمحفوظ.
(2)
زاد في الطبعتين: «أيضًا» ، خلافًا للأصل.
(3)
رواية إسماعيل بن عياش، عن إسماعيل بن أمية، عن أبي الزبير، عن جابر موقوفًا أخرجها الدارقطني (4716)، وقال: موقوف هو الصحيح.
(4)
في الأصل و (هـ) وط. الفقي: «يحيى بن أبي سليم» ، خطأ.
(5)
كالدارقطني في «السنن» (4715 - 4718)، والبيهقي في «المعرفة» (13/ 463).
(6)
أي تصحيح عبد الحق الإشبيلي.
يضعفونه بعينه في حديث آخر إذا انفرد أو خالف الثقات. ومن تأمل هذا وتتبعه رأى منه الكثير، فإنهم يصححون حديثه لمتابعة غيره له أو لأنه معروف الرواية صحيحُ الحديث عن شيخ بعينه ضعيفُها في غيره.
وفي مثل هذا يعرض الغلط لطائفتين من الناس:
طائفة تجد الرجل قد خُرِّج حديثه في «الصحيح» وقد احتج به فيه، فحيث وجدوه في حديث قالوا: هذا على شرط الصحيح! وأصحاب «الصحيح» يكونون قد انتقوا حديثَه، ورووا له ما تابعه فيه الثقاتُ ولم يكن معلولًا، ويتركون من حديثه المعلولَ وما شذَّ فيه وانفرد عن الناس وخالف فيه الثقاتِ، أو رواه عن غير معروف بالرواية عنه، ولا سيما إذا لم يجدوا ذلك مِن حديثه عند أصحابه المختصِّين به؛ فلهم في هذا نظرٌ واعتبارٌ اختصُّوا به عمن لم يشاركهم فيه، فلا يلزم حيث وُجِد حديث مثلُ هذا أن يكون صحيحًا، ولهذا كثيرًا ما يعلل البخاري ونظراؤه حديثَ الثقة بأنه لا يتابَع عليه.
والطائفة الثانية: يرون الرجل قد تُكلِّم فيه بسبب حديث رواه وضُعِّف من أجله، فيجعلون هذا سببًا لتضعيف حديثه أين وجدوه، فيضعِّفون من حديثه ما يجزِم أهلُ المعرفة بالحديث بصحته.
وهذا باب قد اشتبه كثيرًا على غير النقاد، والصواب: ما اعتمده أئمة الحديث ونُقّاده من تنقية
(1)
حديث الرجل وتصحيحه والاحتجاج به في موضع، وتضعيفه وترك حديثه في موضع آخر. وهذا فيما إذا تعددت شيوخ الرجل ظاهر، كإسماعيل بن عياش في غير الشاميين، وسفيان بن حسين في
(1)
رسمه غير محرّر في الأصل و (هـ)، والمثبت من الطبعتين.