المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ المعتكف يعود المريض - تهذيب سنن أبي داود - ط عطاءات العلم - جـ ٢

[ابن القيم]

فهرس الكتاب

- ‌كتاب الصيام

- ‌ باب نسخ قوله تعالى: {وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ}

- ‌ باب الشهر يكون تسعًا وعشرين

- ‌ باب إذا أخطأ القومُ الهلالَ

- ‌ باب إذا أُغْمِي الشهرُ

- ‌ باب من قال: إذا غُمَّ عليكم فصوموا ثلاثين

- ‌ باب في التقدُّم

- ‌ باب كراهية صوم يوم الشك

- ‌ باب في كراهية ذلك

- ‌ باب في شهادة الواحد على رؤية هلال رمضان

- ‌ باب الرجل يسمع النداء والإناء على يده

- ‌ باب الفطر قبل غروب الشمس

- ‌ باب السواك للصائم

- ‌ باب في الصائم يحتجم

- ‌ الرخصة في ذلك

- ‌ باب الصائم يحتلم نهارًا في رمضان

- ‌ باب الصائم يستقيء عامدًا

- ‌ باب القُبلة للصائم

- ‌ كراهية ذلك للشَّاب

- ‌ باب الصائم يبتلع الريق

- ‌ من أصبح جنبًا في شهر رمضان

- ‌ باب كفارة من أتى أهله في نهار رمضان

- ‌ باب التغليظ فيمن أفطر عمدًا

- ‌ باب من أكل ناسيًا

- ‌ باب تأخير قضاء رمضان

- ‌ باب من مات وعليه صيام

- ‌ باب فيمن اختار الصيام

- ‌ باب متى يفطر المسافر إذا خرج

- ‌ باب مسيرة ما يفطر فيه

- ‌ النهي أن يخص يوم الجمعة بصوم

- ‌ النهي أن يُخصّ يوم السبت [بصوم]

- ‌ الرخصة في ذلك

- ‌ باب في صوم الدهر

- ‌ باب في صوم المحرَّم

- ‌ صوم ستة أيام من شوال

- ‌ كيف كان النبي صلى الله عليه وسلم يصوم

- ‌ في صوم الاثنين والخميس

- ‌ صوم العشر

- ‌ في صوم عرفة بعرفة

- ‌ ما روي أن عاشوراء اليومُ التاسع

- ‌ باب في فضل صومه

- ‌ باب صوم الثلاث من كل شهر

- ‌ من قال: لا يُبالي مِن أيِّ الشهر

- ‌ باب النية في الصيام

- ‌ باب في الرخصة فيه

- ‌ باب من رأى عليه القضاء

- ‌ باب المرأة تصوم بغير إذن زوجها

- ‌ الاعتكاف

- ‌ المعتكف يعود المريض

- ‌كتاب الجهاد

- ‌ سُكنى الشام

- ‌ باب تضعيف الذكر في سبيل الله

- ‌ باب في فضل الشهادة

- ‌ باب في الرجل يغزو وأبواه كارهان

- ‌ باب النهي عن لعن البهيمة

- ‌ باب الوقوف على الدابة

- ‌ باب في المحلِّل

- ‌ باب السيف يُحلَّى

- ‌ باب ابن السبيل يأكل من الثمرة ويشرب من اللبن إذا مرَّ به

- ‌ باب في الطاعة

- ‌ باب علامَ يقاتل

- ‌ باب في التفريق بين السبي

- ‌ باب الرخصة في البالغين

- ‌ باب في عقوبة الغالِّ

- ‌ باب في المرأة والعبد يُحْذَيان من الغنيمة

- ‌ باب في سجود الشكر

- ‌كتاب الأضاحي

- ‌ باب ما جاء في وجوب الأضاحي

- ‌ باب الرجل يأخذ من شَعَره في العشر وهو يريد أن يضحي

- ‌ باب ما يجوز من السن في الضحايا

- ‌ باب ذبائح أهل الكتاب

- ‌ باب ما جاء في ذكاة الجنين

- ‌ باب العقيقة

- ‌ باب في الصيد

- ‌كتاب الوصايا

- ‌ باب متى ينقطع اليتم

- ‌كتاب الفرائض

- ‌ باب في ميراث ذوي الأرحام

- ‌ باب ميراث ابن الملاعَنة

- ‌«ميراث اللقيط»

- ‌ باب فيمن أسلم على ميراث

- ‌ باب الولاء

- ‌ باب من أسلم على يدي رجل

- ‌ باب في المولود يستهل [ثم يموت]

- ‌ باب في الحِلْفِ

- ‌كتاب الخراج والإمارة

- ‌ باب في اتخاذ الكاتب

- ‌ باب في حكم أرض اليمن

- ‌ باب إخراج اليهود من جزيرة العرب

- ‌ باب تعشير أهل الذمة

- ‌كتاب الجنائز

- ‌ باب في العيادة

- ‌ باب العيادة من الرمد

- ‌ باب الخروج من الطاعون

- ‌ باب تطهير ثياب الميت عند الموت

- ‌ باب في التلقين

- ‌ باب في النَّوح

- ‌ باب في الشهيد يُغسَّل

- ‌ باب في الكفن

- ‌ باب في الغُسل مِن غَسل الميت

- ‌ باب في تقبيل الميت

- ‌ باب الدفن بالليل

- ‌ باب القيام للجنازة

- ‌ باب المشي أمام الجنازة

- ‌ باب الصلاة على الجنازة في المسجد

- ‌ باب الصلاة على القبر

- ‌ باب في اللحد

- ‌ باب الجلوس عند القبر

- ‌ باب في تسوية القبر

- ‌ باب الميت يُصَلَّى على قبره بعد حين

- ‌ باب كراهية اتخاذ القبور مساجد

- ‌ باب المشي في الحذاء بين القبور

- ‌ باب في زيارة النساء القبور

- ‌ باب المُحرِم يموت كيف يُصنع به

- ‌كتاب الأيمان والنذور

- ‌ باب لغو اليمين

- ‌ باب الاستثناء في اليمين

- ‌ باب اليمين في قطيعة الرحم

- ‌ النذر في المعصية

- ‌ باب فيمن نذر أن يتصدق بماله

- ‌كتاب البيوع

- ‌ باب الحيوان [بالحيوان نسيئة]

- ‌ باب الرخصة في ذلك

- ‌ باب في ذلك يدًا بيد

- ‌ باب في الثَّمَر بالتمْر

- ‌ باب المضارب يخالف

- ‌ باب في المزارعة

- ‌ باب مَن زرع أرضًا بغير إذن صاحبها

- ‌ باب في المخابرة

- ‌ باب المُساقاة

- ‌ باب في العبد يُباع وله مال

- ‌ باب النهي عن العِينة

- ‌ باب وضع الجائحة

- ‌ باب في بيع الطعام قبل أن يُستوفَى

- ‌ باب في الرجل يبيع ما ليس عنده

- ‌ باب من اشترى عبدًا فاستغلَّه [ثم رأى عيبًا]

- ‌ باب إذا اختلف البيِّعان والمبيع قائم

- ‌ باب الشفعة

- ‌ باب في الرجل يُفلِس، فيجد الرجلُ متاعَه بعينه

- ‌ باب في تضمين العارية

- ‌كتاب الأقضية

- ‌ باب في طلب القضاء

- ‌ باب اجتهاد الرأي في القضاء

- ‌ باب في الصلح

- ‌ باب شهادة أهل الذمة على الوصية في السفر

- ‌ باب إذا علم الحاكم صدق الشاهد الواحد يجوز له أن يحكم به

- ‌ باب القضاء باليمين مع الشاهد

- ‌ باب الرجلين يدّعيان شيئًا وليست لهما بينة

- ‌كتاب العلم

- ‌ التشديد في الكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌ باب كراهية منع العلم

- ‌كتاب الأشربة

- ‌ بابٌ الخمر مما هي

- ‌ باب النهي عن المسكر

- ‌ باب في الداذيّ

- ‌ باب في الشرب قائمًا

- ‌كتاب الأطعمة

- ‌ باب غسل اليدين عند الطعام

- ‌ باب في أكل لحوم الحمر الأهلية

- ‌ باب أكل الطافي

- ‌ باب الإقران في التمر

- ‌ باب الفأرة تقع في السمْن

- ‌كتاب الطب

- ‌ باب في الكَيِّ

- ‌ باب في الأدوية المكروهة

- ‌ باب في تمرة العجوة

- ‌ باب الغَيْل

- ‌ باب الرُّقى

- ‌ باب في الطِّيَرة

الفصل: ‌ المعتكف يعود المريض

وقولها: «اعتكف العشر الأول من شوال» ، ليس بنص في دخول يوم العيد في اعتكافه، بل الظاهر أنه لم يُدخله في اعتكافه، لاشتغاله فيه بالخروج إلى المصلى، وصلاةِ العيد وخطبته، ورجوعه إلى منزله لفطره. وفي ذلك ذهاب بعض اليوم، فلا يقوم بقية اليوم مقامَ جميعه.

49 -

‌ المعتكف يعود المريض

269/ 2363 - وعنها أنها قالت: «السُّنة على المعتكف أن لا يعود مريضًا، ولا يشهد جنازة، ولا يَمَسَّ امرأة، ولا يُباشرها، ولا يخرج لحاجة إلّا لما لابدَّ منه، ولا اعتكافَ إلا بصوم، ولا اعتكافَ إلّا في مسجد جامع»

(1)

.

قال أبو داود: غيرُ عبد الرحمن بن إسحاق لا يقول فيه: «قالت: السنَّة» .

وأخرجه النسائي

(2)

من حديث يونس بن يزيد، وليس فيه «قالت: السنة». وأخرجه

(3)

من حديث مالك، وليس فيه ذلك.

وعبد الرحمن هذا هو القرشي المديني، يقال له: عَبَّاد. قد أخرج له مسلم في «صحيحه» ، ووثقه يحيى بن معين، وأثنى عليه غيره، وتكلم فيه بعضهم

(4)

.

قال ابن القيم رحمه الله: وقال الدارقطني

(5)

: يقال: إن قوله «والسنة على المعتكف» إلى آخره، من كلام الزهري، ومن أدرجه في الحديث فقد

(1)

. أبو داود (2473)، من طريق عبد الرحمن بن إسحاق، عن الزهري، عن عروة، عن عائشة رضي الله عنها.

(2)

. في «الكبرى» (3356).

(3)

. في «الكبرى» (3357)، وهو في «الموطأ» (867).

(4)

. انظر: «تهذيب الكمال» (4/ 369).

(5)

. «السنن» عقب الحديث (2363).

ص: 187

وهم. [وقال البيهقي

(1)

: وقد ذهب كثير من الحفّاظ إلى أن هذا الكلام مِن قول مَن دون عائشة، ومن أدرجه في الحديث فقد وهم]

(2)

فيه.

قلت: عبد الرحمن هذا قال فيه أبو حاتم: لا يحتج به

(3)

. وقال البخاري: ليس ممن يعتمد على حفظه

(4)

. وقال الدارقطني: ضعيف يُرمى بالقدر.

وأيضًا فإن الحديث مختصر، وسياقه يدل على أنه ليس مجزومًا برفعه.

وقال الليث: حدثني عقيل عن الزهري [عن عروة]

(5)

عن عائشة: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يعتكف العشر الأواخر من رمضان، حتى توفاه الله، ثم اعتكف أزواجه من بعده، والسنة في المعتِكف أن لا يخرج إلا لحاجته التي لا بد منها، ولا يعود مريضًا، ولا يمَس امرأته ولا يباشرها، ولا اعتكاف إلا في مسجد جامع، والسنة فيمن اعتكف أن يصوم

(6)

.

(1)

. في «السنن الكبرى» (4/ 321).

(2)

. ما بين الحاصرتين من (هـ)، ولعله سقط من الأصل لانتقال النظر، ثم إن كلام الدارقطني وقع في الأصل في آخر المبحث، وفي (هـ) وقع في هذا الموضع مع كلام البيهقي، وهو أنسب، ولعلّه كان في اللحق فلم يهتد المجرّد إلى موضعه فأثبته في آخره.

(3)

. كلامه بتمامه: «يكتب حديثه ولا يحتج به» . «الجرح والتعديل» (5/ 213).

(4)

. تتمة كلامه في «تهذيب الكمال» : «

إذا خالف من ليس بدونه، وإن كان ممن يُحتمَل في بعضٍ».

(5)

. لعله سقط من الأصل لانتقال النظر، وهو ثابت في (هـ).

(6)

. أخرجه البيهقي في «السنن الكبرى» (4/ 315 - 316، 320) وفي «معرفة السنن» (9094)، من طريق الليث به. وهو في البخاري (2026) ومسلم (1172/ 5) من طريق الليث به، دون قوله: «والسنة في المعتكِف

» إلخ.

ص: 188

قال الدارقطني

(1)

: قوله: «والسنة في المعتكف» إلى آخره ليس من قول النبي صلى الله عليه وسلم، وإنما هو من قول الزهري، ومن أدرجه في الحديث فقد وهم.

ولهذا ــ والله أعلم ــ ذكر صاحبا «الصحيح» أوله، وأعرضا عن هذه الزيادة.

وقد رواه سويد بن عبد العزيز، عن سفيان بن حسين، عن الزهري، عن عروة، عن عائشة ترفعه:«لا اعتكاف إلا بصيام»

(2)

.

وسويد قال فيه أحمد: متروك، وقال ابن معين: ليس بشيء، وقال النسائي وغيره: ضعيف

(3)

. وسفيان بن حسين في الزهري ضعيف.

270/ 2364 - وعن ابن عمر: أن عمر رضي الله عنه جعل عليه أن يعتكف في الجاهلية ليلةً أو يومًا عند الكعبة، فسأل النبيَّ صلى الله عليه وسلم، فقال:«اعتكف وصُمْ» .

وأخرجه النسائي

(4)

.

271/ 2365 - وفي رواية لأبي داود

(5)

: قال: فبينما هو معتكف إذ كبَّر

(1)

. عقب الحديث (2363).

(2)

. أخرجه الدارقطني (2356)، والحاكم (1/ 440)، والبيهقي (4/ 317).

قال الدارقطني: «تفرد به سويد، عن سفيان بن حسين» ، وأشار الحاكم (1/ 439) إلى ضعفه، وقال البيهقي:«وهذا وهم من سفيان بن حسين أو من سويد بن عبد العزيز، وسويد بن عبد العزيز الدمشقي ضعيف بمرة لا يقبل منه ما تفرد به» .

(3)

. انظر: «تهذيب الكمال» (3/ 339).

(4)

. أبو داود (2474)، والنسائي في «الكبرى» (3341). وأخرجه الدارقطني (2360، 2361)، والحاكم (1/ 439) وأشارا إلى ضعفه.

(5)

. أبو داود (2475).

ص: 189

الناس، فقال: ما هذا يا عبد الله؟ قال: سَبْيُ هوازن أعتقهم النبيُّ صلى الله عليه وسلم، قال: وتلك الجاريةُ فأَرسِلْها معهم.

فيه عبد الله بن بُديل بن وَرْقاء الخزاعي المكي، وهو ضعيف. وقال ابن عدي

(1)

: ولا أعلم ذُكر في هذا الإسناد ذِكر الصوم مع الاعتكاف، إلا من رواية عبد الله بن بُديل عن عمرو بن دينار.

وقال الدارقطني

(2)

: تفرد به ابن بُديل عن عمرو، وهو ضعيف الحديث. وقال أيضًا

(3)

: سمعت أبا بكر النيسابوري يقول: هذا حديث منكر، لأن الثقات من أصحاب عمرو لم يذكروه ــ يعني الصوم ــ منهم ابن جريج وابن عيينة وحماد بن سلمة وحماد بن زيد وغيرهم، وابن بُديل ضعيف الحديث، تمَّ كلامه.

وقد أخرجاه في «الصحيحين»

(4)

، وليس فيه ذكر الصوم.

قال ابن القيم رحمه الله: وقد روى الدارقطني هذا الحديث في «سننه»

(5)

عن نافع عن ابن عمر، أن عمر نذر أن يعتكف في الشرك ويصوم، فسأل النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك بعد إسلامه، فقال:«أوف بنذرك» . قال: هذا إسناد حسن، تفرد بهذا اللفظ سعيد بن بشير

(6)

.

(1)

. في «الكامل» (4/ 214).

(2)

. عقب الحديث (2360).

(3)

. عقب الحديث (2361).

(4)

. البخاري (2032) ومسلم (1656).

(5)

. برقم (2365). وأخرجه أيضًا البيهقي (4/ 317)، كلاهما من طريق سعيد بن بشير، عن عبيد الله بن عمر، عن نافع به.

(6)

. كذا قال الدارقطني، وقال البيهقي:«ذكر نذر الصوم مع الاعتكاف غريب، تفرد به سعيد بن بشير» . قلتُ: وهو ليس ممن يُحتَمل تفرّده، لاسيما وقد خالف الأئمةَ الأثبات كشعبة والثوري ويحيى القطان وابن المبارك وغيرهم ممن روى هذا الحديث عن عبيد الله دون ذكر نذر الصوم، فهي ــ بلا شك ــ زيادة منكرة من سعيد بن بشير.

ص: 190

وروى الدارقطني

(1)

أيضًا عن عائشة ترفعه: «لا اعتكاف إلا بصيام» . قال: تفرد به سويد بن عبد العزيز، عن سفيان بن حسين، عن الزهري عن عروة عنها

(2)

.

(3)

واختلف أهل العلم في اشتراط الصوم في الاعتكاف، فأوجبه أكثر أهل العلم، منهم عائشة أم المؤمنين وابن عباس وابن عمر

(4)

. وهو قول مالك وأبي حنيفة وأحمد

(5)

في إحدى الروايتين عنه

(6)

.

(1)

. برقم (2356)، وقد سبق قريبًا

(2)

. «عن عروة عنها» من (هـ).

(3)

. حديث ابن عمر بروايتيه مع كلام المنذري وتعليق المؤلف عليه إلى هنا= ورد في (هـ) في هذا الموضع كما أثبتناه، وأخرّه المجرّد إلى آخر المبحث منبّهًا عليه بقوله: «ثم قال المنذري في أثناء الباب بعد ذكر: (اعتكف وصم) إلى قوله: ليس فيه ذكر الصوم. قال ابن القيم

».

(4)

. انظر أقوالهم في: «مصنف عبد الرزاق» (8033 - 8037)، وابن أبي شيبة (9711 - 9715)، والبيهقي (4/ 317 - 318). وقد صحّ عن ابن عباس خلافه أيضًا، وسيأتي.

(5)

. «وأحمد» ساقط من الأصل، واستدرك من (هـ).

(6)

. انظر: «الموطأ» (877)، و «المدونة» (1/ 225)، و «الأصل» للشيباني (2/ 188)، و «بدائع الصنائع» (2/ 109)، و «التعليقة الكبيرة» لأبي يعلى (1/ 15).

ص: 191

وذهب الشافعي وأحمد في الرواية المشهورة عنه

(1)

أن الصوم فيه مستحب غير واجب. قال ابن المنذر

(2)

: وهو مروي عن علي وابن مسعود.

واحتج هؤلاء بما في «الصحيحين»

(3)

عن عمر أنه سأل النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: إني نذرت أن أعتكف ليلة في الجاهلية، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم:«أَوفِ بنذرك» . قالوا: والليل ليس بمحل الصيام، وقد جوّز الاعتكاف فيه.

واحتجوا أيضًا بما رواه الحاكم في «مستدركه»

(4)

من حديث أبي سهيل عن طاوس عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «ليس على المعتكف صيام إلا أن يجعله على نفسه» ، وقال: صحيح الإسناد.

واحتجوا أيضًا بما رواه مسلم في «صحيحه»

(5)

عن عائشة قالت: «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أراد أن يعتكف صلى الفجر، ثم دخل معتكفه، وإنه أمر بخبائه فضُرِب ــ أراد الاعتكاف في العشر الأواخر من رمضان ــ فأمرت

(1)

. انظر: «الأم» (3/ 267)، و «مسائل أحمد» برواية الكوسج (1/ 298)، و «الإنصاف» (7/ 566).

(2)

. «الإشراف» (3/ 159). وقول علي وابن مسعود أخرجه ابن أبي شيبة (9713)، وفي سنده لين.

(3)

. البخاري (2032)، ومسلم (1656).

(4)

. (1/ 439) ــ وعنه البيهقي (4/ 318) ــ، ورواه أيضًا الدارقطني (2355) وأعله بالوقف. وقال البيهقي وابن عبد الهادي في «التنقيح» (3/ 368)، و «المحرر»: الصحيح أنه موقوف على ابن عباس، ورفعه وهم.

(5)

. رقم (1172).

ص: 192

زينب بخبائها فضرب، وأمر غيرُها من أزواج النبي صلى الله عليه وسلم بخبائه فضرب، فلما صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم الفجر نظر فإذا الأخبية، فقال:«آلبرَّ تُرِدْن؟» فأمر بخبائه فقوِّض، وترك الاعتكاف في شهر رمضان، حتى اعتكف في

(1)

العشر الأول من شوال»، ويوم العيد داخل في جملة العشر، وليس محلًّا للصوم.

واحتجوا أيضًا بأن الاعتكاف عبادة مستقلة بنفسها، فلم يكن الصوم شرطًا فيها كسائر العبادات من الحج والصلاة والجهاد والرباط؛ وبأنه لزوم مكان معيَّن لطاعة الله تعالى، فلم يكن الصوم شرطًا فيه كالرباط؛ وبأنه قربة بنفسه، فلا يشترط فيه الصوم كالحج.

قال الموجبون: الكلام معكم في مقامين، أحدهما: ذكر ضعف أدلتكم، والثاني: ذكر الأدلة على اشتراط الصوم.

فأما المقام الأول، فنقول: لا دلالة في شيء مما ذكرتم. أما حديث ابن عمر عن أبيه فقد اتُّفِق على صحته، لكن اختُلِف في لفظه كثيرًا، فرواه مسدد وزهير ويعقوب الدَّورَقي

(2)

عن يحيى القطان، عن عبيد الله بن عمر، عن نافع، عن ابن عمر، فقالوا:«ليلة» . وكذلك رواه ابن المبارك وسليمان بن

(1)

. «في» ساقط من الأصل، واستدرك من (هـ).

(2)

. رواية مسدد عند البخاري (2032)، ورواية زُهَير عند مسلم (1656/ 27)، ورواية يعقوب عند النسائي في «الكبرى» (3336).

وتابع هؤلاء عن يحيى القطان بذكر «ليلة» : أحمد بن حنبل في «المسند» (4705)، وإسحاق بن منصور عند الترمذي (1539)، ومحمد بن بشار عند ابن خزيمة (2239).

ص: 193

بلال

(1)

عن عبيد الله. وهكذا رواه إسحاق بن راهويه

(2)

عن حفص بن غياث عن عبيد الله.

ورواه أبو بكر بن أبي شيبة

(3)

عن حفص بن غياث فأبهم النذر، فقال: إني نذرت أن أعتكف عند المسجد الحرام؟ فقال: «أوف بنذرك» . وكذلك رواه أبو أسامة [ق 144] عن عبيد الله مُبهمًا

(4)

.

ورواه شعبة

(5)

عن عبيد الله بن عمر فقال: «إني نذرت أن أعتكف يومًا» .

وكذلك اختُلف فيه على أيوب السَّخْتياني، فرواه حماد بن زيد عنه عن نافع قال: «ذُكِر عند ابن عمر عمرةُ رسول الله صلى الله عليه وسلم من الجِعْرانة، فقال: لم يعتمر منها، وكان على عمر نذر اعتكاف ليلة في الجاهلية، فسأل رسول الله

(1)

. روايتهما عند البخاري (6697، 2042) تباعًا. وتابعهما عن عبيد الله بذكر «ليلة» : أبو أسامة وعبد الوهاب الثقفي عند مسلم (1656/ 27)، وعَبْدة بن سليمان عند ابن حبان (4379)، والثوري وعبد الله بن نُمَير عند البزار (140، 143)، ومحمد بن فُلَيح بن سليمان عند الدارقطني (2354).

(2)

. كما عند النسائي في «الكبرى» (3335). وأما مسلم (1656/ 27) فأسنده من طريق ابن أبي شيبة ومحمد بن العلاء وابن راهويه، جميعًا عن حفص به، ثم ذكر أنه ليس فيه ذكر يوم ولا ليلة.

(3)

. كما عند مسلم (1656/ 27) وابن ماجه (2129) وعبد بن حميد (40 - المنتخب)، ولم يسُق مسلم لفظَه وإنما قال:«ليس في حديث حفص ذكر يومٍ ولا ليلة» . ولفظه عند ابن ماجه وعبد بن حميد: «نذرتُ نذرًا في الجاهلية» .

(4)

. كلّا، بل مقيّدًا بـ «ليلة» ؛ هكذا عند البخاري (2043) ومسلم (1656/ 27).

(5)

. أخرجه عنه أحمد (5539) ومسلم (1656/ 27) والنسائي (3822).

ص: 194

- صلى الله عليه وسلم، فأمره أن يفي به، فدخل المسجد تلك الليلة، فلما أصبح إذا السَّبْي يَسْعَون ويقولون: أعتقَنا رسولُ الله صلى الله عليه وسلم» متفق عليه

(1)

.

وكذلك رواه ابن عيينة عن أيوب

(2)

. وخالفهما معمر وجرير فقالا: «يومًا» ، وكلاهما في «الصحيحين»

(3)

بهذين اللفظين.

قال النفاة: يجوز أن يكون عمر سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن اعتكاف ليلة وحدها فأمره به، وسأله مرة أخرى عن اعتكاف يوم فأمره به.

قال الموجبون: هذا مما لا يَشكُّ عالم في بطلانه، فإن القصة واحدة، وعمر سأل النبي صلى الله عليه وسلم عام الفتح سؤالًا واحدًا.

وهذه الطريقة يسلكها كثير ممن لا تحقيق عنده، وهي احتمال التكرار في كل حديث اختلفت ألفاظه بحسب اختلافها، وهو مما يُقطع ببطلانه في أكثر المواضع؛ كالقَطْع ببطلان التعدد في اشتراء البعير من جابر مرارًا في أسفار

(4)

؛

(1)

. أخرجه البخاري (3144) بلفظ: «اعتكاف يوم» من طريق أبي النعمان «عارم» عن حماد به. وأخرجه مسلم (1656/ 28) بلفظ: «اعتكاف ليلة» من طريق أحمد بن عبدة الضبّي عن حماد به.

(2)

. أخرجه الحميدي (708)، والنسائي (3821)، وابن خزيمة (2229).

(3)

. أخرجه مسلم (1656/ 28) عنهما بذكر «اليوم» . وأما البخاري فأخرجه معلقًا (3144) من طريق جرير، ومعلّقًا وموصولًا (3144، 4320) من طريق معمر، كلّها دون ذكر يومٍ ولا ليلة.

(4)

. يشير المؤلف إلى ما وقع في روايات حديث جابر من الاختلاف في الثمن الذي اشترى به النبي صلى الله عليه وسلم جَمَلَه، فروي:«بأوقية» ، و «بأربعة دنانير» ، و «بوُقِيَّتَين ودرهم» ، و «بمائتَي درهم» ، وغير ذلك. انظر «صحيح البخاري» (2097، 2309، 2718) ومسلم (715).

ص: 195

والقطع ببطلان التعدد في إنكاح

(1)

الواهبة نفسَها، بلفظ الإنكاح مرة، والتزويج مرة، والإملاك مرة

(2)

؛ والقطع ببطلان الإسراء مرارًا

(3)

، كل مرة تُفرض عليه خمسون صلاة، ثم يرجع إلى موسى فيرده إلى ربه، حتى تصير خمسًا، فيقول تعالى:«لا يبدل القول لدي، هي خمس، وهي خمسون في الأجر» ، ثم يفرضها في الإسراء الثاني خمسين، فهذا مما يُجزم ببطلانه.

ونظائره كثيرة، كقول بعضهم في حديث عمران بن حصين:«كان الله ولا شيء قبله»

(4)

، و «كان ولا شيء غيره»

(5)

، و «كان ولا شيء معه»

(6)

: إنه

(1)

. في الأصل: «نكاح» ، والمثبت من (هـ).

(2)

. أخرجه بلفظ الإنكاح البخاري (5149)، وبلفظ التزويج البخاري (5029) ومسلم (1425/ 77)، وبلفظ الإملاك البخاري (5030) ومسلم (1425/ 76).

(3)

. يشير المؤلف إلى ما وقع في بعض روايات حديث الإسراء من الاختلاف مما جعل بعض العلماء يقول بتعدد المعاريج. انظر «صحيح البخاري» (349، 3207، 7517)، و «صحيح مسلم» (162/ 259، 262)، و «فتح الباري» (7/ 197).

(4)

. أخرجه البخاري (7418). ورجّح شيخ الإسلام هذا اللفظ على الآخَرَين، وأيّده بقوله صلى الله عليه وسلم في حديث أبي هريرة:«اللهم أنت الأول فليس قبلك شيء» . انظر: «شرح حديث عمران» (18/ 216 - مجموع الفتاوى).

(5)

. أخرجه البخاري (3191).

(6)

. هذا اللفظ عزاه شيخ الإسلام في «فتاواه» (6/ 551) وابن حجر في «الفتح» (6/ 289) إلى غير البخاري، ولم أجده في شيء من الكتب المسندة، وإنما ذكره المتكلمون في كتبهم كالرازي في «تأسيس التقديس» (ص 46) محتجين به على نفي العلو والاستواء، وذكر شيخ الإسلام في «الصفدية» (2/ 223) أن بعض المتجهّمة يزيدون فيه:«وهو الآن على ما عليه كان» وهي زيادة مختلَقة لم تُروَ عن النبي صلى الله عليه وسلم قط، لا بإسناد صحيح ولا ضعيف.

ص: 196

يجوز أن تكون وقائع متعددة. وهذا القائل لو تأمل سياق الحديث لاستحيا من هذا القول، فإن سياقه: أنه أناخ راحلته بباب المسجد، ثم تفلَّتت فذهب يطلبها، ورسول الله صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث، فقال بعد ذلك:«وايم الله! وددت لو أني قعدت وتركتُها» ، فيا سبحان الله! أفي كل مرة من المرار يتفق له هذا؟! وبالجملة، فهذه طريقة من لا تحقيق له.

وإذا كان عمر إنما سأل النبي صلى الله عليه وسلم مرة واحدة، فإن كان «يومًا» فلا دلالة فيه، وإن كان «ليلةً» ، فالليالي قد تطلق ويراد بها الأيام استعمالًا فاشيًا في اللغة لا ينكر، كيف وقد روى سعيد بن بشير عن عبيد الله بن عمر، عن نافع، عن ابن عمر أن عمر نذر أن يعتكف في الشرك ويصوم، فسأل النبي صلى الله عليه وسلم، فقال:«أوف بنذرك»

(1)

.

وسعيد بن بشير هذا، وإن كان قد ضعفه ابن المديني ويحيى بن معين والنسائي، فقد قال فيه شعبة: كان صدوق اللسان، وقال سفيان بن عيينة: كان حافظًا، وقال دُحَيم: هو ثقة، وقال: كان مشيختنا يوثقونه، وقال البخاري: يتكلمون في حفظه وهو يُحْتَمَل، وقال عبد الرحمن بن أبي حاتم: سمعت أبي ينكر على من أدخله في كتاب الضعفاء وقال: محله الصدق، وقال ابن عدي: الغالب على حديثه الاستقامة

(2)

.

وقد روى عبد الله بن بُديَل

(3)

، عن عمرو بن دينار، عن ابن عمر، عن

(1)

. أخرجه الدارقطني (2365)، والبيهقي (4/ 317)، وقد سبق الكلام عليه.

(2)

. انظر للأقوال السابقة وغيرها: «الجرح والتعديل» (4/ 6)، و «ميزان الاعتدال» (2/ 128)، و «تهذيب الكمال» (3/ 139).

(3)

. في الأصل وط. الفقي: «يزيد» تحريف، وسيأتي على الصواب قريبًا.

ص: 197

عمر هذا الحديث وفيه: «فأمره النبي صلى الله عليه وسلم أن يعتكف ويصوم»

(1)

. ولكن تفرّد به ابن بُدَيل، وضعَّفه الدارقطني.

وقال ابن عدي

(2)

: له أحاديث مما ينكر عليه الزيادة في متنه أو إسناده.

وقال أبو بكر النيسابوري

(3)

: هذا حديث منكر، لأن الثقات من أصحاب عمرو بن دينار لم يذكروه، منهم: ابن جريج وابن عيينة وحماد بن زيد وحماد بن سلمة، وابنُ بُدَيل ضعيف الحديث.

فهذا مما لا حاجة بنا إلى الاستدلال به. وحديث سعيد بن بشير أجود منه.

وأما حديث ابن عباس الذي رواه الحاكم

(4)

، فله علتان:

إحداهما: أنه من رواية عبدالله بن محمد الرَّمْلي، وليس بالحافظ

(5)

حتى يُقبَل منه تفرده بمثل هذا.

العلة الثانية: أن الحُمَيدي وعمرو بن زُرارة روياه عن الدَّراوَرْدي عن أبى سهيل عن طاوس عن ابن عباس موقوفًا عليه

(6)

، وهذا هو الصواب،

(1)

. سبق الحديث والكلام عليه.

(2)

. «الكامل» (4/ 213 - 214) وذكر زيادته هذه التي تفرد بها في مناكيره.

(3)

. نقله عنه الدارقطني عقب الحديث (2361)، وقد سبق.

(4)

. وهو: «ليس على المعتكف صيام إلا أن يجعله على نفسه» ، وقد سبق.

(5)

. لعله يقصد: ليس بذاك الحافظ نسبةً إلى غيره ــ كالحميدي ــ ممن روى الحديث فوقفه، وإلا فقد وصفه ابن عساكر في «تاريخ دمشق» (32/ 371) والذهبي في «تاريخ الإسلام» (7/ 184) بـ «الحافظ» .

(6)

. رواية الحميدي أخرجها الطحاوي في «شرح مشكل الآثار» (10/ 350) و «أحكام القرآن» (1072)، وابن حزم في «المحلّى» (5/ 181).

ورواية عمرو بن زرارة أخرجها البيهقي (4/ 319).

ص: 198

وهو الثابت عن ابن عباس.

وأما حديث عائشة وقصة اعتكاف النبي صلى الله عليه وسلم العشر الأول من شوال، فهذا قد اختلف فيه لفظ «الصحيح». وفيه ثلاثة ألفاظ:

أحدها: «عشرًا من شوال»

(1)

.

والثاني: «في العشر الأول من شوال»

(2)

.

والثالث: «العشر الأول»

(3)

.

ولا ريب أن هذا ليس بصريح في اعتكاف يوم العيد ولو كان الثابت قوله: «العشر الأول من شوال» ، لأنه يصح أن يقال: اعتكف العشر الأول، وإن كان قد أخلَّ بيوم منه، كما يقال: قام ليالي العشر الأخير، وإن كان أخل بالقيام في جزء من الليل، ويقال: قام ليلة القدر، وإن أخل بقيامه في بعضها.

وأما الأقيسة التي ذكرتموها، [ق 145] فمعارَضةٌ بأمثالها، أو بما هو من جنسها، فلا حاجة إلى التطويل بذكرها.

وأما المقام الثاني: وهو الاستدلال على اشتراط الصوم فأمور:

أحدها: أنه لم تُعرف مشروعية الاعتكاف إلا بصوم، ولم يثبت عن النبي

(1)

. البخاري (2033، 2034، 2045).

(2)

. مسلم (1172).

(3)

. لم أجد هذا اللفظ في «الصحيح» ، وإنما هو عند أبي داود (2464). وهناك لفظ رابع، وهو:«في آخر العشر من شوال» . أخرجه البخاري (2041).

ص: 199

- صلى الله عليه وسلم ولا أحد من أصحابه أنهم اعتكفوا بغير صوم، ولو كان هذا معروفًا عندهم لكانت شهرته تغني عن تكلفكم الاستدلال باعتكافه صلى الله عليه وسلم العشر الأول من شوال.

الثاني: حديث عائشة الذي ذكره أبو داود في الباب، وقولها: «السنة كذا

ولا اعتكاف إلا بصوم».

قال النفاة: الجواب عن هذا من وجوه:

أحدها: أن راويه عبد الرحمن بن إسحاق قال فيه أبو حاتم: لا يحتج به، وقال البخاري: ليس ممن يعتمد على حفظه، وقال الدارقطني: ضعيف

(1)

يرمى بالقدر.

الثاني: أن هذا الكلام من قول الزهري، لا من قول عائشة، كما ذكره أبو داود وغيره، قال الليث عن عُقَيل عن الزهري عن عروة عن عائشة: «أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يعتكف العشر الأواخر من رمضان حتى توفاه الله، ثم اعتكف أزواجه من بعده، فالسنة في المعتكف أن لا يخرج إلا للحاجة التى لا بد منها، ولا يعودَ مريضًا، ولا يمَسَّ امرأته ولا يباشرها، ولا اعتكاف إلا فى مسجدِ جماعةٍ، والسنة فيمن اعتكف أن [يصوم]

(2)

». قال الدارقطني: قوله: «والسنة في المعتكف»

(3)

إلى آخره، ليس من قول النبي صلى الله عليه وسلم، وإنما هو من قول الزهري، ومن أدرجه في الحديث فقد وهم.

(1)

. «ضعيف» ساقط من الأصل، واستدرك من (هـ).

(2)

. «يصوم» ساقط من (هـ)، واستدرك من لفظ الحديث، وقد سبق تخريجه.

(3)

. من قوله: «أن لا يخرج» إلى هنا ساقط من الأصل لانتقال النظر، واستدرك من (هـ).

ص: 200

الثالث: أن غايته الدلالة على استحباب الصوم في الاعتكاف، فإن قوله:«السنة» إنما يفيد الاستحباب، وقوله:«لا اعتكاف إلا بصوم» نفي للكمال.

قال الموجبون: الجواب عما ذكرتم:

أما تضعيف عبد الرحمن بن إسحاق، فقد روى له مسلم في «صحيحه» ، ووثقه يحيى بن معين وغيره.

وأما قولكم: إنه من قول الزهري، ومن أدرجه فقد وهم، فجوابه من وجهين:

أحدهما: أنّا لو تُرِكنا وهذا، لكان ما ذكرتم قادحًا، ولكن قد روى الثوري عن حبيب بن أبي ثابت عن عطاء عن عائشة قالت:«من اعتكف فعليه الصوم»

(1)

، فهذا يقوِّي حديث الزهري.

الثاني: أنه ولو ثبت أنه من كلام الزهري، فهو يدل على أن السنة المعروفة التي استمر عليها العمل أنه لا اعتكاف إلا بصوم، فهل عارض هذا سنةٌ غيرها حتى تُقابَل به؟

وأما قولكم: إن هذا إنما يدل على الاستحباب، فليس المراد بالسنة هاهنا مجرد الاستحباب، وإنما المراد طريقةُ الاعتكاف وسنةُ رسول الله صلى الله عليه وسلم المستمرة فيه. وقوله:«ولا اعتكاف إلا بصوم» يبين ذلك.

وقولكم: «إنه لنفي الكمال» صحيح، ولكن لنفي الكمال

(2)

الواجب، أو المستحب؟ الأول مسلَّم، والثاني ممنوع، والحمل عليه بعيد جدًّا، إذ لا

(1)

. أخرجه عبد الرزاق (8037)، وابن أبي شيبة (9715).

(2)

. في الأصل و (هـ) والطبعتين: «كمال» ، ولعل الصواب ما أثبت.

ص: 201

يصلح النفي المطلق عند نفي بعض المستحبات، وإلا لصحّ النفيُ عن كل عبادةٍ تُرِك بعض مستحباتها، ولا يصح ذلك لغةً ولا عرفًا ولا شرعًا، ولا يعهد في الشريعة نفيٌ لِعبادة إلا لِترك واجبٍ فيها.

(1)

* * *

(1)

. في الأصل بعده: «وقال الدارقطني: يقال: إن قوله «والسنة على المعتكف» إلى آخره من كلام الزهري

»، وقد سبق أن أثبتناه في أول تعليق المؤلف وفاقًا لنسخة (هـ).

ص: 202