الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قضيتُ حاجتي، أو وسط الطريق
(1)
». وعلى هذا، فلا فرق بين النعل والجُمْجُم
(2)
والمَداس والزَّرْبُول
(3)
.
وقال القاضي أبو يعلى
(4)
: ذلك مختص بالنعال لا يتعدّاها إلى غيرها، قال: لأن الحكم تعبُّد غيرُ معلَّل، فلا يتعدّى موردَ النص.
وفيما تقدم كفاية في رد هذا، وبالله التوفيق.
22 -
باب في زيارة النساء القبور
358/ 3106 - عن أبي صالح، عن ابن عباس قال: لعنَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم زائراتِ القبورِ والمتخذين عليها المساجدَ والسُّرُج.
وأخرجه الترمذي والنسائي وابن ماجه
(5)
. وقال الترمذي: حديث حسن. وفيما قاله نظر، فإن أبا صالح هذا هو باذام، ويقال: باذان، مكي مولى أم هانئ بنت أبي طالب، وهو صاحب الكلبي. وقد قيل: إنه لم يسمع من ابن عباس، وقد تكلم فيه جماعة من الأئمة.
(1)
كذا في الأصل، والذي في «السنن» و «المغني» ــ والمؤلف صادر عنه ــ:«وسط السوق» .
(2)
هو المَداس، معرَّب. «التاج» (31/ 427).
(3)
بفتح الزاء وضمها: نوع من الأحذية كان الأرقاء يحتذونها، معرّب. «تكملة المعاجم العربية» لدُوزي (5/ 299).
(4)
كما في «المغني» (3/ 515).
(5)
أبو داود (3236)، والترمذي (320)، والنسائي (2043)، وابن ماجه (1575). وقد سبق الكلام على الحديث قريبًا.
وقال ابن عدي
(1)
: ولم أعلم أحدًا من المتقدمين رضيه. وقد نَقَل
(2)
عن يحيى بن سعيد القطان وغيره تحسينَ أمره، فلعله يريد: رضيه حجةً، أو قال: هو ثقة.
قال ابن القيم رحمه الله: وقد تقدم أن أبا حاتم
(3)
خالفه في ذلك وقال: أبو صالح هذا هو ميزان
(4)
ثقة، وليس بصاحب الكلبي، ذاك اسمه باذام.
وقد أخرج الترمذي
(5)
من حديث عمر بن أبي سلمة، عن أبيه، عن أبي هريرة: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لعن زوَّارات القبور. قال: هذا حديث حسن صحيح ــ وأخرجه ابن حبان في «صحيحه»
(6)
ــ، وفي الباب عن ابن عباس
(7)
وحسان.
وحديث حسان بن ثابت قد أخرجه الإمام أحمد في «مسنده»
(8)
.
(1)
«الكامل» (2/ 71).
(2)
«الكامل» (2/ 69).
(3)
يعني: ابن حبان، في «صحيحه» عقب الحديث (3179).
(4)
في الأصل: «مهران» تصحيف، وقد سبق مثله.
(5)
رقم (1056)، وعمر بن أبي سلمة صدوق فيه لين، والحديث يعتضد بشواهده: حديث الباب، وحديث حسّان الآتي، ومرسل عكرمة عند عبد الرزاق (6704).
(6)
رقم (3178).
(7)
في الأصل: «عائشة» ، ولعله تصحيف ما أثبته من «جامع الترمذي» ، فإن الظاهر أن الكلام للترمذي وما ذكره من تصحيح ابن حبان فإنه كلام معترض. وحديث ابن عباس هو حديث الباب.
(8)
برقم (15657)، وأخرجه ابن ماجه (1574)، والحاكم (1/ 374)، والبيهقي (4/ 78)، كلهم من حديث سفيان، عن عبد الله بن عثمان بن خُثَيم، عن عبد الرحمن بن بَهمان، عن عبد الرحمن بن حسّان، عن أبيه. إسناده ضعيف، عبد الرحمن بن بهمان مجهول الحال. والحديث يتقوى بشواهده كما سبق.
وروى ابن حبان في «صحيحه»
(1)
من حديث ربيعة بن سيف المَعافري، عن أبي عبد الرحمن الحُبُلي، عن عبد الله بن عمرو قال: قبَرْنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم يومًا، فلما فرغنا انصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم وانصرفنا معه، فلما حاذى بابَه وتوسّط الطريق إذا نحن بامرأة مُقبِلة، فلما دنتْ إذا هي فاطمة، فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم:«ما أخرجكِ يا فاطمة من بيتِك؟» قالت: يا رسول الله [أتيتُ]
(2)
أهل هذا الميت فعَزَّينا ميّتهم، فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم:«فلعلّك بلغتِ معهم الكُدَى؟» قالت: معاذ الله، وقد سمعتُك تذكر فيها ما تذكر. قال:«لو بلغتِ معهم الكُدَى ما رأيتِ الجنة حتى يراها جدُّ أبيكِ!» . فسألتُ ربيعة عن الكدى؟ فقال: القبور. قال أبو حاتم: يريد الجنة العالية التي يدخلها من لم يرتكب نهيَ رسول الله صلى الله عليه وسلم، لأن فاطمة علمت النهيَ فيه قبل ذلك، والجنة هي جنان كثيرة، لا جنة واحدة، والمشرك لا يدخل الجنة أصلًا، لا عاليةً ولا سافلةً ولا ما بينهما.
وقد طعن غيره في هذا الحديث، وقالوا: هو غير صحيح، لأن ربيعة [ق 171] بن سيف هذا ضعيف الحديث، عنده مناكير
(3)
.
(1)
برقم (3177)، وأخرجه أحمد (6574)، وأبو داود (3123)، والنسائي (1880)، والحاكم (1/ 373).
(2)
ساقط من الأصل، واستدركته من مصادر الحديث.
(3)
ممن ضعّف الحديث بربيعة: النسائي في «السنن» ، وعبد الحق في «الأحكام الوسطى» (2/ 152)، وابن الجوزي في «العلل المتناهية» (2/ 902). وربيعة هذا قال عنه البخاري في «التاريخ الكبير» (3/ 290): عنده مناكير، وقال في «الأوسط» (3/ 218): روى أحاديث لا يُتابع عليها، وقال في موضعٍ آخر (3/ 234): منكر الحديث.
وقد اختلف في زيارة القبور للنساء على ثلاثة أقوال:
أحدها: التحريم، لهذه الأحاديث.
والثاني: يكره من غير تحريم. وهذا منصوص أحمد في إحدى الروايات عنه
(1)
.
وحجة هذا القول: حديث أم عطية المتفق عليه
(2)
: «نُهِينا عن اتباع الجنائز، ولم يُعزَم علينا» . وهذا يدل على أن النهي عنه للكراهة لا للتحريم.
والثالث: أنه مباح لهن غير مكروه، وهو الرواية الأخرى عن أحمد. واحتج لهذا القول بوجوه:
أحدها: ما رواه
(3)
مسلم في «صحيحه»
(4)
من حديث بريدة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «كنت نهيتكم عن زيارة القبور، فزوروها» .
وفيه أيضًا
(5)
عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «زوروا القبور فإنها تذكر الموت» .
قالوا: وهذا الخطاب يتناول النساء بعمومه بل هن المراد به، فإنه إنما
(1)
انظر: «المغني» (3/ 523).
(2)
البخاري (1278)، ومسلم (938).
(3)
في الطبعتين: «روى» خلافًا للأصل.
(4)
برقم (977).
(5)
برقم (976).
علم نهيه عن زيارتها للنساء دون الرجال، وهذا صريح في النسخ، لأنه قد صرح فيه بتقدم النهي، ولا ريب في أن المنهي عن زيارة القبور هو المأذون له فيها، والنساء قد نُهِين عنها فيتناولهن الإذن.
قالوا: وأيضًا فقد قال عبد الله بن أبي مُلَيكة لعائشة يا أم المؤمنين مِن أين أقبلتِ؟ قالت: من قبر أخي عبد الرحمن، فقلت لها: قد نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن زيارة القبور؟ قالت: نعم، قد نهى ثم أمر بزيارتها. رواه البيهقي
(1)
من حديث يزيد بن زُرَيع، عن بِسطام بن مُسْلم، عن أبي التَّيّاح عن ابن أبي مُلَيكة.
[وروى الترمذي
(2)
عن ابن أبي مليكة]
(3)
قال: توفي عبد الرحمن بن أبي بكر بِحُبْشيّ، فحمل إلى مكة فدفن، فلما قدمت عائشة أتت قبر عبد الرحمن، فقالت
(4)
:
وكنا كنَدْمانَي جَذِيمةَ حِقبةً
…
من الدهر حتى قيل لن يتصدَّعا
فلما تفرقنا كأنّي ومالكًا
…
لطول اجتماع لم نَبِت ليلةً معا
(1)
«السنن الكبرى» (4/ 78) عن أبي عبد الله الحاكم، وهو في «مستدركه» (1/ 376). قال البيهقي: تفرّد به بسطام. قلت: هو ثقة، وسائر رجاله ثقات.
(2)
«الجامع» (1055)، وأخرجه ابن سعد في «الطبقات» (5/ 22)، وابن أبي شيبة (11933)، والحاكم (3/ 476)، من طريقين عن ابن أبي مليكة، ورجالهما ثقات.
(3)
الظاهر أنه حصل انتقال النظر في الأصل من «ابن أبي مليكة» إلى مثله فسقط ما بين الحاصرتين أو نحوه.
(4)
متمثّلةً، والبيتان من قصيدة لمتمِّم بن نُوَيرة يرثي بها أخاه مالكًا. انظر:«المفضّليات» (ص 267).
ثم قالت: والله لو حضرتك، ما دُفِنتَ إلا حيث متَّ، ولو شهدتُك ما زرتُك.
قالوا: وأيضًا فقد ثبت في «الصحيحين»
(1)
من حديث أنس قال: مَرَّ النبي صلى الله عليه وسلم بامرأةٍ عند قبر تبكي على صبي لها، فقال لها:«اتقي الله واصبري» ، فقالت: وما تبالي بمصيبتي؟! فلما ذهب
(2)
قيل لها: إنه رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأخذها مثل الموت، فأتت بابه، فلم تجد على بابه بوابين، فقالت: يا رسول الله لم أَعرِفْك، فقال:«إنما الصبر عند الصدمة الأولى» . وترجم عليه البخاري: «باب زيارة القبور» .
قالوا: ولأن تعليله زيارتَها بتذكير الآخرة أمر يشترك فيه الرجال والنساء، وليس الرجال بأحوج إليه منهن.
قال الأولون: أحاديث التحريم صريحة في معناها، فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم لعن النساء على الزيارة، واللعن على الفعل من أدل الدلائل على تحريمه، ولا سيما وقد قرنه في اللعن بالمتخذين عليها المساجد والسرج، وهذا غير منسوخ، بل لعن في مرض موته مَن فعله، كما تقدم.
قالوا: وقوله صلى الله عليه وسلم: «كنت نهيتكم» إنما هو صيغة خطاب الذكور، والإناثُ وإن دخلن فيه تغليبًا، فهذا حيث لا يكون دليل صريح يقتضي عدم دخولهن، وأحاديث التحريم من أظهر القرائن على عدم دخولهن في خطاب الذكور.
(1)
البخاري (1283)، ومسلم (926).
(2)
في الأصل: «ذهبت» ، تصحيف.
قالوا: وأما قولكم: إن النهي إنما كان للنساء خاصة، فغير صحيح، لأن قوله:«كنت نهيتكم» خطاب للذكور أصلًا ووضعًا، فلا بد وأن يتناولهم. ولو كان النهي إنما كان للنساء خاصةً لقال:«كنت نهيتكن» ولم يقل «نهيتكم» . بل كان في أول الإسلام قد نهى عن زيارة القبور صيانةً لجانب التوحيد، وقطعًا للتعلق بالأموات، وسدًّا لذريعة الشرك التي أصلها من عبادة القبور، كما قال ابن عباس
(1)
. فلما تمكّن التوحيد من قلوبهم واضمحلّ الشرك واستقر الدين أَذِن في زيارةٍ يحصل بها مزيدُ الإيمان وتذكيرُ ما خُلِق العبد له من دار البقاء، فأذِن حينئذ فيها، فكان نهيه عنها للمصلحة وإذنُه فيها للمصلحة.
وأما النساء، فإن هذه المصلحة وإن كانت مطلوبة منهن، لكن ما يقارن زيارتهن من المفاسد التي يعلمها الخاص والعام من فتنة الأحياء وإيذاء
(1)
يشير إلى أثر ابن عباس المشهور الذي أخرجه البخاري (4920) وغيره أن أوثان قوم نوح إنما كانت أسماء رجال صالحين، فلما هلكوا أوحى الشيطان إلى قومهم أن انصبوا إلى مجالسهم أنصابًا وسمُّوها بأسمائهم، ففعلوا، فلم تُعبد حتى إذا هلك أولئك وتنسّخ العلم عُبِدت.
وليس في أثر ابن عباس ذكر لقبور هؤلاء الصالحين وافتتان قومهم بها، كما يوهمه ظاهر كلام المؤلف، ولعله تبع في ذلك شيخ الإسلام ابن تيمية، فإنه عندما يورد تفسير ابن عباس وغيره من السلف لآية سورة نوح يقول:«فلما ماتوا عكفوا على قبورهم، ثم صوروا تماثيلهم» . انظر: «مجموع الفتاوى» (1/ 151، 167، 357، 11/ 292).
وعلى كلّ، فلا شك أن افتتان المشركين القبوريين بأضرحة الصالحين هو مثل افتتان قوم نوح بتماثيل الصالحين سواءً بسواء.
الأموات والفساد الذي لا سبيل إلى دفعه إلا بمنعهن منها= أعظم مفسدة من مصلحة يسيرة تحصل لهن بالزيارة. والشريعة مبناها على تحريم الفعل إذا كانت مفسدتُه أرجحَ من مصلحته، ورجحان هذه المفسدة لا خفاء به، فمنعهن من الزيارة من محاسن الشرع.
وقد روى البيهقي وغيره
(1)
من حديث محمد ابن الحنفية عن علي: أن النبي صلى الله عليه وسلم خرج في جنازة فرأى نسوةً جلوسًا فقال: «ما يجلسكن؟» فقلن: الجنازة فقال: «أتَحمِلن فيمن يحمل؟» قلن: لا، قال:«فتُدلين فيمن يُدلي؟» قلن: لا، قال:«فتغسلن فيمن يغسل؟» قلن: لا، قال:«فارجِعْن مأزوراتٍ غير مأجورات» . وفي رواية: «فتَحْثِين فيمن يَحْثُو؟» ولم يذكر الغسل.
فهذا يدل على أن اتباعهن الجنازة وِزرٌ لا أجرَ لهن فيه، إذ لا مصلحةَ لهن، ولا للميت في اتباعها، [ق 172] بل مفسدة للحي والميت.
قالوا: وأما حديث عائشة، فالمحفوظ فيه حديث الترمذي مع ما فيه. وعائشة إنما قدمت مكة للحج، فمرَّت على قبر أخيها في طريقها فوقفت عليه. وهذا لا بأس به، إنما الكلام في قصد الخروج لزيارتهن. ولو قُدِّر أنها
(1)
البيهقي (4/ 77)، وابن ماجه (1578)، والبزار (653)، وابن الجوزي في «العلل المتناهية» (3/ 901)، كلهم من طريق إسرائيل، عن إسماعيل بن سلمان، عن دينار أبي عمر، عن ابن الحنفية به.
إسناده ضعيف، إسماعيل بن سلمان ضعيف واهي الحديث، وقد تفرد به من هذا الوجه، وقد أغرب ابن الجوزي حيث قال: جيّد الإسناد! وروي نحوه من مسند أنس لكنه لا يثبت أيضًا. انظر: «العلل» للدارقطني (2635)، و «العلل المتناهية» ، و «السلسلة الضعيفة» (2742).
عدلت إليه وقصدت زيارته، فهي قد قالت:«لو شهدتُك لما زرتك» ، وهذا يدل على أنه من المستقر المعلوم عندها: أن النساء لا يُشرَع لهن زيارة القبور، وإلا لم يكن في قولها ذلك معنى.
وأما رواية البيهقي وقولها: «نهى عنها ثم أمر بزيارتها» ، فهي من رواية بِسطام بن مسلم
…
(1)
. ولو صح فهي تأولت ما تأول غيرها من دخول النساء، والحجة في قول المعصوم لا في تأويل الراوي، وتأويله إنما يكون مقبولًا حيث لا يعارضه ما هو أقوى منه، وهذا قد عارضه أحاديث المنع.
قالوا: وأما حديث أنس فهو حجة لنا، فإنه لم يُقِرَّها بل أمرها بتقوى الله التي هي فعل ما أمر به وترك ما نهى عنه، ومن جملتها: النهي عن الزيارة، وقال لها:«اصبري» ، ومعلوم أن مجيئها إلى القبر وبكاءَها منافٍ للصبر، فلما أبت أن تقبل منه ولم تعرفه انصرف عنها، فلما علمت أنه صلى الله عليه وسلم هو الآمر لها جاءته تعتذر إليه من مخالفة أمره. فأي دليل في هذا على جواز زيارة النساء؟
وبعدُ، فلا يُعلَم أن هذه القضية بعدَ لعنته زائراتِ القبور، ونحن نقول: إما أن تكون دالةً على الجواز فلا دلالة على تأخُّرها عن أحاديث المنع، أو تكون دالةً على المنع بأمرها بتقوى الله فلا دلالة فيها على الجواز، فعلى التقديرين: لا تُعارِض أحاديثَ المنع، ولا يمكن دعوى نسخها بها، والله أعلم.
(1)
بياض قدر نصف سطر في الأصل.