الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
كراهته. فلو ذبح إنسان ذبيحةً في رجب، أو ذبح ولد الناقة لحاجته إلى ذلك أو الصدقةِ به أو إطعامه، لم يكن ذلك مكروهًا».
2 -
باب الرجل يأخذ من شَعَره في العشر وهو يريد أن يضحي
295/ 2673 - عن أم سلمة قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من كان له ذِبْحٌ يَذبَحُهُ فإذا أهلَّ هلالُ ذي الحِجة فلا يأخُذَنَّ من شعره ولا من أظفاره شيئًا، حتى يُضَحِّي» .
وأخرجه مسلم والترمذي والنسائي وابن ماجه بمعناه
(1)
.
وفي لفظٍ لمسلم
(2)
: «فلا يمَسَّ من شعره وبَشَره شيئًا» .
وفي لفظ لابن ماجه: «فلا يمَسَّ من شعره ولا بَشره شيئًا» .
قال ابن القيم رحمه الله: وقد اختلف الناس في هذا الحديث وفي حكمه:
فقالت طائفة: لا يصح رفعه، وإنما هو موقوف. قال الدارقطني في كتاب «العلل»
(3)
: ووقَفه عبد الله بن عامر الأسلمي، ويحيى القطان، وأبو ضمرة، عن عبد الرحمن بن حميد عن سعيد. ووقفه عُقَيل على سعيدٍ قولَه
(4)
. ووقفه
(1)
أبو داود (2791)، ومسلم (1977)، والترمذي (1523)، والنسائي (4361)، وابن ماجه (3149)، كلهم من حديث سعيد بن المسيب عن أم سلمة.
(2)
(1977/ 39).
(3)
برقم (3957/ 10) تحقيق الدباسي.
(4)
هذه الجملة ليست في مطبوعة «العلل» ، ولا أدري من عقيل هذا، إلا أن يكون المراد: عُقيل بن خالد، عن الزهري، عن سعيد؛ فقد ذكر الدارقطني أن الزهري رواه عن سعيد واختُلف عنه، ثم ذكر رواية ابن جريج عن الزهري ولم يذكر غيرها، ولعل ثَم سقطًا.
يزيد بن عبد الله بن قُسَيط عن سعيد عن أم سلمة قولَها. ووقفه ابن أبي ذئب عن الحارث بن عبد الرحمن عن أبي سلمة عن أم سلمة قولَها. ووقفه عبد الرحمن بن حرملة وقتادة وصالح بن حسان عن سعيد قولَه. والمحفوظ عن [ق 154] مالك موقوف
(1)
. قال الدارقطني: والصحيح عندي قول من وقفه.
ونازعه في ذلك آخرون فصححوا رفعه، منهم مسلم بن الحجاج رواه في «صحيحه» مرفوعًا. ومنهم أبو عيسى الترمذي، قال: هذا حديث حسن صحيح. ومنهم ابن حبان خرّجه في «صحيحه»
(2)
.
ومنهم أبو بكر البيهقي، قال
(3)
: هذا حديث قد ثبت مرفوعًا من أوجه لا يكون مثلها غلطًا، وأودعه مسلم في كتابه.
وصححه غير هؤلاء. وقد رفعه سفيان بن عيينة عن عبد الرحمن بن حميد عن سعيد عن أم سلمة عن النبي صلى الله عليه وسلم
(4)
. ورفعه شعبة عن مالك عن عمرو بن مسلم عن سعيد عن أم سلمة عن النبي صلى الله عليه وسلم
(5)
.
(1)
هذه الجملة أيضًا ليست في مطبوعة «العلل» ، وإنما فيه ذكر الاختلاف على مالك، حيث رفعه شعبة عنه، ووقفه ابن وهب عنه.
(2)
برقم (5897، 5916 - 5918).
(3)
«معرفة السنن والآثار» (14/ 22).
(4)
رواية ابن عيينة أخرجها أحمد (26474)، ومسلم (1977/ 39)، والنسائي (4364).
(5)
رواية شعبة أخرجها أحمد (26654)، ومسلم (1977/ 41)، والترمذي (1523)، والنسائي (4361).
وليس شعبة وسفيان بدون هؤلاء الذين وقفوه، ولا مثل هذا اللفظ من ألفاظ الصحابة، بل هو المعتاد من خطاب النبي صلى الله عليه وسلم في قوله:«لا يؤمن أحدكم»
(1)
، «أيعجِز أحدكم»
(2)
، «أيحب أحدكم»
(3)
(4)
، «إذا جاء أحدكم خادمه بطعامه»
(5)
ونحو ذلك.
وأما اختلافهم في متنه
(6)
: فذهب إليه طائفة من التابعين ومن بعدهم، فذهب إليه سعيد بن المسيب، وربيعة بن أبي عبد الرحمن، وإسحاق بن راهويه، والإمام أحمد وغيرهم.
(1)
كما في حديثَي أنس المتفق عليهما: «
…
حتى أكون أحب إليه من والده وولده والناس أجمعين»، و «
…
حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه».
(2)
كما في حديث أبي سعيد عند البخاري (5015): «أيعجِز أحدكم أن يقرأ ثلث القرآن في ليلة؟» ، وهو عند مسلم من حديث أبي الدرداء (811). وعنده (2698) أيضًا من حديث سعد مرفوعًا:«أيعجِز أحدكم أن يكسب كل يومٍ ألف حسنة؟» .
(3)
كما في حديث ابن عمر المتفق عليه: «أيحب أحدكم أن تُؤتى مشرُبَتُه فتكسر خزانته
…
»، وقد سبق. وعند مسلم (802) من حديث أبي هريرة:«أيحب أحدكم إذا رجع إلى أهله أن يجد فيه ثلاث خَلِفات عظامٍ سمان؟» .
(4)
هو حديث أبي أيوب المتفق عليه: «
…
فلا يستقبل القبلة ولا يُوَلِّها ظهرَه».
(5)
هو حديث أبي هريرة المتفق عليه: «إذا أتى أحدَكم خادمُه بطعامه، فإن لم يُجلسه معه، فليناوله أُكلةً أو أُكلتين ــ أو لقمةً أو لقمتين ــ، فإنه ولِيَ حرَّه وعلاجه» .
(6)
انظر: «الإشراف» (3/ 411 - 412)، و «مختصر اختلاف العلماء للطحاوي» باختصار الجصاص (3/ 230)، و «البيان والتحصيل (17/ 315، 18/ 166)، و «المغني» (13/ 362)، و «المجموع» (8/ 363).
وذهب آخرون إلى أن ذلك مكروه لا محرّم، وحملوا الحديث على الكراهة، منهم مالك وطائفة من أصحاب أحمد، منهم أبو يعلى وغيره.
وذهبت طائفة إلى الإباحة، وأنه غير مكروه، وهو قول أبي حنيفة وأصحابه.
والذين لم يقولوا به، منهم من أعله بالوقف، وقد تقدّم ضعفُ هذا التعليل. ومنهم من قال: هذا خلاف الحديث الثابت عن عائشة المتفق على صحته: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يبعث بهَدْيه ويقيم حلالًا، لا يحرم عليه شيء
(1)
.
قال الشافعي
(2)
: فإن قال قائل: ما دل على أنه اختيار لا واجب؟ قيل له: روى مالك عن عبد الله بن أبي بكر عن عمرة عن عائشة قالت: «أنا فتلتُ قلائدَ هدي النبي صلى الله عليه وسلم بيدي، ثم قلّدها رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم بعث بها مع أبي بكر، فلم يحرم على رسول الله صلى الله عليه وسلم شيء أحلّه الله له حتى نحر الهدي» .
قال الشافعي: وفي هذا دلالة على ما وصفت، وعلى أن المرء لا يُحْرِم بالبِعثة بهديه؛ يقول: البِعثة بالهدي أكبر من إرادة الأضحية.
ومنهم من رد هذا الحديث بخلافه للقياس، لأنه لا يَحْرُم عليه الوطء واللباس والطِّيب، فلا يحرم عليه حلق الشعر وتقليم الظفر.
وأسعد الناس بهذا الحديث مَن قال بظاهره لصحته وعدم ما يعارضه.
(1)
أخرجه البخاري (1698، 1700، 1702، ومواضع أخرى)، ومسلم (1321).
(2)
«اختلاف الحديث» (10/ 158 - ضمن الأم).
وأما حديث عائشة، فهو إنما يدل على أن من بعث بهديه وأقام في أهله فإنه يقيم حلالًا، ولا يكون مُحرِمًا بإرسال الهدي، ردًّا على من قال: يكون بذلك مُحرِمًا من السلف، ولهذا روت عائشة لمّا حكي لها هذا
(1)
.
وحديث أم سلمة يدل على أن من أراد أن يضحّي أمسك في العشر عن شعره وظفره خاصة، فأي منافاة بينهما؟ ولهذا أحمد وغيره يعمل بكلا الحديثين: هذا في موضعه، وهذا في موضعه. وقد سأل الإمام أحمد
(2)
أو غيره عبدَ الرحمن بن مهدي عن هذين الحديثين؟ فقال: هذا له وجه، وهذا له وجه.
ولو قُدِّر بطريق الفرض تعارضهما لكان حديث أم سلمة خاصًّا وحديث عائشة عامًّا، ويجب تنزيل العام على ما عدا مدلول الخاص توفيقًا بين الأدلة، ويجب حمل حديث عائشة على ما عدا ما دل عليه حديث أم سلمة؛ أن
(3)
النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن ليفعل ما نهى عنه، وإن كان مكروهًا.
وأيضًا: فعائشة إنما تعلم ظاهرًا ما يباشرها به، أو يفعله ظاهرًا من اللباس والطيب. وأما ما يفعله نادرًا، كقص الشعر وتقليم الظفر، مما لا يُفعل في الأيام العديدة إلا مرة = فهي لم تُخبر بوقوعه في عشر ذي الحجة منه صلى الله عليه وسلم، وإنما قالت:«لم يحرم عليه شيء» ، وهذا غايته أن يكون شهادة على نفيٍ، فلا يعارِض حديث أم سلمة. والظاهر أنها لم ترد ذلك بحديثها، وما
(1)
كما في البخاري (1700) ردًّا على قول ابن عباس رضي الله عنهما.
(2)
كما في «مسائله» برواية صالح (1/ 450)، ولكن فيه أن عبد الرحمن سكت ولم يجب بشيء، فسأل أحمد يحيى بن سعيد القطان فهو الذي أجاب بهذا.
(3)
كذا في الأصل، ولعل الصواب:«فإن» كما في ط. الفقي، أو «لأن» .
كان كذلك فاحتمال تخصيصه قريب، فيكفي فيه أدنى دليل. وخبر أم سلمة صريح في النهي، فلا يجوز تعطيله.
وأيضًا: فأم سلمة تخبر عن قوله وشرعه لأمته، فيجب امتثاله. وعائشة تخبر عن نفيٍ مستنِدٍ إلى رؤيتها، وهي إنما رأت أنه لا يصير بذلك مُحرِمًا يَحرُم عليه ما يحرم على المحرم، ولم تخبر عن قوله: إنه لا يحرم على أحدكم بذلك شيء، وهذا لا يعارض صريح لفظه.
وأما رد الحديث بالقياس، فلو لم يكن فيه إلا أنه قياس فاسد مصادم للنص لكفى ذلك في رد القياس، ومعلوم أن رد القياس بصريح السنة أولى من رد السنة بالقياس، وبالله التوفيق. كيف وإن تحريم النساء والطيب واللِّبس أمر يختص بالإحرام، لا يتعلق بالضحية! وأما تقليم الظفر وأخذ الشعر فإنه من تمام التعبد بالأضحية، وقد تقدم حديث عبد الله بن عمرو أول الباب، وقوله: «تأخذ من شعرك، وتحلق عانتَك، فتلك تمامُ ضحيَّتِك
(1)
عند الله»
(2)
، فأحب النبي صلى الله عليه وسلم توفير الشعر والظفر في العشر ليأخذه مع [ق 155] الضحية، فيكون ذلك من تمامها عند الله.
وقد شهد لذلك أيضًا: أنه صلى الله عليه وسلم شرع لهم إذا ذبحوا عن الغلام عقيقته أن يحلقوا رأسه، فدل على أن حَلْق رأسه مع الذبح أفضل وأولى، وبالله التوفيق.
(1)
كذا في الأصل، وهو لفظ النسائي في «الكبرى» (4439)، وفي «الطبعتين»:«أضحيتك» وفاقًا لأكثر مصادر التخريج.
(2)
أخرجه أحمد (6575)، وأبو داود (2789)، والنسائي (4365)، وابن حبان (5914)، والحاكم (4/ 223) وقال:«صحيح الإسناد» .