المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ النهي أن يخص يوم السبت [بصوم] - تهذيب سنن أبي داود - ط عطاءات العلم - جـ ٢

[ابن القيم]

فهرس الكتاب

- ‌كتاب الصيام

- ‌ باب نسخ قوله تعالى: {وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ}

- ‌ باب الشهر يكون تسعًا وعشرين

- ‌ باب إذا أخطأ القومُ الهلالَ

- ‌ باب إذا أُغْمِي الشهرُ

- ‌ باب من قال: إذا غُمَّ عليكم فصوموا ثلاثين

- ‌ باب في التقدُّم

- ‌ باب كراهية صوم يوم الشك

- ‌ باب في كراهية ذلك

- ‌ باب في شهادة الواحد على رؤية هلال رمضان

- ‌ باب الرجل يسمع النداء والإناء على يده

- ‌ باب الفطر قبل غروب الشمس

- ‌ باب السواك للصائم

- ‌ باب في الصائم يحتجم

- ‌ الرخصة في ذلك

- ‌ باب الصائم يحتلم نهارًا في رمضان

- ‌ باب الصائم يستقيء عامدًا

- ‌ باب القُبلة للصائم

- ‌ كراهية ذلك للشَّاب

- ‌ باب الصائم يبتلع الريق

- ‌ من أصبح جنبًا في شهر رمضان

- ‌ باب كفارة من أتى أهله في نهار رمضان

- ‌ باب التغليظ فيمن أفطر عمدًا

- ‌ باب من أكل ناسيًا

- ‌ باب تأخير قضاء رمضان

- ‌ باب من مات وعليه صيام

- ‌ باب فيمن اختار الصيام

- ‌ باب متى يفطر المسافر إذا خرج

- ‌ باب مسيرة ما يفطر فيه

- ‌ النهي أن يخص يوم الجمعة بصوم

- ‌ النهي أن يُخصّ يوم السبت [بصوم]

- ‌ الرخصة في ذلك

- ‌ باب في صوم الدهر

- ‌ باب في صوم المحرَّم

- ‌ صوم ستة أيام من شوال

- ‌ كيف كان النبي صلى الله عليه وسلم يصوم

- ‌ في صوم الاثنين والخميس

- ‌ صوم العشر

- ‌ في صوم عرفة بعرفة

- ‌ ما روي أن عاشوراء اليومُ التاسع

- ‌ باب في فضل صومه

- ‌ باب صوم الثلاث من كل شهر

- ‌ من قال: لا يُبالي مِن أيِّ الشهر

- ‌ باب النية في الصيام

- ‌ باب في الرخصة فيه

- ‌ باب من رأى عليه القضاء

- ‌ باب المرأة تصوم بغير إذن زوجها

- ‌ الاعتكاف

- ‌ المعتكف يعود المريض

- ‌كتاب الجهاد

- ‌ سُكنى الشام

- ‌ باب تضعيف الذكر في سبيل الله

- ‌ باب في فضل الشهادة

- ‌ باب في الرجل يغزو وأبواه كارهان

- ‌ باب النهي عن لعن البهيمة

- ‌ باب الوقوف على الدابة

- ‌ باب في المحلِّل

- ‌ باب السيف يُحلَّى

- ‌ باب ابن السبيل يأكل من الثمرة ويشرب من اللبن إذا مرَّ به

- ‌ باب في الطاعة

- ‌ باب علامَ يقاتل

- ‌ باب في التفريق بين السبي

- ‌ باب الرخصة في البالغين

- ‌ باب في عقوبة الغالِّ

- ‌ باب في المرأة والعبد يُحْذَيان من الغنيمة

- ‌ باب في سجود الشكر

- ‌كتاب الأضاحي

- ‌ باب ما جاء في وجوب الأضاحي

- ‌ باب الرجل يأخذ من شَعَره في العشر وهو يريد أن يضحي

- ‌ باب ما يجوز من السن في الضحايا

- ‌ باب ذبائح أهل الكتاب

- ‌ باب ما جاء في ذكاة الجنين

- ‌ باب العقيقة

- ‌ باب في الصيد

- ‌كتاب الوصايا

- ‌ باب متى ينقطع اليتم

- ‌كتاب الفرائض

- ‌ باب في ميراث ذوي الأرحام

- ‌ باب ميراث ابن الملاعَنة

- ‌«ميراث اللقيط»

- ‌ باب فيمن أسلم على ميراث

- ‌ باب الولاء

- ‌ باب من أسلم على يدي رجل

- ‌ باب في المولود يستهل [ثم يموت]

- ‌ باب في الحِلْفِ

- ‌كتاب الخراج والإمارة

- ‌ باب في اتخاذ الكاتب

- ‌ باب في حكم أرض اليمن

- ‌ باب إخراج اليهود من جزيرة العرب

- ‌ باب تعشير أهل الذمة

- ‌كتاب الجنائز

- ‌ باب في العيادة

- ‌ باب العيادة من الرمد

- ‌ باب الخروج من الطاعون

- ‌ باب تطهير ثياب الميت عند الموت

- ‌ باب في التلقين

- ‌ باب في النَّوح

- ‌ باب في الشهيد يُغسَّل

- ‌ باب في الكفن

- ‌ باب في الغُسل مِن غَسل الميت

- ‌ باب في تقبيل الميت

- ‌ باب الدفن بالليل

- ‌ باب القيام للجنازة

- ‌ باب المشي أمام الجنازة

- ‌ باب الصلاة على الجنازة في المسجد

- ‌ باب الصلاة على القبر

- ‌ باب في اللحد

- ‌ باب الجلوس عند القبر

- ‌ باب في تسوية القبر

- ‌ باب الميت يُصَلَّى على قبره بعد حين

- ‌ باب كراهية اتخاذ القبور مساجد

- ‌ باب المشي في الحذاء بين القبور

- ‌ باب في زيارة النساء القبور

- ‌ باب المُحرِم يموت كيف يُصنع به

- ‌كتاب الأيمان والنذور

- ‌ باب لغو اليمين

- ‌ باب الاستثناء في اليمين

- ‌ باب اليمين في قطيعة الرحم

- ‌ النذر في المعصية

- ‌ باب فيمن نذر أن يتصدق بماله

- ‌كتاب البيوع

- ‌ باب الحيوان [بالحيوان نسيئة]

- ‌ باب الرخصة في ذلك

- ‌ باب في ذلك يدًا بيد

- ‌ باب في الثَّمَر بالتمْر

- ‌ باب المضارب يخالف

- ‌ باب في المزارعة

- ‌ باب مَن زرع أرضًا بغير إذن صاحبها

- ‌ باب في المخابرة

- ‌ باب المُساقاة

- ‌ باب في العبد يُباع وله مال

- ‌ باب النهي عن العِينة

- ‌ باب وضع الجائحة

- ‌ باب في بيع الطعام قبل أن يُستوفَى

- ‌ باب في الرجل يبيع ما ليس عنده

- ‌ باب من اشترى عبدًا فاستغلَّه [ثم رأى عيبًا]

- ‌ باب إذا اختلف البيِّعان والمبيع قائم

- ‌ باب الشفعة

- ‌ باب في الرجل يُفلِس، فيجد الرجلُ متاعَه بعينه

- ‌ باب في تضمين العارية

- ‌كتاب الأقضية

- ‌ باب في طلب القضاء

- ‌ باب اجتهاد الرأي في القضاء

- ‌ باب في الصلح

- ‌ باب شهادة أهل الذمة على الوصية في السفر

- ‌ باب إذا علم الحاكم صدق الشاهد الواحد يجوز له أن يحكم به

- ‌ باب القضاء باليمين مع الشاهد

- ‌ باب الرجلين يدّعيان شيئًا وليست لهما بينة

- ‌كتاب العلم

- ‌ التشديد في الكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌ باب كراهية منع العلم

- ‌كتاب الأشربة

- ‌ بابٌ الخمر مما هي

- ‌ باب النهي عن المسكر

- ‌ باب في الداذيّ

- ‌ باب في الشرب قائمًا

- ‌كتاب الأطعمة

- ‌ باب غسل اليدين عند الطعام

- ‌ باب في أكل لحوم الحمر الأهلية

- ‌ باب أكل الطافي

- ‌ باب الإقران في التمر

- ‌ باب الفأرة تقع في السمْن

- ‌كتاب الطب

- ‌ باب في الكَيِّ

- ‌ باب في الأدوية المكروهة

- ‌ باب في تمرة العجوة

- ‌ باب الغَيْل

- ‌ باب الرُّقى

- ‌ باب في الطِّيَرة

الفصل: ‌ النهي أن يخص يوم السبت [بصوم]

قال الداودي

(1)

: لم يبلغ مالكًا هذا الحديث، ولو بلغه لم يخالفه.

وقد روى النسائي

(2)

عن زِرّ بن حُبَيش عن ابن مسعود: «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يصوم ثلاثة أيام من كل شهر، وقلّما رأيته يفطر يوم الجمعة» . وإسناده صحيح.

ولا معارضة بينه وبين أحاديث النهي، إذ ليس فيه: أنه كان يفرده بالصوم، والنهي إنما هو عن الإفراد، فمتى وصله زال النهي.

31 -

‌ النهي أن يُخصّ يوم السبت [بصوم]

245/ 2313 - عن عبد الله بن بُسْر السلمي، عن أخته الصَّمَّاء، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:«لا تصوموا يوم السبت، إلا فيما افتُرض عليكم، وإن لم يجد أحدُكم إلَّا لِحاءَ عِنَب أو عُودَ شجرة فَلْيَمضَغْه» .

قال أبو داود: وهذا الحديث منسوخ.

وأخرجه الترمذي والنسائي وابن ماجه

(3)

. وقال الترمذي: حديث حسن. هذا آخر كلامه. وقيل: إن الصماء أخت بُسر.

وروي هذا الحديث من حديث عبد الله بن بُسر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم

(4)

، ومن

(1)

. كما في «إكمال المعلم» لعياض (4/ 97)، و «المختصر» للمنذري (3/ 297).

(2)

. «المجتبى» (2368) و «الكبرى» (2771). وأخرجه أيضًا الترمذي (742) وقال: حسن غريب، وابن خزيمة (2129)، وابن حبان (3645).

(3)

. أبو داود (2421)، والترمذي (744)، والنسائي في «الكبرى» (2775)، وابن ماجه (1726).

(4)

. أخرجه أحمد (17676)، والنسائي في «الكبرى» (2772، 2774، 2779، 2783)، وابن حبان (3615).

ص: 113

حديث أبيه بُسر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم

(1)

، ومن حديث الصماء عن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم عن النبي صلى الله عليه وسلم

(2)

. وقال النسائي

(3)

: هذه أحاديث مضطربة.

قال ابن القيم رحمه الله: حديث عبد الله بن بسر هذا رواه جماعة عن خالد بن مَعدان عن عبد الله بن بُسر عن أخته الصماء.

ورواه النسائي عن عبد الله بن بُسر عن النبي صلى الله عليه وسلم. ورواه أيضًا عن الصماء عن عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم، فهذه ثلاثة أوجه.

وقد أشكل هذا الحديث على الناس قديمًا وحديثًا. فقال أبو بكر الأثرم

(4)

: سمعت أبا عبد الله يُسأل عن صيام يوم السبت يفترد به؟ فقال: أما صيام يوم السبت يفترد به فقد جاء فيه ذلك الحديث، حديث الصماء، يعني حديث ثور بن يزيد عن خالد بن معدان عن عبد الله بن بسر عن أخته الصماء عن النبي صلى الله عليه وسلم:«لا تصوموا يوم السبت إلا فيما افترض عليكم» . قال أبو عبد الله: يحيى بن سعيد يَنْفِيه

(5)

، أبى أن يحدثني به. وقد كان سمعه من

(1)

. أخرجه النسائي في «الكبرى» (2781)، وفي إسناده أبو تقي الحمصي، قال النسائي:«أبو تقي هذا ضعيف، ليس بشيء، وإنما أخرجته لعلة الاختلاف» .

(2)

. أخرجه النسائي (2784)، وفي إسناده داود بن عبيد الله، مجهول، وقد خالف جميع الرواة عن خالد بن مَعدان في جعله عنه، عن عبد الله بن بسر، عن أخته الصماء، عن عائشة.

(3)

. لم أجد قوله في «السنن» ، وقد نقله أيضًا الحافظ في «التلخيص الحبير» (2/ 216).

(4)

. نقله من «مسائله» ابنُ قدامة في «المغني» (4/ 428) مختصرًا، وشيخ الإسلام في «الاقتضاء» (2/ 72) بطوله، والمؤلف صادر عنه في نقله هذا وفي الكلام على المسألة إلى آخرها. انظر:«الاقتضاء» (2/ 71 - 81).

(5)

. كذا في الأصل مضبوطًا بالشكل، وفي «المغني» و «الاقتضاء»:«يتّقيه» .

ص: 114

ثور. قال: فسمعتُه من أبي عاصم

(1)

.

قال الأثرم

(2)

: حجة أبي عبد الله في الرخصة في صوم يوم السبت أن الأحاديث كلها مخالفة لحديث عبد الله بن بسر، منها:

حديث أم سلمة حين سُئلت: أي الأيام كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أكثر صيامًا لها؟ فقالت: السبت والأحد

(3)

.

ومنها حديث جويرية: [ق 131] أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لها يوم الجمعة: «أصُمتِ أمس؟» قالت: لا. قال: «أتريدين أن تصومي غدًا؟»

(4)

، فالغد: هو يوم السبت.

وحديث أبي هريرة: نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن صوم يوم الجمعة، إلا بيوم قبله أو يوم بعده

(5)

. فاليوم الذي بعده: هو يوم السبت.

(1)

. كما في «المسند» (27075).

(2)

. ما زال الكلام له من «مسائله» ، وله بنحوه مختصرًا في «ناسخ الحديث ومنسوخه» (ص 201 - 203).

(3)

. أخرجه أحمد (26750)، والنسائي في «الكبرى» (2789)، وابن خزيمة (2167)، وابن حبان (3616)، والحاكم (1/ 436) من طريق عبد الله بن محمد بن عمر بن علي، عن أبيه، عن كريب، عن أم سلمة. إسناده مقارب، عبد الله بن محمد بن عمر وأبوه وثّقهما ابن حبّان والدارقطني، إلا أن ابن حبان قال عن عبد الله:«يخطئ ويخالف» . انظر: «الثقات» (7/ 2، 5/ 353) و «سؤالات البرقاني» (ص 22).

(4)

. أخرجه البخاري (1986).

(5)

. سبق تخريجه.

ص: 115

وقال: «من صام رمضان وأتبعه بست من شوال»

(1)

، وقد يكون فيها السبت.

وأمر بصيام البيض

(2)

، وقد يكون فيها السبت. ومثل هذا كثير.

فقد فهم الأثرم من كلام أبي عبد الله أنه توقف عن الأخذ بالحديث، وأنه رخص في صومه، حيث ذكر الحديث الذي يُحتج به في الكراهة، وذكر أن الإمام في علل الحديث يحيى بنَ سعيد كان ينفيه

(3)

، وأبى أن يحدث به، فهذا تضعيف للحديث. واحتج الأثرم بما ذكر من النصوص المتواترة على صوم يوم السبت.

يبقى أن يقال: يمكن حمل النصوص الدالة على صومه على ما إذا صامه مع غيره، وحديثِ النهي على صومه وحده، وعلى هذا تتفق النصوص. وهذه طريقة جيدة، لو لا أن قوله في الحديث: «لا تصوموا يوم السبت إلا

(1)

. أخرجه مسلم (1164) من حديث أبي أيوب رضي الله عنه.

(2)

. في «الاقتضاء» : «بصيام أيام البيض» ، فما هنا من باب حذف المضاف وإقامة المضاف إليه مُقامه. وفي ط. الفقي:«الأيام البيض» خلافًا للأصل، ويُعدُّ لحنًا، إذ البيض وصف لِلَّيالي، وإلَّا فكل أيام الشهر بِيض. انظر «القاموس» (بيض) و «شرح عمدة الفقه» لابن تيمية (3/ 492).

وقد صحّ الترغيب في صيام أيام البيض في حديث جرير بن عبد الله البجلي مرفوعًا عند النسائي (2420). وفي الباب حديث أبي ذر عند أحمد (21437) والترمذي (761) والنسائي (2422) وابن خزيمة (2128)، وحديث قتادة بن ملحان عند أبي داود وغيره (وسيأتي ص 270)، وفي إسناديهما ضعف يُحتَمَل.

(3)

. في الأصل والطبعتين: «أن الإمام علل حديث يحيى بن سعيد وكان ينفيه» خطأ، والتصحيح من «الاقتضاء» ، إلا أن فيه:«يتقيه» بدل «ينفيه» كما سبق.

ص: 116

فيما افترض عليكم» دليل على المنع من صومه في غير الفرض مفردًا أو مضافًا، لأن الاستثناء دليل التناول، وهو يقتضي أن النهي عنه يتناول كل صور صومه، إلا صورة الفرض. ولو كان إنما يتناول صورة الإفراد، لقال: لا تصوموا يوم السبت إلا أن تصوموا يومًا قبله أو يومًا بعده، كما قال في الجمعة. فلما خص الصورة المأذون في صومها بالفرضية عُلم تناول النهي لما قابلها.

وقد ثبت صوم يوم السبت مع غيره بما تقدم من الأحاديث وغيرها، كقوله في يوم الجمعة:«إلا أن تصوموا يومًا قبله أو يومًا بعده» ، فدل على أن الحديث غير محفوظ وأنه شاذ.

وقد قال أبو داود

(1)

: قال مالك: هذا كذب. وذكر

(2)

بإسناده عن الزهري أنه كان إذا ذكر له النهي عن صيام يوم السبت، يقول: هذا حديث حِمصي، وعن الأوزاعي قال: ما زلت كاتمًا له حتى رأيته انتشر، يعني حديث ابن بسر هذا.

وقالت طائفة، منهم أبو داود: هذا حديث منسوخ.

وقالت طائفة، وهم أكثر أصحاب أحمد: الحديث محكم، وأخذوا به في كراهة إفراده بالصوم، وأخذوا بسائر الأحاديث في صومه مع ما يليه. قالوا: وجواب أحمد يدل على هذا التفصيل، فإنه سئل في رواية الأثرم عنه: فأجاب بالحديث. وقاعدة مذهبه: أنه إذا سئل عن حكم فأجاب فيه بنصّ يدل عليه، أن جوابه بالنص دليل على أنه قائل به، لأنه ذكره في معرض الجواب، فهو متضمن للجواب والاستدلال معًا.

(1)

. «السنن» عقب الحديث (2424).

(2)

. برقم (2423، 2424).

ص: 117

قالوا: وأما ما ذكره عن يحيى بن سعيد، فإنما هو بيان لما وقع من الشبهة في الحديث.

قالوا: وإسناده صحيح، ورواته غير مجروحين ولا متّهمين، وذلك يوجب العمل به، وسائرُ الأحاديث ليس فيها ما يعارضه، لأنها تدل على صومه مضافًا، فيحمل النهي على صومه مفردًا، كما ثبت في يوم الجمعة.

ونظير هذا الحكمِ أيضًا كراهة إفراد رجب بالصوم، وعدم كراهته موصولًا بما قبله أو بعده.

ونظيره أيضًا: ما حمل الإمام أحمد عليه حديث العلاء بن عبد الرحمن عن أبيه عن أبي هريرة في النهي عن الصوم بعد انتصاف شعبان= أنه النهي عن ابتداء الصوم فيه، وأما صومه مع ما قبله من نصفه الأول، فلا يكره

(1)

.

قالوا: وقد جاء هذا مصرّحًا به في صوم يوم السبت، ففي «مسند الإمام أحمد»

(2)

، من حديث ابن لَهِيعة: نا موسى بن وَرْدان، عن عُبيد الأعرج: حدثتني جدتي ــ يعني الصمّاء ــ أنها دخلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم السبت، وهو يتغدى. فقال:«تعالي تغدَّي» . فقالت: إني صائمة. فقال لها: «أصُمتِ أمس؟» قالت: لا. قال: «كُلِي، فإن صيام يوم السبت لا لك، ولا عليك» .

وهذا، وإن كان في إسناده من لا يحتج به إذا انفرد، لكن يدل عليه ما

(1)

. الذي نقله أبو داود عن الإمام أحمد في «المسائل» (ص 434) أنه قال في حديث العلاء: إنه منكر. وبنحوه في «المغني» (4/ 327)، والحمل المذكور ذكره الترمذي عن بعض أهل العلم كما سبق (ص 19).

(2)

. برقم (27076)، وهو ضعيف لتفرد ابن لهيعة به.

ص: 118

تقدم من الأحاديث. وعلى هذا، فيكون معنى قوله صلى الله عليه وسلم:«لا تصوموا يوم السبت» أي لا تقصدوا صومه بعينه إلا في الفرض، فإن الرجل يقصد صومه بعينه بحيث لو لم يجب عليه إلا صوم يوم السبت، كمن أسلم ولم يبق من الشهر إلا يوم السبت، فإنه يصومه وحده.

وأيضًا فقصده بعينه في الفرض لا يكره، بخلاف قصده بعينه في النفل، فإنه يكره. ولا تزول الكراهة إلا بضم غيره إليه، أو موافقته عادة. فالمزيل للكراهة في الفرض مجرد كونه فرضًا، لا المقارنة بينه وبين غيره. وأما في النفل فالمزيل للكراهة ضم غيره إليه، أو موافقته عادة، ونحو ذلك.

قالوا: وأما قولكم: إن الاستثناء دليل التناول

إلى آخره، فلا ريب أن الاستثناء أخرج صورة الفرض من عموم النهي، وصورةُ الاقتران بما قبله أو بما بعده أُخرِجت بالدليل الذي تقدم. فكلا الصورتين

(1)

مُخرَج، أما الفرض فبالمُخرِج المتصل، وأما صومه مضافًا فبالمُخرِج المنفصل، فبقيت صورة الإفراد، واللفظ متناول لها، ولا مُخرِجَ لها من عمومه، فيتعين حمله عليها.

ثم اختلف [ق 132] هؤلاء في تعليل الكراهة، فعلّلها ابنُ عَقيل بأنه يوم يُمسك فيه اليهود ويخصونه بالإمساك، وهو ترك العمل فيه، والصائم في مظنة ترك العمل فيصير صومه تشبُّهًا بهم، وهذه العلة منتفية في الأحد. ولا يقال: فهذه العلة موجودة إذا صامه مع غيره، ومع هذا فإنه لا يكره؛ لأنه إذا صامه مع غيره لم يكن قاصدًا إلى تخصيصه المقتضي للتشبّه، وشاهدُه استحباب ضمّ

(2)

يومٍ قبلَ عاشوراء وبعده إليه لتنتفي صورة الموافقة.

(1)

. كذا في الأصل بتذكير «كلا» ، وانظر ما سبق (ص 47).

(2)

. في الأصل والطبعتين: «صوم» ، وهو تصحيف يدّل عليه قوله:«إليه» بعده. وانظر نحو هذه العبارة على الصواب في «زاد المعاد» (1/ 406).

ص: 119

وعلّله طائفة أخرى بأنه يوم عيد لأهل الكتاب يعظّمونه، فقَصْده بالصوم دون غيره يكون تعظيمًا له فكُرِه ذلك، كما كره إفراد عاشوراء

(1)

بالتعظيم لمّا عظّمه أهل الكتاب، وإفراد رجب أيضًا لما عظمه المشركون.

وهذا التعليل قد يعارَض بيوم الأحد، فإنه يوم عيدٍ للنصارى، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم:«اليوم لنا وغدًا لليهود وبعد غدٍ للنصارى»

(2)

، ومع ذلك فلا يكره صومه.

وأيضًا فإذا كان يوم عيدٍ فقد يقال: مخالفتهم فيه يكون بالصوم لا بالفطر، فالصوم فيه تحقيق للمخالفة. ويدل على ذلك ما رواه الإمام أحمد والنسائي وغيرهما من حديث كُرَيب مولى ابن عباس قال: أرسلني ابن عباس وناس من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم إلى أم سلمة أسألها أي الأيام كان النبي صلى الله عليه وسلم أكثرها صيامًا؟ قالت كان يصوم السبت ويوم الأحد أكثر ما يصوم من الأيام، ويقول:«إنهما يوما عيد للمشركين فأنا أحب أن أخالفهم» . وصححه بعض الحفاظ

(3)

. فهذا نص في استحباب صوم يوم عيدهم لأجل مخالفتهم، فكيف تُعلَّل كراهة صومه بكونه عيدًا لهم؟!

وفي «جامع الترمذي»

(4)

عن عائشة قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصوم

(1)

. في الطبعتين: «يوم عاشوراء» خلافًا للأصل.

(2)

. أخرجه البخاري (876)، ومسلم (855/ 20) واللفظ له.

(3)

. كابن خزيمة وابن حبان والحاكم، وقد سبق تخريجه قريبًا.

(4)

. برقم (746) من طريق أبي أحمد الزبيري ومعاوية بن هشام، كلاهما عن سفيان الثوري، عن منصور، عن خيثمة، عن عائشة.

وهو ضعيف مرفوعًا، فإن معاوية بن هشام صدوق وليس بحجة، وإن أبا أحمد ثقة لكنه يخطئ في حديث الثوري، وقد خالفهما الإمام الثبت الحجة أوثق الناس في الثوري: عبد الرحمن بن مهدي، فرواه عن الثوري موقوفًا على عائشة مِن فِعلها. أخرجه الطبري في «تهذيب الآثار- مسند عمر» (1220).

ص: 120

من الشهر السبت والأحد والاثنين، ومن الشهر الآخر الثلاثاء والأربعاء والخميس. قال الترمذي: حديث حسن، وقد روى ابنُ مهدي هذا الحديث عن سفيان ولم يرفعه.

وهذان الحديثان ليسا بحجة على من كره إفراد السبت بالصوم وعلَّله

(1)

بأنهم يتركون العمل فيه والصومُ مظنَّةُ ذلك، فإنه إذا ضم إليه الأحد زال الإفراد المكروه وحصلت المخالفة بصوم يوم فطرهم وزال صورة التعظيم المكروه بعدم التخصيص المُؤْذِن بالتعظيم، فاتفقت بحمد الله الأحاديث، وزال عنها الاضطراب والاختلاف، وتبيّن تصديق بعضها بعضًا.

فإن قيل: فما تقولون في صوم يوم النَّيرُوز والمِهْرَجان ونحوهما من أعياد المشركين؟ قيل: قد كرهه كثير من العلماء، وأكثرُ أصحاب أحمد على الكراهة

(2)

. قال أحمد في رواية ابنه عبد الله

(3)

: نا وكيع عن سفيان عن رجل عن أنس والحسن كرها صوم يوم النيروز والمهرجان

(4)

. قال عبد الله:

(1)

. ط. الفقي: «إفراد يوم السبت. وعلّله طائفة» ، قطع الكلام المتصل بما قبله، وأقحم فيه كلمة «طائفة» فاختلّ السياق وفسد المعنى.

(2)

. انظر: «المغني» (4/ 428 - 429).

(3)

. ليس في المطبوع من مسائله، والمؤلف صادر عن «الاقتضاء» كما سبق.

(4)

. وأخرج ابن وضّاح القرطبي في «البدع والنهي عنها» (ص 21) من طريق الربيع بن صَبيح، عن أبان بن أبي عياش أنه سأل أنسًا عن قوم يجتمعون يوم النيروز والمهرجان ويصومونهما، فأنكره أنس ووصفه بالبدعة. وأبان صالح في نفسه، لكنه متروك الحديث، كان يسمع من أنس ومن الحسن البصري، فلا يميزّ بينهما فربّما إذا حدّث جعل كلام الحسن عن أنس مرفوعًا وهو لا يعلم، إلا أن هذا الأثر جاء في قصّة هو السائل فيها، فمثله ــ إن شاء الله ــ مظنّة الضبط.

وقد صحّ عن الحسن كراهة صوم النيروز من وجهٍ آخر عند ابن أبي شيبة (9832، 9833).

ص: 121

قال أبي: الرجل أبان بن أبي عياش

(1)

.

فلما أجاب أحمد بهذا الجواب لمن سأله عن صيام هذين اليومين، دل ذلك على أنه اختاره. وهذه إحدى الطريقتين لأصحابه في مثل ذلك. وقيل: لا يكون هذا اختيارًا له، ولا يُنسب إليه القول الذي حكاه. وأكثرُ الأصحاب على الكراهة، وعللوا ذلك بأنهما يومان يعظمهما الكفار، فيكون تخصيصهما بالصيام دون غيرهما موافقةً لهم في تعظيمهما، فكُره كيوم السبت. قال صاحب «المغني»

(2)

: وعلى قياس هذا: كل عيدٍ للكفار، أو يوم يفردونه بالتعظيم.

قال شيخنا أبو العباس بن تيمية ــ قدس الله روحه ــ

(3)

: وقد يقال: يكره صوم النيروز والمهرجان ونحوهما من الأيام التي لا تعرف بحساب العرب، بخلاف ما جاء في الحديث من يوم السبت والأحد، لأنه إذا قصد صوم مثل هذه الأيام العجمية أو الجاهلية كان ذريعةً إلى إقامةِ شعار هذه الأيام وإحياءِ

(1)

. إبهام أبان في الإسناد من صنيع وكيع، فإنه كان إذا أتى على حديث أبان بن أبي عيّاش يقول:«رجل» ، لا يسمّيه استضعافًا له. «العلل» للإمام أحمد (3467).

(2)

. (4/ 429).

(3)

. «اقتضاء الصراط المستقيم» (2/ 81).

ص: 122