الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
كتاب الفرائض
1 -
باب في ميراث ذوي الأرحام
311/ 2779 - عن المقدام ــ وهو ابن معديْكَرب الكِنْدي ــ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «مَن تَرك كَلًّا فإليَّ ــ وربما قال: إلى الله وإلى رسوله ــ ومن ترك مالًا فلورثته، وأنا وارثُ مَن لا وارث له، أَعْقِلُ له وأرثه، والخال وارثُ مَن لا وَارث له، يَعْقِلُ عنه ويرثه» .
وأخرجه النسائي وابن ماجه
(1)
.
واختلف في هذا الحديث. فروي عن راشد بن سعد، عن أبي عامر الهَوْزني عن المقدام. وروي عن راشد بن سعد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ــ مرسلًا
(2)
.
وقال أبو بكر البيهقي
(3)
في هذا الحديث: كان يحيى بن معين يضعفه، ويقول: ليس فيه حديث قوي.
وقال أيضًا
(4)
: «وقد أجمعوا على أن الخال الذي لا يكون ابنَ عم أو مولى لا يَعْقِل بالخؤولة، فخالفوا الحديث الذي احتجوا به في العقل. فإن كان ثابتًا
(1)
أبو داود (2899)، وابن ماجه (2738)، والنسائي في «الكبرى» (6321)، من طريق بديل بن ميسرة، عن علي بن أبي طلحة، عن راشد بن سعد، عن أبي عامر الهَوزني، عن المقدام. وهذا إسناد حسن، حسَّنه أبو زرعة كما في «العلل» (1636)، وصححه ابن حبان (6035) والحاكم (4/ 344)، والألباني بشواهده في «الإرواء» (1700).
(2)
أخرجه النسائي في «الكبرى» (6323).
(3)
«السنن الكبرى» (6/ 215)، و «معرفة السنن والآثار» (9/ 164).
(4)
«معرفة السنن» (9/ 165).
فيشبه أن يكون في وقت كان يُعْقَل بالخؤولة، ثم صار الأمر إلى غير ذلك. أو أراد خالًا يعقل بأن يكون ابن عم أو مولًى، أو اختار وَضْع ماله فيه إذا لم يكن له وارث سواه.
قال بعضهم: «الخال وراث من لا وارث له» يحتمل أن يكون على وجه السلب والنفي، كما قالوا: الصبر حيلةُ من لا حيلةَ له. ويحتمل أن يريد به: إذا كان عصبةً. ويحتمل أن يريد به السلطان، فإنه يُسمَّى خالًا
(1)
.
قال ابن القيم رحمه الله: فهذا ما رُدَّ به حديث الخال وهي بأسرها وجوه ضعيفة:
أما قولهم: إن أحاديثه ضعاف، فكلام فيه إجمال، فإنْ أريد بها أنها ليست في درجة الصحاح التي لا علة فيها فصحيح، ولكن هذا لا يمنع الاحتجاج بها، ولا يوجب انحطاطها عن درجة الحسن، بل هذه الأحاديث وأمثالها هي الأحاديث الحسان، فإنها قد تعددت طرقها ورويت من وجوه مختلفة، وعُرفت مخارجها، ورواتها ليسوا بمجروحين ولا متّهمين.
وقد أخرجها أبو حاتم بن حبان في «صحيحه» وحكم بصحتها. وليس في أحاديث الأصول ما يعارضها.
وقد رويت من حديث المقدام بن معديكرب هذا، ومن حديث عمر بن الخطاب، ذكره الترمذي
(2)
عن حكيم بن حكيم، عن أبي أمامة بن سهل بن
(1)
هذه الفقرة الأخيرة من كلام المنذري أشار المجرّد إلى طرفها الأخير، وليست في مطبوعة «المختصر» ، فاستدركتها من أصله الخطّي (النسخة البريطانية).
(2)
رقم (2103)، وأخرجه أحمد (189)، وابن ماجه (2737)، وابن حبان (6037)، واختاره الضياء (1/ 167 - 169).
حنيف قال: كتب عمر بن الخطاب إلى أبي عبيدة: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «الله ورسوله مولى من لا مولى له، والخال وارث من لا وارث له» . قال الترمذي: هذا حديث حسن، ورواه ابن حبان في «صحيحه» . ولم يصنع من أعلّ هذا الحديث بحكيم بن حكيم، وأنه مجهول= شيئًا، فإنه قد روى عنه سهيل بن أبي صالح، وعبد الرحمن بن الحارث، وعثمان بن حكيم أخوه، ولم نَعلم أن أحدًا جرحه
(1)
، ومِثْلُ هذا ترتفع عنه الجهالة ويُحتَج بحديثه.
ومن حديث عائشة، ذكره الترمذي
(2)
أيضًا عن ابن جريج، عن عمرو بن مسلم، عن طاوس، عن عائشة ترفعه:«الخال وارث من لا وارث له» . قال الترمذي: حسن غريب. قال: وإلى هذا الحديث ذهب أكثر أهل العلم في توريث ذوي الأرحام، وأما زيد بن ثابت فلم يورثهم. وقد أرسله بعضهم ولم يذكر فيه: عن عائشة
(3)
. تم كلامه.
وهذا على طريقة منازعينا لا يضر الحديث شيئًا لوجهين:
أحدهما: أنهم يحكمون بزيادة الثقة، والذي وَصَله ثقة وقد زاد، فيجب
(1)
بل قال عنه الإمام أحمد ــ كما في «سؤالات أبي داود» (ص 233) ــ: «ما أعلم إلا خيرًا» ، ووثقه العجلي، وقال ابن حبان في «مشاهير علماء الأمصار» (ص 208):«من جِلَّة أهل المدينة» ، وأورده في «الثقات». وأغرب ابنُ سعد في «الطبقات» (7/ 501) فقال:«كان قليل الحديث، لا يحتجّون بحديثه» .
(2)
رقم (2104)، وأخرجه النسائي في «الكبرى» (6318، 6319)، والدارقطني (4112 - 4115) من نفس الطريق مرفوعًا وموقوفًا، واستصوب الدارقطني في «العلل» (3679) والبيهقي (6/ 215) الرواية الموقوفة.
(3)
لم أجده مرسلًا عن طاوس، ولكن عن ابنه، أخرجه عبد الرزاق (12488، 12489، 19122، 19123) من طرق عنه.
عندهم قبول زيادته.
الثاني: أنه مرسل قد عمل به أكثر أهل العلم كما قال الترمذي، ومثل هذا حجة عند من لا يرى المرسل حجة، كما نص عليه الشافعي
(1)
.
وأما حمل الحديث على الخال الذي هو عَصَبة، فباطل يُنزَّه كلام الرسول عن أن يحمل عليه، لِما يتضمنه من اللبس، فإنه إنما علق الميراث بكونه خالًا. فإذا كان سبب توريثه كونَه ابنَ عمٍّ أو مولى، فعدل عن هذا الوصف الموجِب للتوريث إلى وصفٍ لا يوجب التوريث، وعلق به الحكم= فهذا ضد البيان، وكلامُ الرسول صلى الله عليه وسلم منزه عن ذلك.
وأما قوله: قد أجمعوا أن الخال الذي لا يكون ابنَ عم أو مولى لا يعقل بالخؤولة، فلا إجماع في ذلك أصلًا، وأين الإجماع؟ ثم لو قدر أن الإجماع انعقد على خلافه في التعاقل، فلم ينعقد على عدم توريثه، بل جمهور العلماء يورِّثونه، وهو قول أكثر الصحابة، فكيف يُترك القول بتوريثه لأجل القول بعدم تحمُّله في العاقلة؟ وهذا حديث المسح على الجوربين والخمار
(2)
، والمسح على العصائب والتساخين
(3)
، والمسح على الناصية
(1)
في «الرسالة» (ص 462 - 463).
(2)
أخرجه مسلم (275) من حديث بلال بلفظ: «الخفّين والخمار» ، وأخرج البخاري (205) من حديث عمرو بن أمية الضَّمْري بذكر الخفّين والعمامة. فأخذت الحنفية والمالكية والشافعية ببعضه دون بعض حيث قالوا بجواز المسح على الخفين، دون العمامة والخمار.
(3)
العصائب هي العمائم، والتساخين هي الخفاف، والحديث أخرجه أحمد (22383) وأبو داود (146) والحاكم (1/ 169) عن ثوبان. وهو حديث صحيح. انظر: حاشية محققي «المسند» طبعة الرسالة، و «صحيح أبي داود - الأم» للألباني (1/ 250).
والعمامة
(1)
= قد أخذوا منه ببعضه دون بعض. وكذلك حديث بُصْرَة بن أبي بُصْرة في الذي تزوج امرأة فوجدها حبلى
(2)
أخذوا ببعضه دون بعض. وهذا موجود في غير حديث.
وقوله: لو كان ثابتًا يكون في وقت كان الخال يعقل بالخؤولة، فهو إشارة إلى النسخ الذي لا يمكن إثباته إلا بعد أمرين، أحدهما: ثبوت معارضة المقاوِم له، والثاني: تأخره عنه، ولا سبيل هنا إلى واحد من الأمرين.
وقوله: اختار وضع ماله فيه ــ يعني على سبيل الطُّعْمة لا الميراث ــ، فباطل لثلاثة أوجه:
أحدها: أن لفظ الحديث يبطله فإنه قال: «يرث ماله» ، وفي لفظ «يرثه» .
(1)
أخرجه مسلم (247) من حديث المغيرة بن شعبة. احتجّت به الحنفية على وجوب مسح ربع الرأس لأن الناصية تساوي ربع الرأس، ولكن لم يأخذوا بما دلّ عليه من مشروعية المسح على العمامة، فلم يجيزوا المسح عليها. انظر:«المبسوط» (1/ 63، 101)، و «إعلام الموقعين» للمؤلف (3/ 72).
(2)
فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: «لها الصداق بما استحللتَ مِن فَرجها، والولد عبدٌ لك، فإذا ولدتْ فاجلِدُوها» . أخرجه أبو داود (2131)، والصواب فيه أنه مُرسَل ليس بمتِّصل، كما أشار إليه أبو داود عقبه، ونصّ عليه أبو حاتم في «العلل» (1259)، وضعّفه أيضًا أحمد وإسحاق كما في «مسائلهما» برواية الكوسج (2/ 316).
وقد استدل بالحديث المالكية والحنابلة على عدم صحة نكاح الحامل من زنى حتى تضع حملها، مع مخالفتهم لسائر ما دلّ عليه. انظر:«المحلّى» (10/ 28)، و «المغني» (9/ 561).
الثاني: أنه سماه وارثًا، والأصل في التسمية الحقيقة، فلا يُعدَل عنها إلا بعد أمور أربعة:
أحدها: قيام دليل على امتناع إرادتها.
الثاني: بيان احتمال اللفظ للمعنى الذي عَيَّنه مجازًا له، ولا يكفي ذلك إلا بالثالث، وهو: بيان استعماله فيه لغةً، حتى لا يكون لنا وضع نحمل عليه لفظ النص.
وكثير من الناس يغفل عن هذه الثلاثة، ويقول: يُحمل على كذا وكذا، وهذا غلط، فإن الحمل ليس بإنشاء، وإنما هو إخبار عن استعمال اللفظ في ذلك المعنى الذي حمله عليه، وإن لم يكن مطابِقًا كان خبرًا كاذبًا. وإن أراد به أني أنشئ حمله على هذا المعنى، كما يظن كثير ممن لا تحقيق عنده، فهو باطل قطعًا لا يَحِلُّ لأحد أن يرتكبه ثم يحمل كلام الشارع عليه.
الرابع: الجواب عن المعارِض، وهو دليل إرادة الحقيقة، ولا يكفيه دليل امتناع إرادتها ما لم يُجِبْ عن دليل الإرادة.
الثالث
(1)
: أن المخاطبين بهذا اللفظ فهموا منه الميراث دون غيره، وهم الصحابة [ق 160]رضي الله عنهم، ولهذا كتب به عمر رضي الله عنه جوابًا لأبي عبيدة حين سأله في كتابه عن ميراث الخال، وهم أحق الخلق بالإصابة في الفهم.
وقد عُلِم بهذا بطلان حمل الحديث على أن الخال السلطان، وعلى أن
(1)
هذا الوجه الثالث من أوجه بطلان تفسير الحديث بأنه اختار وضع ماله فيه على سبيل الطُّعْمة. في ط. الفقي: «الخامس» ، وهو خطأ.