الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
اسمه باذام.
وقال الإشبيلي
(1)
: هو باذام صاحب الكلبي، وهو عندهم ضعيف جدًّا. وكان شيخنا أبو الحجاج المِزِّي يرجح هذا أيضًا
(2)
.
21 -
باب المشي في الحذاء بين القبور
356/ 3100 - عن بشير مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم ــ وكان اسمه في الجاهلية: زَحْم بن مَعْبد، فهاجر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال:«ما اسمك؟» فقال: زحم، قال:«بل أنت بشير» ــ قال: بينما أنا أُماشي رسولَ الله صلى الله عليه وسلم مَرَّ بقبورِ المشركين، فقال:«لقد سَبَقَ هؤلاء خيرًا كثيرًا» ــ ثلاثًا ــ ثم مَرَّ بقبور المسلمين، فقال:«لقد أدرك هؤلاء خيرًا كثيرًا» . وحانت من رسول الله صلى الله عليه وسلم نظرةٌ، فإذا رجلٌ يمشي في القبور عليه نعلان، فقال:«يَا صَاحِبَ السِّبْتِيَّتَين، وَيحَك! أَلْقِ سِبْتِيَّتَيك» ، فنظر الرجل، فلما عرف رسولَ الله صلى الله عليه وسلم خلعهما فرمى بهما.
وأخرجه النسائي وابن ماجه
(3)
.
وبشير هذا هو: ابن الخَصاصيَّة، وهي أمه.
(1)
«الأحكام الوسطى» (2/ 151).
(2)
كما نصّ عليه في «تحفة الأشراف» (4/ 368). وهذا الذي قاله عبد الحق الإشبيلي وأبو الحجاج المزي هو الذي نصّ عليه الإمام أحمد في «العلل» برواية عبد الله (5435)، والإمام مسلم في «كتاب التفصيل» حيث قال:«هذا الحديث ليس بثابت، وأبو صالح باذام قد اتقى الناس حديثه، ولا يثبت له سماع من ابن عباس» . نقله ابن رجب في «الفتح» (2/ 403).
(3)
أبو داود (3230)، والنسائي (2048)، وابن ماجه (1568)، وكذلك أحمد (20784)، وابن حبان (3170)، والحاكم (1/ 373)، كلهم من طريق الأسود بن شيبان، عن خالد بن سُمَير، عن بَشِير بن نَهِيك، عن بشير ابن الخصاصيّة.
357/ 3101 - وعن أنس، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:«إنَّ العبد إذا وُضِعَ في قبره وتَوَلّى عنه أصحابُه إنَّه لَيَسْمَع قَرْعَ نِعالهم» .
وأخرجه البخاري ومسلم والنسائي
(1)
.
قال ابن القيم رحمه الله: وقد اختلف الناس في هذين الحديثين، فضعّفت طائفة حديث بشير. قال البيهقي
(2)
: رواه جماعة عن الأسود بن شيبان، ولا يُعرَف إلا بهذا الإسناد، وقد ثبت عن أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم:(فذكر هذا الحديث).
وقال أحمد بن حنبل رحمه الله
(3)
: حديث بشير إسناده جيد أذهب [ق 170] إليه، إلا من علة.
قال المجوِّزون: يحتمل أن يكون النبي صلى الله عليه وسلم رأى بنعليه قذرًا فأمره أن يخلعهما. ويحتمل أن يكون كره له المشي فيهما لِما فيه من الخيلاء، فإن النعال السِّبتية من زِيِّ أهل التنعُّم والرفاهية، كما قال عنترة
(4)
:
بطَلٍ كأن ثيابه في سَرْحَة
…
يُحذى نعالَ السِّبْت ليس بتوأم
وهذا ليس بشيء، ولا ذِكْر في الحديث لشيء من ذلك. ومن تدبر نهي النبي صلى الله عليه وسلم عن الجلوس على القبر، والاتكاء إليه، والوطء عليه= علم أن
(1)
أبو داود (3231)، والبخاري (1338)، ومسلم (2870)، والنسائي (2049).
(2)
«السنن الكبرى» (4/ 80).
(3)
كما في «المغني» (3/ 514).
(4)
في «معلّقته» . انظر: «ديوانه» (ص 212) و «شرح القصائد السبع الطوال» لابن الأنباري (ص 352).
النهي إنما كان احترامًا لسُكّانها أن يُوطأ بالنعال فوق رؤوسهم. ولهذا يُنهى عن التغوط بين القبور. وأخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن الجلوس على الجمر حتى تُحرِق الثياب خير من الجلوس على القبر
(1)
، ومعلوم: أن هذا أخف من المشي بين القبور بالنعال.
وبالجملة، فاحترام الميت في قبره بمنزلة احترامه في داره التي كان يسكنها في الدنيا، فإن القبر قد صار داره. وقد تقدم
(2)
قوله صلى الله عليه وسلم: «كسرُ عظمِ الميت ككسره حيًّا» ، فدل على أن احترامه في قبره كاحترامه في داره.
والقبور هي ديار الموتى ومنازلهم ومحل تزاوُرِهم، وعليها تنزل الرحمة من ربهم والفضل على محسنهم، فهي منازل المرحومين ومَهبِط الرحمة، ويَلقَى بعضُهم بعضًا على أفنية قبورهم، يتجالسون ويتزاورون، كما تضافرت به الآثار. ومن تأمل «كتاب القبور» لابن أبي الدنيا رأى فيه آثارًا كثيرة في ذلك.
فكيف يُستبعَد أن يكون من محاسن الشريعة إكرامُ هذه المنازل عن وطئها بالنعال واحترامها؟ بل هذا من تمام محاسنها، وشاهده ما ذكرناه من وطئها، والجلوس عليها والاتكاء عليها.
وأما تضعيف حديث بشير، فممّا لم نعلم أحدًا طعن فيه، بل قد قال الإمام أحمد: إسناده جيد. وقال عبد الرحمن بن مهدي: كان عبد الله بن
(1)
أخرجه مسلم (971) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
(2)
في «المختصر» (3078) وفي «السنن» (3207) من حديث عائشة رضي الله عنها مرفوعًا. وقد اختُلف في الحديث وقفًا ورفعًا، والذين وقفوه على عائشة أوثق وأكثر. انظر:«التاريخ الكبير» للبخاري (1/ 150)، و «العلل» للدارقطني (3756).
عثمان يقول فيه: حديث جيد ورجل ثقة
(1)
.
وأما معارضته بقوله صلى الله عليه وسلم: «إنه ليَسمع قرعَ نعالهم» ، فمعارضةٌ فاسدة، فإن هذا إخبار من النبي صلى الله عليه وسلم بالواقع وهو سماع الميت قرع نعال الحي، وهذا لا يدل على الإذن في قرع القبور والمشي بينها بالنعال، إذ الإخبار عن وقوع الشيء لا يدل على جوازه ولا تحريمه ولا حُكْمه، فكيف يُعارَض النهيُ الصريح به؟
قال الخطابي
(2)
: ثبت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى أن توطأ القبور.
وقد روى ابن ماجه في «سننه»
(3)
عن أبي الخير عن عقبة بن عامر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لَأن أمشي على جمرة أو سيف، أو أخصف نعلي برجلي أحب إلي من أن أمشي على قبر مسلم، وما أبالي أَوَسط القبر ــ كذا قال ــ
(1)
أسنده ابن ماجه عقب الحديث عن محمد بن بشار، عن ابن مهدي به. وعبد الله بن عثمان هذا هو البصري، صاحب شعبة وصديقه، وأجلُّ من روى عنه وأضبطهم، ومات قبله. انظر:«تاريخ الإسلام» للذهبي (4/ 663)، و «تهذيب التهذيب» (5/ 317).
(2)
كما في «المغني» (3/ 515 - 516)، ولم أجد قوله في «الأعلام» و «المعالم» .
(3)
رقم (1567)، وكذلك الذهبي في «السير» (9/ 138)، من طريقين عن عبد الرحمن المحاربي، عن الليث بن سعد، عن يزيد بن أبي حبيب، عن أبي الخير به.
قال الذهبي: إسناده صالح، وكذلك صحح إسناده البوصيري في «الزوائد». قلتُ: ولكن له علة، وهي أن المحاربي قد خولف في رفعه، خالفه شبابة فرواه عن الليث به موقوفًا على عقبة من قوله. أخرجه ابن أبي شيبة (11896).
وفي الباب عن ابن مسعود وأبي بكرة موقوفًا: «لأن أطأ على جمرةٍ أحبّ إليّ من أن أطأ على قبر رجلٍ مسلم» . أخرجهما ابن أبي شيبة (11893 - 11895).