الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المراد به السَّلْب. وكل هذه وجوه باطلة. وأسعد الناس بهذه الأحاديث من ذهب إليها، وبالله التوفيق.
2 -
باب ميراث ابن الملاعَنة
312/ 2786 - عن واثلة بن الأسقع، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:«المرأة تَحُوزُ ثلاثةَ مواريث: عَتِيقَها، ولَقِيطَها، وولدَها الذي لاعَنَتْ عنه» .
وأخرجه الترمذي والنسائي وابن ماجه
(1)
، وقال الترمذي: حسن غريب لا نعرفه إلا من حديث محمد بن حرب. هذا آخر كلامه.
وفي إسناده عمر بن رُؤبة التَّغلِبي، قال البخاري: فيه نظر. وسئل عنه أبو حاتم الرازي، فقال: صالح الحديث، قيل: تقوم به الحجة؟ فقال: لا، ولكن صالح
(2)
.
وقال الخطابي
(3)
: وهذا الحديث غير ثابت عند أهل النقل.
وقال البيهقي
(4)
: لم يُثبت البخاري ولا مسلم هذا الحديث لجهالة بعض رواته.
قال ابن القيم رحمه الله: وأُعِلَّ أيضًا بعبد الواحد بن عبد الله بن بسر
(1)
أبو داود (2906)، والترمذي (2115)، والنسائي في «الكبرى» (6326 - 6328)، وابن ماجه (2742)، كلهم من طريق عمر بن رؤبة، عن عبد الواحد بن عبد الله النَّصْري، عن واثلة.
(2)
انظر: «التاريخ الكبير» (6/ 155)، و «الجرح والتعديل» (6/ 108).
(3)
«معالم السنن» (4/ 176).
(4)
«معرفة السنن والآثار» (9/ 153).
النَّصْري، راويه عن واثلة، قال ابن أبي حاتم
(1)
: صالح لا يحتج به
(2)
.
وقد اشتمل على ثلاث جمل:
ميراث المرأة عتيقَها، وهو متفق عليه.
الثانية: ميراثها ولدَها الذي لاعنت عليه، وقد اختُلف فيه؛ فكان زيد بن ثابت يجعل ميراثها منه كميراثها من الولد الذي لم تلاعن عليه، وروي عن ابن عباس نحوه
(3)
. وهو قول جماعة من التابعين
(4)
. وهو قول مالك والشافعي وأبي حنيفة وأصحابهم
(5)
، وعندهم لا تأثير لانقطاع نسبه من أبيه في ميراث الأم منه.
وكان الحسن وابن سيرين وجابر بن زيد وعطاء والنخعي والحكم وحماد والثوري والحسن بن صالح وغيرهم يجعلون عصبةَ أمِّه عصبةً
(1)
نقلًا عن أبيه في «الجرح والتعديل» (6/ 22).
(2)
أعله بهذا عبد الحق في «الأحكام الوسطى» (3/ 337) وابن الجوزي في «التحقيق» (2/ 251)، وردَّ ابنُ عبد الهادي الإعلال به وبعُمَر بن رؤبة، فقال في «التنقيح» (4/ 273 - 274):«عبد الواحد النصري روى له البخاري في «صحيحه» ، ووثَّقه العجلي والدارقطني وغيرهما، وعمر بن رؤبة: محلّه الصدق، قال دحيم: لا أعلمه إلا ثقة
…
واعلم أن هذا الحديث تكلّم فيه الشافعي وغيره، لكن له شواهد تقوّيه
…
».
(3)
أخرجه عنهما عبد الرزاق في «المصنف» (12485).
(4)
كعروة بن الزبير وسليمان بن يسار والزهري، أخرجه عنهم ابن أبي شيبة (31973 - 31976).
(5)
انظر: «الموطأ» (1488)، و «المدونة» (8/ 387)، و «الأم» (5/ 177)، و «الأصل» للشيباني (6/ 93)، و «المبسوط» (29/ 198).
له
(1)
. وهذا مذهب أحمد في إحدى الروايتين عنه
(2)
. وهو إحدى الروايتين عن علي وابن عباس
(3)
.
وكان ابن مسعود، وعلي في الرواية الأخرى عنه
(4)
يجعلون أمه نفسها عصبة، وهي قائمة مقام أمه وأبيه، فإن عدمت فعصبتها عصبته. وهذا هو الرواية الأخرى
(5)
عن أحمد نقلها عنه أبو الحارث ومهنا، ونقل الأولى الأثرم وحنبل، وهو مذهب مكحول والشعبي
(6)
.
وأصح هذه الأقوال: أن أمَّه نفسها عَصَبتُه
(7)
، وعصباتها
(8)
من بعدها عصبةٌ له. هذا مقتضى الآثار والقياس.
(1)
حكاه عن جميعهم ابن عبد البر في «التمهيد» (15/ 46) و «الاستذكار» (5/ 378). وقول الحسن أسنده الدارمي (3003)، وقول عطاء والنخعي أخرجه عبد الرزاق (12483، 12480)، وقول الحكم وحماد بن أبي سليمان رواه ابن أبي شيبة (31983).
(2)
انظر: «المغني» (9/ 116)، و «الإنصاف» (18/ 44 - 46).
(3)
أثر علي أخرجه عبد الرزاق (12481، 12482)، وابن أبي شيبة (31979). وأثر ابن عباس أخرجه الدارمي (3009).
(4)
أخرجه البيهقي (6/ 258) عنهما بإسناد فيه لين، وله طريقان آخران عن ابن مسعود عند عبد الرزاق (12479)، وابن أبي شيبة (31969، 31970).
(5)
«الأخرى» ساقطة من الأصل، واستدركت من (هـ).
(6)
قول مكحول والشعبي أخرجه ابن أبي شيبة (31967، 31971). وانظر: «مسند الدارمي» (3001، 3008).
(7)
الأصل: «عصبة» ، والمثبت من (هـ).
(8)
في الطبعتين: «عصبتها» خلافًا للأصل.
أما الآثار، فمنها حديث واثلة هذا.
ومنها ما ذكره أبو داود
(1)
في الباب عن مكحول [الشامي قال: «جعل رسول الله صلى الله عليه وسلم ميراث ابنِ الملاعنة لأمِّه ولورثتها من بعدها». وهذا مرسل يتأيّد بالمسند]
(2)
.
ومنها ما رواه أيضًا
(3)
عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله.
ومنها ما رواه أبو داود أيضًا عن عبد الله بن عبيدٍ عن رجل من أهل الشام: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لولد الملاعنة: «عصبته عصبة أمه» ذكره في «المراسيل»
(4)
.
وفي لفظ له
(5)
عن عبد الله بن عبيد بن عمير قال: كتبتُ إلى صديق لي
(1)
برقم (2907).
(2)
ما بين الحاصرتين من (هـ) وليس فيه قوله: «في الباب» ، وأخشى أن يكون المجرّد حذف لفظ الحديث اختصارًا وزاد قوله:«في الباب» ليُغني عن سياق لفظه.
(3)
برقم (2908) من طريق عيسى بن موسى القرشي، عن العلاء بن الحارث، عن عمرو بن شعيب به. قال البيهقي (6/ 424): عيسى فيه نظر. قلت: قد وثَّقه دحيم، ولم أجد من غمزه بشيء، لكنه قد خولف في هذا الحديث، خالفه الهيثم بن حميد ــ وهو ثقة ــ فرواه عن العلاء، عن عمرو بن شعيب مُرسلًا، أخرجه الدارمي (3157). وقد يعتضد الوصل بما أخرجه أحمد (7028) من طريق ابن إسحاق قال: وذكر عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده قال: قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم في ولد المتلاعنين أنه يرث أمَّه، وترثه أمه.
(4)
برقم (362).
(5)
ليس في «السنن» ولا «المراسيل» ، إنما أخرجه عبد الرزاق (12476، 12477)، وابن أبي شيبة (29083)، والدارمي (3002)، والبيهقي (6/ 259).
من أهل المدينة من بني زُرَيق أسأله عن ولد الملاعنة، لمن قضى به رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فكتب إليّ: إني سألتُ فأُخبِرت أنه قضى به لأمه، هي
(1)
بمنزلة أبيه وأمه.
وهذه آثار يشدُّ بعضها بعضًا. وقد قال الشافعي
(2)
: «إن المرسل إذا روي من وجهين مختلفين أو روي مسندًا، أو اعتضد بعمل بعض الصحابة فهو حجة» . وهذا قد روي من وجوهٍ متعددة، وعمل به من ذكرنا من الصحابة.
والقياس معه، فإنها لو كانت معتَقةً كان عصبتها من الولاء عصبةً لأولادها يرثونهم بتعصيب الولاء، والولاء فرع النسب، فكيف يكون عصبتها من الولاء عصبةً
(3)
لولدها ولا يكون عصبتها من النسب عصبةً لهم؟! ومعلوم أن تعصيب الولاء الثابتَ لغير المباشِر بالعتق فرعٌ على ثبوت تعصيب النسب، فكيف يثبت الفرع مع انتفاء أصله؟!
وأيضًا: فإن الولاء في الأصل لموالي الأب، فإذا انقطع من جهتهم رجع إلى موالي الأم، فإذا عاد من جهة الأب انتقل من موالي الأم إلى موالي الأب. وهكذا النسب: هو في الأصل للأب وعصباته، فإذا انقطع من جهته باللعان عاد إلى الأم وعصباتها، فإذا عاد إلى الأب باعترافه بالولد وإكذابه نفسَه رجع النسب إليه كالولاء سواء، بل النسب هو الأصل في ذلك والولاءُ
(1)
في الطبعتين: «وهي» خلافًا للأصل ولمصادر التخريج.
(2)
انظر: «الرسالة» (ص 461 - 464).
(3)
من قوله: «عصبة لأولادها» إلى هنا ساقط من الأصل، واستدرك من (هـ)
مُلحَق به.
وهذا من أوضح القياس وأبينه، وأَدَلِّه على دقَّة أفهام الصحابة وبُعدِ غَورهم في فهم
(1)
مآخذ الأحكام. وقد أشار إلى هذا في قوله في الحديث: «هي بمنزلة أمه وأبيه» . حتى لو لم ترد هذه الآثار لكان هذا محضَ القياس الصحيح.
وإذا ثبت أن عصبة أمه عصبة له، فهي أولى أن تكون عصبتَه، لأنهم فرعها وهم إنما صاروا عصبةً له بواسطتها، ومن جهتها استفادوا تعصيبهم، فأن تكون هي نفسها عصبةً أولى وأحرى.
فإن قيل: لو كانت أمه بمنزلة أمه وأبيه لحجبت إخوتَه ولم يرثوا معها شيئًا، وأيضًا: فإنهم إنما يرثون منه بالفرض، فكيف يكونون عصبةً له؟
فالجواب: أنها إنما لم تحجب إخوته من حيث إن تعصيبها مفرَّع على انقطاع تعصيبه من جهة الأب، كما أن تعصيب الولاء مفرَّع على انقطاع التعصيب من جهة النسب، فكما لا يحجب عصبةُ الولاء أحدًا من أهل النسب، كذلك لا تحجب الأم الإخوة لضعف تعصيبها وكونِه إنما صار إليها ضرورةَ تعذُّرِه من جهة أصله، وهو بِعُرْض الزوال، بأن يُقرّ به الملاعن فيزول.
وأيضًا: فإن الإخوة استفادوا من جهتها أمرين: أخوة ولد الملاعنة وتعصيبه، فهم يرثون أخاهم معها بالأُخوَّة لا بالتعصيب، وتعصيبها إنما يدفع تعصيبهم لا أُخوَّتهم، ولهذا وَرِثوا معها بالفرض لا بالتعصيب، وبالله
(1)
«فهم» من (هـ).