الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
والقُوت متعذرًا مراعاةً لجانب الضعفاء والمساكين، وحثًّا على الإيثار والمواساة، ورغبةً في تعاطي أسباب العدالة حالة الاجتماع والاشتراك؛ فلما وسّع الله الخير وعمَّ العيشُ الغنيَّ والفقيرَ قال: فشأنكم إذًا.
وهذا الذي قالوه إنما يصح أن لو ثبت حديث بريدة، ولا يثبت مثلُه فإن الطبراني رواه من حديث محمد بن سهل، حدثنا سهل بن عثمان، حدثنا محبوب العطار، عن يزيد بن زريع
(1)
فذكره.
5 -
باب الفأرة تقع في السمْن
470/ 3693 - عن ميمونة ــ وهي بنت الحارث ــ رضي الله عنها: أن فأرة وقعت في سمن، فأُخبِرَ النبي صلى الله عليه وسلم فقال:«أَلقُوا ما حَوْلَها وكُلُوا» .
وأخرجه البخاري
(2)
.
471/ 3694 - وعن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إذا وقعت الفأرةُ في السمن: فإن كان جامدًا فألقوها وما حَوْلها، وإن كان مائعًا فلا تقربوه»
(3)
.
قال ابن القيم رحمه الله: هذا الحديث قد اختلف فيه إسنادًا ومتنًا، والحديث من حديث الزهري عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة أنه سمع ابن عباس يحدث عن ميمونة، ولفظه: أن فأرة وقعت في سمن فماتت، فسئل النبي صلى الله عليه وسلم فقال:«ألقوها وما حولها وكلوه» .
(1)
الصواب: يزيد بن بزيع، وقد سبق التنبيه عليه.
(2)
أبو داود (3841)، والبخاري (235).
(3)
«سنن أبي داود» (3842) من طريق معمر، عن الزهري، عن سعيد بن المسيب، عن أبي هريرة.
رواه الناس عن الزهري بهذا المتن والإسناد، ومتنه خرّجه البخاري في «صحيحه» والترمذي والنسائي
(1)
، وأصحاب الزهري كالمجمعين على ذلك. وخالفهم معمر في إسناده ومتنه فرواه عن الزهري عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم، وقال فيه:«إن كان جامدًا فألقوها وما حولها، وإن كان مائعًا فلا تقربوه» .
ولمّا كان ظاهر هذا الإسناد في غاية الصحة، صحّح الحديث جماعة وقالوا: هو على شرط الشيخين، وحُكي عن محمد بن يحيى الذهلي تصحيحه
(2)
. ولكن أئمة الحديث طعنوا فيه ولم يروه صحيحًا، بل رأوه خطأ محضًا. قال الترمذي في «جامعه»
(3)
: سمعت محمد بن إسماعيل يقول: حديث معمر عن الزهري عن سعيد بن المسيب في هذا خطأ، والصحيح حديث الزهري عن عبيد الله عن ابن عباس عن ميمونة.
والبخاري في «صحيحه»
(4)
قد أشار أيضًا إلى علة حديث معمر من وجوه، فقال:«باب إذا وقعت الفأرة في السمن الجامد أو الذائب» ، ثم ذكر
(1)
البخاري (235، 236، 5538، 5540)، والترمذي (1798)، والنسائي (4258)، من طرق عن سفيان بن عيينة ومالك، كلاهما عن الزهري به.
وأخرجه أحمد (26803) من طريق الأوزاعي، عن الزهري به. وسيأتي أيضًا من رواية يونس عن الزهري، إلا أن الزهري لم يسق فيه الإسناد بتمامه، وإنما أرسله عن عبيد الله. وانظر:«العلل» للدارقطني (1357، 4007).
(2)
حيث قال في «الزهريات» ــ كما في «التمهيد» (9/ 35) و «الفتح» (1/ 344) ــ: الطريقان عندنا محفوظان إن شاء الله، لكن المشهور حديث ابن شهاب عن عبيد الله.
(3)
عقب الحديث (1798).
(4)
من قوله: «والصحيح» إلى هنا ساقط من الأصل، واستدرك من (هـ).
حديث ميمونة
(1)
. وقال عَقِبه: قيل لسفيان: فإن معمرًا يحدثه عن الزهري عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة؟ قال: ما سمعت الزهري يقوله إلا عن عبيد الله عن ابن عباس عن ميمونة عن النبي صلى الله عليه وسلم، ولقد سمعته منه مِرارًا.
ثم قال: حدثنا عبدان أخبرنا
(2)
عبد الله عن يونس عن الزهري سئل عن الدابة تموت في الزيت والسمن، وهو جامد أو غير جامد، الفأرة أو غيرها؟ قال: بلغَنا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر بفأرة ماتت في سمن، فأمر بما قَرُب منها فطُرِح، ثم أُكِل
(3)
.
فذِكْر البخاري فتوى الزهري في الدابة تموت في السمن وغيره الجامدِ والذائب: أنه يؤكل، واحتجاجَه بالحديث من غير تفصيل= دليلٌ على أن المحفوظ من رواية الزهري إنما هو الحديث المطلق الذي لا تفصيل فيه، وأنه مذهبه، فهو رأيه وروايته. ولو كان عنده حديث التفصيل بين الجامد والمائع لأفتى به واحتج به، فحيث أفتى بحديث الإطلاق واحتجّ به دلَّ على أن معمرًا غلط عليه في الحديث إسنادًا ومتنًا.
ثم قد اضطرب حديث معمر، فقال عبد الرزاق
(4)
عنه: «فلا تقربوه» .
وقال عبد الواحد بن زياد عنه: «وإن كان ذائبًا أو مائعًا لم يؤكل»
(5)
.
(1)
برقم (5538).
(2)
في الطبعتين: «حدثنا» خلافًا للأصل وللبخاري (5539).
(3)
تتمته: «عن حديث عبيد الله بن عبد الله» ، وهو متعلق بقول الزهري:«بلغنا» ، أي بلغنا عن حديث عبيد الله بسنده، ولم ينشط لسياق سنده إلى آخره.
(4)
في «مصنفه» (278)، ومن طريقه أبو داود في حديث الباب.
(5)
أخرجه أبو يعلى (5841)، والبيهقي في «الكبرى» (9/ 353) وفي «معرفة السنن» (14/ 126) ــ وقوله الآتي فيه ــ، وابن عبد البر في «التمهيد» (9/ 38 - 39) من طرق عن عبد الواحد به.
قال البيهقي: «وعبد الواحد بن زياد أحفظ منه» ، يعني عبد الرزاق.
وفي بعض طرقه: «فاستصبِحوا به»
(1)
.
وكل هذا غير محفوظ في حديث الزهري.
فإن قيل: فقد رواه أبو حاتم البُستي في «صحيحه»
(2)
من رواية الزهري عن عبيد الله بن عبد الله عن ابن عباس عن ميمونة: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل عن الفأرة تموت في السمن؟ فقال: «إن كان جامدًا فألقُوها وما حولَها وكلوه، وإن كان ذائبًا فلا تقربوه» . رواه عن عبد الله بن محمد الأزدي
(3)
، أخبرنا
(4)
إسحاق بن إبراهيم، أخبرنا سفيان، عن الزهري به، وكذلك هو في «مسند إسحاق»
(5)
.
(1)
أخرجه الطحاوي في «بيان المشكل» (5354) من طريق الحسن بن الربيع البَجَلي ــ وهو ثقة ــ، عن عبد الواحد بن زياد، عن معمر به.
والأمر بالاستصباح به قد ورد في أحاديث أخرى ضعيفة، وفي آثار عن بعض الصحابة والتابعين. انظر:«مصنف ابن أبي شيبة» (الأطعمة ــ ما قالوا في الفأرة تقع في السمن)، و «الأوسط» لابن المنذر (2/ 420)، و «البدر المنير» (5/ 23 - 26).
(2)
برقم (1392).
(3)
تصحّف في الأصل إلى: «الأزدب» ، وسيأتي على الصواب.
(4)
في الطبعتين هنا وفي الموضع الآتي: «حدثنا» خلافًا للأصل.
(5)
لفظه في المطبوع (4/ 204 - 205) موافق للفظ المحفوظ دون التفصيل بين الجامد والمائع، مع أنه نصّ المؤلف هنا وابن حجر في «الفتح» (9/ 668) أن رواية إسحاق في «مسنده» هي بالتفصيل على نحو رواية معمر.
فالجواب: أن كثيرًا من أهل الحديث جعلوا هذه الرواية موهومة معلولة
(1)
، فإن الناس إنما رووه عن سفيان عن الزهري مثل ما رواه سائر الناس عنه
(2)
، كمالك وغيره من غير تفصيل، كما رواه البخاري وغيره.
وقد رد أبو حاتم البُستي [ق 209] هذا، وزعم أن رواية إسحاق هذه ليست موهومة برواية معمر عن الزهري فقال:«ذكر خبرٍ أوهم بعضَ من لم يطلب العلم مِن مَظانّه أنّ رواية ابن عيينة هذه معلولة أو موهومة» ، ثم ساق
(3)
من طريق عبد الرزاق عن معمر عن الزهري عن ابن المسيب عن أبي هريرة الحديث: «إن كان جامدًا فألقوها وما حولها، وإن كان مائعًا فلا تقربوه» .
(1)
ومنشأ الوهم والعلة أن إسحاق بن راهويه قد روى عن عبد الرزاق عن معمر حديثه بالتفصيل، وروى أيضًا عن ابن عُيينة حديثه فحمله على حديث معمر ــ كما أشار إليه ابن رجب في «شرح علل الترمذي» (2/ 723) ــ دون التنبّه لاختلاف ألفاظهما، ويدل على ذلك أيضًا أن الحديثين عنده متواليان في «مسنده» (4/ 204 - 206).
وإسحاق من أحفظ أهل زمانه، ولم يُستغرَب من حديثه البالغ سبعين ألف حديث إلا حديثان هذا أحدهما، على أنه يَحتمِل أن يكون الوهم ممن رواهما عنه. انظر:«سير أعلام النبلاء» (11/ 373 - 379).
(2)
ممن رواه عن سفيان: أحمد (26796)، والحميدي [البخاري (5538)]، ومسدّد [أبو داود (3841)]، وسعيد بن عبد الرحمن المخزومي، وأبو عمار المروزي [الترمذي (1798)]، وقتيبة [النسائي (4258)]، وعلي ابن المديني [الدارمي (2128)]، وابن أبي شيبة (24877)، وأبو خيثمة [أبو يعلى (7078)] في آخرين؛ كلهم يرويه عن سفيان باللفظ المحفوظ من غير تفصيل.
(3)
برقم (1393).
وهذا لا يدل على أن حديث إسحاق محفوظ، فإن رواية معمر هذه خطأ، كما قاله البخاري وغيره، والخطأ لا يحتج به على ثبوت حديث معلول، فكلاهما وهم.
ثم قال أبو حاتم
(1)
: «ذكر الخبر الدال على أن الطريقين جميعًا محفوظان» : أخبرنا
(2)
عبد الله بن محمد الأزدي، أخبرنا إسحاق، أخبرنا عبد الرزاق، أخبرنا معمر، عن الزهري، عن سعيد بن المسيب، عن أبي هريرة فذكره، قال:«إن كان جامدًا أَلقَى ما حولها وأَكَله، وإن كان مائعًا لم يَقربْه» . قال عبد الرزاق: وأخبرني عبد الرحمن بن بُوذَوَيه أن معمرًا كان يذكر أيضًا عن الزهري، عن عبيد الله بن عبد الله، عن ابن عباس، عن ميمونة، عن النبي صلى الله عليه وسلم مثلَه.
فهذه مثل رواية سفيان عن الزهري عن عبيد الله بالتفصيل. فتصير وجوه الحديث أربعة:
* وجهان عن معمر وهُما:
عبد الرزاق عنه عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة بذكر التفصيل.
الثاني: عبد الرحمن بن بُوذَوَيه عنه عن الزهري عن عبيد الله عن ابن عباس عن ميمونة بالتفصيل أيضًا.
* ووجهان عن سفيان:
أحدهما: رواية الأكثرين عنه عن الزهري عن عبيد الله عن ابن عباس
(1)
في «صحيحه» مبوبًا على الحديث (1394).
(2)
في الطبعتين هنا وفي الموضعين الآتيين: «حدثنا» خلافًا للأصل.
عن ميمونة بالإطلاق من غير تفصيل.
والثاني
(1)
: رواية إسحاق عنه عن الزهري عن عبيد الله عن ابن عباس عن ميمونة بالتفصيل.
وأما رواية معمر، فإنه خالف أصحاب الزهري في حديثه المفصَّل في إسناده ومتنه في حديث أبي هريرة، وخالف أصحاب الزهري في المتن في حديث عبيد الله عن ابن عباس، ووافقهم في الإسناد. وهذا يدل على غلطه فيه، وأنه لم يحفظه كما حفظه
(2)
مالك وسفيان وغيرُهما من أصحاب الزهري.
وأما حديث سفيان: فالمعروف عند الناس منه ما رواه البخاري في «صحيحه»
(3)
عن الحميدي، حدثنا سفيان، حدثنا الزهري، أخبرني عبيد الله بن عبد الله أنه سمع ابن عباس عن ميمونة ــ فذكره من غير تفصيل.
وكذلك رواه سعيد بن عبد الرحمن وأبو عمار عن سفيان
(4)
.
قال البخاري في «صحيحه»
(5)
: «باب إذا وقعت الفأرة في السمن الجامد أو الذائب» . حدثنا الحميدي، حدثنا سفيان، حدثنا الزهري، قال: أخبرني عبيد الله بن عبد الله بن عتبة: أنه سمع ابن عباس يحدث عن
(1)
في الأصل و (هـ): «والثانية» ، والمثبت من الطبعتين أشبه.
(2)
في الطبعتين: «حفظ» ، والمثبت من الأصل.
(3)
برقم (5538).
(4)
أخرجه الترمذي (1798) عنهما.
(5)
مبوّبًا على الأحاديث (5538 - 5540) الآتية.
ميمونة: أن فأرةً وقعت في سمن، فماتت، فسئل النبي صلى الله عليه وسلم عنها، فقال:«ألقوها وما حولَها وكلوه» . قيل لسفيان: فإن معمرًا يحدثه عن الزهري عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة، قال: ما سمعتُ الزهري يقوله إلا عن عبيد الله عن ابن عباس عن ميمونة عن النبي صلى الله عليه وسلم، ولقد سمعتُه منه مرارًا.
حدثنا عبدان، أخبرنا
(1)
عبد الله، عن يونس، عن الزهري عن الدابة تموت في الزيت والسمن وهو جامد أو غير جامد، الفأرة أو غيرها؟ قال: بلغنا أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بفأرة ماتت في سمن فأمر بما قَرُب منها فطُرِح، ثم أكل؛ عن حديث عبيد الله بن عبد الله.
حدثنا عبد العزيز بن عبد الله، حدثنا مالك، عن ابن شهاب، عن عبيد الله بن عبد الله، عن ابن عباس عن ميمونة قالت: سئل النبي صلى الله عليه وسلم عن فأرة سقطت في سمن، فقال:«ألقوها وما حولها وكلوه» .
وأما الحديث الذي رواه ابن وهب
(2)
، عن عبد الجبار بن عمر، عن ابن شهاب، عن سالم عن أبيه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل عن فأرةٍ وقعت في سمن، فقال:«ألقوها وما حولها، وكلوا ما بقي» ، فقيل: يا نبي الله، أرأيت إن كان السمن مائعًا؟ قال:«انتفعوا به ولا تأكلوه» = فعبد الجبار بن عمر ضعيف، لا يحتج به
(3)
.
(1)
في الطبعتين: «حدثنا» خلافًا للأصل.
(2)
في «موطئه» ــ كما في «التمهيد» (9/ 36) ــ، ومن طريقه أخرجه ابن المنذر في «الأوسط» (2/ 429)، وابن عدي في «الكامل» (5/ 324)، والبيهقي في «الكبرى» (9/ 354) و «معرفة السنن» (14/ 126 - 127).
(3)
ضعّف حديثه هذا محمد بن يحيى الذهلي ــ كما في «التمهيد» (9/ 36) ــ، وأبو حاتم في «العلل» (1507)، وابن المنذر، وابن عدي، والدارقطني في «العلل» (3023)، والبيهقي.
وروي من وجه آخر ضعيف عن ابن جريج عن ابن شهاب
(1)
.
قال البيهقي
(2)
: والصحيح عن ابن عمر من قوله في فأرة وقعت في زيت قال: «استصبحوا به وادَّهِنوا به أُدُمكم»
(3)
.
وقد روي هذا الحديث عن أبي هارون العبدي عن أبي سعيد، ولكن الصواب: أنه موقوف عليه، ذكره البيهقي
(4)
.
* * *
(1)
أخرجه الدارقطني (4789)، والبيهقي (9/ 354)، من طريق يحيى بن أيوب الغافقي ــ وهو سيئ الحفظ ــ، عن ابن جريج به. وضعفه ابن المنذر، والدارقطني في «العلل» (3023)، والبيهقي.
(2)
«معرفة السنن» (14/ 127).
(3)
أخرجه ابن أبي شيبة (24881، 24882)، وابن المنذر في «الأوسط» (10/ 11)، والطحاوي في «بيان المشكل» (13/ 399 - 400)، والبيهقي في «الكبرى» (9/ 354)، من طرق عن نافع عن ابن عمر
(4)
في «معرفة السنن» (14/ 127)، وأسنده في «الكبرى» (9/ 354) من طريق الدارقطني (4790)، من حديث سعيد بن بشير الأزدي، عن أبي هارون، عن أبي سعيد الخدري مرفوعًا. سعيد بن بشير ضعيف، وقد خالفه سفيان الثوري [عند الدارقطني (4791)]، ومعمر [عند عبد الرزاق (281)]، فروياه عن أبي هارون عن أبي سعيد موقوفًا عليه، هو الصواب، إلا أن أبا هارون العبدي نفسه ضعيف متروك الحديث.