المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ باب في المزارعة - تهذيب سنن أبي داود - ط عطاءات العلم - جـ ٢

[ابن القيم]

فهرس الكتاب

- ‌كتاب الصيام

- ‌ باب نسخ قوله تعالى: {وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ}

- ‌ باب الشهر يكون تسعًا وعشرين

- ‌ باب إذا أخطأ القومُ الهلالَ

- ‌ باب إذا أُغْمِي الشهرُ

- ‌ باب من قال: إذا غُمَّ عليكم فصوموا ثلاثين

- ‌ باب في التقدُّم

- ‌ باب كراهية صوم يوم الشك

- ‌ باب في كراهية ذلك

- ‌ باب في شهادة الواحد على رؤية هلال رمضان

- ‌ باب الرجل يسمع النداء والإناء على يده

- ‌ باب الفطر قبل غروب الشمس

- ‌ باب السواك للصائم

- ‌ باب في الصائم يحتجم

- ‌ الرخصة في ذلك

- ‌ باب الصائم يحتلم نهارًا في رمضان

- ‌ باب الصائم يستقيء عامدًا

- ‌ باب القُبلة للصائم

- ‌ كراهية ذلك للشَّاب

- ‌ باب الصائم يبتلع الريق

- ‌ من أصبح جنبًا في شهر رمضان

- ‌ باب كفارة من أتى أهله في نهار رمضان

- ‌ باب التغليظ فيمن أفطر عمدًا

- ‌ باب من أكل ناسيًا

- ‌ باب تأخير قضاء رمضان

- ‌ باب من مات وعليه صيام

- ‌ باب فيمن اختار الصيام

- ‌ باب متى يفطر المسافر إذا خرج

- ‌ باب مسيرة ما يفطر فيه

- ‌ النهي أن يخص يوم الجمعة بصوم

- ‌ النهي أن يُخصّ يوم السبت [بصوم]

- ‌ الرخصة في ذلك

- ‌ باب في صوم الدهر

- ‌ باب في صوم المحرَّم

- ‌ صوم ستة أيام من شوال

- ‌ كيف كان النبي صلى الله عليه وسلم يصوم

- ‌ في صوم الاثنين والخميس

- ‌ صوم العشر

- ‌ في صوم عرفة بعرفة

- ‌ ما روي أن عاشوراء اليومُ التاسع

- ‌ باب في فضل صومه

- ‌ باب صوم الثلاث من كل شهر

- ‌ من قال: لا يُبالي مِن أيِّ الشهر

- ‌ باب النية في الصيام

- ‌ باب في الرخصة فيه

- ‌ باب من رأى عليه القضاء

- ‌ باب المرأة تصوم بغير إذن زوجها

- ‌ الاعتكاف

- ‌ المعتكف يعود المريض

- ‌كتاب الجهاد

- ‌ سُكنى الشام

- ‌ باب تضعيف الذكر في سبيل الله

- ‌ باب في فضل الشهادة

- ‌ باب في الرجل يغزو وأبواه كارهان

- ‌ باب النهي عن لعن البهيمة

- ‌ باب الوقوف على الدابة

- ‌ باب في المحلِّل

- ‌ باب السيف يُحلَّى

- ‌ باب ابن السبيل يأكل من الثمرة ويشرب من اللبن إذا مرَّ به

- ‌ باب في الطاعة

- ‌ باب علامَ يقاتل

- ‌ باب في التفريق بين السبي

- ‌ باب الرخصة في البالغين

- ‌ باب في عقوبة الغالِّ

- ‌ باب في المرأة والعبد يُحْذَيان من الغنيمة

- ‌ باب في سجود الشكر

- ‌كتاب الأضاحي

- ‌ باب ما جاء في وجوب الأضاحي

- ‌ باب الرجل يأخذ من شَعَره في العشر وهو يريد أن يضحي

- ‌ باب ما يجوز من السن في الضحايا

- ‌ باب ذبائح أهل الكتاب

- ‌ باب ما جاء في ذكاة الجنين

- ‌ باب العقيقة

- ‌ باب في الصيد

- ‌كتاب الوصايا

- ‌ باب متى ينقطع اليتم

- ‌كتاب الفرائض

- ‌ باب في ميراث ذوي الأرحام

- ‌ باب ميراث ابن الملاعَنة

- ‌«ميراث اللقيط»

- ‌ باب فيمن أسلم على ميراث

- ‌ باب الولاء

- ‌ باب من أسلم على يدي رجل

- ‌ باب في المولود يستهل [ثم يموت]

- ‌ باب في الحِلْفِ

- ‌كتاب الخراج والإمارة

- ‌ باب في اتخاذ الكاتب

- ‌ باب في حكم أرض اليمن

- ‌ باب إخراج اليهود من جزيرة العرب

- ‌ باب تعشير أهل الذمة

- ‌كتاب الجنائز

- ‌ باب في العيادة

- ‌ باب العيادة من الرمد

- ‌ باب الخروج من الطاعون

- ‌ باب تطهير ثياب الميت عند الموت

- ‌ باب في التلقين

- ‌ باب في النَّوح

- ‌ باب في الشهيد يُغسَّل

- ‌ باب في الكفن

- ‌ باب في الغُسل مِن غَسل الميت

- ‌ باب في تقبيل الميت

- ‌ باب الدفن بالليل

- ‌ باب القيام للجنازة

- ‌ باب المشي أمام الجنازة

- ‌ باب الصلاة على الجنازة في المسجد

- ‌ باب الصلاة على القبر

- ‌ باب في اللحد

- ‌ باب الجلوس عند القبر

- ‌ باب في تسوية القبر

- ‌ باب الميت يُصَلَّى على قبره بعد حين

- ‌ باب كراهية اتخاذ القبور مساجد

- ‌ باب المشي في الحذاء بين القبور

- ‌ باب في زيارة النساء القبور

- ‌ باب المُحرِم يموت كيف يُصنع به

- ‌كتاب الأيمان والنذور

- ‌ باب لغو اليمين

- ‌ باب الاستثناء في اليمين

- ‌ باب اليمين في قطيعة الرحم

- ‌ النذر في المعصية

- ‌ باب فيمن نذر أن يتصدق بماله

- ‌كتاب البيوع

- ‌ باب الحيوان [بالحيوان نسيئة]

- ‌ باب الرخصة في ذلك

- ‌ باب في ذلك يدًا بيد

- ‌ باب في الثَّمَر بالتمْر

- ‌ باب المضارب يخالف

- ‌ باب في المزارعة

- ‌ باب مَن زرع أرضًا بغير إذن صاحبها

- ‌ باب في المخابرة

- ‌ باب المُساقاة

- ‌ باب في العبد يُباع وله مال

- ‌ باب النهي عن العِينة

- ‌ باب وضع الجائحة

- ‌ باب في بيع الطعام قبل أن يُستوفَى

- ‌ باب في الرجل يبيع ما ليس عنده

- ‌ باب من اشترى عبدًا فاستغلَّه [ثم رأى عيبًا]

- ‌ باب إذا اختلف البيِّعان والمبيع قائم

- ‌ باب الشفعة

- ‌ باب في الرجل يُفلِس، فيجد الرجلُ متاعَه بعينه

- ‌ باب في تضمين العارية

- ‌كتاب الأقضية

- ‌ باب في طلب القضاء

- ‌ باب اجتهاد الرأي في القضاء

- ‌ باب في الصلح

- ‌ باب شهادة أهل الذمة على الوصية في السفر

- ‌ باب إذا علم الحاكم صدق الشاهد الواحد يجوز له أن يحكم به

- ‌ باب القضاء باليمين مع الشاهد

- ‌ باب الرجلين يدّعيان شيئًا وليست لهما بينة

- ‌كتاب العلم

- ‌ التشديد في الكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌ باب كراهية منع العلم

- ‌كتاب الأشربة

- ‌ بابٌ الخمر مما هي

- ‌ باب النهي عن المسكر

- ‌ باب في الداذيّ

- ‌ باب في الشرب قائمًا

- ‌كتاب الأطعمة

- ‌ باب غسل اليدين عند الطعام

- ‌ باب في أكل لحوم الحمر الأهلية

- ‌ باب أكل الطافي

- ‌ باب الإقران في التمر

- ‌ باب الفأرة تقع في السمْن

- ‌كتاب الطب

- ‌ باب في الكَيِّ

- ‌ باب في الأدوية المكروهة

- ‌ باب في تمرة العجوة

- ‌ باب الغَيْل

- ‌ باب الرُّقى

- ‌ باب في الطِّيَرة

الفصل: ‌ باب في المزارعة

سمعت الحيَّ يخبرونه عنه، ولكن سمعته يقول: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: «الخير معقود في نواصي الخيل إلى يوم القيامة» ، قال: وقد رأيت في داره سبعين فرسًا. قال سفيان: يشتري له شاة، كأنها أضحية.

6 -

‌ باب في المزارعة

(1)

378/ 3248 - عن عبد الله بن عمر قال: ما كنَّا نرى بالمزارعة بأسًا، حتى سمعتُ رافع بن خَدِيج يقول: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عنها. فذكرتُه

(2)

لطاوس، فقال: قال ابن عباس: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يَنْهَ عنها ولكن قال: «لِيَمْنَحْ أحدُكم أرضَهُ خيرٌ من أن يأخذ عليها خراجًا معلومًا» .

وأخرجه مسلم والنسائي وابن ماجه

(3)

.

379/ 3249 - وعن عروة بن الزبير قال: قال زيد بن ثابت: يغفر الله لرافع بن خَديج، أنا واللهِ أعلمُ بالحديث منه! إنما أتاه رجلان ــ قال مسدَّد: مِن الأنصار، ثم اتفقا: ــ قد اقتتلا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:«إن كان هذا شَأنَكم فلا تُكْرُوا المَزَارع» . زاد مسدد: فسمع قولَه: «لا تكروا المزارع» .

وأخرجه النسائي وابن ماجه

(4)

.

(1)

هذا الباب لم يذكره المجرد، وإنما أثبتناه لأن كلام ابن القيم في آخر الباب التالي هو على مجموع أحاديث البابين، ويشير المؤلف في أثنائه إلى أحاديث هذا الباب بقوله:«وقد تقدم» و «كما تقدم» .

(2)

القائل عمرو بن دينار، وهو الراوي عن ابن عمر.

(3)

أبو داود (3389)، ومسلم (1547/ 106)، والنسائي (3917)، وابن ماجه (2450).

(4)

أبو داود (3390)، والنسائي (3927)، وابن ماجه (2461)، وفي إسناده لين.

ص: 435

380/ 3250 - وعن سعيد بن المسيب، عن سعد ــ وهو ابن أبي وقاص ــ قال: كنا نُكري الأرضَ بما على السَّواقي من الزرع، وما سَعِدَ بالماء منها، فنهانا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك، وأمرنا أن نُكريها بذهبٍ أو فضة.

وأخرجه النسائي

(1)

.

381/ 3251 - وعن حنظلةَ بن قيسٍ الأنصارى قال: سألت رافع بن خَديج عن كِراء الأرض بالذهب والوَرِق، فقال: لا بأس بها، إنما كان الناسُ يؤاجرون على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم بما على المَاذِيانات وأَقبال الجداول، وأشياء من الزرع، فيَهلِك هذا ويَسلَم هذا، ويَسلم هذا ويَهلك هذا، ولم يكن للناس كِراء إلا هذا، فلذلك زَجَر عنه، فأما شيء مضمون معلوم فلا بأس به.

وأخرجه البخاري ومسلم والنسائي وابن ماجه

(2)

.

382/ 3252 - وعنه أنه سأل رافع بن خَديج عن كراء الأرض، فقال: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن كِراء الأرض، فقلت: بالذهب والوَرِق؟ فقال: أمَّا بالذهب والوَرِق فلا بأس به

(3)

.

وهو طرف من الحديث الذي قبله.

(1)

أبو داود (3391)، والنسائي (3894)، وإسناده ضعيف.

(2)

أبو داود (3392)، والبخاري (2332)، ومسلم (1547/ 116)، والنسائي (3899)، وابن ماجه (2458).

(3)

أخرجه أبو داود (3393)، والبخاري (2346)، ومسلم (1547/ 117)، والنسائي (3900)، وابن ماجه (2458).

ص: 436

7 -

باب التشديد في ذلك

(1)

383/ 3253 - عن سالم بن عبد الله: أن ابنَ عمر كان يُكري أرضه، حتى بلغه أنَّ رافع بن خديج الأنصاري كان ينهى عن كراء الأرض، فلقيه عبد الله، فقال: يا ابنَ خَديج، ماذا تُحدِّث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في كراء الأرض؟ قال رافع لعبد الله بن عمر: سمعت عَمَّيَّ ــ وكانا قد شهدا بدرًا ــ يحدثان أهل الدار: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن كراء الأرض، قال عبد الله: والله لقد كنتُ أعلم في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم أنَّ الأرض تُكْرَى. ثم خشي عبد الله أن يكون رسولُ الله صلى الله عليه وسلم أحدث في ذلك شيئًا لم يكن عَلِمَه فترك كراء الأرض.

وأخرجه البخاري ومسلم والنسائي

(2)

.

وعماه: هما ظُهير، ومُظهِّر، ابنا رافع.

وذكر أبو داود: أنه رواه نافع ــ يعني مولى ابن عمر ــ عن رافع عن النبي صلى الله عليه وسلم. وعن نافع عن رافع قال: سمعت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم. وعن أبي النجاشي عن رافع قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم. وعن أبي النجاشي عن رافع عن عمه ظُهَير بن رافع عن النبي صلى الله عليه وسلم.

وهذه الطرق التي ذكرها كلها أسانيدها جيدة.

384/ 3254 - وعن سليمان بن يسار أن رافع بن خديج قال: كنا نُخَابِر على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فذكر أن بعض عمومته أتاه فقال: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أمرٍ كان لنا نافعًا، وطَواعِيَةُ الله ورسوله أنفعُ لنا وأنفع، قال: قلنا: وما ذاك؟ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من كانت له أرضٌ فليَزرَعْها، أو لِيُزْرِعْها أخاه، ولا يُكارِيها بثلثٍ ولا بربع، ولا بطعامٍ مسمًّى» .

(1)

كتب المجرّد بعده: «يعني كراء المزارع» ، وقد استغنينا عن هذا الإيضاح بإيراد الباب السابق بتمامه.

(2)

أبو داود (3394)، والبخاري (4012)، ومسلم (1547/ 112)، والنسائي (3904).

ص: 437

وأخرجه مسلم والنسائي وابن ماجه

(1)

.

385/ 3255 - وعن ابن رافع بن خَديج، عن أبيه، قال: جاءنا أبو رافع من عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: نهانا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أمرٍ كان يَرْفُق بنا، وطاعةُ الله وطاعةُ رسوله أرفق بنا، نهانا أن يزرع أحدُنا إلا أرضًا يملك رَقَبَتها، أو مَنِيحةً يُمْنَحُها رجل»

(2)

.

386/ 3256 - وعن أُسَيد بن ظُهير قال: جاءنا رافع بن خَديج فقال: إن رسول الله ينهاكم عن أمر كان لكم نافعًا، وطاعة رسول الله صلى الله عليه وسلم أنفع لكم؛ إن رسول الله صلى الله عليه وسلم ينهاكم عن الحَقْل، وقال:«مَنِ استَغنَى عن أرضِهِ فَليَمنَحْها أخاه، أو لِيَدَعْ» .

وأخرجه النسائي وابن ماجه

(3)

.

387/ 3257 - وعن أبي جعفر الخَطْمي ــ واسمه عُمير بن يزيد ــ قال: بعثني عمي أنا وغلامًا له إلى سعيد بن المسيب، قال: قلنا له: شيء بلغَنا عنك في المزارعة؟ قال: كان ابنُ عمر لا يرى بها بأسًا، حتى بلغه عن رافع بن خديج حديثٌ، فأتاه فأخبره رافع أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أتى بني حارثة فرأى زرعًا في أرضِ ظُهَيْرٍ، فقال:«ما أحسَنَ زَرعَ ظُهَيرٍ!» قالوا: ليس لظهير، قال:«أليس أرضَ ظهير؟» قالوا: بلى، ولكنه زرعُ فلان، قال:«فخذوا زرعكم، ورُدُّوا عليه النفقة» . قال رافع: فأخذنا زرعنا، ورددنا إليه النفقة. قال سعيد: أفقِر أخاك، أو اكْرِهِ بالدراهم.

(1)

أبو داود (3395)، ومسلم (1548/ 113)، والنسائي (3895)، وابن ماجه (2465).

(2)

أبو داود (3397).

(3)

أبو داود (3398)، والنسائي (3864)، وابن ماجه (2460).

ص: 438

وأخرجه النسائي

(1)

.

388/ 3258 - وعن سعيد بن المسيب، عن رافع بن خديج قال: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن المُحاقَلة والمُزابَنة، وقال: إنّما يَزرع ثلاثةٌ: رجلٌ له أرض فهو يزرعها، ورجلٌ مُنِحَ أرضًا فهو يزرع ما مُنِح، ورجل استكرَى أرضًا بذهبٍ أو فضة.

وأخرجه النسائي مسندًا ومرسلًا، وأخرجه ابن ماجه

(2)

.

389/ 3259 - وعن عثمان بن سهل بن رافع بن خديج قال: إني ليتيم في حِجر رافع بن خَديج وحججت معه، فجاءه أخي عِمران بن سهل، فقال: أكرَينَا أرضَنا فلانةَ بمائتي درهم، فقال: دَعْه، فإن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن كراء الأرض.

وأخرجه النسائي

(3)

، وقال: عيسى بن سهل بن رافع. وهو الصواب.

390/ 3260 - وعن ابن أبي نُعْم ــ وهو عبد الرحمن ــ قال: حدثني رافع بن خَديج أنه زرع أرضًا، فمرَّ به النبي صلى الله عليه وسلم وهو يَسقيها، فسأله:«لمن الزرع؟ ولمن الأرض؟» فقال: زرعي ببَذْري وعملي، لي الشَّطر ولبني فلان الشَّطر، فقال:«أَرْبَيتُما، فرُدَّ الأرض على أهلها، وخُذ نفقتك»

(4)

.

(1)

أبو داود (3399)، والنسائي (3889).

(2)

أبو داود (3400)، والنسائي (3890 - 3892)، وابن ماجه (2449). النهي عن المحاقلة والمزابنة اختلف في وصله وإرساله ــ ولا يضرّ فإنه ثبت في «الصحيحين» من غير وجه ــ، وأما قوله: «إنّما يزرع ثلاثة

» فهو من قول سعيد بن المسيب موقوفًا عليه.

(3)

أبو داود (3401)، والنسائي (3926).

(4)

أبو داود (3402).

ص: 439

في إسناده: بُكَير بن عامر البجَلي الكوفي، وقد تكلم فيه غير واحد.

قال ابن القيم رحمه الله: وفي «صحيح البخاري» و «مسلم»

(1)

عن جابر: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن كراء الأرض.

وعنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من كانت له أرض فليَزرَعْها، فإن لم يَزرعها فليُزرِعْها أخاه»

(2)

.

وعنه قال: كان لرجال فضول أرضين من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:«من كان له فضلُ أرضٍ فليَزْرعها أو ليَمْنَحْها أخاه، فإن أبى فليُمْسك أرضه»

(3)

.

وعنه قال: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يُؤخذ للأرض أَجرٌ أو حظّ

(4)

.

وعنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من كانت له أرض فليزرعها، فإن لم يستطع أن يزرعها وعَجَز عنها فليمنحها أخاه المسلم ولا يؤاجِرْها إياه»

(5)

.

وفي لفظ آخر: «من كانت له أرض فليَزرعها، أو لِيُزرِعْها أخاه ولا يُكْرِها»

(6)

.

وعنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «من كان له فضل أرض فليَزرَعْها، أو ليُزرِعْها

(1)

«صحيح مسلم» (1536/ 87)، وليس عند البخاري بهذا اللفظ.

(2)

البخاري (2340)، ومسلم (1536/ 88) واللفظ له.

(3)

البخاري (2632)، ومسلم (1536/ 89).

(4)

«صحيح مسلم» (1536/ 90).

(5)

«صحيح مسلم» (1536/ 91).

(6)

«صحيح مسلم» (1536/ 92).

ص: 440

أخاه، ولا تبيعوها». قال سَلِيم بن حيّان: فقلت لسعيد بن مِيناء: ما «لا تبيعوها» ؟ يعني الكراء؟ قال: نعم

(1)

.

وعن جابر قال: كنا نُخابِر على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فنصيب مِن القِصْرِيِّ ومِن كذا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:«من كانت له أرض فليَزرعها أو ليُحرِثها أخاه، وإلا فليَدَعها»

(2)

.

وعنه قال: كنا في زمان رسول الله صلى الله عليه وسلم نأخذ الأرض بالثلث أو الربع وبالماذِيانات، فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم في ذلك فقال:«من كانت له أرض فليَزرعها، فإن لم يزرعها فليَمنَحْها أخاه، فإن لم يمنحها أخاه فليُمسِكها»

(3)

.

وهذه الأحاديث متفق عليها، وذهب إليها من أبطل المزارعة.

وأما الذين صححوها، وهم فقهاء الحديث كالإمام أحمد

(4)

، والبخاري، وإسحاق، والليث بن سعد، وابن خزيمة، وابن المنذر، وأبي

(1)

«صحيح مسلم» (1536/ 94) من طريق سليم بن حيّان، عن سعيد بن مِيناء، عن جابر.

(2)

«صحيح مسلم» (1536/ 95). والقصرِيّ (على وزن القبطيّ): ما بقي من الحبّ في السنبل بعد الدياسة.

(3)

«صحيح مسلم» (1536/ 96). والماذيانات: هي مسايل الماء، والمراد أنهم كانوا يؤاجرون الأرض بما ينبت على حافتي الماذيانات.

(4)

انظر: «مسائله» رواية الكوسج (2/ 30)، ورواية صالح (1/ 209)، وعبد الله (ص 403)، وأبي داود (ص 272).

ص: 441

داود

(1)

.

وهو قول أبي يوسف ومحمد

(2)

.

وهو قول عمر بن عبد العزيز، والقاسم بن محمد، وعروة، وابن سيرين، وسعيد بن المسيب، وطاوس، وعبد الرحمن بن الأسود، وموسى بن طلحة، والزهري، وعبد الرحمن بن أبي ليلى، ومحمد بن عبد الرحمن، ومعاذ العنبري، وهو قول الحسن وعبد الرحمن بن يزيد

(3)

.

قال البخاري في «صحيحه»

(4)

: قال قيس بن مسلم عن أبي جعفر: ما بالمدينة أهل بيت هِجرة إلا يزرعون على الثلث والربع. قال البخاري: وزارَع عليٌّ، وسعد بن مالك، وعبد الله بن مسعود، وعمر بن عبد العزيز، والقاسم، وعروة، وآل أبي بكر، وآل عمر، وآل علي، وابن سيرين. وعامل عُمَر الناسَ على إن جاء عمر بالبَذْر من عنده فله الشَّطْر، وإن جاءوا بالبذر فلهم كذا. وقال الحسن: لا بأس أن تكون الأرض لأحدهما فيُنفقان جميعًا

(1)

قول إسحاق في «مسائله» رواية الكوسج (2/ 30)، وسيأتي قول البخاري، والليث، وابن المنذر. وأما ابن خزيمة فذكر الخطابي في «المعالم» (5/ 54) والنووي في «شرح صحيح مسلم» (10/ 211) أنه ألّف كتابًا في جواز المزارعة ذكر فيه علل أحاديث النهي، فاستقصى فيه وأجاد. وأما أبو داود، فقد عزاه إليه شيخ الإسلام في «مجموع الفتاوى» (29/ 95).

(2)

انظر: «الأصل» للشيباني (9/ 527 - 528)، و «بدائع الصنائع» (6/ 175).

(3)

انظر: «مصنف عبد الرزاق» (14470 - 14474)، و «مصنف ابن أبي شيبة» (21637 - 21661)، و «الإشراف» لابن المنذر (6/ 261)، و «المغني» (7/ 555).

(4)

كتاب المزارعة، باب المزارعة بالشطر ونحوه. وانظر:«تغليق التعليق» (3/ 300 - 305).

ص: 442

فما يخرج فهو بينهما، ورأى ذلك الزهري.

= فحجتهم

(1)

: معاملة النبي صلى الله عليه وسلم أهل خيبر بشطر ما يخرج منها من ثَمَر

(2)

أو زرع

(3)

. وهذا متفق عليه بين الأمة.

قال أبو جعفر

(4)

: عامل رسول الله صلى الله عليه وسلم أهل خيبر بشطر ما يخرج منها من ثمر

(5)

أو زرع، ثم أبو بكر، ثم عمر، ثم عثمان، ثم علي، ثم أهلوهم إلى اليوم يعطون الثلث والربع.

وهذا أمر صحيح مشهور قد عمل به رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى مات، ثم خلفاؤه الراشدون من بعده حتى ماتوا، ثم أهلوهم من بعدهم، ولم يبق بالمدينة أهل بيت حتى عملوا به، وعمل به أزواج النبي صلى الله عليه وسلم من بعده. ومثل هذا يستحيل أن يكون منسوخًا، لاستمرار العمل به من النبي صلى الله عليه وسلم إلى أن قبضه الله، وكذلك استمرار عمل خلفائه الراشدين به، فنسخُ هذا من أمحل المُحال.

وأما حديث رافع بن خديج، فجوابه من وجوه:

(1)

في الأصل: «وحجتهم» ، والتصحيح من (هـ)، والفاء واقعة في جواب «وأما الذين صححوها

» في الصفحة قبل السابقة.

(2)

في الطبعتين: «تمر» خلافًا للصحيحين، والأصل مهمل بلا نَقْط.

(3)

أخرجه البخاري (2328)، ومسلم (1551) من حديث ابن عمر رضي الله عنهما.

(4)

هو محمد بن علي بن الحسين، الملقَّب بالباقر. وقوله مخرّج في «مصنف ابن أبي شيبة» (21642)، و «الأموال» لابن زنجويه (300).

(5)

في الطبعتين: «تمر» ، ولعل الصواب ما أثبت، ولم ترد الكلمة في مصادر التخريج.

ص: 443

أحدها: أنه حديث في غاية الاضطراب والتلوّن. قال الإمام أحمد

(1)

: حديث رافع بن خديج ألوان. وقال أيضًا

(2)

: حديث رافع ضروب.

الثاني: أن الصحابة أنكروه على رافع؛ قال زيد بن ثابت ــ وقد حُكي له حديث رافع ــ: أنا أعلم بذلك منه، وإنما سمع النبيُّ صلى الله عليه وسلم رجلين [ق 178] قد اقتتلا فقال:«إن كان هذا شأنكم فلا تكروا المزارع» ، وقد تقدم.

وفي البخاري

(3)

: عن عمرو بن دينار قال: قلت لطاوس: لو تركتَ المخابرة، فإنهم يزعمون أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عنها، قال: إنَّ أعلمهم ــ يعني ابن عباس ــ أخبرني أن النبي صلى الله عليه وسلم لم ينه عنه، ولكن قال:«أن يمنح أحدكم أخاه خيرٌ له من أن يأخذ عليها خراجًا معلومًا» .

فإن قيل: إن كان قد أنكره بعض الصحابة عليه، فقد أقرَّه ابن عمر ورجع إليه.

فالجواب: أن ابن عمر رضي الله عنهما لم يحرّم المزارعة، ولم يذهب إلى حديث رافع، وإنما كان شديد الورع، فلما بلغه حديث رافع خشي أن يكون رسول الله صلى الله عليه وسلم أحدث في المزارعة شيئًا لم يكن علمه، فتركها لذلك.

وقد جاء هذا مصرَّحًا به في «الصحيحين»

(4)

أن ابن عمر إنما تركها

(1)

في «مسائله» رواية أبي داود (ص 273)، ورواية عبد الله (ص 405)، ومن طريق أبي داود أسنده ابن المنذر في «الأوسط» (11/ 71).

(2)

نقله عنه الأثرم، كما في «الأوسط» (11/ 71) و «المغني» (7/ 529).

(3)

برقم (2330)، وقد سبق.

(4)

البخاري (2345)، ومسلم (1547/ 112).

ص: 444

لذلك، ولم يحرّمها على الناس.

الثالث: أن في بعض ألفاظ حديث رافع ما لا يقول به أحد، وهو النهي عن كراء المزارع على الإطلاق

(1)

. ومعلوم: أن النبي صلى الله عليه وسلم لم ينهَ عن كرائها مطلقًا، فدل على أنه غير محفوظ.

الرابع: أنه تارةً يحدثه عن بعض عمومته، وتارة عن سماعه، وتارة عن ظهير بن رافع؛ مع اضطراب ألفاظه، فمرة يقول: «نهى عن الحَقْل

(2)

»، ومرة يقول:«عن كراء الأرض» ، ومرة يقول: «لا يكاريها بثلث، ولا بربع

(3)

، ولا طعام مسمّى»، كما تقدم ذكر ألفاظه.

وإذا كان حديث هكذا، وجب تركه والرجوع إلى المستفيض المعلوم من فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه من بعده، الذي لم يَضطرب ولم يختلف.

الخامس: أن من تأمل حديث رافع، وجمع طرقه، واعتبر بعضها ببعض، وحمَل مُجمَلها على مفسَّرِها ومطلَقَها على مقيَّدها= عَلِم أن الذي نهى عنه النبي صلى الله عليه وسلم من ذلك أمرٌ بيِّن الفساد، وهو المزارعة الظالمة الجائرة، فإنه قال:«كنا نكري الأرض على أن لنا هذه ولهم هذه، فربما أخرجت هذه ولم تخرج هذه»

(4)

، وفي لفظ له:«كان الناس يؤاجرون على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم بما على الماذيانات وأقبال الجداول أو أشياء من الزرع» كما

(1)

كما عند البخاري (2344)، ومسلم (1547/ 109، 110).

(2)

في الأصل والطبعتين: «الجعل» ، تصحيف. والتصويب مما سبق من أحاديث الباب.

(3)

الأصل: «ربع» بدون الباء، والمثبت من (هـ) موافق لحديث الباب.

(4)

أخرجه البخاري (2722)، ومسلم (1547/ 117).

ص: 445

تقدم، وقوله: «ولم يكن للناس كراء إلا هذا، فلذلك زجر عنه، وأما شيء مضمون معلوم

(1)

فلا بأس».

وهذا مِن أبين ما في حديث رافع وأصحه، وما فيها مجمل أو مطلق أو مختصر فيُحمَل على هذا المفسَّر المبين المتفق عليه لفظًا وحكمًا.

قال الليث بن سعد

(2)

: الذي نهى عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم أمرٌ إذا نظر ذو البصر

(3)

بالحلال والحرام علم أنه لا يجوز.

وقال ابن المنذر

(4)

: قد جاءت الأخبار عن رافع بعلل تدل على أن النهي كان لتلك العلل.

فلا تعارض إذًا بين حديث رافع وأحاديث الجواز بوجه.

السادس: أنه لو قدر معارضة حديث رافع لأحاديث الجواز وامتنع الجمع بينها، لكان منسوخًا قطعًا بلا ريب، لأنه لا بد من نسخ أحد الخبرين، ويستحيل نسخ أحاديث الجواز لاستمرار العمل بها من النبي صلى الله عليه وسلم إلى أن توفي، واستمرارِ عمل الخلفاء الراشدين، وهذا أمر معلوم عند من له خبرة بالنقل كما تقدم ذكره، فيتعيّن نسخُ حديث رافع.

(1)

في الطبعتين: «معلوم مضمون» ، مع أن ناسخ الأصل قد وضع عليهما علامة التقديم والتأخير، فلم ينتبه له المحقّقان. والمثبت لفظ أبي داود في أحاديث الباب.

(2)

كما في «صحيح البخاري» عقب حديث رافع من طريقه، برقم (2346).

(3)

في الطبعتين: «ذو البصيرة» خلافًا للأصل.

(4)

في «الإشراف» (6/ 259)، فذكر علّتين. وانظر:«الأوسط» (11/ 63 وما بعدها) حيث ذكر ست علل كان النهي من أجلها.

ص: 446

السابع: أن الأحاديث إذا اختلفت عن النبي صلى الله عليه وسلم فإنه ينظر إلى ما عمل به أصحابه من بعده، وقد تقدم ذكر عمل الخلفاء الراشدين وأهلهم وغيرهم من الصحابة بالمزارعة.

الثامن: أن الذي في حديث رافع إنما هو النهي عن كرائها بالثلث أو الربع، لا عن المزارعة، وليس هذا بمخالف لجواز المزارعة، فإن الإجارة شيء والمزارعة شيء؛ فالمزارعة من جنس الشركة يستويان في الغُنْم والغُرْم، فهي كالمضاربة بخلاف الإجارة، فإن المؤجِّر على يقين من المغنم وهو الأجرة، والمستأجرَ على رجاء.

ولهذا كان أحدُ القولين للمجوِّزين المزارعةَ: إنها أحلُّ من الإجارة وأولى بالجواز، لأنهما على سواءٍ في الغُنم والغُرم

(1)

، فهي أقرب إلى العدل. فإذا استأجرها بثلثٍ أو ربعٍ كانت هذه إجارة لازمة، وذلك لا يجوز، ولكن المنصوص عن الإمام أحمد جواز ذلك.

واختلف أصحابه على ثلاثة أقوال في نصه

(2)

، فقالت طائفة: يصح ذلك بلفظ المؤاجرة ويكون مزارعة، فيصحُ بلفظ الإجارة كما يصح بلفظ المزارعة. قالوا: والعبرة في العقود بمعانيها وحقائقها لا بصيغها وألفاظها. قالوا: فتصحّ مزارعةً، ولا تصحّ إجارة. وهذه طريقة الشيخ أبي محمد.

الثاني: أنها لا تصح إجارةً ولا مزارعة. أما الإجارة، فلأن من شرطها كونَ العوض فيها معلومًا متميزًا معروف الجنس والقدر، وهذا منتفٍ في

(1)

(هـ): «المغنم والمغرم» .

(2)

انظر: «الإنصاف» (14/ 188).

ص: 447

الثلث والربع. وأما المزارعة، فلأنهما لم يعقدا عقد مزارعة، إنما عقدا عقد إجارة. وهذه طريقة أبي الخطاب.

الثالث: أنها تصحّ [ق 189] مؤاجرةً ومزارعةً، وهي طريقة القاضي وأكثر أصحابه.

فحديث رافع إما أن يكون النهي فيه عن الإجارة دون المزارعة، أو عن المزارعة التي كانوا يعتادونها، وهي التي فسّرها في حديثه.

وأما المزارعة التي فعلها النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه وخلفاؤه من بعده فلم يتناولها النهي بحال.

التاسع: أن ما في المزارعة من الحاجة إليها، والمصلحة، وقيام أمر الناس، يمنع من تحريمها والنهي عنها، لأن أصحاب الأرض كثيرًا ما يعجِزون عن زرعها ولا يقدرون عليه، والعُمّالُ والأَكَرة يحتاجون إلى الزرع ولا أرضَ لهم، ولا قِوام لهؤلاء ولا لهؤلاء إلا بالزرع، فكان من حِكمة الشارع

(1)

، ورحمته بالأمة، وشفقته عليها، ونظره لهم= أن جوّز لهذا أن يدفع أرضه لمن يعمل عليها، ويشتركان في الزرع؛ هذا بعمله وهذا بمنفعة أرضه، وما رزقه الله فهو بينهما، وهذا في غاية العدل والحكمة والرحمة والمصلحة.

وما كان هكذا فإن الشارع لا يحرّمه ولا ينهى عنه، لعموم مصلحته وشدة الحاجة إليه، كما في المضاربة والمساقاة، بل الحاجة في المزارعة آكد منها في المضاربة، لشدة الحاجة إلى الزرع إذ هو القوت، والأرض لا

(1)

في الأصل والطبعتين: «الشرع» ، والكلام الآتي يقتضي ما أثبته.

ص: 448

يُنتفَع بها إلا بالعمل عليها، بخلاف المال.

فإن قيل: فالشارع نهى عنها مع هذه المنفعة التي فيها، ولهذا قال رافع: نهانا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أمر كان لنا نافعًا.

فالجواب: أن الشارع لا ينهى عن المنافع والمصالح، وإنما ينهى عن المفاسد والمضارّ، وهم ظنوا أن ذلك المنهيَّ عنه منفعةٌ، وإنما هو مضرة ومفسدة مقتضية للنهي. وما تخيَّلُوه من المنفعة فهي منفعة جُزْوِيّة

(1)

لرب الأرض لاختصاصه بخيار الزرع، وما سَعِد منه بالماء، وما على أقبال الجداول، فهذا وإن كانت منفعة له، فهو مضرّة على المزارع، فهو من جنس منفعة المُرْبي

(2)

بما يأخذه من الزيادة، وإن كان مضرةً على الآخر؛ والشارع لا يبيح منفعة هذا بمضرة أخيه.

فجواب رافع

(3)

: أن هذا وإن كان منفعةً لكم، فهو مضرة على إخوانكم، فلهذا نهاكم عنه. وأما المزارعة العادلة التي يستوي فيها العامل ورب الأرض فهي منفعة لهما، ولا مضرة فيها على أحد، فلم ينه عنها.

فالذي نهى عنه مشتمل على مضرة ومفسدة راجحة في ضِمنها منفعةٌ مرجوحة جُزويّة، والذي فعله وأصحابه من بعده

(4)

مصلحةٌ ومنفعة راجحة، لا مضرة فيها على واحد منهما، فالتسوية بين هذا وهذا تسوية بين متباينين لا

(1)

في الطبعتين: «جزئية» خلافًا للأصل، والجُزْو لغةٌ في الجزءِ.

(2)

(هـ): «المُرابي» .

(3)

يعني: الجواب عن قوله: «نهانا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أمرٍ كان لنا نافعًا» .

(4)

الأصل: «هذه» ، ولعل المثبت من (هـ) هو الصواب.

ص: 449