الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الثاني: أن هذا إنما يكون علة إذا كان الراوي ممن لا يميز حديثَ الشيخ صحيحَه مِن سقيمِه. وأما يزيد بن هارون وأمثاله إذا رَوَوا عن رجل قد وقع في حديثه بعض الاختلاط فإنهم يميزون حديثه وينتقونه.
هذا مع أن حديثه موافق لأحاديث الباب، كحديث سمرة، ورافع بن عمرٍو، وعبد الله بن عمرو، وعباد بن شرحبيل. وهذا يدل على أنه محفوظ، فإن
(1)
له أصلًا، ولهذا صححه ابن حبان وغيره.
10 -
باب في الطاعة
284/ 2511 - وعن علي: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث جيشًا، وأمَّرَ عليهم رجلًا وأمرهم أن يسمعوا له ويُطيعوا، فأجَّجَ نارًا وأمرهم أن يَقْتَحِموا فيها، فأبى قومٌ أن يدخلوها، فبلغ ذلك النبيَّ صلى الله عليه وسلم فقال: لو دَخَلُوها ــ أو دَخلَوا فيها ــ لم يزالوا فيها، وقال: لا طاعة في معصية الله، إنما الطاعة في المعروف».
وأخرجه البخاري ومسلم والنسائي
(2)
.
قال ابن جرير
(3)
: «الأخبار الواردة بالسمع والطاعة للأمراء ما لم يكن خلافًا لأمر الله ورسوله، فإذا كانت خلافًا لذلك فغير جائز أن يُطيع أحدًا في معصية الله ورسوله، وبنحو ذلك قال عامّة السلف» ، وأشار إلى أن الأحاديث المجملة يفسرها الأحاديث المفسَّرة دفعًا للتضاد في الأحاديث
(4)
.
(1)
في الطبعتين: «وأن» خلافًا للأصل.
(2)
أبو داود (2625)، والبخاري (4340، 7145، 7257)، ومسلم (1840)، والنسائي (4205).
(3)
لم أجده في القدر المطبوع من «تهذيب الآثار» .
(4)
هذه الفقرة من كلام المنذري أثبتناها من (هـ)، وهي ساقطة من «المختصر» المطبوع، وثابتة في المخطوط (النسخة البريطانية) ضمن كلام طويل للمنذري.
قال ابن القيم رحمه الله: وقد استُشكل قوله صلى الله عليه وسلم: «ما خرجوا منها أبدًا»
(1)
، و «لم يزالوا فيها» مع كونهم لو فعلوا ذلك لم يفعلوه إلا ظنًّا منهم أنه من الطاعة الواجبة عليهم، وكانوا متأولين.
والجواب عن هذا: أن دخولهم إياها معصية في نفس الأمر، وكان الواجب عليهم أن لا يبادروا، ويتثبَّتوا حتى يعلموا: هل ذلك طاعةٌ لله ورسوله أم لا؟ فأقدموا على الهجوم والاقتحام من غير تثبت ولا نظر، فكان عقوبتهم أنهم لم يزالوا فيها.
وقوله: «أبدًا» لا يعطي خلودهم في نار جهنم، فإن الإخبار إنما هو عن نار الدنيا
(2)
، و «الأبد» كثيرًا ما يُراد به أبد الدنيا؛ قال تعالى في حق اليهود:{وَلَنْ يَتَمَنَّوْهُ أَبَدًا} [البقرة:95]، وقد أخبر عن الكفار أنهم يتمنون الموت في النار ويسألون ربهم أن يقضي عليهم
(3)
.
وقد جاء في بعض الروايات: أن هذا الرجل كان مازحًا، وكان معروفًا بكثرة المزاح
(4)
، والمعروف أنهم أغضبوه حتى فعل ذلك.
(1)
هذا لفظ إحدى روايات البخاري (7145).
(2)
يؤيد ذلك أن لفظه في الروايات الأخرى في «الصحيح» وغيره: «ما خرجوا منها إلى يوم القيامة» ، وفي بعضها:«لم يزالوا فيها إلى يوم القيامة» . ومعلوم أن القصة واحدة، فيكون من قال:«أبدًا» رواه بالمعنى يقصد به أبد الدنيا.
(3)
وذلك في قوله تعالى: {وَنَادَوْا يَامَالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ} [الزخرف:77].
(4)
جاء ذلك في حديث أبي سعيد الخدري، ولفظه: «كانت فيه دعابة
…
فلمّا ظن أنهم واثبون قال: أمسكوا على أنفسكم، فإنما كنت أمزح معكم»، وسمَّى أبو سعيد الأمير: عبد الله بن حُذافة السهمي، وذكر أنه كان في بعثٍ عليه علقمةُ بن مجزِّز المُدلجيُّ، فأمَّره علقمة على طائفةٍ من الجيش في بعض الطريق. أخرجه أحمد (11639)، وابن ماجه (2863)، وابن حبان (4558)، وفي إسناده محمد بن عمرو بن علقمة بن وقاص الليثي، وهو صدوق لا بأس به، فظاهر الإسناد أنه حسن، لكنه مخالف لما ورد في روايات «الصحيحين» لحديث الباب أن الأمير كان من الأنصار، وأن النبي صلى الله عليه وسلم هو الذي أمَّره، وأنه قد غضب عليهم فأمرهم بذلك. قال المؤلف في «زاد المعاد» (3/ 451 - 452): فإما أن يكونا واقعتين، أو يكون حديث عليٍّ ــ أي: المتفق عليه ــ هو المحفوظ.