المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ باب من مات وعليه صيام - تهذيب سنن أبي داود - ط عطاءات العلم - جـ ٢

[ابن القيم]

فهرس الكتاب

- ‌كتاب الصيام

- ‌ باب نسخ قوله تعالى: {وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ}

- ‌ باب الشهر يكون تسعًا وعشرين

- ‌ باب إذا أخطأ القومُ الهلالَ

- ‌ باب إذا أُغْمِي الشهرُ

- ‌ باب من قال: إذا غُمَّ عليكم فصوموا ثلاثين

- ‌ باب في التقدُّم

- ‌ باب كراهية صوم يوم الشك

- ‌ باب في كراهية ذلك

- ‌ باب في شهادة الواحد على رؤية هلال رمضان

- ‌ باب الرجل يسمع النداء والإناء على يده

- ‌ باب الفطر قبل غروب الشمس

- ‌ باب السواك للصائم

- ‌ باب في الصائم يحتجم

- ‌ الرخصة في ذلك

- ‌ باب الصائم يحتلم نهارًا في رمضان

- ‌ باب الصائم يستقيء عامدًا

- ‌ باب القُبلة للصائم

- ‌ كراهية ذلك للشَّاب

- ‌ باب الصائم يبتلع الريق

- ‌ من أصبح جنبًا في شهر رمضان

- ‌ باب كفارة من أتى أهله في نهار رمضان

- ‌ باب التغليظ فيمن أفطر عمدًا

- ‌ باب من أكل ناسيًا

- ‌ باب تأخير قضاء رمضان

- ‌ باب من مات وعليه صيام

- ‌ باب فيمن اختار الصيام

- ‌ باب متى يفطر المسافر إذا خرج

- ‌ باب مسيرة ما يفطر فيه

- ‌ النهي أن يخص يوم الجمعة بصوم

- ‌ النهي أن يُخصّ يوم السبت [بصوم]

- ‌ الرخصة في ذلك

- ‌ باب في صوم الدهر

- ‌ باب في صوم المحرَّم

- ‌ صوم ستة أيام من شوال

- ‌ كيف كان النبي صلى الله عليه وسلم يصوم

- ‌ في صوم الاثنين والخميس

- ‌ صوم العشر

- ‌ في صوم عرفة بعرفة

- ‌ ما روي أن عاشوراء اليومُ التاسع

- ‌ باب في فضل صومه

- ‌ باب صوم الثلاث من كل شهر

- ‌ من قال: لا يُبالي مِن أيِّ الشهر

- ‌ باب النية في الصيام

- ‌ باب في الرخصة فيه

- ‌ باب من رأى عليه القضاء

- ‌ باب المرأة تصوم بغير إذن زوجها

- ‌ الاعتكاف

- ‌ المعتكف يعود المريض

- ‌كتاب الجهاد

- ‌ سُكنى الشام

- ‌ باب تضعيف الذكر في سبيل الله

- ‌ باب في فضل الشهادة

- ‌ باب في الرجل يغزو وأبواه كارهان

- ‌ باب النهي عن لعن البهيمة

- ‌ باب الوقوف على الدابة

- ‌ باب في المحلِّل

- ‌ باب السيف يُحلَّى

- ‌ باب ابن السبيل يأكل من الثمرة ويشرب من اللبن إذا مرَّ به

- ‌ باب في الطاعة

- ‌ باب علامَ يقاتل

- ‌ باب في التفريق بين السبي

- ‌ باب الرخصة في البالغين

- ‌ باب في عقوبة الغالِّ

- ‌ باب في المرأة والعبد يُحْذَيان من الغنيمة

- ‌ باب في سجود الشكر

- ‌كتاب الأضاحي

- ‌ باب ما جاء في وجوب الأضاحي

- ‌ باب الرجل يأخذ من شَعَره في العشر وهو يريد أن يضحي

- ‌ باب ما يجوز من السن في الضحايا

- ‌ باب ذبائح أهل الكتاب

- ‌ باب ما جاء في ذكاة الجنين

- ‌ باب العقيقة

- ‌ باب في الصيد

- ‌كتاب الوصايا

- ‌ باب متى ينقطع اليتم

- ‌كتاب الفرائض

- ‌ باب في ميراث ذوي الأرحام

- ‌ باب ميراث ابن الملاعَنة

- ‌«ميراث اللقيط»

- ‌ باب فيمن أسلم على ميراث

- ‌ باب الولاء

- ‌ باب من أسلم على يدي رجل

- ‌ باب في المولود يستهل [ثم يموت]

- ‌ باب في الحِلْفِ

- ‌كتاب الخراج والإمارة

- ‌ باب في اتخاذ الكاتب

- ‌ باب في حكم أرض اليمن

- ‌ باب إخراج اليهود من جزيرة العرب

- ‌ باب تعشير أهل الذمة

- ‌كتاب الجنائز

- ‌ باب في العيادة

- ‌ باب العيادة من الرمد

- ‌ باب الخروج من الطاعون

- ‌ باب تطهير ثياب الميت عند الموت

- ‌ باب في التلقين

- ‌ باب في النَّوح

- ‌ باب في الشهيد يُغسَّل

- ‌ باب في الكفن

- ‌ باب في الغُسل مِن غَسل الميت

- ‌ باب في تقبيل الميت

- ‌ باب الدفن بالليل

- ‌ باب القيام للجنازة

- ‌ باب المشي أمام الجنازة

- ‌ باب الصلاة على الجنازة في المسجد

- ‌ باب الصلاة على القبر

- ‌ باب في اللحد

- ‌ باب الجلوس عند القبر

- ‌ باب في تسوية القبر

- ‌ باب الميت يُصَلَّى على قبره بعد حين

- ‌ باب كراهية اتخاذ القبور مساجد

- ‌ باب المشي في الحذاء بين القبور

- ‌ باب في زيارة النساء القبور

- ‌ باب المُحرِم يموت كيف يُصنع به

- ‌كتاب الأيمان والنذور

- ‌ باب لغو اليمين

- ‌ باب الاستثناء في اليمين

- ‌ باب اليمين في قطيعة الرحم

- ‌ النذر في المعصية

- ‌ باب فيمن نذر أن يتصدق بماله

- ‌كتاب البيوع

- ‌ باب الحيوان [بالحيوان نسيئة]

- ‌ باب الرخصة في ذلك

- ‌ باب في ذلك يدًا بيد

- ‌ باب في الثَّمَر بالتمْر

- ‌ باب المضارب يخالف

- ‌ باب في المزارعة

- ‌ باب مَن زرع أرضًا بغير إذن صاحبها

- ‌ باب في المخابرة

- ‌ باب المُساقاة

- ‌ باب في العبد يُباع وله مال

- ‌ باب النهي عن العِينة

- ‌ باب وضع الجائحة

- ‌ باب في بيع الطعام قبل أن يُستوفَى

- ‌ باب في الرجل يبيع ما ليس عنده

- ‌ باب من اشترى عبدًا فاستغلَّه [ثم رأى عيبًا]

- ‌ باب إذا اختلف البيِّعان والمبيع قائم

- ‌ باب الشفعة

- ‌ باب في الرجل يُفلِس، فيجد الرجلُ متاعَه بعينه

- ‌ باب في تضمين العارية

- ‌كتاب الأقضية

- ‌ باب في طلب القضاء

- ‌ باب اجتهاد الرأي في القضاء

- ‌ باب في الصلح

- ‌ باب شهادة أهل الذمة على الوصية في السفر

- ‌ باب إذا علم الحاكم صدق الشاهد الواحد يجوز له أن يحكم به

- ‌ باب القضاء باليمين مع الشاهد

- ‌ باب الرجلين يدّعيان شيئًا وليست لهما بينة

- ‌كتاب العلم

- ‌ التشديد في الكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌ باب كراهية منع العلم

- ‌كتاب الأشربة

- ‌ بابٌ الخمر مما هي

- ‌ باب النهي عن المسكر

- ‌ باب في الداذيّ

- ‌ باب في الشرب قائمًا

- ‌كتاب الأطعمة

- ‌ باب غسل اليدين عند الطعام

- ‌ باب في أكل لحوم الحمر الأهلية

- ‌ باب أكل الطافي

- ‌ باب الإقران في التمر

- ‌ باب الفأرة تقع في السمْن

- ‌كتاب الطب

- ‌ باب في الكَيِّ

- ‌ باب في الأدوية المكروهة

- ‌ باب في تمرة العجوة

- ‌ باب الغَيْل

- ‌ باب الرُّقى

- ‌ باب في الطِّيَرة

الفصل: ‌ باب من مات وعليه صيام

يحيى بن سعيد، بيَّن ذلك البخاري في «صحيحه»

(1)

قال: وقال يحيى: «الشغل من النبي صلى الله عليه وسلم أو بالنبي صلى الله عليه وسلم» .

وفي لفظ

(2)

: «قال يحيى: فظننت أن ذلك لمكانها من رسول الله صلى الله عليه وسلم» .

وفي «الصحيحين»

(3)

عن عائشة أيضًا قالت: «إن كانت إحدانا لَتُفطر في رمضان في زمان رسول الله صلى الله عليه وسلم، فما تقدر أن تقضيه مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى يأتي شعبان» .

25 -

‌ باب من مات وعليه صيام

237/ 2293 - عن عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «من مات وعليه صيامٌ صامَ عنه وليُّهُ» .

وأخرجه البخاري ومسلم

(4)

.

238/ 2294 -

(5)

وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: «إذا مرض الرجل في

(1)

. برقم (1950).

(2)

. أخرجه مسلم (1146/ 151).

(3)

. أخرجه مسلم (1146/ 152)، ولم يخرجه البخاري.

(4)

. أبو داود (2400)، والبخاري (1952)، ومسلم (1147).

(5)

. كتب المجرّد هنا: «قال الحافظ شمس الدين» ــ يعني ابن القيم ــ، وهو وهم فالحديث من أحاديث الباب في «السنن» و «المختصر» ، وليس من زيادات المؤلف. وحتى الفقرة الآتية إلى قوله:«ولفظ البخاري نحوه» موجودة بنحوها في مخطوط «المختصر» ضمن تعليق المنذري على الحديث، ولعل نسخة «المختصر» التي كانت عند المجرّد فقابل بها «تهذيب السنن» ليجرّد زياداته كان فيها سقط في هذا الموضع، فظن أن ذلك كلّه من زيادات ابن القيم.

ص: 89

رمضان ثم مات ولم يَصِحّ أُطْعِمَ عنه ولم يكن عليه قضاء. وإن نذر قضى عنه وليه»

(1)

.

قال ابن القيم رحمه الله: وفي «الصحيحين»

(2)

عن ابن عباس قال: جاءت امرأة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت: يا رسول الله، إن أمي ماتت وعليها صوم نذر، أفأصوم عنها؟ فقال:«أرأيتِ لو كان على أمك دين فقضيته، أكان يؤدي ذلك عنها؟» . قالت: نعم. قال: «فصومي عن أمك» هذا لفظ مسلم، ولفظ البخاري نحوه.

وفي «الصحيحين»

(3)

عنه أيضًا أن أمرأة جاءت فقالت: يا رسول الله، إن أختي ماتت وعليها صيام شهرين متتابعين» وذكر الحديث بنحوه.

وفي «صحيح مسلم»

(4)

عن بريدة قال: كنت جالسًا عند النبي صلى الله عليه وسلم إذ أتته امرأة فقالت: إني تصدَّقتُ على أمّي بجارية، وإنها ماتت قال:«وجب أجركِ، وردّها عليك الميراث» . قالت: يا رسول الله، إنه كان عليها صوم شهر، أفأصوم عنها؟ قال:«صومي عنها» . قالت: يا رسول الله، إنها لم تحج،

(1)

. أبو داود (2401).

(2)

. البخاري (1953)، ومسلم (1148/ 156) من رواية سعيد بن جبير عن ابن عباس.

(3)

. علقه البخاري عقب الحديث السابق بصيغة التمريض عن أبي خالد الأحمر بإسناده إلى ابن عباس. ثم علق الحديث من طرق أخرى عن ابن عباس كلها بلفظ: «إن أمّي ماتت» ، مما يدلّ على مخالفة أبي خالد ــ وهو صدوق يخطئ ــ لجميع الرواة في قوله:«أختي» . وأما مسلم، فساق (1148) إسناده من طريق أبي خالد في المتابعات، ولم يسُق لفظه.

(4)

. برقم (1149).

ص: 90

أفأحج عنها؟ قال: «حُجّي عنها» .

قال البيهقي

(1)

: فثبت بهذه الأحاديث جواز الصوم عن الميت. وقال الشافعي في القديم: وقد ورد في الصوم عن الميت شيء، فإن كان ثابتًا صِيمَ عنه، كما يُحَج عنه.

وقال في الجديد: فإن قيل: فهل روي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر أحدًا أن يصوم عن أحد؟ قيل: نعم، روي عن ابن عباس. فإن قيل: لم لا تأخذ به؟ قيل: حدّث

(2)

الزهري عن عبيد الله عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم: «نذر نذرًا» ولم يسمّه، مع حفظ الزهري، وطول مجالسة

(3)

عبيد الله لابن عباس، فلما جاء غيره: عن رجل عن ابن عباس بغير ما في حديث عبيد الله= أشبَهَ أن لا يكون محفوظًا.

وأراد الشافعي ما روى مالك عن ابن شهاب عن عبيد الله بن عبد الله [عن ابن عبّاس] أن سعد بن عبادة استفتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: إن أمي ماتت وعليها نذر، فقال النبي صلى الله عليه وسلم:«اقضه عنها» . وهذا حديث متفق عليه

(4)

من حديث مالك وغيره عن الزهري، إلا أن في رواية سعيد بن جبير عن ابن عباس:«أن امرأة سألت» . وكذلك رواه الحكَم بن عُتَيبة وسلَمة بن كُهَيل عن مجاهد عن ابن عباس. وفي روايةٍ عن مجاهد وعطاء وسعيد بن جبير

(1)

. «السنن الكبرى» (4/ 256 - 257) باختصار، وما بين الحاصرتين مستدرك منه.

(2)

. رسمه في الأصل يشبه «حديث» كما في الطبعتين، والمثبت من «السنن الكبرى» .

(3)

. في الأصل وط. المعارف: «مجالسته» ، خطأ. والمثبت من «السنن الكبرى» .

(4)

. البخاري (2761) ومسلم (1638).

ص: 91

عن ابن عباس: «أن امرأة سألت» . ورواه عكرمة عن ابن عباس

(1)

.

ثم رواه بريدة بن حصيب عن النبي صلى الله عليه وسلم.

فالأشبه أن تكون هذه القصة التي وقع فيها السؤال [عن الصوم] نصًّا غير قصة سعد بن عبادة التي وقع السؤال فيها عن النذر مطلقًا. كيف، وقد روي عن عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم بإسناد صحيح النصُّ على جواز الصوم عن الميت

(2)

.

قال: وقد رأيت بعض أصحابنا يضعّف حديث ابن عباس بما روي عن يزيد بن زريع عن حجاج الأحول عن أيوب بن موسى عن عطاء عن ابن عباس أنه قال: «لا يصوم أحد عن أحد، ويطعم عنه»

(3)

، وبما روي عنه في الإطعام عمن مات وعليه صيام شهر رمضان وصيام شهر النذر

(4)

.

وضعَّف حديث عائشة بما روي عنها في امرأة ماتت وعليها الصوم، قالت:«يُطعَم عنها»

(5)

. وفي رواية عنها: «لا تصوموا عن موتاكم وأطعموا

(1)

. هذه الطرق علّقها البخاري (1953)، ووصلها مسلم (1148) إلا طريق عكرمة فوصلها ابن خزيمة (2053).

(2)

. كما في حديث الباب.

(3)

. أخرجه النسائي في «الكبرى» (2930) بإسناد كلهم ثقات.

(4)

. أخرجه عبد الرزاق (7650) ومن طريقه البيهقي (4/ 254) بلفظ: «يُطعم ستين مسكينا» . وروي عنه التفريق بين رمضان والنذر، وسيأتي.

(5)

. أخرجه الطحاوي في «شرح المشكل» (6/ 178 - 179)، وفي إسناده جهالة الراوية عن عائشة. وأخرج أيضًا نحوه من طريق آخر جيد، وفيه تصريح أن عليها صوم رمضان.

ص: 92

عنهم»

(1)

.

قال: وليس فيما ذكروا ما يوجب للحديث ضعفًا، فمن يجوّز الصيام عن الميت يجوّز الإطعام عنه.

وفيما روي عنها في النهي عن الصوم عن الميت نظر، والأحاديث المرفوعة أصح إسنادًا وأشهر رجالًا، وقد أودعها صاحبا الصحيح كتابيهما، ولو وقف الشافعي على جميع طرقها وتَظاهُرِها، لم يخالفها إن شاء الله.

[ق 127] وممن رأى جواز الصيام عن الميت: طاوس والحسن البصري والزهري وقتادة. آخر كلام البيهقي.

اختلف أهل العلم فيمن مات وعليه صوم هل يُقضى عنه؟ على ثلاثة أقوال

(2)

:

أحدها: لا يُقضى عنه بحال، لا في النذر ولا في الواجب الأصلي. وهذا ظاهر مذهب الشافعي، ومذهب مالك وأبي حنيفة وأصحابه.

الثاني: أنه يصام عنه فيهما. وهذا قول أبي ثور وأحد قولَي الشافعي.

والثالث: أنه يصام عنه النذر دون الفرض الأصلي. وهذا مذهب أحمد المنصوص عنه

(3)

، وقول أبي عبيد والليث بن سعد، وهو المنصوص عن

(1)

. لم أجد من أخرجه، وقال عنه الحافظ في «الفتح» (4/ 194): ضعيف جدًّا.

(2)

. انظر: «الإشراف» (3/ 149)، و «التمهيد» (9/ 27، 28)، و «المغني» (4/ 398، 399)، و «المجموع» (6/ 415).

(3)

. انظر: «مسائل أحمد» برواية عبد الله (ص 186)، وبرواية الكوسج (1/ 621)، وبرواية أبي داود (ص 137).

ص: 93

ابن عباس. روى الأثرم عنه

(1)

أنه سئل عن رجل مات وعليه نذر صوم شهر، وعليه صوم رمضان؟ قال:«أما رمضان فليُطعَم عنه، وأما النذر فيصام» .

وهذا أعدل الأقوال، وعليه يدل كلام الصحابة. وبهذا يزول الإشكال وتعليلُ حديث ابن عباس بأنه قال:«لا يصوم أحد عن أحد، ويطعم عنه» ، فإن هذا إنما هو في الفرض الأصلي، وأما النذر فيصام عنه، كما صرح به ابن عباس، ولا معارضة بين فتواه وروايته. وهذا هو المروي عنه في قصة من مات وعليه صوم رمضان وصوم النذر، فرق بينهما، فأفتى بالإطعام في رمضان، وبالصوم عنه في النذر، فأي شيء في هذا ما يوجب تعليل حديثه؟

وكذلك ما روي عن عائشة من إفتائها في التي ماتت وعليها الصوم: أنه يطعم عنها، إنما هو في الفرض لا في النذر، لأن الثابت عن عائشة فيمن مات وعليه صيام رمضان أنه يطعم عنه في قضاء رمضان، ولا يصام، فالمنقول عنها كالمنقول عن ابن عباس سواء، فلا تعارض بين رأيها وروايتها.

وبهذا يظهر اتفاق الروايات في هذا الباب، وموافقة فتاوى الصحابة لها، وهو مقتضى الدليل والقياس، لأن النذر ليس واجبًا بأصل الشرع، وإنما أوجبه العبد على نفسه، فصار بمنزلة الدَّين الذي استدانه، ولهذا شبهه النبي صلى الله عليه وسلم بالدين في حديث ابن عباس. والمسؤول عنه فيه أنه كان صوم نذر، والدَّين تدخله النيابة.

وأما الصوم الذي فرضه الله عليه ابتداء فهو أحد أركان الإسلام، فلا

(1)

. أي عن ابن عباس، لا كما توَّهمه محقق ط. المعارف أن المراد: عن الإمام أحمد. والأثر ذكره ابن قدامة في «المغني» (4/ 399) وعزاه إلى «السنن» للأثرم. وأخرجه أيضًا عبد الرزاق (7651)، وابن حزم في «المحلى» (7/ 7)، والبيهقي (4/ 254).

ص: 94

تدخله النيابة بحال، كما لا تدخل الصلاةَ والشهادتين. فإن المقصود منها طاعة العبد بنفسه وقيامُه بحق العبودية التي خلق لها وأمر بها، وهذا أمر لا يؤدّيه عنه غيره، كما لا يُسْلِم عنه غيره، ولا يصلي عنه غيره.

وهكذا من ترك الحجّ عمدًا مع القدرة عليه حتى مات، أو ترك الزكاة فلم يخرجها حتى مات، فإن مقتضى الدليل وقواعد الشرع: أن فعلهما عنه بعد الموت

(1)

لا يبرئ ذمته، ولا يقبل منه. والحق أحق أن يتبع.

وسرّ الفرق: أن النذر التزام من المكلف لِما شغل به ذمته، لا أن الشارع ألزمه به ابتداء، فهو أخفّ حكمًا مما جعله الشارع حقًّا له عليه، شاء أم أبى. والذمة تسع المقدور عليه والمعجوز عنه، ولهذا تقبل أن يَشْغَلها المكلَّفُ بما لا قدرة له عليه، بخلاف واجبات الشرع، فإنها على قدر طاقة البدن، لا تجب على عاجز. فواجب الذمة أوسع من واجب الشرع الأصلي، لأن المكلف متمكّن من إيجاب واجبات كثيرة عليه لم يوجبها عليه الشارع، والذمة واسعة، وطريق أداء واجبها أوسع من طريق أداء واجب الشرع، فلا يلزم من دخول النيابة في واجبها بعد الموت دخولُها في واجب الشرع.

وهذا يبين أن الصحابة أفقه الخلق، وأعمقهم علمًا، وأعرفهم بأسرار الشرع ومقاصده وحكمه. وبالله التوفيق.

26 -

باب اختيار الفطر

(2)

239/ 2300 - عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى رجلًا

(1)

. في الأصل وط. المعارف: «الموات» ، خطأ.

(2)

. أي في السفر، فإن الباب الذي قبله في «السنن»:«باب الصوم في السفر» .

ص: 95

يُظَلَّلُ عليه، والزحام عليه. فقال:«ليس من البِرِّ الصيامُ في السفر» .

وأخرجه البخاري ومسلم والنسائي

(1)

.

(2)

قال ابن القيم رحمه الله: وقد احتج به من يوجب الفطر في السفر. واحتجوا بأن الفطر كان آخر الأمرين من رسول الله صلى الله عليه وسلم. وكانوا يأخذون بالأحدث فالأحدث من أمر الرسول صلى الله عليه وسلم

(3)

.

واحتجوا أيضًا بحديث دَِحْية بن خليفة الكلبي أنه لما سافر من قريته في رمضان وذلك ثلاثة أميال أفطَر، فأفطر معه الناس، وكره ذلك آخرون، فلما رجع إلى قريته قال:«والله لقد رأيت أمرًا ما كنت أظن أني أراه، إنّ قومًا رغبوا عن هدي رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه» ، يقول ذلك للذين صاموا. ثم قال عند ذلك:«اللهم اقبضني إليك» . رواه أبو داود وغيره

(4)

.

واحتجوا أيضًا بأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بقبول رخصة الفطر. فروى النسائي

(5)

(1)

. أبو داود (2407)، والبخاري (1946)، ومسلم (1115)، والنسائي في «المجتبى» (2257)، وفي «الكبرى» (2577).

(2)

. للمنذري بعده كلام على معنى الحديث، لم يُشر إليه المجرّد، وإنما ذكر أن تعليق ابن القيم على نفس الحديث، ولذا اقتصرت على ذكر التخريج دون ما بعده، لاسيما أن كلام ابن القيم قد تضمّن ما ذكره المنذري مع الزيادة والتحرير.

(3)

. انظر: «صحيح البخاري» (2953، 4276)، و «صحيح مسلم» (1113/ 88).

(4)

. أبو داود (2413)، وأحمد (27231)، وابن خزيمة (2041)، من طريق أبي الخير اليَزَني، عن منصور الكلبي، عن دحية. ومنصور الكلبي فيه جهالة، لم يوثّقه غير العجلي، وقال ابن خزيمة في «صحيحه»:«لا أعرفه بعدالةٍ ولا جرح» ، وسيأتي مزيد الكلام عليه في «باب مسيرة ما يفطر فيه» .

(5)

. «المجتبى» (2258 - 2260)، و «الكبرى» (2578 - 2580)، وأخرجه أيضًا ابن حبان (355). وأصل الحديث متفق عليه دون قوله: «وعليكم برخصة الله

»، وهذه الزيادة في ثبوتها نظر. وانظر:«صحيح مسلم» (1115).

ص: 96

من حديث جابر يرفعه: «ليس من البر أن تصوموا في السفر، وعليكم برخصة الله التي رخّص لكم فاقبلوها» .

واحتجوا أيضًا بقوله صلى الله عليه وسلم في الذين صاموا: «أولئك العصاة» . رواه النسائي

(1)

في قصة فطره عام الفتح.

واحتجوا أيضًا بقول عبد الرحمن بن عوف: «الصائم في السفر كالمفطر في الحضر» . رواه النسائي

(2)

. ولا يصح رفعه، وإنما هو موقوف.

واحتجوا أيضًا بأن الله تعالى إنما أمر المسافر بالعدة من أيام أخر، فهي فرضه الذي أمر به، فلا يجوز غيره. وحكي ذلك عن غير واحد من الصحابة

(3)

.

وأجاب الأكثرون عن هذا بأنه ليس فيه ما يدل على تحريم الصوم في

(1)

. «المجتبى» (2263) و «الكبرى» (2583). والحديث في «صحيح مسلم» (1114).

(2)

. «المجتبى» (2285، 2286) و «الكبرى» (2606، 2607) من طريق حميد وأبي سلمة ابنَي عبد الرحمن بن عوف، عن أبيهما موقوفًا. والمحفوظ طريق أبي سلمة عن أبيه، وهو مرسل فإن أبا سلمة لم يسمع من أبيه. انظر:«المراسيل» لابن أبي حاتم (ص 255). ورواه ابن ماجه (1666) مرفوعًا، ولا يصحّ. انظر:«العلل» لابن أبي حاتم (694)، وللدارقطني (564)، و «السنن الكبرى» للبيهقي (4/ 244).

(3)

. حكي عن عمر، وابن عباس، وأبي هريرة أنهم رأوا أن الصوم في السفر لا يجزئ، وأمروا الصائم فيه بالقضاء. أخرج آثارهم ابن أبي شيبة (9088 - 9091)، والطبري في «تفسيره» (3/ 206 - 207)، وفي أسانيدها ضعف.

ص: 97

السفر على الإطلاق، وقد أخبر أبو سعيد أنه صام مع النبي صلى الله عليه وسلم بعد الفتح [ق 128] في السفر

(1)

.

قالوا: وأما قوله: «ليس من البر الصيام في السفر» ، فهذا خرج على شخص معين، رآه رسول الله صلى الله عليه وسلم قد ظُلِّل عليه وجهده الصوم، فقال هذا القول، أي ليس البر أن يَجهد الإنسان نفسه حتى يبلغ فيها

(2)

هذا المبلغ، وقد فسح الله له في الفطر. فالأخذ بعموم اللفظ الذي يدل سياق الكلام على إرادته، فليس من البر هذا النوع من الصيام المشار إليه في السفر.

وأيضًا فقوله: «ليس من البر» أي ليس هو أبر البر، لأنه قد يكون الإفطار أبرَّ منه إذا كان في حج أو جهاد يتقوَّى عليه. وقد يكون الفطر في السفر المباح برًّا، لأن الله تعالى أباحه ورخص فيه، وهو سبحانه يحب أن يؤخذ برُخَصه، وما يحبه الله فهو بر، فلم ينحصر البر في الصيام في السفر.

وتكون «مِن» على هذا زائدةً، ويكون كقوله تعالى {لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ} الآية [البقرة: 177]، وكقولك: ما جاءني من أحد. وفي هذا نظر، وأحسن منه أن يقال: إنها ليست بزائدة، بل هي على بابها. والمعنى: أن الصوم في السفر ليس من البر الذي تظنونه وتنافسون عليه؛ فإنهم ظنّوا أن الصوم هو الذي يحبه الله ولا يحب سواه، وأنه وحدَه البر الذي لا أبرَّ منه، فأخبرهم أن الصوم في السفر ليس من هذا النوع الذي تظنونه، فإنه قد يكون الفطر أحبَّ إلى الله منه، فيكون هو البر.

قالوا: وأما كون الفطر كان آخر الأمرين من رسول الله صلى الله عليه وسلم، فالمراد به

(1)

. رواه مسلم (1120).

(2)

. كذا في الأصل، ولعل الصواب:«بها» كما في ط. الفقي.

ص: 98

واقعة معيَّنة، وهي غزاة الفتح، فإنه صام حتى بلغ الكديد، ثم أفطر، فكان فطره آخر أمريه، لا أنه حرَّم الصوم. ونظير هذا قول جابر:«كان آخر الأمرين من رسول الله صلى الله عليه وسلم ترك الوضوء مما مسّت النار»

(1)

، إنما هو في واقعة معينة دعي لطعامٍ فأكل منه، ثم توضأ وقام إلى الصلاة، ثم أكل منه وصلَّى ولم يتوضأ

(2)

، فكان آخر الأمرين منه: ترك الوضوء مما مست النار. وجابر هو الذي روى هذا وهذا، فاختصره بعض الرواة، واقتصر منه على آخره، ولم يذكر جابر لفظًا من النبي صلى الله عليه وسلم: إن هذا آخر الأمرين مني. وكذلك قصة الصيام، وإنما حكوا ما شاهدوه أنه فعل هذا وهذا، وآخرهما منه الفطر وترك الوضوء. وإعطاء الأدلة حقها يزيل الاشتباه والاختلاف عنها.

وأما قصة دحية بن خليفة الكلبي، فإنما أنكر فيها على من صام رغبةً عن سنة النبي صلى الله عليه وسلم وظنًّا أنه لا يسوغ الفطر، ولا ريب أن مثل هذا قد ارتكب منكرًا، وهو عاصٍ بصومه.

والذين أمروهم

(3)

الصحابة بالقضاء وأخبروا أن صومهم لا يُجزئهم

(1)

. أخرجه أبو داود (192)، والنسائي (185) وابن خزيمة (43)، وابن حبان (1134)، من طريق شعيب بن أبي حمزة، عن ابن المنكدر، عن جابر. وشعيب تفردّ به بهذا اللفظ دون الرواة الآخرين عن ابن المنكدر. قال أبو داود وابن حبان: إن شعيبًا اختصره من حديث طويل. وانظر: «العلل» لابن أبي حاتم (168).

(2)

. هكذا رواها ابن عيينة، وابن جريج، ومعمر، وأيوب، ورَوح بن القاسم، جرير بن حازم؛ ستّتهم عن ابن المنكدر عن جابر. أخرج رواياتهم أحمد (14299، 14453)، وأبو داود (191)، والترمذي (80)، وابن حبان (1130، 1132، 1137، 1139، 1145).

(3)

. كذا في الأصل. وفي «الطبعتين» : «أمرهم» .

ص: 99

هم هؤلاء، فإنهم صاموا صومًا لم يشرعه الله، وهو أنهم ظنوا أنه حَتْم عليهم كالمقيم، ولا ريب أن هذا حكم لم يشرعه الله، فلم يمتثلوا ما أمروا به من الصوم، فأمرهم الصحابة بالقضاء. هذا أحسن ما حُمِل عليه قول من أفتى بذلك من الصحابة، وعليه يحمل قول من قال منهم:«الصائم في السفر كالمفطر في الحضر» . وهذا من كمال فقههم، ودقة نظرهم رضي الله عنهم.

قالوا: وأما قول النبي صلى الله عليه وسلم: «عليكم برخصة الله التي رخص لكم فاقبلوها» ، فهذا يدل على أن قبول المكلف لرخصة الله واجب، وهذا حق، فإنه متى لم يَقبل الرخصة ردّها ولم يرَها رخصة، وهذا عدوان منه ومعصية، ولكن إذا قبلها، فإن شاء أخذ بها، وإن شاء أخذ بالعزيمة. هذا مع أن سياق الحديث يدل على أن الأمر بالرخصة لمن جهده الصوم وخاف على نفسه، ومثل هذا يؤمر بالفطر. فعن جابر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مر برجل في ظل شجرة يُرَشُّ عليه الماء، قال:«ما بال صاحبكم هذا؟» قالوا: يا رسول الله صائم. قال: «إنه ليس من البر أن تصوموا في السفر وعليكم برخصة الله التي رخص لكم فاقبلوها» رواه النسائي

(1)

.

قالوا: وأما قول النبي صلى الله عليه وسلم: «أولئك العصاة» فذاك في واقعة معيَّنة، أراد منهم الفطر فخالفه بعضهم فقال هذا. ففي النسائي

(2)

عن جعفر بن محمد عن أبيه عن جابر قال: خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى مكة عام الفتح في رمضان فصام حتى بلغ كُراع الغَمِيم، فصام الناس معه، فبلغه أن الناس شقَّ عليهم الصيام، فدعا بقَدَح من ماءٍ بعد العصر فشرب، والناس ينظرون، فأفطر بعض

(1)

. برقم (2258)، وقد سبق.

(2)

. برقم (2263)، وقد سبق أيضًا.

ص: 100

الناس وصام بعض، فبلغه أن ناسًا صاموا فقال:«أولئك العصاة» .

فالنبي صلى الله عليه وسلم إنما أفطر بعد العصر ليقتدوا به، فلمّا لم يقتدِ به بعضهم قال:«أولئك العصاة» ولم يُرِد بذلك تحريم الصيام مطلقًا على المسافر. والدليل عليه ما روى النسائي

(1)

أيضًا عن أبي هريرة قال: أُتي النبي صلى الله عليه وسلم[بطعام]

(2)

بمَرِّ الظَّهْران، فقال لأبي بكر وعمر: «أَدْنِيا

(3)

، فكلا»، فقالا: إنا صائمان، فقال: «ارْحَلُوا لصاحبَيكم

(4)

،اعملوا لصاحبَيكم!»، وأعله بالإرسال. ومر الظهران أدنى إلى مكة من كُراع الغميم، فإن كراع الغميم بين يدي عُسفان بنحو ثمانية أميال، وبين عسفان ومكة

(5)

ستة وثلاثون ميلًا.

قالوا: وأما احتجاجكم بالآية، وأن الله أمر المسافر بالعدّة، فهي فرضه الذي لا يجوز غيره= فاستدلال باطل قطعًا، فإن الذي أنزلت عليه هذه الآية، وهو أعلم الخلق بمعناها والمراد منها، قد صام بعد نزولها بأعوام في السفر، ومحال أن يكون المراد منها ما ذكرتم، ولا يعتقده مسلم، فعلم أن المراد بها

(1)

. «المجتبى» (2264)، و «الكبرى» (2584) وقال فيه:«هذا خطأ، لا نعلم أحدًا تابع أبا داود [الحَفَري] على هذه الرواية، والصواب مُرسل» . ثم أخرجه (2585 - 2587) من عدّة طرق مرسلًا. ومع ذلك فالموصول صححه ابن خزيمة (2031)، وابن حبان (3557)، والحاكم (1/ 433).

(2)

. ساقط من الأصل.

(3)

. كذا في الأصل و «المجتبى» من «الإدناء» بهمزة التعدية، أي قرِّبا أنفسكما. وفي «الكبرى» وبقية المصادر:«ادْنُوَا» ، وهو واضح.

(4)

. في الأصل هنا والموضع الآتي: «لصاحبكم» ، والتصحيح من مصادر التخريج.

(5)

. في الطبعتين: «مكة وعسفان» ، وهكذا كتبه ناسخ الأصل أولًا، ثم وضع عليهما علامة التقديم والتأخير، فلم ينتبه لها محققو الطبعتين.

ص: 101

غير [ق 129] ما ذكرتم.

فإما أن يكون المعنى: فأفطَرَ فعدة من أيام أخر، كما قال الأكثرون؛ أو يكون المعنى: فعدة من أيام أخر تجزئ عنه وتُقبَل منه، ونحو ذلك. فما الذي أوجب تعيين التقدير بأنَّ عليه عدة من أيام أخر، أو ففَرْضُه، ونحو ذلك؟

وبالجملة فَفِعْل من أنزلت عليه يفسِّرها ويبيّن

(1)

المراد منها، وبالله التوفيق.

وهذا موضع يَغْلَط فيه كثير من قاصري العلم، يحتجّون بعموم نص على حكم، ويغفُلون عن عمل صاحب الشريعة وعمل أصحابه الذي يبين مراده، ومن تدبر هذا علم به مراد النصوص وفهم معانيها.

وكان يدور بيني وبين المكيين كلام في الاعتمار من مكة في رمضان وغيره، فأقول لهم: كثرة الطواف أفضل منها، فيذكرون قوله صلى الله عليه وسلم:«عمرة في رمضان تعدل حجة»

(2)

،

فقلت لهم في أثناء ذلك: محال أن يكون مراد صاحب الشرع العمرة التي يُخرَج لها

(3)

من مكة إلى أدنى الحل، وأنها تعدل حجة، ثم لا يفعلها هو مدة مقامه بمكة أصلًا، لا قبل الفتح ولا بعده، ولا أحد من أصحابه، مع أنهم أحرص الأمة على الخير، وأعلمهم بمراد

(1)

. ط. الفقي: «تفسيرها وتبيين» ، تصحيف.

(2)

. رواه البخاري (1782) ومسلم (1256) من حديث ابن عباس رضي الله عنهما.

ورواه أحمد (17839)، وأبو داود (1988، 1989)، والترمذي (939) من حديث أم معقل رضي الله عنها، وهي صاحبة القصة التي قال لها النبي صلى الله عليه وسلم ذلك.

(3)

. في الأصل والطبعتين: «إليها» ، ولعل الصواب ما أثبت.

ص: 102