الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
من غير العنب في اسم الخمر في اللغة التي نزل بها القرآن وخوطب بها الصحابة= مُغْنيةٌ عن التكلُّف في إثبات تسميتها خمرًا بالقياس مع كثرة النزاع فيه.
فإذ قد ثبت تسميتها خمرًا نصًّا، فتناوُلُ لفظ النصوص لها كتناوله لشراب العنب سواء تناولًا واحدًا. فهذه طريقة قريبة منصوصة سهلة، تُريح من كلفة القياس في الاسم، والقياسِ في الحكم.
ثم إن محض القياس الجلي يقتضي التسوية بينهما، لأن تحريم قليل شراب العنب مجمَع عليه وإن لم يسكر، وهذا لأن النفوس لا تقتصر على الحد الذي لا يسكر منه، وقليله يدعو إلى كثيره، وهذا المعنى بعينه في سائر الأشربة المسكرة، فالتفريق بينها في ذلك تفريق بين المتماثلات، وهو باطل.
فلو لم يكن في المسألة إلا القياس لكان كافيًا في التحريم، فكيف وفيها ما ذكرناه من النصوص التي لا مطعن في سندها ولا اشتباه في معناها، بل هي صحيحة صريحة، وبالله التوفيق.
2 -
باب النهي عن المسكر
450/ 3532 - عن ابن عمر، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «كلُّ مُسْكِرٍ خمر، وكل مسكر حرام، ومن مات وهو يشرب الخمر يُدمِنُها لم يشربها في الآخرة» .
وأخرجه مسلم
(1)
.
451/ 3533 - وعن ابن عباس، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «كل مُخَمَّرٍ خمرٌ، وكل مسكر حرام، ومن شرب مُسكرًا بُخِسَت صلاتُه أربعين صباحًا، فإن تاب
(1)
أبو داود (3679)، ومسلم (2003).
تاب الله عليه، فإن عاد الرابعة كان حقًّا على الله أن يَسْقَيه من طِينة الخَبال». قيل: وما طينة الخبال يا رسول الله؟ قال: «صديدُ أهل النار، ومَنْ سقاه صغيرًا لا يَعرِف حلالَه من حرامِه كان حقًّا على الله أن يَسقيه من طينة الخبال»
(1)
.
452/ 3534 - وعن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما أسكر كثيرُه فقليله حرام» .
وأخرجه ابن ماجه والترمذي
(2)
، وقال: حسن غريب من حديث جابر. هذا آخر كلامه.
وفي إسناده: داود بن بكر بن أبي الفُرات الأشجعي مولاهم المدني، سُئل عنه يحيى بن معين؟ فقال: ثقة، وقال أبو حاتم الرازي: لا بأس به ليس بالمتين
(3)
. آخر كلامه.
وقد روي هذا الحديث من رواية علي بن أبي طالب، وسعد بن أبي وقاص، وعبد الله بن عمر، وابن عمرو، وعائشة، وخوّات بن جبير.
وحديث سعد بن أبي وقاص أجودها إسنادًا، فإن النسائي رواه في «سننه»
(4)
عن محمد بن عبد الله بن عمّار الموصلي (وهو أحد الثقات)، عن الوليد بن كثير
(1)
«سنن أبي داود» (3680)، وفي إسناده راوٍ مجهول، وقال أبو أزرعة: هذا حديث منكر. انظر: «العلل» (1587).
(2)
أبو داود (3681)، وابن ماجه (3393)، والترمذي (1865)، كلهم من طريق داود بن بكر بن أبي الفرات، عن ابن المنكدر، عن جابر.
(3)
انظر القولين في «الجرح والتعديل» لابن أبي حاتم (3/ 408).
(4)
«الكبرى» (5099) و «المجتبى» (5609)، ولفظه: أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن قليلِ ما أسكر كثيرُه.
(وهو قد احتج به الشيخان)، عن الضحاك بن عثمان (احتج به مسلم)، عن بكير بن عبد الله بن الأشجّ، عن عامر بن سعد بن أبي وقاص (وقد احتج بهما الشيخان).
وقال البزّار
(1)
: وهذا الحديث لا نعلمه يُروى عن سعد إلا مِن هذا الوجه. ورواه عن الضحّاك وأسنده جماعة، منهم الدراوردي والوليد بن كثير، ومحمد بن جعفر بن أبي كثير المدني. آخر كلامه.
وتابع محمدَ بن عبد الله بن عمّار عليه أبو سعيد الأشجّ، متفق على الاحتجاج به
(2)
.
قال ابن القيم رحمه الله: وحديث ابن عمر رواه أحمد في «مسنده» ، وابن ماجه، وصححه الدارقطني
(3)
.
وحديث عبد الله بن عمرو رواه أحمد والنسائي
(4)
من حديث
(1)
عقب إخراجه الحديث في «مسنده» (1099) عن عبد الله بن سعيد الأشج، عن الوليد بن كثير به.
(2)
كلام المنذري على أحاديث الباب مثبت من (هـ)، وفيه تصرّف واختصار من المؤلف عمّا في «المختصر» (5/ 265 - 267).
(3)
أحمد (5648)، وابن ماجه (3392)، وكذلك أخرجه البزار (6068 - 6070)، والبيهقي (8/ 296)، من طرق يشد بعضها بعضًا.
وقد روي موقوفًا على ابن عمر بإسناد صحيح عند النسائي في «الكبرى» (5188).
وقد صحح الدارقطني المرفوع في «السنن» عقب الحديث (4694)، ولكنه أعله في «العلل» (2972، 3010)، وقال: إن المحفوظ عن ابن عمر مرفوعًا: «كل مسكر خمر، وكل مسكر حرام» ، وهو لفظ مسلم وغيره، وقد سبق في أول الباب.
(4)
أحمد (6558، 6674)، والنسائي (5607)، وأخرجه أيضًا ابن ماجه (3394)، والدارقطني (4655)، من طرق عن عمرو بن شعيب به.
عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده.
ولا يصح حمل هذه الأحاديث على القليل من القدر المسكر، لأن صريح الحديث يرده لقوله في حديث عائشة:«ما أسكر الفَرَق منه فمِلء الكف منه حرام»
(1)
، فهذا صريح في أن الشراب إذا كان إنما يُسكَر منه بالفرق، فملء الكف منه حرام مع أنه لا يحصل به سُكر، وهذا مراد الأحاديث؛ فإن الإسكار إنما يحصل بالمجموع من الشراب الذي يقع به السُّكر، ومن ظن أنه إنما يقع بالشَّرْبة الأخيرة فقد غلط، فإن الشربة الأخيرة إنما أثرت في السكر بانضمامها إلى ما قبلها، ولو انفردت لم تؤثر، فهي كاللقمة الأخيرة في الشِّبَع، والمصَّة الأخيرة في الرِّيّ، وغير ذلك من المسبَّبات التي تحصل عند كمال سببها بالتدريج شيئًا فشيئًا.
فإذا كان السكر يحصل بقدر معلوم من الشراب كان أقلُّ ما يقع عليه الاسم منه حرامًا، لأنه قليل من الكثير المسكر، مع القطع بأنه لا يسكر وحده، وهذا في غاية الوضوح.
453/ 3535 - وعن عائشة رضي الله عنها قالت: سُئل رسولُ الله صلى الله عليه وسلم عن البِتْع؟ فقال: «كلُّ شرابٍ أسكرَ حرامٌ» .
وأخرجه البخاري ومسلم والترمذي والنسائي وابن ماجه
(2)
.
454/ 3536 - وفي رواية: والبِتْع: نبيذ العسل، كان أهل اليمن يشربونه.
(1)
سيأتي في أحاديث الباب، فانظر تخريجه هناك.
(2)
أبو داود (3682)، والبخاري (5585، 5586)، ومسلم (2001)، والترمذي (1863)، والنسائي (5592 - 5594)، وابن ماجه (3386).
455/ 3537 - وعن دَيْلَم الحِمْيَري، قال: سألت رسولَ الله صلى الله عليه وسلم فقلت: يا رسولَ الله، إنَّا بأرضٍ باردةٍ، نُعالِج فيها عملًا شديدًا، وإنا نتَّخِذ شرابًا من هذا القمح نتقوَّى به على أعمالنا، وعلى برد بلادنا. قال:«هل يُسْكِر؟» قلت: نعم، قال:«فاجتنبوه» ، قال: قلت: فإن الناس غيرُ تاركيه، قال:«فإن لم يتركوه فقاتِلوهم»
(1)
.
456/ 3538 - وعن عاصم بن كُلَيب، عن أبي بردة، عن أبي موسى ــ وهو الأشعري ــ قال: سألت النبي صلى الله عليه وسلم عن شراب من العسل، فقال:«ذاك البِتْعُ» . قلت: وينتبذون من الشعير والذُّرة؟ فقال: «ذاك المِزْرُ» . ثم قال: «أخبر قومَك أنَّ كلَّ مسكرٍ حرام»
(2)
.
وقد أخرجه البخاري ومسلم
(3)
بنحوه من حديث سعيد بن أبي بردة عن أبيه.
457/ 3539 - وعن الوليد بن عَبَدة، عن عبد الله بن عمر
(4)
: أن نبيَّ الله صلى الله عليه وسلم نهى عن الخمر والمَيسِر، والكُوبة، والغُبَيراء، وقال:«كلُّ مسكر حرام»
(5)
.
الوليد بن عبدة: بالعين المهملة المفتوحة، وبعدها باء بواحدة مفتوحة أيضًا.
(1)
«سنن أبي داود» (3683)، وأخرجه أحمد (18034)، والبيهقي (8/ 292)، من طرق عن يزيد بن أبي حبيب، عن مرثد اليَزَني، عن ديلم.
(2)
«سنن أبي داود» (3684).
(3)
البخاري (4343، 4344، 6124)، ومسلم (1733).
(4)
كذا في «المختصر» ، وفي «السنن» برواية اللؤلؤي، والصواب:«عبد الله بن عمرو» ، كما سيأتي.
(5)
«سنن أبي داود» (3685).
قال أبو حاتم
(1)
: هو مجهول. وقال ابن يونس في «تاريخ المصريين» : وليد بن عبدة مولى عمرو بن العاص، روى عنه يزيد بن أبي حبيب، والحديث معلول، ويقال: عمرو بن الوليد بن عبدة. وذكر له هذا الحديث، وذكر أن وفاته سنة مائة.
وهكذا وقع في رواية الهاشمي
(2)
: «عبد الله بن عمر» ، والذي وقع في رواية ابن العبد عن أبي داود:«عبد الله بن عمرو» ، وهو الصواب
(3)
.
458/ 3540 - وعن شَهْر بن حَوشَب، عن أم سلمة رضي الله عنها قالت: نهى رسولُ الله صلى الله عليه وسلم عن كلِّ مُسكر ومُفَتِّرٍ
(4)
.
459/ 3541 - وعن عائشة رضي الله عنها قالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «كل مسكر حرام، وما أسكر منه الفَرَقُ فَمِلءُ الكَفِّ منه حرام» .
وأخرجه الترمذي
(5)
وحسّنه. ورواته كلهم محتج بهم في «الصحيحين» ، سوى أبي عثمان عمرو ــ ويقال: عمر ــ بن سالم الأنصاري المدني، مشهور ولي القضاء بمَرْوٍ، ورأى ابن عمر وابن عباس، وسمع من القاسم بن محمد، وعنه روى هذا الحديث، روى عنه
(1)
«الجرح والتعديل» (9/ 11).
(2)
للسنن عن أبي علي اللؤلؤي عن أبي داود. وهو القاضي القاسم بن جعفر بن عبد الواحد الهاشمي العبّاسي (ت 414)، روى «السنن» عن أبي علي اللؤلؤي، وعنه رواه الخطيب البغدادي. انظر:«تاريخ بغداد» (14/ 462). ونسخة المنذري للسنن هي من طريق الخطيب عنه.
(3)
انظر: «تحفة الأشراف» (6/ 386 - 387).
(4)
«سنن أبي داود» (3686).
(5)
أبو داود (3687)، والترمذي (1866)، من طريق أبي عثمان الأنصاري، عن القاسم بن محمد، عن عائشة.
غير واحد. قال المنذري: ولم أر لأحدٍ فيه كلامًا
(1)
.
قال ابن القيم رحمه الله: وفي «صحيح مسلم»
(2)
عن جابر أن رجلًا قدم من جَيْشان ــ وجَيْشان من اليمن ــ فسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن شراب يشربونه بأرضهم من الذُّرَة يقال له المِزْر، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:«أَوَ مسكر هو؟» ، قال: نعم، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:«كل مسكر حرام، إن على الله عهدًا لمن يشرب المسكرَ أن يَسقيه مِن طِينة الخَبال» . قالوا: يا رسول الله، وما طينة الخبال؟ قال:«عَرَق أهل النار» أو «عُصارة أهل النار» .
(3)
عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «كل مسكر حرام» . ورواه النسائي والترمذي وابن ماجه
(4)
، وقال الترمذي: صحيح.
وفي «سنن ابن ماجه»
(5)
عن ابن مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «كل
(1)
الكلام على الحديث مثبت من (هـ)، وفيه تصرّف يسير من المؤلف عمّا في «المختصر» (5/ 269 - 270). وإنما صرّح المؤلف بذكر المنذري في آخر جملة منه لئلا ينسب استقراءه إلى نفسه.
(2)
برقم (2002).
(3)
برقم (9539).
(4)
النسائي (5588)، والترمذي معلقًا عقب الحديث (1864)، وابن ماجه (3401)، وأخرجه أيضًا ابن حبان في «صحيحه» (5408).
(5)
برقم (3388) عن يونس بن عبد الأعلى المصري، عن عبد الله بن وهب المصري، عن ابن جريج، عن أيوب بن هانئ، عن مسروق، عن ابن مسعود.
إسناده حسن، وقد أخرجه ابن حبان (5409)، والحاكم (1/ 375)، من طريقين آخرين عن ابن وهب به.